التكامل العقلي في عصر الظهور
السيد فاضل الجابري
جاء عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال: ( اذا قام القائم عليه السلام وضع يده على رؤوس العباد)
ومن المعلوم ان اليد في العربية تأتي بمعنى النعمة (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ) فهل تكون الايدي هنا بمعنى النعم الكثيرة التي انعم الله تبارك وتعالى بها عليه,فيكون المقصود من اليد هنا, سواء فسرنا ان اليد هي يد لله عز وجل او يد الإمام صلى الله عليه وآله وسلم ليس الا النعم، وما يترتب من ذلك اكمال عقول البشر وجمعها واكمال احلامهم وهي نعم الهية، فعندما يجتمع عقل الإنسان ويكتمل حلمه فقد نال من الله تبارك وتعالى النعمة الكبيرة, لما يشكله العقل من دور كبير في تكامل الانسان وتمييز الخير من الشر والحق من الباطل، وبذلك يخرج الانسان عن دائرة الجهل ويتحول الى المعرفة والعلم (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) والحكمة هي الادراك المعرفي للواقع بما يحمل من معطيات فكرية وعملية, سواء كان هذا الادراك متعلقا بالعقل النظري الذي يدرك به الانسان ما ينبغي ان يعلمه ،او كان متعلقا بالعقل العملي الذي يدرك به ما ينبغي ان يعمله، وهو تسيير حياة الانسان وتسييس حياته، وهذا يتناسب مع رواية أخرى للإمام الباقر عليه السلام يقول فيها: (وتؤتون الحكمة في زمانه).
فالإمام عليه السلام هو الواسطة التكوينية في افاضة النعم الالهية ،لانه واسطة في قوس الصعود ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) و عليه السلام هو العمل الصالح الذي يرفع به اعمال العباد، وكذلك حينما ينزّل الله (عز وجل) بواسطته النعم : بكم انزل الله الغيث، بكم تمطر السماء، بكم ينبت الله الزرع)،فالإمام كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
أما اذا فسرنا اليد بمعنى (القدرة ) . فهذا لا ينسجم مع ذيل العبارة وهو اجتماع العقل واكتمال الحلم.
وفي عبارة (فجمع بها عقولهم)،أي بتلك اليد, ففيها احتمالان، الاول ان يجمع عقولهم المتفرقة على رأي واحد, وهو الايمان ونصرة الحق الذي يأتي به الإمام عليه السلام.
أما الاحتمال الآخر فإنه يعني ان الانسان حينما يجتمع عقله، فسوف ينتج عنه نتائج ايجابية، فعقل الانسان المشتت عقل مشوش،فقراراته غير صائبة بسبب القوى النفسية المؤثرة عليه. وهذا الاحتمال هو الارجح والاوضح . فهناك ارتقاء من نوع رفيع جدا للانسان يستفيد فيه من القوى العقلية التي تكون عنده.
جاء عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال: (لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له اقبل فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو احب الي منك ولا اكملتك الا في من احب اما اني اياك آمر واياك انهى واياك اعاقب واياك اثيب). فالعقل-المجموع غير المشوش يعرف به الانسان قيمة الحياة, ويستطيع ان يدرك الحياة بمعناها الواقعي وهذا هو العقل النظري، بمعنى المعرفة والادراك.
وفي الرواية التي دائما ما تتكرر (يملأ الارض قسطا وعدلا ), فالعدل لا يعني فقط العدالة في القضاء او في التوزيع او في المساواة الاجتماعية بل ربّما يعني ايضا التوازن الفكري, بمعنى أن يكون هناك اعتدال في العقول وفي التفكير الانساني.
فلو نظرنا بصورة عامة إلى مشاكل الانسان نجدها تأتي من ؛ الكفر، الظلم، الطغيان، الفساد، الانحراف، النزاعات، الحروب، وكل هذا من الهوى . فمشكلة الانسان هي مشكلة الجهل والتخلف والانصياع للقوى النفسانية المرتبطة بالهوى وحب الدنيا وحب الشهوات وحب الرئاسة وما شابه ذلك،ولو استطاع الانسان ان يسيطر على قواه النفسية فتصبح هذه القوى خاضعة للعقل، وليس العقل هو الخاضع لها فسوف تحل كل مشاكل الانسان.
ولذلك جاء المقطع الآخر يقول: (وكملت به احلامهم)، فالحلم هو العقل في بعض الروايات او في بعض التفسيرات، أو ما ينتج عن العقل،أي التمهل والتأني والتفكير .
والانسان المفكر يكون امله في خير البشرية والمعرفة والادراك وما شابه ذلك، يقول تعالى: ( أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ )، ويقول عز وجل: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) فالحلم ينسجم مع العقل العملي, والعقل العملي يجعل الانسان يدرك ما ينبغي ان يعمل.
وعلى هذا فهناك عقل نظري وادراك مجرد، وهناك ادراك متعلق بالعمل, وهما جانبا المعرفة عند الانسان، فان الانسان اذا لم يكن يعرف وليس له تصورات صحيحة واستنتاجات صحيحة فكرية فإنه لا يستطيع ان يمارس سلوكا عمليا منسجما مع ذلك الادراك.
فبالعقل النظري وهو ادراك المدركات الصحيحة وتركيب الافكار وتنظيمها والاستنتاج منها، وبالعقل العملي أي ما يتعلق بكيفية العمل وكيفية التصرف في المواقع،سوف نصل الى نتائج جدا مهمة وهي ان البشرية سوف تصل الى مرحلة التكامل لان الانسان يتكامل بالعقلين النظري والعملي معاً.
جاء عن امير المؤمنين أنّه قال عليه السلام (العقل اصل العلم وداعية الفهم). وعنه عليه السلام أيضاً: (بالعقول تنال ذروة العلوم). وعنه عليه السلامأيضاً:(العقل مركب العلم والعلم مركب الحلم). كما في الرواية (ذاك عقل وهذا حلم)، وفي رواية اخرى تقول : (بالعقل استخرج غور الحكمة وبالحكمة استخرج غور العقل).
وهذا يعود بنا الى قضية التقدم العلمي في عصر الظهور, وان ذلك لن يكون الا بالعقل وبالوسائل الطبيعية،فنحن الآن نجد ان البشرية قطعت شوطا كبيرا في التقدم العلمي والمعرفي والتكنولوجي . وهي في كل يوم تتطور في هذا المجال الى درجة تبهر العقول،والى حين ظهور الإمام عليه السلام فكيف يكون فيه التقدم العلمي والتكنولوجي والمعرفي, وما هو الفرق بين ما قبل الظهور وما بعده,ولا شك ان الإمام عليه السلام سوف يضيف للبشرية شيئا كبيراً من العلم والتقدم .
ان في قبالة هذا التقدم العلمي الذي بين ايدينا نجد انهياراً في شخصية الانسان،في الجوانب الاجتماعية، والاخلاقية، وتفشي الظلم والفساد والطغيان والاستبداد وتحويل الانسان من كائن له روح وله جسد وله نفس وله عقل وله مشاعر وعواطف الى آلة مادياً، فليس المقصود بالعقل العلم وانما العلم بمركب العقل كما ذكرت الرواية، وهو الذي يجعل الانسان يعمل اعمالا ويدرك مدركات يرتقي بها من حالته الحيوانية والمادية, ومن الخلود الى الارض الى حالة التكامل الوجودي والحركة نحو كماله، وهي الغاية التي خلق لأجلها،و هي وصوله الى السعادة الوجودية المطلقة، ولولا هذه الإضافة لا نجد تكاملاً.
وقد دلت الروايات على أن العقل الإنساني لا يتكامل ولا يصل إلى هذه الغاية إلا عند الظهور المقدس؟