التحول الطوعي العقائدي للشعوب الغربية
د. علي الوردي/ باحث اسلامي
وفيه تتحول معظم الشعوب الغربية الى عقيدة الوحدانية الخالصة والتي لا يمكن بلوغها الا بالرجوع الى الإسلام المحمدي الأصيل والتمسك بولاية ولي الله الأعظم الإمام الحجة عليه السلام.
ان القيم الحضارية التي تجسدها حركة الإمام عليه السلام على ارض الواقع من حيث الشكل والمضمون على رقعة جغرافية تمتد على كل الوطن الإسلامي والذي قد يصبح وقتها قوة عظمى- مضافا اليه التحاق عيسى عليه السلام بحركة الإمام عليه السلام التي تجعل الكثير من هذه الشعوب تقبل دعوة الإمام عليه السلام طواعية، ولكن بعد ارتفاع المانع المتمثل بانهيار النظم الاستكبارية الغربية التي تواجه اخطارا حقيقية محدقة، وبعد زوال الكيان الصهيوني المحتل الذي تكون له ادوار خبيثة في هذا المجال.
ان ما نتوقعه على ضوء المنهج الطوعي وما لدينا من روايات صادرة عن المعصومين عليهم السلام في هذه المرحلة هو ما يلي:
آ- كشف الإمام عليه السلام عن المضامين الحقيقية للقيم الإنسانية:
ان الإمام عليه السلام حين يسعى لتوحيد الشعوب في العالم ببنائه للأمة الموحدة انما يأتي بعد تثبيته لمبدأ المساواة بين البشر، لأن محور حركة هذه الأمة هو اقرارها بالعبودية لله الواحد الأحد، والكفيل بصهر كل الفوارق بين البشر مثل اللون او الجنس او القومية. كما ان العبودية الحقيقية لله هي وحدها التي تعطي للإنسانية معناً حقيقياً للحرية، اذ تستطيع تحرير الإنسان من كل عبودية سواء كانت نتيجة للاستكبار او حب الدنيا او عبادة الهوى (يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).
ب- الكشف عن المنهج التوحيدي الذي تتطابق فيه السنن التكوينية والتشريعية:
ان الانجازات العلمية التي أحرزها الانسان المعاصر في مجالات العلوم التجريبية كالطب والفلك والكيمياء وغيرها قد ساعدت كثيرا في الكشف عن دقة النظم المودعة في الأنسان والحيوان والنبات والكواكب وبقية الموجودات، كما لاحظ الباحثون ايضا ان هذه النظم منسجمة فيما بينها باختلاف عوالم الموجودات وهو ما يصطلح عليه بدليل الانسجام بين النظم ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ).
ان الكثير من الفتوحات العلمية التي تم انجازها في عصرنا الحاضر يمكن ان تمهد الطريق لحركة الإمام عليه السلام لو اراد الكشف عن السنن التكوينية التي تحكم خلق الموجودات والتي تتجسد في منهج توحيدي، الغاية والمنتهى فيه هو مسبب الأسباب وعلة العلل بارئ الخلائق اجمعين وهو الله سبحانه وتعالى، ومن هنا جاء قول الإمام السجاد عليه السلام: (رأس الحكمة مخافة الله).
أغلب الظن ان الإمام عليه السلام سينطلق في دعوته لبيان العقيدة التوحيدية للشعوب الغربية من آخر ما توصل اليه الباحثون في العلوم التجريبية ويوصلها بالسنن التكوينية او السنن الألهية التي تحكم الكون كاشفا عن حقيقة العلوم التي تتعلق ببواطن الموجودات، عندها يدرك الباحثون ضخامة الفجوة بين ما توصلوا اليه وبين العلوم التي يبثها الإمام عليه السلام
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : (العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فاذا قام قائمنا أخرج الخمسة وعشرين حرفا فبثها في الناس وضمّ اليها الحرفين حتّى يبثها سبعة وعشرين حرفا).
وسيدرك الباحثون ايضا ان ما جاء به الإمام عليه السلام معجز بكل المقاييس لأنه كاشف عن بواطن العلوم بينما هم (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنياْ وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ). الأمر الذي يجعل الشعوب خصوصا المتطورة منها يقبلون عليه عليه السلام طواعية ويدخلون في دين الله افواجا.
ان كشف الإمام عليه السلام عن باطن القرآن من جهة، وباطن النعم التي ستحيل الأرض الى جنة تنعم بها البشرية المعذبة من جهة اخرى انما يأتي نتيجة لوجود التلازم الخفي بين السنن التشريعية والسنن التكوينية، اذ انهما في نهاية المطاف سنن ربانية مصدرها هو الله الواحد الأحد. ان الكشف عما يسمى المنهج التوحيدي الذي يبين وحدة المصدر في السنن والذي يبين ان اصل المعرفة او اصل العلوم هو توحيد الله الواحد الأحد.
عندها يدرك الناس ان لاتعارض بين الدين وبين بقية العلوم الأخرى بل ان هناك تلازم بين الاثنين وغيابه عن الناس لا يعني عدم وجوده, فعدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
ج- تقديمه عليه السلام للحلول الناجعة للأخطار المحدقة بالعالم:
ومما يزيد من اهتمام الشعوب الغربية بحركة الإمام عليه السلام هو الحلول الناجعة والجديدة التي يقدمها الإمام عليه السلام للعالم ليس من اجل تطوره فحسب بل من اجل انقاذه من المخاطر الوشيكة والمحدقة به والتي يمكن ان تودي به الى الهلاك والزوال.
ان كل الدراسات والأبحاث المستقبلية تشير ان البشرية تسير بخطى متسارعة نحو الهاوية بسبب حجم التحديات الخطيرةالتي تواجهها اليوم الأزمات السياسية والصراعات الدولية المستمرة والتي تنذر بحرب عالمية مدمرة والتضخم العالمي الذي اصبح حقيقة ماثلة، قد يؤدي في اي وقت الى ركود ينهارعنده النظام الاقتصادي العالمي ثم ظاهرة الأحتباس الحراري الناتجة عن المعدلات العالية للغازات الصناعية والتي أدت الى ذوبان الجليد في المناطق المنجمدة مما يهدد بغرق الأرض.
ان هذه التحديات المرعبة هي نتاج طبيعي للنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية المطبقة اليوم في الغرب والفارغة من اي مضمون، فضلا عن ان صانعي القرار في هذه النظم قد تطورت قدراتهم للظلم وخبراتهم على الأجرام لتسخير الموارد المتاحة على الأرض لصالحهم وعلى حساب كل المستضعفين في العالم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ).
ان تداعيات هذه التحديات وما يماثلها قد يجعل المسيرة البشرية تواجه طريقا مسدودا تشبه النقطة التي وصلت لها حين بعث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
مما يجعلها تتطلع بشوق الى من يستطيع انقاذها من المحنة، عندها يصبح الظهور حاجة ملحة للبشرية وليس خيارا ترغب في قبوله او رفضه.