الشيخ النعماني وكتابه (الغيبة)
الشيخ عامر الجابري
المقدّمة:
يُعَدُّ الشيخ أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني المعروف بـ (ابن أبي زينب) من كبار علماء الإماميَّة في القرن الرابع الهجري، وهو ممَّن أفنى عمره في خدمة حديث أهل البيت (عليهم السلام)، وممَّن طاف البلدان وتنقَّل بين المدن الكبرى في سبيل إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) ونشـر العقيدة الإماميَّة الاثني عشرية.
وقد عاصر النعماني نهايات الغيبة الصغرى وبدايات الغيبة الكبرى، وأدرك عصـر الحيرة التي وقع فيها العديد من الشيعة ممَّن لم يألفوا قضيَّة الغيبة ولم يتقبَّلوها نتيجة ابتعادهم عن حديث أهل البيت (عليهم السلام) ومنابعه الصافية ومصادره النقيَّة.
وقد كان للنعماني - بما كان يتَّصف به من مكانة علمية واجتماعية وبما يملك من جواهر حديث أهل البيت (عليهم السلام) - دور أساسي ومؤثِّر في إخراج الكثيرين من تلك الحيرة وإرجاعهم إلى الخطِّ الإمامي الاثني عشري، وذلك من خلال ما قدَّمه من الاحتجاجات التي تضمَّنها كتابه في الغيبة.
ولم يقتصر دور الكتاب على ذلك المقطع الزمني فحسب، بل أصبح فيما بعد من المنابع الرئيسية والمصادر الأساسية في موضوعه بحيث لا يستغني عنه أيُّ باحث أو دارس لقضيَّة الغيبة.
وقد حاولنا في هذه العجالة أن نُسلِّط الضوء على شخصية النعماني وسيرته الذاتية والعلمية، ثمّ انطلقنا نحو تكوين نظرة عامَّة حول كتابه في الغيبة، فبحثنا عن: اسمه، وسبب تأليفه، ومنهجه وطريقة تبويبه، وأهمّ مصادره، وناقل الكتاب وصحَّة نسبته إلى المؤلِّف، وما اشتمل عليه من فوائد عرضية وهامشية.
وقد حاولنا أن نُنظِّم جميع ذلك ضمن المبحثين التاليين:
المبحث الأوَّل: سطور من حياة النعماني.
المبحث الثاني: نظرة حول كتاب الغيبة.
هذا وقد ختمنا البحث بخلاصة تتضمَّن أبرز النتائج والثمار التي جنيناها في هذه الجولة.
المبحث الأوّل:
سطور من حياة النعماني:
١ - اسمه ونسبه وأُسرته:
هو محمّد بن إبراهيم بن جعفر أبو عبد الله الكاتب، النعماني، المعروف بـ (ابن زينب) كما في رجال النجاشي(١)، ورجال ابن داود(٢)، والخلاصة والإيضاح للعلَّامة الحلّي(٣).
وقد اشتهر في العصور المتأخِّرة بـ (ابن أبي زينب) بدلاً من (ابن زينب)، وكأنَّ كلمة (أبي) قد سقطت من رجال النجاشي فقام بعض المتأخّرين بتصحيحها، و بحسب ما توفَّر لدينا من مصادر يمكن القول: إنَّ أوَّل من قام بهذا التصحيح هو العلَّامة المجلسـي (ت ١١١١هـ) في البحار، فقد قال - عند تعريفه بمدينة النعمانية -: (والظاهر أنَّ منه الشيخ أبا عبد الله محمّد بن محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب الشهير بالنعماني المعروف بابن أبي زينب تلميذ الكليني، وهو صاحب الغيبة والتفسير)(٤).
(الكاتب): عُرِفَ المترجَم له بـ (الكاتب)، لأنَّه كان يكتب للشيخ الكليني، وهو أحد رواة الكافي الأساسيين، وتُعرَف روايته براوية النعماني(٥).
و(النُّعماني) - بضمِّ النون -: نسبة إلى النعمانية، وهي - كما في آثار البلاد -: (بليدة بين بغداد وواسط، كثيرة الخيرات وافرة الغلّات، ولها قرى ورساتيق. بناها النعمان بن المنذر بن قيس بن ماء السماء...)(٦)، وفي معجم البلدان: (النُّعمانية - بالضمِّ - كأنَّها منسوبة إلى رجل اسمه النعمان، بليدة بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة معدودة من أعمال الزاب الأعلى، وهي قصبته وأهلها شيعة غالية كلّهم...، وقد نُسِبَ إليها قوم من أهل الأدب في كتاب ابن طاهر...)(٧).
ولم نقع على نصٍّ يتحدَّث عن نسب النعماني بأكثر ممَّا تقدَّم، كما أنَّنا لم نظفر بشـيء ممَّا يرتبط بأُسرته وأولاده سوى ما ذكره النجاشي في ترجمة (الوزير أبي القاسم المغربي) من أنَّ أُمَّه كانت (فاطمة بنت أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني شيخنا صاحب كتاب الغيبة)(٨)، وهو ما أكَّد عليه ثانيةً عند ترجمته للنعماني بقوله: (وكان الوزير أبو القاسم الحسين بن عليِّ بن الحسين بن عليِّ بن بن يوسف المغربي ابن بنته فاطمة بنت أبي عبد الله محمّد إبراهيم النعماني رحمهم الله)(٩).
وأودُّ أن أُعلِّق على هذا النصّ بعدَّة تعليقات:
١ - أنَّ الوزير المغربي سبط النعماني هو العالم الفاضل أبو القاسم الحسين بن عليِّ بن الحسين المنتهي نسبة إلى بهرام جور، كان فاضلاً أديباً عاقلاً شجاعاً، له مصنَّفات كثيرة منها: خصائص علم القرآن، ومختصر إصلاح المنطق، ورسالة اختيار شعر أبي تمام، وكتاب أدب الخواصّ، وكتاب المأثور في ملح الخدور، وكتاب الإيناس(١٠).
وقد تقلَّد الوزارة مرَّتين: الأُولى في إمارة آل المسيّب في الموصل لقرواش بن المقلّد، والثانية في إمارة بني بويه في بغداد لشرف الدولة أبي عليّ بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة(١١).
٢ - وكان والده عليُّ بن الحسين وزيراً أيضاً في دولة بني حمدان - في حلب - حيث استوزره (سعد الدولة بن سيف الدولة بن حمدان ثمّ هرب خوفاً منه إلى مصـر ووزر للحاكم فقتله، وكان شاعراً روى عنه الحافظ عبد الغنيِّ، وكانت قتلته سنة أربعمائة)(١٢).
٣ - يمكننا أن نُقدِّر أنَّ هذه المصاهرة بين عليِّ بن الحسين والد الوزير المغربي والشيخ النعماني قد وقعت في أواخر حياة الشيخ النعماني، حيث أشار النجاشي إلى أنَّ آخر رحلة من رحلات الشيخ النعماني هي رحلته إلى الشام، وأنَّه قد توفّي هناك. ونحن وإن كنّا نفتقر إلى ما يُحدِّد لنا التاريخ الدقيق لهذه الرحلة، ولكنَّنا نعلم أنَّه قد شرع في إملاء كتابه الغيبة على تلميذه الشجاعي في حلب سنة (٣٤٢هـ) كما يُستفاد من مقدّمة كتاب الغيبة(١٣).
٤ - تكشف هذه المصاهرة عن المكانة العلمية والاجتماعية المرموقة التي كان يتمتَّع بها الشيخ النعماني، وأنَّه كان معروفاً لدى الملوك والأُمراء والوزراء.
٢ - ولادته ونشأته الأولى:
لم تُحدِّد لنا المصادر - بشكل صريح - مكان ولادة النعماني ونشأته الأُولى، ولكن من خلال نسبته إلى النعمانية نستطيع أن نقول: إنَّه وُلِدَ ونشأ نشأته الأُولى في هذه المدينة؛ لأنَّ الإنسان إنَّما يُنسَب إلى مدينة ما لأحد سببين:
السبب الأوَّل: أن تكون مسقط رأسه ومحلّ ولادته.
السبب الثاني: أن يسافر إليها ويتَّخذها وطناً.
وحيث إنَّ المصادر قد نسبت (صاحب الترجمة) إلى هذه المدينة ولم تنصّ على سفره إليها - مع أنَّها قد أشارت إلى سفره إلى مناطق أُخرى كشيراز وبغداد والشام -، فهذا يدلُّ على أنَّه من مواليد هذه المدينة.
هذا من ناحية محلّ ولادته، أمَّا من ناحية تاريخها فإنَّ المصادر لم تُحدِّده أيضاً، ولكنَّنا نعلم أنَّه قد سمع من الشيخ موسى بن محمّد الأشعري القمّي بشيراز سنة (٣١٣هـ)(١٤)، وحيث إنَّ سفرته إلى شيراز كانت في بدايات حياته كما يُفهَم من كلام النجاشي(١٥) فيمكن لنا أن نفترض: أنَّ ولادته كانت في نهايات القرن الثالث الهجري.
٣ - عصره:
يُعتَبر عصـر النعماني - من الناحية السياسية - من أفضل العصور التي مرَّت على الشيعة، فقد انطلق البويهيون - وهم شيعة اثنا عشـرية - من شيراز سنة (٣٢٢هـ) ليُؤسِّسوا دولتهم التي توسَّعت تدريجياً لتشمل أراضي واسعة من إيران والعراق، وأصبحوا هم الحكّام الحقيقيين في هذين البلدين، وجرَّدوا الخليفة العبّاسي المستكفي بالله من أغلب سلطاته الدينية والدنيوية(١٦).
كما استطاع الفاطميون - وهم شيعة إماميَّة إسماعيلية - أن يبسطوا نفوذهم على رقعة واسعة من العالم الإسلامي، وأن يُؤسِّسوا دولة عظيمة انطلقت من المغرب سنة (٢٩٧هـ)، ثمّ توسَّعت لتصل إلى مصر سنة (٣٥٨هـ)، ثمّ أخذت بالتوسّع شيئاً فشيئاً باتِّجاه الشام والحجاز(١٧).
هذا وقد استطاع الحمدانيون - وهم من الأُسر الشيعية - أن يستقلّوا بحكم الموصل سنة (٣١٧هـ) ثمّ توسَّع نفوذهم بعد مدَّة قليلة فتمكَّنوا من السيطرة على حلب وضمّها إلى دولتهم(١٨).
وقد ساعد قيام هذه الدول في القرن الرابع الهجري على انتشار وازدهار الفكر الشيعي بصورة عامَّة والفكر الإمامي بصورة خاصَّة.
يقول المقريزي - واصفاً انتشار التشيّع ورواجه في هذا القرن -: (فانتشـرت مذاهب الرافضة في عامَّة بلاد المغرب ومصـر والشام وديار بكر والكوفة والبصـرة وبغداد، وجميع العراق، وبلاد خراسان، وما وراء النهر مع بلاد الحجاز واليمن والبحرين...)(١٩).
هذه هي الأجواء السياسية التي كانت سائدة في عصـر النعماني، وقد استغلَّ النعماني فرصة الحرّية التي كان يتمتَّع بها الإنسان الشيعي في تلك الفترة، وساهم مع غيره من العلماء في إرساء قواعد المذهب الإمامي الاثني عشـري وترويج مفاهيمه الأساسية، وقد تركَّزت جهوده على موضوع الغيبة؛ باعتباره الموضوع العقائدي والفكري الأخطر في تلك الفترة، ولاسيّما بعد ختم السفارة ووقوع الغيبة الكبرى وإيكال قيادة الجماهير إلى الفقهاء، وقد استثمر النعماني فرصة وجوده في حلب - التي كانت تخضع لحكم الحمدانيين الشيعة - وشرع سنة (٣٤٢هـ) بإملاء كتاب الغيبة على تلامذته في هذه المدينة.
٤ - مشايخه:
يُعتَبر السفر من أجل طلب العلم من الصفات اللازمة لطالب العلم، ولاسيّما في القرون الأربعة الأُولى، فكان الطالب يقصد المدن ويطوف البلدان لغرض الحصول على السند العالي ولقاء كبار حملة الحديث.
ومن هنا نجد أنَّ النعماني قد سافر إلى مدن عديدة وتنقَّل بين إيران والعراق والشام للقاء المشايخ والأخذ عنهم، فكان من مشايخه القمّي والبغدادي والكوفي والطبراني و...، وسنُقدِّم الآن قائمة بأسماء مشايخه بحسب ما يُستفاد من أسانيد كتاب الغيبة، وسنعود ثانيةً في (المبحث الثاني) عند التعرّض لـ (مصادر كتاب الغيبة) للحديث عن بعض هؤلاء المشايخ بشيء من التفصيل:
١ - أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد (ابن عقدة)، (ت ٣٣٣هـ).
٢ - أبو عليّ محمّد بن همّام الإسكافي (ت ٣٣٢هـ) أو (٣٣٦هـ).
٣ - محمّد بن يعقوب الكليني (ت ٣٢٩هـ).
٤ - عليُّ بن أحمد البندنيجي.
٥ - عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي.
٦ - عبد العزيز بن عبد الله بن يونس الموصلي.
٧ - عليُّ بن الحسين.
٨ - أحمد بن هوذة (ت ٣٣٣هـ).
٩ - أحمد بن محمّد بن يعقوب بن عمّار الدهني (ت ٣٤٦هـ).
١٠ - أبو القاسم الحسين بن محمّد الباوري.
١١ - سلامة بن محمّد الأرزني (ت ٣٣٩هـ).
١٢ - عبد الله بن عبد الملك بن سهل الطبراني.
١٣ - محمّد بن الحسن بن محمّد بن جمهور.
١٤ - محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري.
١٥ - محمّد بن عبد الله بن معمّر الطبراني.
١٦ - محمّد بن عثمان بن علّان الدهني.
١٧ - موسى بن محمّد الأشعري القمّي.
١٨ - محمّد بن يحيى، كما في بعض النسخ.
١٩ - عليُّ بن إبراهيم.
٥ - تلامذته:
١ - أبو الحسين محمّد بن عليٍّ الشجاعي، ناقل كتاب الغيبة كما سيأتي الحديث عنه.
٢ - أبو غالب الرازي (ت ٣٨٦هـ)(٢٠).
٣ - عليُّ بن محمّد بن يوسف الحرّاني(٢١).
٤ - محمّد بن عليِّ بن طالب البلدي(٢٢).
٦ - منزلته بين العلماء:
قال عنه النجاشي: (شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث)(٢٣).
ووصفه العلَّامة المجلسي بـ (الشيخ الفاضل الكامل الزكي)(٢٤).
ووصفه المحقِّق النوري بـ (الثقة الجليل)(٢٥)، و(الشيخ الجليل الأقدم)(٢٦)، و(الشيخ الجليل المتبحِّر النقّاد)(٢٧).
وقال الشيخ عبّاس القمّي في توصيفه: (الشيخ الأجلّ محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني من أكابر علماء الإماميَّة، عظيم القدر، شريف المنزلة، كثير الحديث، صاحب كتاب الغيبة المعروف)(٢٨).
٧ - مؤلَّفاته:
١ - كتاب الفرائض، ذكره النجاشي(٢٩)، والمقصود بالفرائض عند القدماء (المواريث)، وهو من الكتب المفقودة.
٢ - تفسير القرآن، قال الحرُّ العاملي في أمل الآمل - عند ترجمته للشيخ النعماني -: (ومن مؤلَّفاته تفسير القرآن، رأيت قطعة منه)(٣٠).
ويقول الشيخ الطهراني معلِّقاً على كلام الحرِّ العاملي: (ولعلَّ مراده من القطعة هي الروايات المبسوطة التي رواها النعماني بإسناده إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، وجعلها مقدّمة تفسيره، وهي التي دُوِّنت مفردةً مع خطبة مختصـرة وتُسمى بـ (المحكم والمتشابه)... وتُنسَب إلى السيِّد المرتضـى...، وقد أوردها بتمامها العلَّامة المجلسي في مجلَّد القرآن من البحار)(٣١).
ورسالة المحكم والمتشابه قد طُبِعَت مؤخَّراً بتحقيق السيِّد عبد الحسين الغريفي البهبهاني، وكُتِبَ عليها: (رسالة المحكم والمتشابه المنسوبة إلى الشـريف المرتضـى علم الهدى المتوفّى سنة (٤٣٦هـ)، وهي قطعة من (تفسير النعماني) للمحدِّث أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني من أعلام القرن الرابع الهجري).
٣ - التسلّي، نقل عنه العلَّامة المجلسـي خبراً واحداً في بحار الأنوار(٣٢)، ويبدو أنَّ روايات الكتاب تدور حول عقاب قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) في الدنيا.
٤ - الدلائل، نقل عنه السيِّد ابن طاووس في كتاب (الأمان من أخطار الأسفار والأزمان)، قال: (وجدته في كتاب (الدلائل للنعماني) بإسناده عن الصادق (عليه السلام) لدفع الأسد إذا عرض للإنسان ...)(٣٣).
ونقل عنه حديثاً آخراً في (فرج المهموم)، قال: (الحديث الثالث عشـر فيما روى من شهادة من قوله حجَّة في العلوم بصحَّة حساب النجوم أرويه بأسانيدي إلى أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعمائي الثقة في كتاب الدلائل في الجزء التاسع فيما فيه من دلائل مولانا أبي الحسن عليِّ بن موسى الرضا (عليه السلام)...)(٣٤).
من خلال النصّين المتقدِّمين نستنتج:
ألف - أنَّ السيِّد ابن طاووس كان يمتلك نسخة من هذا الكتاب، يُفهَم ذلك بوضوح من قوله: (وجدته في كتاب الدلائل للنعماني).
باء - يبدو أنَّ هذا الكتاب كان موزَّعاً إلى أجزاء أو أقسام بعدد المعصومين (عليهم السلام) وبهذه الصورة: دلائل النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلم)، دلائل الإمام عليٍّ (عليه السلام)، دلائل الإمام الحسنعليه السلام، وهكذا...
٥ - الردُّ على الإسماعيلية، نصَّ عليه النجاشي(٣٥)، ولم تكن الإسماعيلية في عصـر النعماني مجرَّد مذهب من المذاهب المخالفة للمذهب الاثني عشـري، بل كانت هي المذهب الرسمي لدولة عظمى امتدَّت من المحيط الأطلسـي غرباً إلى الخليج العربي غرباً وهي الدولة الفاطمية، ومن هنا فقد كانت هذه الطائفة تُشكِّل خطراً حقيقياً على المذهب الاثني عشـري، فانبرى النعماني فيمن انبرى للردِّ على أفكار ومعتقدات هذه الفرقة، فألَّف كتاباً مستقلّاً في الردِّ عليها، كما أنَّه قد خصَّص الباب الرابع والعشـرين من كتب الغيبة لـ (ذكر إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام) والدلالة على أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)).
٦ - الغيبة، وسيأتي الحديث عنه مفصَّلاً في القسم الثاني من البحث.
٨ - وفاته:
وأمَّا وفاته فقد ذكر النجاشي أنَّه (مات بالشام) ولم يُحدِّد تاريخ وفاته، ولكن لو لاحظنا تاريخ إملائه لكتاب الغيبة سنة (٣٤٢هـ) في الشام كما هو مثبت في مقدّمة الكتاب، واعتمدنا على قول العلَّامة الحلّي في تحديد وفاة النجاشي بسنة (٤٥٠هـ)، فنستطيع أن نقول: إنَّ وفاته كانت بين عامي (٣٤٢ - ٤٥٠هـ).
وأمَّا تحديد وفاته بحدود سنة (٤٦٠هـ) كما يُلاحظ في الطبعات المتداولة، فهذا ممَّا لا أصل له، وإنَّما أخذ من أخذه من غير تحقيق ولا تدقيق من صاحب كتاب هدية العارفين، وربَّما يكون صاحب هدية العارفين قد استنتج ذلك من خلال بعض القرائن والشواهد ولكنَّه لم يشر إلى شيء من ذلك(٣٦).
المبحث الثاني:
نظرة حول كتاب الغيبة:
١ - اسم الكتاب:
قال الشيخ آقا بزرك الطهراني: (كتاب الغيبة للحجَّة الشيخ أبي عبد الله الكاتب النعماني المعروف بابن زينب، محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني الكاتب، تلميذ ثقة الإسلام الكليني. خرج إلى الشام وبها توفّي. ويظهر من بعض المواضع أنَّ الكتاب كان موسوماً أو معروفاً بـ (ملاء العيبة في طول الغيبة))(٣٧).
وقال في موضع آخر: (ملاء العيبة في طول الغيبة هو اسم لكتاب الشيخ محمّد بن إبراهيم النعماني المعروف بغيبة النعماني)(٣٨).
ولكن لا يمكننا أن نُسلِّم بما ذكره الشيخ آقا بزرك الطهراني لسببين:
السبب الأوَّل: أنَّ الشيخ آقا بزرك الطهراني لم يُحدِّد لنا تلك المواضع التي أشار إليها، وقد بحثت طويلاً لأقف على موضع من تلك المواضع فلم أفلح، فلعلَّه قد رأى ذلك في بعض المخطوطات، والله العالم.
السبب الثاني: الذي يظهر من أصحاب الفهارس أنَّ الكتاب كان معروفاً باسم (الغيبة) - خلافاً لما يقوله الشيخ آقا بزرك الطهراني -، يقول النجاشي في ترجمة (النعماني): (له كتب: منها كتاب الغيبة...)(٣٩)، ويقول في موضع آخر: (... أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني شيخنا صاحب كتاب الغيبة)(٤٠)، ويقول ابن شهر آشوب في ترجمة النعماني: (محمّد بن إبراهيم، أبو عبد الله النعماني، من كتبه كتاب الغيبة)(٤١).
والذي أعتقده أنَّ النعماني قد ترك كتابه بدون عنوان - وهو أمر مألوف إلى حدٍّ ما عند القدماء - وقد اشتقَّ له أصحاب الفهارس فيما بعد اسم (الغيبة) من خلال ملاحظة موضوعه الأساسي حيث إنَّ أغلب روايات الكتاب تدور حول هذا الموضوع كما صرَّح النعماني نفسه في المقدّمة حيث يقول: (وقد جمعت في هذا الكتاب ما وفَّق الله جمعه من الأحاديث التي رواها الشيوخ عن أمير المؤمنين والأئمَّة الصادقين (عليهم السلام) في الغيبة وغيرها ممَّا سبيله أن ينضاف إلى ما روي فيها...)(٤٢).
ولعلَّ ممَّا يُؤيِّد ذلك قول الشيخ المفيد - بعد إيراده للنصوص الواردة في الإمام الثاني عشـر (عليه السلام): (فممَّن أثبتها على الشـرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنّى أبا عبد الله النعماني في الكتاب الذي صنَّفه في الغيبة)(٤٣).
فهذا أقدم نصّ أشار إلى كتاب الغيبة، وهو أسبق من نصَّـي النجاشي وابن شهرآشوب، وقد أشار إلى هذا الكتاب من خلال موضوعه (الذي صنَّفه في الغيبة)، ولو كان له اسم معروف لأشار به إليه بدلاً من هذا التكلّف في التعبير.
٢ - سبب تأليف كتاب الغيبة:
قال الشيخ النعماني في المقدّمة: (فإنّا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلى التشيّع المنتمية إلى نبيِّها محمّد وآله (صلّى الله عليهم) ممَّن يقول بالإمامة... قد تفرَّقت كلمها، وتشعَّبت مذاهبها، واستهانت بفرائض الله (عزَّ وجلَّ)، وحنت إلى محارم الله تعالى، فطار بعضها علوّاً، وانخفض بعضها تقصيراً، وشكّوا جميعاً إلَّا القليل في إمام زمانهم...).
إلى أن يقول: (ولعمري ما أُتي من تاه وتحيَّر وافتتن وانتقل عن الحقِّ وتعلَّق بمذاهب أهل الزخرف والباطل إلَّا من قلَّة الرواية والعلم وعدم الدراية والفهم، فإنَّهم الأشقياء، لم يهتمّوا لطلب العلم ولم يُتعبوا أنفسهم في اقتنائه وروايته من معادنه الصافية على أنَّهم لو رووا ثمّ لم يدروا لكانوا بمنزلة من لم يرو، وقد قال جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام: «اعرفوا منازل شيعتنا عندنا على قدر روايتهم عنّا وفهمهم منّا»، فإنَّ الرواية تحتاج إلى الدراية، و(خبر تدريه خير من ألف خبر ترويه)...).
إلى أن يقول: (فقصدت القربة إلى الله (عزَّ وجلَّ) بذكر ما جاء عن الأئمَّة الصادقين الطاهرين (عليهم السلام) من لدن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى آخر من روي عنه منهم في هذه الغيبة التي عمى عن حقّيتها ونورها من أبعده الله عن العلم بها والهداية إلى ما أُوتي عنهم (عليهم السلام) فيها ما يُصحِّح لأهل الحقِّ حقيقة ما رووه ودانوا به، وتُؤكِّد حجَّتهم بوقوعها ويُصدِّق ما آذنوا به منها)(٤٤).
وينبغي هنا أن نُسجِّل عدَّة ملاحظات لتوضيح النصوص المتقدّمة:
الملاحظة الأُولى: عُرِفَ العصـر الذي تلا وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بـ (عصـر الحيرة)، وهي الحيرة التي وقع فيها الكثير من الشيعة ممَّن لم يتقبَّلوا (فكرة الإمام الغائب)، ولم يستوعبوا الوضع الجديد القائم على أساس القيادة غير المباشرة للمعصوم (عليه السلام).
وقد ذكر النوبختي في كتابه (فِرَق الشيعة) أنَّ الشيعة قد تفرَّقوا بعد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إلى أربعة عشـر اتِّجاهاً، فكان لكلِّ واحد من هذه الاتِّجاهات فهمه الخاصّ للغيبة، وهو ممَّا يُؤكِّد عمق الحيرة التي وقع فيها الشيعة آنذاك(٤٥).
الملاحظة الثانية: أنَّ أهل البيت (عليهم السلام) قد أكَّدوا مراراً وتكراراً وفي مناسبات متعدِّدة على قضيَّة الغيبة ولابدّية وقوعها، وحذَّروا شيعتهم من الوقوع في فتنة الغيبة وما تُسبِّبه من حيرة وشكٍّ وترديد، واعتبروها من مصاديق التمحيص الإلهي الذي يختبر الله به عباده، وقد نقل أصحاب الأئمَّة هذه الأحاديث جيلاً بعد جيل.
ومن هنا نجد أنَّ أغلب الذين وقعوا في الحيرة كانوا من عامَّة الشيعة وبسطائهم، وممَّن كانوا بعيدين عن حديث أهل البيت (عليهم السلام) ومنابعه ومآخذه، وهذا ما أشار إليه النعماني بقوله: (ولعمري ما أُتي من تاه وتحيَّر وافتتن وانتقل عن الحقِّ وتعلَّق بمذاهب أهل الزخرف والباطل إلَّا من قلَّة الرواية والعلم وعدم الدراية والفهم...).
الملاحظة الثالثة: أنَّ الجهود الجبّارة التي بذلها العلماء المعاصرون لتلك الفترة - ومنهم النعماني - قد أثمرت بعد فترة وجيزة، فقد ذابت تلك الاتِّجاهات المخالفة وانصهرت جميعاً في الاتِّجاه الإمامي الاثني عشـري، وهو ما يُؤكِّده لنا الشيخ المفيد بقوله: (وليس من هؤلاء الفِرَق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذا وهو سنة ثلاث و سبعين وثلاثمائة إلَّا الإماميَّة الاثنا عشـرية القائلة بإمامة ابن الحسن المسمّى باسم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) القاطعة على حياته وبقائه إلى وقت قيامه بالسيف حسبما شرحناه فيما تقدَّم عنهم، وهم أكثر فِرَق الشيعة عدداً وعلماء ومتكلِّمين ونظّاراً وصالحين وعبّاداً ومتفقِّهة وأصحاب حديث وأُدباء وشعراء. وهم وجه الإماميَّة، ورؤساء جماعتهم، والمعتمد عليهم في الديانة. ومن سواهم منقرضون لا يعلم أحد من جملة الأربع عشـرة فرقة التي قدَّمنا ذكرها ظاهراً بمقالة ولا موجوداً على هذا الوصف من ديانته، وإنَّما الحاصل منهم حكاية عمَّن سلف وأراجيف بوجود قوم منهم لا تثبت)(٤٦).
٣ - لمحة حول منهج الكتاب وتبويبه:
قام المصنِّف بتقسيم كتابه إلى (٢٦) باباً، ووضع لكلِّ باب عنوانه المناسب، وأورد في كلِّ باب ما يناسبه من الأحاديث على طريقة المحدِّثين من الالتزام بذكر سند كلِّ حديث، وقدَّم لذلك بمقدّمة فصَّل الكلام فيها حول سبب تأليف الكتاب.
وقد سار المؤلِّف في هذا الكتاب على طريقة المنهج النقلي، حيث حاول مؤلِّفه أن يعالج المواضيع التي تناولها من خلال النصوص حصـراً، ولكنَّه قد يُعلِّق في حالات نادرة على بعض الأحاديث من باب الضـرورة، كقوله - شارحاً للغيبتين الصغرى والكبرى -: (هذه الأحاديث التي يُذكر فيها أنَّ للقائم (عليه السلام) غيبتين أحاديث قد صحَّت عندنا بحمد الله، وأوضح الله قول الأئمَّة (عليهم السلام) وأظهر برهان صدقهم فيها، فأمَّا الغيبة الأُولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام (عليه السلام) وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحِكَم، والأجوبة عن كلِّ ما كان يُسئل عنه من المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيّامها وتصـرَّمت مدَّتها، والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى...)(٤٧).
أمَّا أبواب الكتاب الـ (٢٦) فهي كما يلي:
باب ١ - ما روي في صون سرِّ آل محمّد (عليهم السلام) عمَّن ليس من أهله.
باب ٢ - فيما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾.
باب ٣ - ما جاء في الإمامة والوصيَّة، وأنَّهما من الله (عزَّ وجلَّ).
باب ٤ - ما روي في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً، وأنَّهم من الله وباختياره.
باب ٥ - ما روي فيمن ادَّعى الإمامة ومن زعم أنَّه إمام وليس بإمام.
باب ٦ - الحديث المروي عن طرق العامَّة.
باب ٧ - ما روي فيمن شكَّ في واحد من الأئمَّة.
باب ٨ - ما روي في أنَّ الله لا يُخلي أرضه بغير حجَّة.
باب ٩ - ما روي في أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا اثنان لكان أحدهما الحجَّة.
باب ١٠ - ما روي في غيبة الإمام المنتظر الثاني عشر (عليه السلام).
باب ١١ - ما روي فيما أُمِرَ به الشيعة من الصبر والكفِّ والانتظار للفرج.
باب ١٢ - ما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرّق والتشتّت عند الغيبة.
باب ١٣ - ما روي في صفته وسيرته وفعله وما نزل من القرآن فيه (عليه السلام).
باب ١٤ - ما جاء في العلامات التي تكون قبل قيام القائم (عليه السلام).
باب ١٥ - ما جاء في الشدَّة التي تكون قبل ظهور صاحب الحقِّ (عليه السلام).
باب ١٦ - ما جاء في المنع عن التوقيت والتسمية لصاحب الأمر (عليه السلام).
باب ١٧ - ما جاء فيما يلقى القائم (عليه السلام) ويستقبل من جاهلية الناس.
باب ١٨ - ما جاء في ذكر السفياني وأنَّ أمره من المحتوم وأنَّه قبل قيام القائم (عليه السلام).
باب ١٩ - ما جاء في ذكر راية رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم.
باب ٢٠ - ما جاء في ذكر جيش الغضب وهم أصحاب القائم (عليه السلام).
باب ٢١ - ما جاء في ذكر أحوال الشيعة عند خروج القائم (عليه السلام) وقبله وبعده.
باب ٢٢ - ما روي أنَّ القائم (عليه السلام) يستأنف دعاءً جديداً.
باب ٢٣ - ما جاء في ذكر سنِّ الإمام القائم (عليه السلام).
باب ٢٤ - في ذكر إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام).
باب ٢٥ - ما جاء في أنَّ من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر.
باب ٢٦ - ما روي في مدَّة ملك القائم (عليه السلام) بعد قيامه.
٤ - قيمة الكتاب العلمية:
يُعَدُّ كتاب الغيبة للنعماني من أهمّ وأقدم المنابع والمآخذ في موضوعه، وقد نال إعجاب واهتمام العلماء منذ عصـر المؤلِّف إلى يومنا هذا، وقد أصبح من أهمّ المصادر في مجال المعارف المهدوية منذ نهايات القرن الرابع الهجري، ويكفينا أن ننقل لكم هنا قول الشيخ المفيد (ت ٤١٣هـ) - بعد أن ذكر النصوص المرتبطة بالإمام الثاني عشـر (عليه السلام) -، قال: (وهذا طرف يسير ممَّا جاء في النصوص على الثاني عشـر من الأئمَّة (عليهم السلام)، والروايات في ذلك كثيرة، قد دوَّنها أصحاب الحديث من هذه العصابة، وأثبتوها في كتبهم المصنَّفة، فممَّن أثبتها على الشـرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنّى أبا عبدالله النعماني في كتابه الذي صنَّفه في الغيبة...)(٤٨).
ويظهر من كلام النجاشي (ت ٤٥٠هـ) أنَّ الكتاب قد نال شهرةً واسعةً منذ القرن الخامس الهجري، وأصبح معروفاً بين العلماء، وملازماً للنعماني. نستنتج ذلك من قوله في ترجمة (الوزير المغربي): (وأُمُّه فاطمة بنت أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني شيخنا صاحب كتاب الغيبة)(٤٩).
فهذا النصُّ يكشف بوضوح أنَّ النعماني كان معروفاً بكتابه (الغيبة) منذ القرن الخامس الهجري، وأنَّه كان ملازماً له كملازمة الكافي للكليني.
وعلى أيِّ حالٍ فإنَّ هذا الكتاب قد أصبح مصدراً لكلِّ من جاء بعده ممَّن تناول قضيَّة الإمام المهدي بشكل عامّ أو قضيَّة الغيبة بشكل خاصّ، كالشيخ المفيد (ت ٤١٣هـ) في الإرشاد، والشيخ الطوسي (ت ٤٦٠هـ) في الغيبة(٥٠)، والطبرسي (من أعلام القرن السادس الهجري) في إعلام الورى بأعلام الهدى، والإربلي (ت ٦٩٣هـ) في كشف الغمَّة، والعلَّامة الحلّي (ت ٧٢٦هـ) في المستجاد، والحرِّ العاملي (ت ١١٠٤هـ) في إثبات الهداة، والمجلسي في البحار (ت ١١١١هـ).
وهكذا نجد أنَّ هذا الكتاب كان معتمداً ومتداولاً بين العلماء في جميع القرون من عصـر المؤلِّف إلى عصر المجلسي.
٥ - مصادر الكتاب ومآخذه:
ينقل الشيخ النعماني في هذا الكتاب عن (١٨) شيخاً من مشايخه - كما مرَّ عند الحديث عن مشايخه -، وهؤلاء المشايخ يُمثِّلون المصادر والمنابع التي اغترف النعماني رواياته منها. ولكن ينبغي الاعتراف أنَّ هؤلاء المشايخ ليسوا على مستوى واحد من حيث اعتماد النعماني عليهم وكثرة رواياته عنهم، فمنهم من روى عنه عشـرات الروايات كابن عقدة مثلاً، ومنهم من لم ينقل عنه سوى رواية واحدة كالباوري مثلاً؛ ولذا سنُقصِـر بحثنا على أُولئك الذين نعتبرهم المصادر الأساسية التي اعتمدها النعماني، والذين تُشكِّل رواياتهم المادَّة الأساسية للكتاب، وهم خمسة مشايخ، نُرتِّبهم بحسب كثرة النقل عن كلِّ واحد منهم:
أ - أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد (ابن عقدة)، (ت ٣٣٣هـ):
وهو المحدِّث الزيدي المعروف الموثَّق عند الإماميَّة والزيدية والعامَّة، و(هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ، والحكايات تختلف عنه في الحفظ وعظمه، وكان كوفياً زيدياً جارودياً على ذلك حتَّى مات، وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم ومداخلته إيّاهم وعظم محلِّه وثقته وأمانته)(٥١).
وقد ذكر المؤرِّخون أنَّ ابن عقدة سافر إلى بغداد ثلاث مرّات(٥٢)، وكانت سفرته الأخيرة في أواخر عمره(٥٣)، وقد حدَّث بها عن شيوخه في جامع براثا(٥٤)، ويبدو أنَّ النعماني قد تتلمذ على يديه وأخذ عنه في هذه السفرة.
وتبلغ روايات النعماني عن ابن عقدة ما يقرب من (١٤٠) رواية، وهي بهذا تُشكِّل ما يقرب من ربع مادَّة الكتاب الذي تبلغ رواياته (٤٧٨) رواية - بحسب ترقيم الطبعة المتداولة -، فهو مصدره الأساسي. وفي تقديرنا أنَّ اختيار النعماني لابن عقدة مصدراً أساسياً من مصادره يرجع إلى سببين:
السبب الأوَّل: أنَّ كتاب الغيبة يُعَدُّ كتاباً كلامياً احتجاجياً لا كتاباً تاريخياً وإن تجنَّب مصنِّفه الخوض في الأدلَّة العقلية واقتصـر على الأدلَّة النقلية، ومن هنا كان لا بدَّ له من الاحتجاج بشخص مقبول لدى كلّ الأطراف، وهذا ما ينطبق على ابن عقدة الذي تحترمه كلُّ الطوائف.
وقد أشار النعماني إلى هذه النكتة في مقدّمة الكتاب حينما وثَّق ابن عقدة بقوله: (وهذا الرجل ممَّن لا يُطعَن عليه في الثقة ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين له)(٥٥).
السبب الثاني: كثرة ما رواه ابن عقدة عن أصحاب الأئمَّة (عليهم السلام)، فهو وإن كان زيدياً إلَّا أنَّه كما يقول الطوسي: (روى جميع كتب أصحابنا، وصنَّف لهم، وذكر أُصولهم، وكان حفظة، سمعت جماعة يحكون أنَّه قال: أحفظ مائة وعشـرين ألف حديث بأسانيدها، وأُذاكر بثلاثمائة ألف حديث)(٥٦).
ب - أبو عليّ محمّد بن همّام الإسكافي (ت ٣٣٢هـ) أو (٣٣٦هـ):
قال الشيخ الطوسي: (محمّد بن همّام الإسكافي يُكنّى أبا عليّ، جليل القدر، ثقة، له روايات كثيرة، أخبرنا بها عدَّة من أصحابنا، عن أبي المفضَّل، عنه)(٥٧).
وقال النجاشي: (محمّد بن أبي بكر همّام بن سهيل الكاتب الإسكافي، شيخ أصحابنا ومتقدِّمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث)(٥٨).
نقل النعماني عن شيخه محمّد بن همّام الإسكافي (٦٥) حديثاً، أي ما يُشكِّل ثمن مادَّة الكتاب تقريباً، وبهذا يكون هذا الشيخ من المنابع والمآخذ الأساسية لكتاب الغيبة.
ومن وجهة نظرنا يرجع اختيار النعماني للإسكافي شيخاً ثمّ مصدراً أساسياً لكتابه في الغيبة - رغم كثرة المشايخ والمصادر في ذلك العصر - لعدَّة أسباب أهمّها:
السبب الأوَّل: مكانته العلمية المرموقة، وعلوّ منزلته في الحديث، وقربه من النوّاب الأربعة حيث كانت له مكانه خاصَّة لديهم كما يُستفاد من بعض المعطيات والمؤشّرات التاريخية(٥٩).
السبب الثاني: أنَّ في شيوخ الإسكافي وأساتذته العديد من المهتمّين بموضوع القضيَّة المهدوية عموماً وقضيَّة الغيبة خصوصاً، فجعله النعماني طريقاً إليهم، ومنهم على سبيل المثال: الحسن بن محمّد بن سماعة الذي ذكر المفهرسون أنَّ له كتاباً في الغيبة(٦٠)، وأحمد بن عليّ بن العبّاس بن نوح السيرافي الذي له كتاب مستوفى أخبار الوكلاء الأربعة(٦١)، وعبد الله بن جعفر الحميري الذي كان له مصنَّف بعنوان (الغيبة والحيرة) كما ذكر النجاشي(٦٢)، وعبّاد بن يعقوب الذي له كتاب أخبار المهدي(٦٣).
فكثرة رواية النعماني عن الإسكافي وجعله إيّاه المصدر الثاني من حيث كثرة الاعتماد لم تكن اعتباطاً، بل كان اختياراً مدروساً وموفَّقاً.
ج - محمّد بن يعقوب الكليني (ت ٣٢٩هـ):
أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني الرازي صاحب كتاب الكافي الذي يُعَدُّ من أهمّ كتب حديث الشيعة الأربعة.
تشير القرائن والمعطيات التاريخية أنَّ نشأته الأُولى كانت في الريِّ، كما لا يُستَبعد أنَّه أخذ عن المشايخ القمّيين بعد ما شدَّ الرحال إليهم(٦٤).
ثمّ بعد ذلك شدَّ الرحال نحو بغداد التي كانت عاصمة العلم والثقافة ومقرّ النيابة العامَّة، ولكنَّنا نجهل التاريخ الدقيق لسفره هذا، وكلُّ ما نقطع به هو أنَّه كان موجوداً فيها سنة (٣٢٧هـ)، أي قبل وفاته بسنتين(٦٥)، ولعلَّه قد دخلها قبل هذا التاريخ بسنوات كما يُستفاد من بعض المؤشّرات والمعطيات وإن كنّا لا نقطع بذلك.
وعلى أيِّ حالٍ فقد قصد النعماني ثقة الإسلام الكليني وتتلمذ على يديه، ويقال: إنَّه كان معيناً له في كتابة الكافي، ولم أقف على مستند هذا القول، نعم كان النعماني كاتباً للكليني - ولهذا اشتهر بالكاتب كما مرَّ -، وهو أيضاً أحد الرواة الأساسيين لكتاب الكافي(٦٦).
وقد جعل النعماني الكليني مصدراً أساسياً من مصادره، فنقل عنه بحدود (٥٧) رواية، أي ما يعادل ثمن الكتاب تقريباً، ويظهر من خلال المقارنة أنَّ أغلب هذه الروايات قد أُخِذَت من الكافي.
د - عليُّ بن أحمد البندنيجي (لم نستطع تحديد وفاته):
قال عنه ابن الغضائري: (عليُّ بن أحمد بن نصـر البندنيجي أبو الحسن، سكن الرملة، ضعيف متهافت لا يُلتَفت إليه)(٦٧).
وحيث إنَّ النعماني يروي عن هذا الرجل حوالي (٥١) رواية، وجعله مصدراً أساسياً من مصادره، فلا بدَّ لنا التحقّق من حاله؛ لأنَّ البناء على كلام الغضائري يعني سقوط جميع هذه الروايات عن الاعتبار، وبالتالي يفتح ثغرة للتقليل من قيمة الكتاب العلمية.
ويمكننا أن نتقدَّم بثلاث أجوبة لحلِّ هذه الإشكالية، بحيث يصلح كلُّ واحد منها أن تكون حلًّا لهذه الإشكالية على ضوء إحدى النظريات الرجالية:
الجواب الأوَّل: أكَّدنا في بحث سابق نُشِـرَ على صفحات هذه المجلَّة المباركة(٦٨)، أنَّ تضعيفات وطعون الغضائري والمتشدِّدين من القمّيين غير معتبرة عند كثير من المحقِّقين في الرجال؛ لأنَّهم لا يستندون في ذلك إلى الشهادة والحسِّ، بل يعتمدون على النظر في محتويات الروايات، فإذا وجدوا ما ينطبق عليه مفهوم الغلوِّ أو الارتفاع من وجهة نظرهم الخاصَّة نسبوا الراوي إلى الغلوِّ أو الارتفاع، بل نسبوه إلى الكذب؛ وما ذلك إلَّا لاشتمالها على بعض المفاهيم التي لا تنسجم مع فهمهم الخاصّ لمقام الإمامة.
وبناءً على ما تقدَّم نستطيع أن نُوثِّق البندنيجي على ضوء نظرية أصالة العدالة لكلِّ إمامي لم يثبت فسقه وهو ما يظهر من العلَّامة الحلّي في ترجمة (أحمد بن إسماعيل بن سمكة)(٦٩).
الجواب الثاني: مع القول ببطلان نظرية (أصالة عدالة الراوي لكلِّ إمامي لم يثبت فسقه) يمكننا أن نسلك منهج جمع القرائن والشواهد المفيدة للاطمئنان، وهو أحد الطرق المتَّبعة في تحصيل وثاقة الراوي.
ومن القرائن التي تورث الاطمئنان بوثاقة البندنيجي:
١ - رواية الثقة عنه، قال البهبهاني - في الفائدة الثالثة في سائر أمارات الوثاقة والمدح والقوَّة من فوائده -: (ومنها رواية الجليل عنه، وهو أمارة الجلالة والقوَّة...)، إلى أن قال: (وإذا كان الجليل ممَّن يطعن على الرجال في الرواية عن المجاهيل ونظائرها فربَّما يشير روايته عنه إلى الوثاقة)(٧٠).
وقد شهد المتخصِّصون للنعماني بالوثاقة والجلالة كما مرَّ، كما أنَّ المتصفِّح في ثنايا كتابه في الغيبة يلمس عنده الحسّ الرجالي ومعرفته بأحوال الرجال بوضوح، وبالتالي فإنَّ روايته عن البندنيجي يمكن أن تُعتَبر إحدى قرائن وثاقته.
٢ - يقول الرجاليون: إنَّ من أمارات الاعتماد (كونه ممَّن يُكثِر الرواية عنه ويُفتي) بها(٧١)، ومن الواضح أنَّ النعماني قد أكثر الرواية عن البندنيجي واعتمد عليها في موضوع من أخطر المواضيع العقائدية والفكرية، ومن المعروف أنَّ العلماء يتشدَّدون في التعاطي مع الروايات العقائدية أكثر من تشدّدهم في التعاطي مع الروايات الفقهية.
وكان السيِّد البروجردي يكتفي بالقرينتين المتقدِّمتين في إثبات وثاقة الراوي فيقول: (الظاهر أنَّه يمكن استكشافُ وثاقة الراوي من تلاميذه الذين أخذوا الحديث عنه، فإذا كان الآخِذُ مثلَ الشيخ أو المفيد أو الصدوق أو غيرهم من الأعلام - خصوصاً مع كثرة الرواية عنه - لا يبقى ارتياب في وثاقته أصلاً حينئذٍ)(٧٢).
٣ - سلامة مضامين الأحاديث التي ينقلها ومطابقتها للخطوط العريضة والأساسية للمذهب الإمامي.
الجواب الثالث: لو سلَّمنا بما أورده الغضائري من طعن في البندنيجي، وقلنا بأنَّ القرائن التي ذكرنهاها في الجواب الثاني غير كافية، فهذا أيضاً لا يعني سقوط روايات البندنيجي عن الاعتبار، فإنَّ هذه الروايات قد نُقِلَت بألفاظها أو بمضامينها في كتب أُخرى وعن طرق أُخرى.
هـ - عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي (لم نستطع تحديد وفاته):
ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في باب من لم يرو عنهم (عليهم السلام)، فقال: (عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي أخو عبد العزيز يُكنّى أبا القاسم سمع منه - أي التلعكبري - أيضاً سنة ستّ وعشرين وثلاثمائه، وذكر أنَّه كان ثقةً)(٧٣).
ويُستفاد من هذا النصّ عدَّة أُمور:
أوَّلاً: وثاقته بتوثيق التلعكبري له، والتلعكبري هو أبو محمّد هارون بن موسى بن أحمد بن سعيد بن سعيد من بني شيبان (أحد الأعلام المتقدِّمين)، قال عنه النجاشي: (كان وجهاً في أصحابنا، ثقةً، معتمداً لا يُطعَن عليه. له كتب، منها: كتاب الجوامع في علوم الدين. كنت أحضـر في داره مع ابنه أبي جعفر، والناس يقرؤون عليه)(٧٤).
ثانياً: ذكر النصُّ أنَّ الموصلي كان متصدّياً للتدريس في سنة (٣٢٦هـ)، والظاهر أنَّه كان في بغداد بقرينة تتلمذ التلعكبري عليه، ونستطيع أن نُقدِّر من خلال هذه القرينة وقرائن أُخرى - كتواجد النعماني في بغداد سنة (٣٢٧هـ)(٧٥) - أنَّ النعماني قد أخذ عنه الحديث في بغداد في حدود تلك الفترة.
ثالثاً: يُصـرِّح النصُّ بأنَّ المترجَم له هو أخو عبد العزيز الموصلي، وعبد العزيز هذا هو أحد مشايخ النعماني كما مرَّ في المبحث الأوَّل.
ومهما يكن فقد روى النعماني عن عبد الواحد الموصلي ما يزيد على (٥٠) رواية، وجعله منبعاً أساسياً ومأخذاً رئيسياً؛ وذلك لوثاقته وعدالته ووجاهته ومعرفته بالحديث.
٦ - ناقل الكتاب وصحَّة نسبته:
أمَّا ناقل كتاب الغيبة إلينا فهو (أبو الحسين محمّد بن عليٍّ البجلي الشجاعي)، جاء في مقدّمة الغيبة: (حدَّثنا الشيخ أبو الفرج محمّد بن عليِّ بن يعقوب بن أبي قرة القناني رحمه الله، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن عليٍّ البجلي الكاتب - واللفظ من أصله؛ وكتبت هذه النسخة وهو ينظر في أصله -، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني بحلب...)(٧٦).
وقال النجاشي - عند ترجمة النعماني -: (رأيت أبا الحسين محمّد بن عليٍّ الشجاعي الكاتب يقرأ عليه كتاب الغيبة تصنيف محمّد بن إبراهيم النعماني بمشهد العتيقة، لأنَّه كان قرأه عليه، ووصّى لي ابنه أبو عبد الله الحسين بن محمّد الشجاعي بهذا الكتاب وبسائر كتبه، والنسخة المقروءة عندي)(٧٧).
ولم يرد بحقِّ الشجاعي أيّ توثيق في كتب الرجال، بل لم يعنونوه أصلاً، وإنَّما ذكره النجاشي - عرضاً - في ترجمة (النعماني)، ومن هنا قد يستغلُّ البعض هذا الأمر جاعلاً منه ثغرة للطعن في صحَّة انتساب الغيبة للنعماني، والتقليل من قيمته العلمية.
ويمكننا أن نُقدِّم عدَّة حلول لهذه الإشكالية نكتفي بذكر ثلاثة منها:
الأوَّل: أنَّ الشجاعي وإن لم يرد بحقِّه توثيق في الكتب الرجالية، ولكنَّه لم يرد بحقِّه طعن أيضاً، ومن هنا يمكننا توثيقه على ضوء نظرية (أصالة العدالة) التي أشرنا سابقاً، فيكون موثَّقاً عند من يؤمن بهذه النظرية.
الثاني: يمكننا أن نستكشف وثاقة الشجاعي من خلال (منهج جمع القرائن)، والقرائن الدالّة على ذلك كثيرة، ومنها:
الأُولى: روايته عن الثقة الجليل الشيخ أبي عبد الله النعماني، وقد أشرنا سابقاً إلى قرينية ذلك على الوثاقة، كما أشرنا إلى وثاقة وجلالة النعماني.
الثانية: رواية الثقاة الأجلّاء عنه، فقد روى عنه الشيخ أبو الفرج محمّد بن عليِّ بن يعقوب بن أبي قرة القناني أو (القنائي) كما في مقدّمة الغيبة للنعماني، وقد عنونه النجاشي وصرَّح بوثاقته(٧٨)، وروى عنه أيضاً أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر كما في غيبة الطوسي(٧٩)، وهو أُستاذ النجاشي والطوسي، ويبدو أنَّ كتاب الغيبة للنعماني قد وصل إلى الطوسي عن طريقه.
الثالثة: من خلال حديث النجاشي عن الشجاعي يظهر أنَّ النجاشي كان على صلة مع عائلته بحيث يوصي له ابنه بكتبه، وهو يُشعِر أيضاً بمكانة الشجاعي الرفيعة، وكونه من مشايخ الشيعة المعروفين آنذاك، وأنَّه كان يمتلك ثروة علمية عظيمة بحيث لم يجد أفضل من النجاشي لتسلُّم هذه الثروة، وهذا ما فعله غير واحد من أعلام الطائفة كأُستاذه أحمد بن نوح السيرافي الذي وصّى ببعض كتبه إليه(٨٠)، وشيخ الأدب أبو أحمد عبد السلام بن الحسين البصـري الذي دفع له كتاباً بخطِّه، قد أجاز له فيه جميع رواياته(٨١).
ومع هذا فنحن لا نريد أن نتَّخذ من هذه الوصاية دليلاً مستقلّاً على وثاقة الشجاعي، وإنَّما نقول: إنَّ هذا يصلح أن يكون قرينة من القرائن التي كلَّما زادت كلَّما اقتربنا من الاطمئنان بوثاقته.
الثالث: ما ذكره الشيخ نجم الدين الطبسـي، وهو: (أنَّه لا إشكال لدينا حول أصل الكتاب وصحَّة نسبته إلى النعماني؛ لأنَّ النجاشي يقول: إنَّ الشجاعي قد (وصّى لي ابنه أبو عبد الله الحسين بن محمّد الشجاعي بهذا الكتاب وبسائر كتبه، والنسخة المقروءة عندي)، فهو يعترف أنَّ كتاب النعماني عنده، والنجاشي هو خبير هذا الفنّ، وشهادته على أنَّ هذا الكتاب هو نفسه الكتاب تُثبِت لنا صحَّة انتساب الكتاب إلى النعماني)(٨٢).
٧ - الفوائد العرضية في الكتاب:
لا شكَّ أنَّ غرض النعماني الأساسي من تأليف هذا الكتاب هو جمع الأحاديث المرتبطة بالغيبة وما يناسب ذلك كما صرَّح بذلك في المقدّمة، ومع هذا فقد اشتمل الكتاب على فوائد عرضية أُخرى لم تكن مقصودة للكاتب، ومن تلك الفوائد بحسب تتبّعنا:
أ - اشتمال الكتاب على بعض التوثيقات لبعض الرواة، كتوثيقه لابن عقدة بقوله: (وهذا الرجل ممَّن لا يُطعَن عليه في الثقة ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين له)(٨٣)، أو نقله لتوثيقات المشايخ لأساتذتهم، كنقله لتوثيق الحسن بن عليِّ بن عيسى القوهستاني لشيخه بدر بن إسحاق بن بدر الأنماطي بقوله: (وكان شيخاً نفيساً من إخواننا الفاضلين)(٨٤).
ب - الشهادة باعتبار بعض الكتب ككتاب سُلَيم بن قيس الهلالي بقوله: (وليس بين جميع الشيعة ممَّن حمل العلم ورواه عن الأئمَّة (عليهم السلام) خلاف في أنَّ كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأُصول التي رواها أهل العلم من حملة حديث أهل البيت (عليهم السلام) وأقدمها، لأنَّ جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنَّما هو عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذرٍّ ومن جرى مجراهم ممَّن شهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسمع منهما، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها ويُعوَّل عليها)(٨٥).
ج - يُعتَبر الكتاب مصدراً مهمّاً في البحوث العقائدية - غير العقيدة المهدوية - حيث اشتمل على روايات كثيرة ومعتبرة ترتبط بأصل الإمامة والوصيَّة وبالنصِّ على عدد الأئمَّة و...
د - تضمَّن الكتاب بعض الروايات التي تشتمل على بعض الأحكام الفقهية كرواية: (... أمَا إنَّ قائمنا (عليه السلام) إذا قام كسـره وسوّى قبلته...)(٨٦) التي يوردها الفقهاء أثناء بحثهم عن تحديد قبلة مسجد الكوفة(٨٧).
هـ - يمكن الاستفادة من الكتاب كمصدر مهمّ في التفسير، لاشتماله على روايات مفسِّـرة أو مؤوِّلة للكثير من الآيات(٨٨).
الهوامش:
(١) رجال النجاشي: ٣٨٣.
(٢) رجال ابن داود: ١٦٠.
(٣) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ٢٦٧؛ وإيضاح الإشتباه: ٢٨٩.
(٤) بحار الأنوار ٥٣: ٢٧١.
(٥) يُنظَر: الكافي والكليني: ١٩٣و٣٩٨.
(٦) آثار البلاد: ٤٦٩.
(٧) معجم البلدان ٥: ٢٩٤.
(٨) رجال النجاشي: ٧٠.
(٩) المصدر السابق: ٣٨٤.
(١٠) يُنظَر: الكنى والألقاب ٣: ٢٨٦.
(١١) يُنظَر: وفيات الأعيان ٢: ١٧٦.
(١٢) الوافي بالوفيات ٢١: ٢٤.
(١٣) جاء في بعض نسخ الغيبة : (حدَّثنا الشيخ أبو الفرج محمّد بن عليِّ بن يعقوب بن أبي قرة القناني رحمه الله، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن علي البجلي الكاتب - واللفظ من أصله وكتبت هذه النسخة وهو ينظر في أصله -، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني بحلب...)، وجاء في نسخة أُخرى: (حدَّثني محمّد بن علي أبو الحسين الشجاعي الكاتب (حفظه الله)، قال: حدَّثني محمّد بن إبراهيم أبو عبد الله النعماني (رحمه الله تعالى) في ذي الحجَّة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، قال: ...). (اُنظر: الغيبة للنعماني بتحقيق الغفّاري: ١٩).
(١٤) يُنظَر: الغيبة: ٦٢.
(١٥) قال النجاشي في رجاله: ٣٨٣: ( قدم بغداد وخرج إلى الشام ومات بها)، ونفهم من هذا النصّ أنَّ سفرة شيراز كانت قبل سفرتي بغداد والشام.
(١٦) يُنظَر: تاريخ ابن الأثير ٧: ١٤؛ والمنتظم ١٤: ٤٢ و٤٣.
(١٧) يُنظَر: خطط المقريزي ٣: ٢٠، و٢: ١٩٢ و١٩٣.
(١٨) يُنظَر: الدولة الحمدانية لأحمد عدوان: ١٣٧ و٢٢١.
(١٩) خطط المقريزي ٤: ١٩١.
(٢٠) يُنظَر: رسالة أبي غالب الرازي: ١٧٩.
(٢١) مهج الدعوات: ٢٣٣.
(٢٢) يُنظَر: بحار الأنوار ٢: ٢٦٠، نقلاً عن كنز الفوائد للكراكجي.
(٢٣) رجال النجاشي: ٣٨٣.
(٢٤) يُنظَر: بحار الأنوار ١: ١٤.
(٢٥) خاتمة المستدرك ١: ١٢٥.
(٢٦) المصدر السابق ١: ٣٤٧.
(٢٧) المصدر السابق ٣: ٢٦٦.
(٢٨) الكنى والألقاب ١: ١٩٥.
(٢٩) يُنظَر: رجال النجاشي: ٣٨٣.
(٣٠) أمل الآمل ٢: ٢٣٣.
(٣١) الذريعة ٤: ٣١٨.
(٣٢) يُنظَر: بحار الأنوار ٤٥: ٣١٢، و٥٨: ١١٠.
(٣٣) الأمان من الأخطار: ١٣١.
(٣٤) فرج المهموم: ٤٨.
(٣٥) يُنظَر: رجال النجاشي: ٣٨٣.
(٣٦) يُنظَر: هدية العارفين ٢: ٤٦.
(٣٧) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٦: ٧٩.
(٣٨) المصدر السابق ٢٢: ١٨٢.
(٣٩) رجال النجاشي: ٣٨٣.
(٤٠) المصدر السابق: ٦٩.
(٤١) معالم العلماء: ١٥٣.
(٤٢) الغيبة: ٢٩.
(٤٣) الإرشاد ٢: ٣٥٠.
(٤٤) الغيبة: ٢٠ وما بعدها.
(٤٥) يُنظَر: فِرَق الشيعة: ٩٦.
(٤٦) الفصول المختارة: ٣٢١.
(٤٧) الغيبة للنعماني: ١٧٣ و١٧٤.
(٤٨) الإرشاد ٢: ٣٥٠.
(٤٩) رجال النجاشي: ٦٩.
(٥٠) قال الشيخ الطوسي في الغيبة: ٢٥٧: (وأخبرني أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر، عن أبي الحسن محمّد بن عليٍّ الشجاعي الكاتب، عن أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني، عن يوسف بن أحمد الجعفري، قال: حججت سنة ستّ وثلاثمائة...)، وهذه الرواية وإن لم نعثر عليها في الطبعة المتداولة من غيبة النعماني ، ولكنَّه أمر طبيعي يعود لتعدّد النسخ.
(٥١) رجال النجاشي: ٩٤.
(٥٢) يُنظَر: تاريخ بغداد ٦: ١٤٧.
(٥٣) المصدر السابق.
(٥٤) يُنظَر: سير أعلام النبلاء ٢٩: ٣٤٠.
(٥٥) الغيبة: ٢٥.
(٥٦) رجال الطوسي: ٤٤٢.
(٥٧) فهرست الطوسي: ١٤١.
(٥٨) رجال النجاشي: ٣٨٠.
(٥٩) يُنظَر: كمال الدين وتمام النعمة: ٥١٢؛ والغيبة للطوسي: ٢٩٧.
(٦٠) يُنظَر: الفهرست للطوسي: ٥١.
(٦١) يُنظَر: رجال النجاشي: ٤٨٧.
(٦٢) المصدر السابق: ٢١٩.
(٦٣) يُنظَر: الفهرست للطوسي: ١١٩ و١٢٠.
(٦٤) يُنظَر: الكليني والكافي للغفّاري: ١٢٦.
(٦٥) يُنظر: الاستبصار.
(٦٦) للكافي - كما ذكر المحقِّقون - ثلاث روايات أساسية هي: رواية الصفواني، ورواية التلعكبري، ورواية النعماني.
(٦٧) كما جاء في: خلاصة الأقوال: ٢٣٥؛ ورجال ابن داود: ٢٦٠.
(٦٨) الشفاء والجلاء.
(٦٩) يُنظَر: خلاصة الأقوال: ٦٧، قال في ترجمته: (ولم ينصّ علماؤنا عليه بتعديل، ولم يُرْوَ فيه جرح، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض).
(٧٠) الفوائد الرجالية: ٤٧.
(٧١) المصدر السابق: ٤٩.
(٧٢) نهاية التقرير ٢: ٢٧١.
(٧٣) رجال الطوسي: ٤٨١.
(٧٤) رجال النجاشي: ٤٣٩.
(٧٥) يُنظَر: الغيبة للنعماني: ٢٤٩.
(٧٦) الغيبة: ١٨.
(٧٧) رجال النجاشي: ٣٨٣.
(٧٨) المصدر السابق: ٣٩٨.
(٧٩) الغيبة للطوسي: ٢٧٥.
(٨٠) يُنظَر: رجال النجاشي: ١٠٣/ ترجمة (أيّوب بن نوح بن درّاج).
(٨١) يُنظَر: رجال النجاشي: ٨٤/ (ترجمة الدوري).
(٨٢) نگاهي به كتاب غيبت نعماني/ انتظار موعود (١).
(٨٣) الغيبة: ٢٥.
(٨٤) المصدر السابق: ٩٢.
(٨٥) المصدر السابق: ١٠١ و١٠٢.
(٨٦) المصدر السابق: ٣١٨.
(٨٧) يُنظَر: الحدائق الناضرة ٦: ٣٨٥ و٣٨٦.
(٨٨) يُنظَر: الغيبة: ٢٥ و٢٧ و٣٥ و٣٩ و١١١ و١٣٠ و١٩٨ و٢١٧ و٢٢١ و٢٤١ و٢٥٠ و٢٥١ و٢٧٢ و٣٠١ و٣١٤ و٣١٥ و٣٣٣.