الأبواب والسفراء - موقعهم من العقيدة ودورهم في دولة أهل البيت (عليهم السلام)
الشيخ حسن الكاشاني
ما هو منصب السفارة والبابية؟
كلام أهل اللغة:
قال الخليل: (السفير: رسول بعض القوم إلى قوم)(١).
وقال الجوهري: (السفير؛ الرسول المصلح بين القوم)(٢).
قال الطريحي: (قوله تعالى: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس: ١٥ - ١٦] السَفَرَة بالتحريك؛ الملائكة الذين يسفرون بين الله وأنبيائه... يقال سفرت بين القوم: إذا مشيت بينهم بالصلح، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديبه كالسفير الذي يصلح بين القوم. وقيل الأصل في ذلك السفر، وهو كشف الغطاء لأن السفرة يؤدون الكتاب إلى الأنبياء والمرسلين ويكشفون به الغطاء عما التبس عليهم ومن الأمور المكنونة حقائقها... والسفير والرسول بين القوم يزيل ما بينهم من الوحشة فعيل بمعنى فاعل، والسفارة بالكسر والرسالة فالرسول والكتاب مشتركة في كونها سافرة عن القوم بما اشتبه عليهم)(٣).
تحليل كلام أهل اللغة:
يستفاد من كلام اللغويين جملة من الأمور:
الأول: أنّ السفير هو الذي تختاره الجهة المرسِلَة لأداء مهمة معيّنة. فتكون السفارة منصباً رسمياً تنصيبياً.
الثاني: أنّ السفير يُزوَّد بالاطلاع على قرارات وأنباء، لا يتيسّر لعموم الناس الاطلاع عليه. فهو يكشف الغطاء عما كان مكنوناً عن متناول أيدي الناس.
الثالث: السفير تكون له المرجعية في رفع اللبس والاشتباه، ويكون قوله هو القول الفصل في موارد الاشتباه والاختلاف، بحكم تزويده بقناة خاصة تربطه بالجهة التي أرسل من قبلها.
الرابع: أنّ السفير له صلاحية ومنصب الناطق الرسمي عن الجهة التي أرسل من قبلها، فكلامه يُحسب على تلك الجهة. وهذا بخلاف غيره الذي لا تعدو حجية كلامه عن كونه راوياً. فحجية كلام السفير ليست من أجل كونه راوياً، بل إنّه يمثّل الناطق الرسمي عن تلك الجهة، فحجية كلامه توازي حجية الجهة التي ينطق عنها.
فحينما ينطق الناطق الرسمي عن دولة معيّنة، فلا تكون حجية كلامه متوقفة على إثبات وثاقته فحسب، ليكون من باب حجية كلام الراوي. بل إنّ المواقف الرسمية للدولة تُعرَف من خلال كلامه.
الخامس: من وظائف الجهة التي يمثّلها السفير، أن يراقب سفيره دائماً ويراقب مواقفه وكلماته، حيث إنّه محسوب عليها. ويكون الاعتماد على هذا الإشراف والمراقبة الدائمة. وإذا تصرّف بما لا ترضى عنه تلك الجهة فعليها أن تنبّه على ذلك وترفع اللبس، وبخلاف ذلك يكون محسوباً عليها.
مقام الباب:
وقد عُبّر عن منصب السفير بمنصب الباب. وهو اصطلاح قرآني استخدمه أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا واسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماء﴾ (الأعراف: ٤٠).
والمراد من أبواب السماء، منافذ صعود الأعمال إلى الله تعالى وهبوط الرحمة منه. فهي ليست أبواباً مادية وجسمانية، بل وسائط تربط العبد بالمولى (جلَّ جلاله). كما قال تعالى: ﴿وَللهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها﴾ (الأعراف: ١٨٠) فهذه الأسماء تكون وسائط للدعاء والتوجه إلى الله تعالى. فالمحصّل من الآية الشريفة: أنّ الناس محجوبون عن الغيب والسماء ومقام القرب الإلهي، إلّا من خلال أبواب تربطهم بها، وهذه الأبواب مغلقة في وجه المكذّبين بآيات الله والصادّين عنها.
وقال تعالى في موضع آخر: ﴿وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ولكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ (البقرة: ١٨٩).
والآية ظاهرة في أنّ هنالك أبواباً للدخول في بيت الإيمان والبر والعلم، فمن رام الدخول في بيوت الإيمان والدين والعلم والمعرفة من ظهورها، فإنه لن يدخلها وأنّ محاولته هذه لا تُعدّ براً ولا خيراً ولا يشكر عليها.
ثمّ لا تكون هذه الأبواب اقتراحية من الداخلين في الدار، بل اصطفائية من قبل صاحب الدار.
وفي الأخبار:
ففيما رواه الفريقان قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَنَا مَدِينَةُ العِلْمِ وعَلِيٌ بَابُهَا وهَلْ تُدْخَلُ المَدِينَةُ إِلَّا مِنْ بَابِهَا»(٤).
وقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام): «الأَوْصِيَاءُ هُمْ أَبْوَابُ اللهِ (عزَّ وجلَّ) الَّتِي يُؤْتَى مِنْهَا، ولَوْلَاهُمْ مَا عُرِفَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، وبِهِمُ احْتَجَّ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ»(٥).
وعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ [أي الراوي]: سَألتُهُ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ﴿لَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ولكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقى وأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾. فَقَالَ: «آلُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَبْوَابُ اللهِ وسَبِيلُهُ والدُّعَاةُ إلى الجَنَّةِ والقَادَةُ إِلَيْهَا والأَدِلَّاءُ عَلَيْهَا إلى يَوْمِ القِيَامَةِ»(٦).
ومعنى كونهم (عليهم السلام) أبواب الله تعالى، أنّهم حاملون للعلم الإلهي، وقد أورثهم الله تعالى الكتاب المكنون الذي لا يمسّه إلّا المطهّرون. فمن أراد الوصول إلى الله تعالى أو أن ينال حقائق كتاب الله تعالى المكنونة، فلا سبيل له إلّا أن يرجع إلى العترة من آل محمد (عليهم السلام).
إنّ الباب حينما يكون منصوباً ومجعولاً من قبل الله تعالى، فهذا يعني تصاعد درجة الحجية فيه، فتكون حجية كلامه بدرجة حجية كلام الله تعالى، ومحسوباً عليه. فإنّه الناطق الرسمي عن الله تعالى، ويستعلم مواطن رضى الله تعالى وسخطه من خلال مواقفه وأقواله وآرائه. وليس كراوٍ سمع مقالاً، فرواه للآخرين.
منصب الباب والسفير للأئمة (عليهم السلام):
كان الأئمة الهداة (عليهم السلام) أبواب الله (جلَّ جلاله)، وأبواباً لمدينة علم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي نفس الوقت كانوا يختارون لأنفسهم أبواباً آخرين. وهذه الأبواب كانت تؤدي دور السفير في مهمات مختلفة اقتضت اختيار شخص يمثّل الإمام فيها.
ومن هنا، فإنّ منصب الباب والسفير يكون على درجات متفاوتة سعة وضيقاً وشدة وضعفاً. فقد يخوّل الباب مسؤولية محدودة أو صغيرة، وقد يكون أكثر من ذلك، كما أنّه قد يكون لبعض الأئمة أكثر من باب في زمان واحد.
ومن هنا، كان الأئمة (عليهم السلام) أحياناً يختارون لأنفسهم أبواباً وسفراء، ذوي صلاحيات محدودة وفي بعض الظروف. وهؤلاء السفراء كانوا يتمتّعون بصلاحيات مختلفة. ولكن كانت لديهم قنوات خاصّة تربطهم بالإمام (عجَّل الله فرجه)، وكان الإمام هو المُشرِف على عمله، ومنه استُمِدَّت شرعيتهم، وكان لهم القول الفصل وحجيّة تفوق حجيّة الراوي في منطقة سفارتهم.
بعض أبواب الأئمة (عليهم السلام):
ولنشر فيما يلي إلى بعض أبواب الأئمة (عليهم السلام):
١ - سلمان المحمدي (رحمه الله):
روى الكشي بسنده عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ المَرْوَزِيِّ عَنِ الصَّادِقِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: فِي الخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ مُحَدَّثاً، قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ مُحَدَّثاً عَنْ إِمَامِهِ لَا عَنْ رَبِّهِ، لِأَنَّهُ لَا يُحَدِّثُ عَنِ اللهِ (عزَّ وجلَّ) إِلَّا الحُجَّةُ»(٧).
يظهر من الخبر أنّ تحديث سلمان عن الإمام لم يكن بنمط الرواية التي يرويها أي واحد من الرواة، حيث قورن بتحديث الإمام عن الله تبارك وتعالى. فالتحديث يكون بنمط غيبي غير ظاهر لعامة الناس. ويرجع ذلك إلى أنّ المخالفين كانوا يتّهمون الشيعة بالغلو في أهل البيت (عليهم السلام)، وأنّهم اتّخذوهم أرباباً من دون الله تعالى، وأنّهم ينزلون بالوحي على أوليائهم كسلمان، ليكون سلمان نبياً عن الإمام حسب زعمهم.
فهذه الإثارة تأتي بعد ما ارتكز مصطلح المحدَّث عند المسلمين فيمن يرتبط بالغيب ويحدِّثه الملك عن الله تعالى. وأمّا لو كان المحدَّث بمعنى الذي يحدّث عن الإمام فيما سمعه عنه كسائر المحدثين والرواة، فلا وجه للاستغراب والإثارة.
ونحن نرى أنّ الإمام (عليه السلام) لم ينف وجود هذه القناة الغيبية، بل نبّه إلى أنّ هذه القناة ليست تربط سلمان بالله تعالى، بل تربطه بإمامه. حيث إنّ أهل البيت هم أبواب الله حصراً وليس غيرهم.
ويؤيّد هذا بل يدلّ عليه ما رواه الكشي أيضاً:
في الموثق عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: «كَانَ واللهِ عَلِيٌّ مُحَدَّثاً وكَانَ سَلْمَانُ مُحَدَّثاً»، قُلْتُ اشْرَحْ لِي! قَالَ: «يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكاً يَنْقُرُ فِي أُذُنِهِ يَقُولُ كَيْتَ وكَيْتَ»(٨).
وروى الكشي عن جِبْرِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الآدَمِيُّ سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُنَخَّلٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: «دَخَلَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى سَلْمَانَ وهُوَ يَطْبُخُ قِدْراً لَهُ، فَبَيْنَا هُمَا يَتَحَدَّثَانِ إِذَا انْكَبَّتِ القِدْرُ عَلَى وَجْهِهَا عَلَى الأَرْضِ، فَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ مَرَقِهَا ولَا مِنْ وَدَكِهَا شَيْءٌ، فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ عَجَباً شَدِيداً، وأَخَذَ سَلْمَانُ القِدْرَ فَوَضَعَهَا عَلَى حَالِهَا الأَوَّلِ عَلَى النَّارِ ثَانِيَةً. وأَقْبَلَا يَتَحَدَّثَانِ، فَبَيْنَا هُمَا كَذَلِكَ إِذَا انْكَبَّتِ القِدْرُ عَلَى وَجْهِهَا، فَلَمْ يَسْقُطْ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ مَرَقِهَا ولَا مِنْ وَدَكِهَا». قَالَ: «فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وهُوَ مَذْعُورٌ مِنْ عِنْدِ سَلْمَانَ. فَبَيْنَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ إِذْ لَقِيَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى البَابِ، فَلَمَّا أَنْ بَصُرَ بِهِ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ عِنْدِ سَلْمَانَ، ومَا الَّذِي أَذْعَرَكَ؟ قَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ رَأَيْتُ سَلْمَانَ صَنَعَ كَذَا وكَذَا فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ!
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): يَا أَبَاذَرٍّ إِنَّ سَلْمَانَ لَوْ حَدَّثَكَ بِمَا يَعْلَمُ لَقُلْتَ رَحِمَ اللهُ قَاتِلَ سَلْمَانَ، يَا أَبَاذَر، إِنَّ سَلْمَانَ بَابُ اللهِ فِي الأَرْضِ، مَنْ عَرَفَهُ كَانَ مُؤْمِناً ومَنْ أَنْكَرَهُ كَانَ كَافِراً، وإِنَّ سَلْمَانَ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ»(٩).
حيث إنّ الباب احتلّ المنصب الرسمي، فيكون إنكاره إنكاراً لمن نصبه في ذلك المنصب، والإقرار به إيماناً. وهذا سرّ تولي السفير والتبري من أعدائه ومخالفيه.
كما روى الشيخ في التهذيب في زيارة سلمان المحمدي (رحمه الله):
أَتَيْتُكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ زَائِراً قَاضِياً فِيكَ حَقَّ الإِمَامِ وشَاكِراً لِبَلَائِكَ فِي الإِسْلَامِ، فَأَسْأَلُ اللهَ الَّذِي خَصَّكَ بِصِدْقِ الدِّينِ ومُتَابَعَةِ الخَيِّرَيْنِ الفَاضِلَيْنِ أَنْ يُحْيِيَنِي حَيَاتَكَ وأَنْ يُمِيتَنِي مَمَاتَكَ ويَحْشُرَنِي مَحْشَرَكَ وعَلَى إِنْكَارِ مَا أَنْكَرْتَ ومُنَابَذَةِ مَنْ نَابَذْتَ والرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفْتَ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ مِنَ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ فَكُنْ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ شَاهِداً لِي بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ عِنْدَ إِمَامِي وإِمَامِكَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(١٠).
من الواضح أنّ التولي والتبري لا يمكن أن يناط بموقف مؤمن أو ولي أو راو أو فقيه، مهما عظم مقامه وعلا قدره.
إنّ الثابت من سيرة الشيعة أنّهم يركنون للحجج والأدلّة وليس الأشخاص، اللهم إلّا أن يكون معصوماً أو من ضمّنه المعصوم وتكفّل بهدايته وأيّده بما يعصمه من الزلل.
فهذه دلائل على ما نبّهنا عليه من لزوم الرقابة والإشراف الدائم على الباب والسفير، حيث إنّ مواقفه تكون محسوبة على الجهة التي يمثلها.
٢ - حمران بن أعين:
وممن ذكرهم الشيخ في الغيبة في باب السفراء الممدوحين: حمران بن أعين، واستشهد لذلك بما رواه بسنده:
عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): وذَكَرْنَا حُمْرَانَ بْنَ أَعْيَنَ فَقَالَ: «لَا يَرْتَدُّ واللهِ أَبَداً ثُمَّ أَطْرَقَ هُنَيْئَةً ثُمَّ قَالَ أَجَلْ لَا يَرْتَدُّ واللهِ أَبَداً»(١١).
والملفت أنّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) قد جعل قول الإمام الباقر (عليه السلام) فيه: «أنّه لا يرتد أبداً»، دليلاً على سفارته ونيابته الخاصّة.
وذلك أنّ المعصوم حيث يضمن عدم انحراف وزيغ أحد، فهذا يعني أنّه يكون تحت إشرافه ورقابته الدائمة، وهذا يضفي له صفة حجية تفوق حجية الراوي والفقيه، فيستدلّ بمواقفه على مواقف الإمام (عليه السلام).
٣ - المفضل بن عمر:
ذكره الشيخ في السفراء الممدوحين واستند لذلك بما رواه بسنده عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) وأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، وهُوَ فِي ضَيْعَةٍ لَهُ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الحَرِّ، والعَرَقُ يَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ. فَابْتَدَأَنِي، فَقَالَ: «نِعْمَ واللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّجُلُ، المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ الجُعْفِيُّ. نِعْمَ واللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّجُلُ [هُوَ] المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ الجُعْفِيُّ». حَتَّى أَحْصَيْتُ بِضْعاً وثَلَاثِينَ مَرَّةً يُكَرِّرُهَا. وقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ وَالِدٌ بَعْدَ وَالِدٍ»(١٢).
وَرُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ أَحْمَرَ قَالَ: حَمَلْتُ إلى أَبِي إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) إلى المَدِينَةِ أَمْوَالًا فَقَالَ: «رُدَّهَا فَادْفَعْهَا إلى المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ». فَرَدَدْتُهَا إلى جُعْفِيٍّ فَحَطَطْتُهَا عَلَى بَابِ المُفَضَّلِ(١٣).
وَرُوِيَ عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ قَالَ: كُنْتُ فِي خِدْمَةِ أَبِي الحَسَنِ (عليه السلام) فَلَمْ أَكُنْ أَرَى شَيْئاً يَصِلُ إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ نَاحِيَةِ المُفَضَّلِ. ولَرُبَّمَا رَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجِيءُ بِالشَّيْءِ فَلَا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ويَقُولُ أَوْصِلْهُ إلى المُفَضَّلِ(١٤).
وكأنّ الإمام (عليه السلام) أراد أن يوصل رسالة للناس بأن المفضل هو بابه، ويعطيه المشروعية الرسمية أمام الناس. ومن هنا فيكون تصرفات المفضل محسوبة على الإمام (عليه السلام).
وفي نصّ آخر في رجال الكشي، نصّ على سفارته وتمثّله للإمام (عليه السلام). فروى الكشي عن نصر بن الصباح: عن ابن أبي عمير بأسناده أن الشيعة حين أحدث أبو الخطاب ما أحدث خرجوا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقالوا: أقم لنا رجلاً نفزع إليه في أمر ديننا وما نحتاج إليه من الأحكام؟ قال: «لا تحتاجون إلى ذلك، متى ما احتاج أحدكم عرج إليَّ وسمع مني وينصرف»، فقالوا: لابد. فقال: «قد أقمت عليكم المفضل، اسمعوا منه وأقبلوا عنه، فإنه لا يقول على الله وعلي إلّا الحق»، فلم يأت عليه كثير شيء حتى شنعوا عليه وعلى أصحابه، وقالوا: أصحابه لا يصلون ويشربون النبيذ وهم أصحاب الحمام ويقطعون الطريق، والمفضل يقربهم ويدنيهم(١٥).
ونصّ ابن شهر آشوب أيضاً على أنّ المفضل بن عمر باب موسى بن جعفر (عليه السلام)(١٦).
٤ - معلى بن خنيس:
ذكره الشيخ من السفراء الممدوحين وذكر أنّه من قوّام أبي عبد الله (عليه السلام)، وقد قتل الإمام داوود بن علي بسببه.
٥ - نصر بن قابوس اللخمي:
كان وكيلاً لأبي عبد الله (عليه السلام) عشرين سنة.
٦ - عبد الرحمن بن الحجاج وعبد الله بن جندب البجلي، وصفوان بن يحيى ومحمد بن سنان وزكريا بن آدم.
وكذلك عبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري، وعلي بن مهزيار الأهوازي، وأيوب بن نوح بن درّاج، وعلي بن جعفر الهمّاني، وأبو علي بن راشد.
ثم قال الشيخ: هؤلاء جماعة المحمودين، وتركنا ذكر استقصائهم لأنّهم معروفون مذكورون في الكتب(١٧).
وعن ابن طاووس في ربيع الشيعة: أنّ محمد بن علي بن مهزيار من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي (عليهما السلام)(١٨) فيهم.
وقد ذكر الثقة العين كثير الحديث الأقدم؛ ابن أبي الثلج البغدادي المتوفى سنة ٣٢٥، في كتابه تاريخ الأئمة (عليهم السلام) باباً بعنوان: أبواب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام) وقال فيه:
أمّا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بابه أمير المؤمنين (عليه السلام).
علي بن أبي طالب (عليه السلام)، بابه سلمان الفارسي، كان الباب سفينة ذو اليدين صاحب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
الحسن بن علي (عليه السلام)، بابه سفينة وقيس بن عبد الرحمن.
الحسين بن علي (عليه السلام)، بابه رشيد الهجري.
علي بن الحسين (عليه السلام)، بابه أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أم طويل قتله الحجاج بواسط.
محمد بن علي (عليه السلام)، بابه جابر بن يزيد الجعفي.
جعفر بن محمد (عليه السلام)، بابه المفضل بن عمر.
موسى بن جعفر (عليه السلام)، بابه محمد بن الفضل.
علي بن موسى (عليه السلام)، بابه محمد بن الفرات.
محمد بن علي (عليه السلام)، بابه عمر بن الفرات.
علي بن محمد (عليه السلام)، بابه عثمان بن سعيد العمري.
الحسن بن علي (عليه السلام)، بابه عثمان بن سعيد.
القائم الحجة المنتظر (عليه السلام)، بابه عثمان بن سعيد، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى محمد بن عثمان بعهد عهده إليه أبو محمد الحسن بن علي، روى عنه ثقات الشيعة أنّه قال: (هذا وكيلي وابنه وكيل ابني) يعني أبا جعفر محمد بن عثمان العمري، ولما حضرته الوفاة أوصى إلى أبي القاسم الحسين بن روح النميري، ثمّ أمر أبو القاسم بن روح أن يعقد لأبي الحسن السمري، ثمّ بطى(١٩) الباب والله أعلم(٢٠).
رمي بعض الأبواب بالغلو والتخليط:
هنالك ظاهرة جديرة بالالتفات إليها، وهي: أنّ بعض من عُدَّ من الأبواب عند الشيخ الطوسي والمفيد وأبي الثلج البغدادي وغيرهم، قد عُدَّ عند آخرين من الغلاة والمفوضّة.
فمثلاً أنّ محمد بن الفرات الذي ذكره البغدادي باباً لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام)، قد ضَعَّفه النجاشي(٢١). ورماه الكشي بالغلو، وروى ما يدلّ على غلوّه وتبري الإمام الرضا (عليه السلام) عنه ولعنه(٢٢).
كما أن المفضل بن عمر هو الآخر الذي وقع فيه بعض ورموه بالغلو والتخليط(٢٣)، ووردت فيه روايات تذمه وتتبرّأ منه(٢٤).
مع أنّ المفضل على ما هو الصحيح، هو الثقة الجليل كما شهد بذلك الشيخ المفيد وعدّه من خاصّة أبي عبد الله (عليه السلام) وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين(٢٥) وعدّه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة من السفراء الممدوحين. وقد مرّ ذكر بعض الروايات عن الكشي تدلّ على اختصاصه بأبي عبد الله (عليه السلام). كما عدّه ابن شهر آشوب من خواص أصحاب الصادق (عليه السلام)، ونصّ على أنّه من الثقات، وذكر أنّ المفضل كان باب موسى بن جعفر (عليه السلام)(٢٦).
وقال السيد الخوئي (رحمه الله) بعد ذكر جميع ما ورد في المفضل من المدح والذم:
والذي يتحصل مما ذكرنا أنّ نسبة التفويض والخطابية إلى المفضل بن عمر لم تثبت... وأمّا ما تقدّم من الروايات الواردة في ذمّه، فلا يعتدّ بما هو ضعيف السند منها. نعم أنّ ثلاث روايات منها تامّة السند، إلّا أنّه لابدّ من ردّ علمها إلى أهلها، فإنّها لا تقاوم ما تقدّم من الروايات الكثيرة المتظافرة التي لا يبعد دعوى العلم بصدورها من المعصومين إجمالاً، على أن فيها ما هو الصحيح سنداً. فلابدّ من حملها على ما حملنا عليه ما ورد من الروايات في ذمّ زرارة ومحمد بن مسلم ويزيد بن معاوية وأضرابهم... ويكفي في جلالة المفضل تخصيص الإمام الصادق (عليه السلام) إياه بكتابه المعروف بتوحيد المفضل وهو الذي سمّاه النجاشي بكتاب فكّر، وفي ذلك دلالة واضحة على أنّ المفضل كان من خواصّ أصحابه ومورد عنايته. أضف إلى ذلك ما تقدّم من توثيق الشيخ المفيد إياه صريحاً، ومن عدّ الشيخ إياه من السفراء الممدوحين... والنتيجة أنّ المفضل بن عمر جليل ثقة، والله العالم(٢٧).
ومراد السيد الخوئي (رحمه الله) من حمل الروايات الذامة على ما مر في زرارة وأضرابه، هو صدور الذم من الإمام تقية للحفاظ على حياة الباب والراوي. حيث إنّ السلطة كانت تترصّد كلّ من يختصّ بأهل البيت (عليهم السلام)، لتنكّل به وتجهض نشاطه. فكان الأئمة (عليهم السلام) يطعنون في بعض خواصّهم ويعيبونهم، ليموّهوا الأمر على رجال السلطة، فلا يتيسّر لهم ذلك. وقد استشهد الإمام الصادق (عليه السلام) في الرسالة التي أرسلها لزرارة من خلال ابنه، بما صنعه الخضر من إحداث العيب في السفينة التي ركبها مع موسى (عليه السلام)، وذلك للحيلولة دون مصادرة الظالم لهذه السفينة العائد ريعها للمساكين، فهو بذلك قد منع ذلك الجبار من أن يبطش بالمساكين فيسلبهم مصدر قوتهم.
ثمّ قال (عليه السلام) لعبيد الله بن زرارة أن يبلّغ أباه عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «فإنك أفضل سفن ذلك البحر، القمقام، الزاخر، وإن من ورائك لملكاً، ظلوماً، غصوباً يرغب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصباً، فيغصبها، وأهلها»(٢٨).
ولكن نرى البعض، أنّه اغترّ بظاهر بعض تلك الطعون الواردة، فقدح في أمثال أولئك الثقات.
وهذا ما يوقظ شعور الباحث ليتنبّه إلى الأجواء الأمنية الخطيرة التي كانت تحدق بالأئمة وأبوابهم آنذاك، من البطش الأموي والعسف العباسي، يمنعهم من التصريح أحياناً، ويُلجئهم إلى ممارسة التكتيك الأمني أخرى.
وقد يشاهد في بعض الكتابات عدم الالتفات للظروف والبيئة التي صدرت فيها الأخبار، فيتصوّر الباحث أو الكاتب، أنّ الظروف كانت مؤاتية والأمن مستتباً ولم يكن هنالك منع ولا قهر ولا عسف، ولم يكن يمارس سياسة سد الحناجر وكمّ الأفواه. ومن هذا المنطلق ينظر في الأخبار فينفي ويثبت، فيأخذه الوهم، ويجرّ بذلك الويلات على نفسه وعلى المذهب، ولات حين مناص.
الحفاظ على السرية من قبل بعض النواب:
مما يلاحظ في حياة بعض السفراء، أنّهم كانوا يخفون سفارتهم عن عامّة الناس، لاسيما من قبل أن تتبلور فكرة الباب عند الشيعة. فقد ورد في نصر بن قابوس اللخمي أنّه كان وكيلا لأبي عبد الله عشرين سنة، ولم يُعلَم أنّه وكيل(٢٩).
وهذا الإخفاء كان نتيجة ظروف صعبة مر بها أولئك النواب، ومن هنا شدّد أهل البيت (عليهم السلام) على إخفاء من ينوبونه نيابة خاصة، حذراً من استغلال السفلة هذا المقام، فيقومون بالمتاجرة زيغاً بادّعاء هذا المقام وتقمّصاً لهذه المقامات.
ويظهر أنّ النبي والأئمة (عليهم السلام) كان لهم سفراء خاصون، لكن لم يكن الإعلان والإظهار عنهم بمستوى السفراء الأربعة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بل كان في طي الكتمان والخفاء، وكان في الظاهر بعنوان الوكالة المعتادة. إلى أن وصلت النوبة لعهد العسكريين (عليهما السلام)، فبلغت مستوى المعرفة والعلم لدى أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بدرجة مؤهلة وقابلة لفهم ذلك ووعايته والأمن من الاغترار بالمدّعين الكذابين السفلة.
بل بلغت الشيعة مستوى من المعرفة والإيمان إلى درجة التمييز بين الأبواب الصادقين والكاذبين، كما صنع ذلك الشيخ الطوسي وغيره.
طريق معرفة الأبواب وظهور المعجزات منهم:
وبالنظر لخطورة هذا المقام، لم تكن الطائفة تسلّم لكل من يدّعي السفارة، بل كانوا يقومون بامتحان من نصّ على كونه باباً من قبل الأئمة (عليهم السلام). فكما أنّ مدّعي النبوّة والإمامة لابد وأن يكون لديه الدليل والحجة، كذلك السفير والباب.
وهذا أيضاً مؤشّر آخر على فهم مقام الباب عند الطائفة ونظرتهم إليه. فلم يكونوا يرونه مجرد راوٍ يرتبط بالإمام أحياناً، فيروي ما سمعه منه، أو فقيهٍ يستنبط من كلام الإمام، بل صلاحية ذلك المقام تفوق مقام الرواية والفقهاء، مما استوجبت هذه الدرجة من التشدد فيمن يدّعي هذا المقام.
كما أنّ ظهور بعض المعاجز والكرامات على أيديهم كان كبرهان على مقامهم السامي، مثل ما مر في سلمان.
نبذة من غرائب حالات الأبواب وعلمهم اللدني:
معرفتهم بلغات أهل الأرض:
قال الشيخ الصدوق: أخبرنا محمّد بن علي بن متيل، قال: كانت امرأة يقال لها زينب من أهل آبة(٣٠) وكانت امرأة محمّد بن عبديل الأبي معها ثلاثمائة دينار، فصارت إلى عمّي جعفر بن محمّد بن متيل وقالت: أحبُّ أن أسلّم هذا المال من يدي إلى يد أبي القاسم بن روح، قال: فأنفدني معها أترجم عنها، فلمّا دخلت على أبي القاسم (رضي الله عنه) أقبل يكلّمها بلسان آبي فصيح، فقال لها: (زينب! جونا، خوبذا، كوبذا، جون استه)(٣١) ومعناه كيف أنت؟ وكيف كنت؟ وما خبر صبيانك؟ قال: فاستغنت عن الترجمة وسلّمت المال ورجعت(٣٢).
ورواه الشيخ في الغيبة، والعبارة الفارسية التي نقلها عن الشيخ أبي القاسم كالتالي:
(زينب چونا چون بدا كوليه جونسته). قال وفي نسخة: (چوني چون بدى)، وفي البحار: (ونا چويدا كوايد چون أيقنه). وفي بعض نسخ كمال الدين: (چوني چونا چويدا كواندچون استه). وهذا الاختلاف يرجع لكون العبارة باللغة الفارسية الشعبية الدارجة في تلك المنطقة، فلم يكن يجيدوها الرواة غير العارفين بتلك اللغة.
علمهم بالغيبيات:
روى الصدوق قال: حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد، قال: حضرت بغداد عند المشايخ (رضي الله عنهم) فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمّد السمري (قدس الله روحه) ابتداءً منه: رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي، (قال): فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم، ومضى أبو الحسن السمري (رضي الله عنه) في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة(٣٣).
وقال الصدوق: حدّثنا الحسين بن علي بن محمّد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال: كنت ببخارى فدفع إليَّ المعروف بابن جاوشبر عشرة سبائك ذهباً وأمرني أن أسلّمها بمدينة السلام إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه) فحملتها معي، فلمّا بلغت آمويه (آمل)(٣٤) ضاعت منّي سبيكة من تلك السبائك ولم أعلم بذلك حتّى دخلت مدينة السلام.
فأخرجت السبائك لأُسلّمها فوجدتها قد نقصت واحدة، فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها وأضفتها إلى التسع السبائك، ثمّ دخلت على الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس الله روحه) ووضعت السبائك بين يديه.
فقال لي: خذ تلك السبيكة التي اشتريتها وأشار إليها بيده وقال: إن السبيكة التي ضيّعتها قد وصلت إلينا وهو ذا هي، ثمّ أخرج إليَّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت منّي بآمويه فنظرت إليها فعرفتها(٣٥).
قال الحسين بن علي بن محمّد المعروف بأبي البغدادي: ورأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة فسألتني عن وكيل مولانا (عليه السلام) من هو؟ فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم الحسين بن روح وأشار إليها، فدخلت عليه وأنا عنده، فقالت له: أيها الشيخ أيّ شيء معي؟ فقال: ما معك فألقيه في الدجلة، ثمّ ائتيني حتّى أخبرك.
قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها فألقته في الدجلة، ثمّ رجعت ودخلت إلى أبي القاسم الروحي (قدس الله روحه)، فقال أبو القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحُقّ، فأخرجت إليه حُقّه، فقال للمرأة: هذه الحُقّة التي كانت معك ورميت بها في الدجلة أخبرك بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني أنت، فقال: في هذه الحُقّة زوج سوار ذهب وحلقة كبيرة فيها جوهرة وحلقتان صغيرتان فيهما جوهر وخاتمان أحدهما فيروزج والآخر عقيق، فكان الأمر كما ذكر لم يغادر منه شيئاً.
ثمّ فتح الحُقّة فعرض عليَّ ما فيها، فنظرت إليه فقالت: هذا الذي حملته بعينه ورميت به في الدجلة، فغشي عليَّ وعلى المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة، ثمّ قال الحسين لي بعدما حدّثني بهذا الحديث: أشهد عند الله (عزَّ وجلَّ) يوم القيامة بما حدّثت به أنه كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه، وحلف بالأئمّة الاثني عشر (صلوات الله عليهم) لقد صدق فيما حدّث به وما زاد فيه وما نقص منه(٣٦).
بيانات الإدانة والتبري من السفراء المذمومين:
ولخطورة هذا المقام، كانت الطائفة لا تتريث في إصدار بيانات التبري والإدانة لمن يتقمّصها زوراً أو من ينحرف من السفراء. وقد عقد الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة باباً لذكر السفراء الممدوحين، وذكر بعد ذلك السفراء المذمومين. والمذمومون هم الذين ادّعوا السفارة زوراً، أو كانوا من السفراء فترة ثم بدّلوا وغيّروا، فصدرت البراءة بحقهم. حيث - كما مر - أنّ من اقتضاءات السفارة الخاصّة أن يكون السفير تحت الإشراف والرقابة الدائمة من الإمام (عليه السلام)، فمتى ما بدّل أو تصرّف بما لا يرضى، يصدر التبري منه ومن موقفه، كي لا ينحسب على الإمام (عليه السلام).
وهذا أيضاً مؤشّر هام على أنّ مقام السفارة ليس كمقام الرواية أو الفقاهة، إذ في الغالب كان الأئمة (عليهم السلام) يكتفون بذكر معايير عامّة، تتحاكم الشيعة إليها لمعرفة الراوي الثقة المأمون عن غير المأمون وهكذا الفقيه، بخلاف ما يصدر منهم (عليهم السلام) في الوكلاء الذين بدلوا وغيروا.
نظير ما روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) من قوله: «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلهم، فإن من ركب من القبائح والفواحش مراكب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئاً ولا كرامة»(٣٧).
وذلك لعدم امتلاكهم لأية موقعية رسمية من قبل أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يكن لهم مقام التمثيل والناطق الرسمي عنهم (عليهم السلام).
فوارق منصب السفارة عن الفقاهة والرواية:
إنّ الباب والسفير يمثّلان الإمام (عليه السلام)، ولهما منصب الناطق الرسمي عن دولة أهل البيت (عليهم السلام)، طبعاً في دائرة صلاحياتهم المخوّلة إليهم، وليس مطلقاً.
ومن هنا فيكون كلامهم وقولهم هو القول الفصل فيما إذا نطقوا داخل منطقة مسؤوليتهم، بل إنّه يؤخذ بكلامهم دون النظر في وثاقتهم أو فقاهتهم.
بعبارة أخرى: إنّ كلام الناطق الرسمي عن الدولة، يمثل نفس مواقف الدولة التي أعلن عنها. وليس كاشفاً وإمارة على تلك المواقف، وليس طريقاً للكشف عن مواقف الدولة الرسمية المعلنة. ومن هنا فجميع القواعد والمعايير التي تُقوَّم بها الإمارات الكاشفة عن رأي المعصوم روايةً أو فقاهةً، لا مجال لها ههنا.
إنما أنت تواجه متن الدستور المعلن عبر قناة رسمية منصوبة من قبل الدولة، وليست إمارة حسية أو حدسية، كاشفة عن الدستور، وليس حاصلاً من استنتاج فكري عبر فهم المعاني، مثل ما يمارسه الفقيه. بل هو متن الحكم والدستور، ومصدر للفقاهة والرواية.
وفي الحقيقة أنّ الاعتماد هنا ليس على السفير، بل على الإمام الرقيب والمُشرِف على مواقف سفيره وبابه. كما نرى في الدول الوضعية، أنّهم لا يتريّثون في نسبة كلام الناطق الرسمي إلى الدولة، دون النظر في وثاقته أو أمانته. إنَّما الاعتماد على نفس جهاز الدولة التي جعلته ممثلاً وناطقاً رسمياً لنفسها. إلّا إذا أدانت الحكومة تصرّف السفير والناطق، وبخلاف ذلك يؤخذ بتصرفات السفير وتكون مواقفه مُلزمة على كيان الدولة.
فلا تتأتى هنا مباحث حجية الخبر الواحد، ولا شرائط الإفتاء ولا مباحث الاجتهاد والتقليد. إنّه الناطق الرسمي ينطق عن الإمام (عليه السلام). وبذلك تتصاعد مرتبة حجية كلام السفير ويكون مهيمناً على أخبار الآحاد وعلى تفقّه الفقهاء، فهو صاحب القول الفصل.
إلّا المحكمات:
نعم إنّ حجية كلام الباب والسفير، لن تفوق حجية محكمات الدين وضرورياته. فإنّ الدين - شأن جميع المعارف والعلوم - يتشكل من أصول محكمة وثابتة وضرورية، تُعَدّ أُمّاً لساير ما عداها، وهي تشكّل رأس هرم المعلومات الوحيانية. هذه المحكمات لا يرفع اليد عنها أبداً، بل إنّ لها القضاء الفاصل فيما دونها من المتشابهات.
إنّ متاركة وترك المحكمات - وهي أُمُّ الكتاب - وتقديم ما دونها من أجزاء الوحي التنزيلي المتمثّل في القرآن، أو الوحي التأويلي الموجود في السنة، طريق أهل الزيغ والزلل والخطل والانحراف، كما نصّ على ذلك في الآية السابعة من سورة آل عمران. قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ (آل عمران: ٦-٧).
بل إنّ محكمات الثقلين مما يعرف بها الصادق على الله تعالى من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام)، عن الكاذب الدجال على الله تعالى. فلم يكن الإمام المعصوم ليتجاوز على محكمات الدين وثوابته الضرورية، ويُعطي للأمّة أن يحاكموه بالمحكمات. ذلك ليكشفوا عن دجل أهل الزيغ الذين يخفون أنفسهم تحت غطاء المتشابهات من الوحي النازل من السماء.
هذا الإمام الحسين (عليه السلام) وهو ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن خمسة أهل الكساء ومكانته معروفة لدى المسلمين. ومع ذلك يخاطب جمهور الطغاة في كربلاء ويتحدّاهم بقوله: «يا ويلكم أتقاتلوني على سنّة بدّلتها، أم على شريعة غيّرتها»(٣٨).
ومؤدى هذا الكلام، أنّ هنالك منظومة من المحكمات لن يتجاوزها الإمام الحسين (عليه السلام)، وللغير أن يعرفه بتلك الحدود والمقررات ويحاسبه ويقاتله على ذلك، فيما لو تجاوز عن تلك الحدود. وأمّا مع عدم تجاوزه دائرتها فلا يحق للغير مساءلته ومقاتلته. وتلك القاعدة الرقابية هي محكمات دين الله تعالى وشريعة سيد المرسلين. فإذا كان هذا شأن الإمام الحسين (عليه السلام)، فما ظنّك بشأن النائب والباب والسفير، كيف تكون له صلاحية الوصاية على محكمات الدين؟
كلا بل إنّه يدان بالمحكمات لو تجاوزها.
إنّ ضروريات وفرائض الدين تشكّل قواعد رقابية يعرف الناس بها منهاج أهل البيت (عليهم السلام) عن منهاج غيرهم. وإنّ حجية الأئمة (عليهم السلام) تكون في ظل هيمنة حجية الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتابعة لهما، كما قال الإمام الرضا (عليه السلام):
«إن الله حرَّم حراماً، وأحل حلالاً، وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرم الله، أو في تحريم ما أحل الله أو دفع فريضة في كتاب الله رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك، فذلك ما لا يسع الأخذ به. لأن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن ليُحرِّم ما أحلّ الله، ولا ليُحلّل ما حرّم الله، ولا ليُغيّر فرائض الله وأحكامه، كان في ذلك كله متبعاً مسلماً مؤدياً عن الله. وذلك قول الله: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ﴾ فكان (عليه السلام) متبعاً لله، مؤدياً عن الله ما أمره به من تبليغ الرسالة... لأنا لا نُرخِّص فيما لم يُرخِّص فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلّا لعلة خوف ضرورة. فأمّا أن نستحلّ ما حرّم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أو نُحرِّم ما استحلّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا يكون ذلك أبداً. لأنا تابعون لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مسلِّمون له، كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تابعاً لأمر ربّه، مُسلّماً له، وقال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾...»(٣٩).
ومن هنا وردت التوصيات من الأئمة (عليهم السلام) في روايات كثيرة، بعرض أخبارهم على محكمات الكتاب والسنة(٤٠)، فإنّهم لا يتكلمون بشيء يخالف تلك المحكمات. وهذه قاعدة رقابية مهمة في معرفة أهل الزيغ.
والمتحصّل: أنّ محكمات الدين وضرورياته لها الريادة والحكم الفصل فيما دونها، فحتى الإمام المعصوم المنصوص على إمامته، لا يُتصور أن يصدر عنه ما يخالف تلك المحكمات. وطبعاً أنّها صارت محكمة بفضل صراحة الآيات والروايات وتعددها وتوافرها، بما لا يعد مجالاً للشكّ فيها.
أمّا السفير والباب، فصلاحيته تأتي في الرتبة المتأخرة عن أهل البيت (عليهم السلام)، فليس من حقه أن يتجاوز الدوائر المرسومة فوقه، من محكمات الكتاب والسنة، والثابتات الضرورية من روايات أهل البيت (عليهم السلام)، وليس له أن يغيّر منهاج أهل البيت وشعارهم، فهو يُحاسَب على كلّ هذا.
مرتبة حجية الباب:
ويمكن أن يقال: إنّ درجة حجية الباب تتوسَّط بين حجية كلام الفقهاء والرواة، وبين حجية كلام المعصومين (عليهم السلام)، فهو صاحب القول الفصل بالنسبة لما اختلف فيه الرواة والفقهاء مما لم يكن ضرورياً من منهاج أهل البيت (عليهم السلام)، ومحكمات الثقلين. وأمّا في حدود المحكمات وثوابت المذهب، فليست له صلاحية ليتجاوزها.
ومعرفة رتب الحجج من أهم الأمور للسلامة عن الزيغ والانحراف. فنحن حينما نعطي للنائب الخاص صلاحيات فوق صلاحية الفقهاء - طبعاً في حدود وظيفتهم - لا نعطيهم تلك في ما ثبت بالضرورة أنّه من سيرة أهل بيت (عليهم السلام) وسنتهم وطريقتهم وكلامهم، فضلاً عن محكمات القرآن والسنة النبوية (على مصدرها وآله أفضل السلام والتحية).
وهذا باب تفتح منه بصائر المؤمنين، كيلا يقعوا في شراك المتقمّصين لصلاحيات المناصب الإلهية. فأنت ترى أنّ أرباب الفرق المنحرفة وأهل الزيغ والبدع، ممن ادعى المهدوية أو النيابة الخاصة والسفارة، من أول ما يؤخذ عليهم أنّهم يخالفون الثوابت المحكمة الضرورية من الدين، والثابتة بالبراهين والمتواترة من الأخبار ونصوص القرآن الكريم.
فبين من يدعو لترك الالتزام بالواجبات والمحرمات، ومن يدعو لهجران الثقلين أو أحدهما، من يخالف المتواتر من الأحاديث في حصر عدد الأئمة في اثني عشر، ومن يخالف الحكم الضروري الثابت عند الطائفة بانقطاع السفارة والنيابة الخاصة. وسنشير فيما يأتي لبعض الوجوه المثبتة لهذا الحكم الضروري.
فلو كانت بيئة أهل الإيمان مزودّة بهذه القواعد الرقابية من محكمات الكتاب والسنّة، وكانت تراقب وتحاسب كلّ مدّع بهذه القواعد والمحكمات، لما بقي لهؤلاء متنفّس فيها. ولكن هجر القرآن والسنة وروايات أهل البيت (عليهم السلام)، وعدم تلقين الضروريات وتكرارها، سبّب في إيجاد بيئة خصبة لأولئك الدجالين، فيصولون ويجولون فيها.
قناة ارتباط الباب بالإمام (عجَّل الله فرجه):
كما مرّ أنّ منصب الباب والسفير يكون من شؤون إمامة أهل البيت (عليهم السلام)، وقيادتهم للمجتمع. وهذا يستلزم وجود خط مباشر فيما بين الإمام والباب، ليستعلم رأي الإمام متى ما اقتضت الضرورة ذلك، كما أنّ المعصوم يراقبه ويشرف على أعماله. فلو كان يربطه بالإمام قناة التلقي الحسي، لكان كسائر الرواة، بل لعله أقل اتصالاً بالمعصوم من بعضهم. ومن ثمّ لا يتمكّن من تمثيل الإمام (عليه السلام) والنطق باسمه.
ومن هنا كان الأئمة (عليهم السلام) يزوّدون هؤلاء الأبواب بقنوات غيبية تربطهم بالإمام. نظير ما مرّ في سلمان المحمدي وانّه محدَّث عن إمامه.
روى الكشي في الموثق عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ: «كَانَ واللهِ عَلِيٌّ مُحَدَّثاً وكَانَ سَلْمَانُ مُحَدَّثاً»، قُلْتُ اشْرَحْ لِي! قَالَ: «يَبْعَثُ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكاً يَنْقُرُ فِي أُذُنِهِ يَقُولُ كَيْتَ وكَيْتَ»(٤١)، كما وروي مثله عن أبي جعفر (عليه السلام).
وفي الكشي أيضاً: عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن سلمان كان محدثاً قال: «إنه كان محدثاً عن إمامه لا عن ربه لأنه لا يحدث عن الله (عزَّ وجلَّ) إلّا الحجة»(٤٢).
ومن نماذج ذلك أيضاً ما ورد في جابر بن يزيد الجعفي وهو باب مولانا الإمام الباقر (عليه السلام).
روى الكليني في باب أنّ الجن يأتيهم فيسألهم عن معالم دينهم ويتوجهون في أمرهم، بسند صحيح عن النعمان بن بشير قال:
كنت مزاملاً لجابر بن يزيد الجعفي، فلما أن كنا بالمدينة دخل على أبي جعفر (عليه السلام) فودعه وخرج من عنده وهو مسرور حتى وردنا الأخيرجة(٤٣) - أول منزل نعدل من فيد(٤٤) إلى المدينة - يوم جمعة فصلينا الزوال، فلما نهض بنا البعير إذا أنا برجل طوال آدم معه كتباً، فناوله جابراً فتناوله فقبله ووضعه على عينيه وإذا هو: من محمد بن علي إلى جابر بن يزيد وعليه طين أسود رطب، فقال له: متى عهدك بسيدي؟ فقال: الساعة فقال له: قبل الصلاة أو بعد الصلاة؟ فقال: بعد الصلاة، ففك الخاتم وأقبل يقرؤه ويقبض وجهه حتى أتى على آخره، ثم أمسك الكتاب فما رأيته ضاحكاً ولا مسروراً حتى وافى الكوفة، فلما وافينا الكوفة ليلاً بِتُّ ليلتي، فلما أصبحت أتيته إعظاماً له فوجدته قد خرج عليّ وفي عنقه كعاب، قد علقها وقد ركب قصبة وهو يقول: (أجد منصور بن جمهور أميراً غير مأمور) وأبياتاً من نحو هذا، فنظر في وجهي ونظرت في وجهه فلم يقل لي شيئاً ولم أقل له، وأقبلت أبكي لما رأيته واجتمع عليَّ وعليه الصبيان والناس، وجاء حتى دخل الرحبة وأقبل يدور مع الصبيان والناس يقولون: جُنَّ جابر بن يزيد جُنّ، فوالله ما مضت الأيام حتى ورد كتاب هشام بن عبد الملك إلى واليه أن انظر رجلاً يقال له: جابر بن يزيد الجعفي فاضرب عنقه وابعث إليَّ برأسه، فالتفت إلى جلسائه فقال لهم: من جابر بن يزيد الجعفي؟ قالوا: أصلحك الله كان رجلاً له علم وفضل وحديث، وحج فجُنَّ وهو ذا في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم قال: فأشرف عليه فإذا هو مع الصبيان يلعب على القصب، فقال الحمد لله الذي عافاني من قتله، قال: ولم تمض الأيام حتى دخل منصور بن جمهور الكوفة وصنع ما كان يقول جابر(٤٥).
فارتباط الباب بالإمام لا يقتصر على التلقي الحسي البشري، بل قد يرتبط بالإمام (عليه السلام) عبر التلقي الغيبي الإلهامي أو عبر بعض الملائكة أو المؤمنين من الجن.
اصطلاح الباب في الجانب الغيبي:
بل إنّ مقام الباب اصطلاح دارج في العلم الإلهامي غير الكسبي، كما مر في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ﴾ (الأعراف: ٤٠) والحديث المتفق عليه بين الفريقين: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»(٤٦).
وورد في زيارة الأبواب وسفراء الإمام الثاني عشر (عجَّل الله فرجه)، وقد رواه الشيخ في التهذيب وذكر أنها منسوبة إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رحمه الله):
أشهد أنك باب المولى أديت عنه وأديت إليه، ما خالفته ولا خالفت عليه، فقمت خالصاً وانصرفت سابقاً. جئتك عارفاً بالحق الذي أنت عليه وأنك ما خنت في التأدية والسفارة، والسلام عليك من باب ما أوسعه، ومن سفير ما آمنك، ومن ثقة ما أمكنك، أشهد أن الله اختصك بنوره حتى عاينت الشخص فأديت عنه وأديت إليه... جئتك مخلصاً بتوحيد الله وموالاة أوليائك والبراءة من أعدائهم ومن الذين خالفوك يا حجة المولى وبك إليهم توجهي وبهم إلى الله توسلي(٤٧).
إنّ مفهوم الأداء والتأدية أعم من مفهوم الرواية والحكاية. فإنّ الرواية ظاهرة في التلقي المسموع المحسوس، بينما مفهوم الأداء أعم ويستعمل في التلقي الغيبي. فلا يقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) روى عن ربه، أو جبرئيل روى عن الله (جلَّ جلاله)، وإنما يقال أدّى عن الله تعالى وبلّغ عنه.
ثم أكّد في قوله: (أشهد أن الله اختصك بنوره حتى عاينت الشخص فأديت عنه) على أنّ هذا الأداء متوقف على المعاينة، وهي تتوقف على الاصطفاء في مقام النور. وهذا يقرّب أن لا يكون التلقي والأداء بأداة حسية متاحة لسائر الرواة.
وهذا ما أوقع الغلاة والمقصرة في الوهم، فظنّ الغلاة أنّها دعوى الألوهية في الإمام والنبوة في الباب، حيث ترسَّخ في عقليتهم حصر أنماط الوحي والإلهام وتحديث الملائكة بمقام النبوة عن الله (جلَّ جلاله). وكذا المقصّرة لأجل هذا الوهم بعينه، أنكروا إمكانية أن يكون الإمام على ارتباط بسفيره عبر الإلهام أو الاستعانة ببعض الملائكة أو مؤمني الجن، لزعمهم أنّها من الشؤون الإلهيّة.
لكن القرآن يؤكّد على أنّ هنالك طرقاً متعدّدة للارتباط والاتصال الغيبي، يستخدمها الأنبياء والصالحون (عليهم السلام). نظير النبي سليمان (عليه السلام)، حيث كان الجن يعملون له(٤٨)، والطير تأتي له بالأخبار وكان ينفذه سليمان (عليه السلام) في مهماته الحكومية(٤٩). وهكذا أُم موسى حيث أوحى الله إليها(٥٠) ولم تكن نبية، وكذا مريم كلّمتها الملائكة(٥١) والله تعالى(٥٢) ولم تكن نبية.
موقعية الباب في العقيدة:
ثمّ إنّ تصدّر زيارة الأبواب بالشهادة والإقرار بمقام الباب، يدلّ على أنّ مقام السفير مما يجب الاعتقاد به وينبغي الإعلان والإجهار بهذه العقيدة. فالشهادة إنما هي من أعمال القلب، أي ما ينبغي الاعتقاد به. وقد ندب الشارع إلى الإذعان والاعتراف بتلك العقيدة، فيكون الثواب والعقاب على مجرد العقيدة التي هي عمل القلب. وهذه ميزة المسألة الاعتقادية.
ومن ذلك يُعلَم: أنّ مقام الباب والسفير داخل في ضمن العقائد، ويكون صرف الإقرار به من كمال الإيمان.
وهذه من جملة الفوارق بين منصب الفقاهة والسفارة، فإنّ الفقيه لا يجب الاعتقاد بدوره ومنصبه، ولا يضر لو لم يعتقد أحد بمنصبه بعد ما طبّق عمله وفق فتاواه، فإنّ له دور الإفتاء والكشف عن الحكم الشرعي للمكلّفين، وليس له شأن اعتقادي. بينما الباب والسفير، لابد من الاعتقاد بمقامه قبل العمل بمقاله. وأنّ الإيمان أو بعض درجات الإيمان متوقّف على الإيمان به وبمقامه.
ومن الفوارق أيضاً: أن الباب داخل ضمن محور التولي والتبري، كما ورد في هذه الزيارة: جئتك مخلصاً بتوحيد الله وموالاة أوليائك والبراءة من أعدائهم ومن الذين خالفوك يا حجة المولى وبك إليهم توجهي وبهم إلى الله توسلي(٥٣).
ومرّ عن أَمِير المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قوله: «يَا أَبَاذَرٍّ إِنَّ سَلْمَانَ بَابُ اللهِ فِي الأَرْضِ، مَنْ عَرَفَهُ كَانَ مُؤْمِناً ومَنْ أَنْكَرَهُ كَانَ كَافِراً، وإِنَّ سَلْمَانَ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ»(٥٤).
فلابد من التبري من كل من خالف الباب، كما يجب تولي كل من يوالي الباب. وهذا مقام عظيم لا ينال غير المعصوم، أو من ضمن المعصوم عدم زيغه وصوابه.
وأمّا عموم المؤمنين والفقهاء والعلماء - مهما عظم مقامهم ورفع قدرهم - فلا يجوز جعلهم محوراً للتولي والتبري، وإنما هذا من الشؤون الحصرية للمعصومين (عليهم السلام). وبما أن السفير داخل ضمن مجموعة دولة خليفة الله، ويكون مراقَباً من قِبَل المعصوم، فيكون تولي وليه والتبري من عدوه ضمن تولي المعصوم والتبري من عدوه.
ومن غير الصحيح ما قد يشاهد في بعض الأوساط الإيمانية حيث يجعلون غير المعصوم محوراً لتوليهم وتبريهم، فيوالون كلّ من يوالي من يعتقدون فيه من العلماء والمراجع والفقهاء والأولياء، ويتبرؤون من كل من لا يواليه أو يتبرّأ منه. علينا أن نفهم أن ذلك المنصب خاص بأهل بيت العصمة (عليهم السلام)، كما ورد في زيارة عاشوراء: «ولي لمن والاكم وعدوّ لمن عاداكم».
موقف فقهاء الطائفة تجاه مقام الباب:
لخطورة هذا المقام، كانت الطائفة تقوم بامتحان واختبار من نُصّ على نيابته الخاصة، وكانوا يلعنون ويتبرؤون ممن يدّعي هذا المقام كذباً، كما خصّصوا في كتبهم باباً لذكر السفراء المذمومين. مما يدلّ على أنّ عدم الإيمان بالسفير كتقمّص مقام السفارة، كلاهما يوجب الخروج عن المذهب، ويسوّغ اللعن والبراءة.
وهو حكم تسالمت عليه الطائفة في الغيبة الصغرى. فكانت الطائفة تتبرّأ ممن لا يؤمن بمقام أبواب الإمام (عليه السلام) وسفرائه، أو من يتقمّص هذا المقام كذباً.
روى الشيخ الطوسي عن أبي علي بن همام: كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد (عليه السلام)، فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان (رضي الله عنه) بنص الحسن (عليه السلام) في حياته، ولما مضى الحسن (عليه السلام) قالت الشيعة الجماعة له: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟
فقال لهم: لم أسمعه ينص عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه - يعني عثمان بن سعيد - فأمّا أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه فقالوا:
قد سمعه غيرك، فقال: أنتم وما سمعتم، ووقف على أبي جعفر، فلعنوه وتبرؤا منه. ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن(٥٥).
وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ المفيد، عن الشيخ أبي القاسم بن محمّد ابن قولويه - صاحب كتاب كامل الزيارات، وهو أُستاذ الشيخ المفيد، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى - قال:
وَقَدْ كُنَّا وَجَّهْنَا إلى أَبِي بَكْرٍ البَغْدَادِيِّ لمَّا ادَّعَى لَهُ هَذَا مَا ادَّعَاهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وحَلَفَ عَلَيْهِ فَقَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ. فَلَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ مَالَ إِلَيْهِ وعَدَلَ عَنِ الطَّائِفَةِ وأَوْصَى إِلَيْهِ لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَلَعَنَّاهُ وبَرِئْنَا مِنْهُ لِأَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنِ ادَّعَى الأَمْرَ بَعْدَ السَّمُرِيِّ (رحمه الله) فَهُوَ كَافِرٌ مُنَمِّسٌ ضَالٌّ مُضِلٌّ وبِاللهِ التَّوْفِيقُ(٥٦).
علّة كفر مدَّعي السفارة كذباً:
إن مَن يتقمّص هذا المقام ويدّعي كذباً أنّه الباب والممثل الرسمي لأهل البيت (عليهم السلام)، فإنه قد ارتكب العديد من المحاذير الموجبة للخروج عن المذهب، منها:
١ - دعوى التغلب والتمرد على النظام الإلهيّ، كمن يدّعي لنفسه زوراً أنه الممثل الرسمي من قبل دولة معيّنة، فنفس هذه الدعوى بعينها إعلان للمعارضة والمجابهة العلنية مع تلك الدولة. وهذا بعينه هو الوجه في كفر عبدة الأصنام، حيث كانوا يختارون من عند أنفسهم وسائط بينهم وبين الله تعالى، ولم ينزل الله تعالى بها من سلطان. وهذا يعني أنّ العباد يفرضون رأيهم على الله (عزَّ وجلَّ)، وهو الكفر بعينه. وقد ردّ الله عليهم بقوله تعالى: ﴿ويَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ ولا يَنْفَعُهُمْ ويَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأَرْضِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَمَّا يُشْرِكُون﴾ (يونس: ١٨).
٢ - دعوى الهيمنة على ظواهر الكتاب والسنة، وأنّ قوله يُحَكَّم على ظواهر الدين ولو بالتأويل. لأنه يدعي أن عنده قناة ارتباط مباشر غيبي مع صاحب الشريعة، فيكون صاحب القول الفصل، يقفز ويتمرد على ظواهر وثوابت سنن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو مذهب أهل البيت (عليهم السلام). ففي الأول كفر الإسلام وفي الثاني كفر الإيمان. مع أنّه في الأولى يدَّعي الارتباط بالله تعالى كما كان للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يزعم أنّ حجية تلقيه عن الله تعالى تفوق حجية تلقي النبي، حيث يقدّم قوله على قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وفي الثانية يدّعى الارتباط بالرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دون توسط الأئمة (عليهم السلام)، والمفروض أنّه غير منصوب من قبلهم (عليهم السلام). فدعواه أنّ له صلاحية فوق صلاحية الفقهاء وفوق المستفاد من ظواهر الدين، هي دعوى الوصاية على الدين، وأنّ له صلاحية التمرّد على سنن وتعليمات الأئمة (عليهم السلام).
ومن هنا تراهم غالباً لا يقفون عند دعوى السفارة والبابية، بل يرتقون إلى دعوى الإمامة والنبوة، بل الألوهية، كما في الحلاج وعلي محمد الباب.
قال الشيخ (قدّس سرّه) في كتاب الغيبة في السفراء المذمومين:
أولهم المعروف بالشريعي أخبرنا جماعة، عن أبي محمد التلعكبري، عن أبي علي محمد بن همام قال: كان الشريعي يكنى بأبي محمد. قال هارون: وأظن اسمه كان الحسن وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ثم الحسن بن علي بعده (عليهم السلام) وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلاً له، وكذب على الله وعلى حججه (عليهم السلام) ونسب إليهم ما لا يليق بهم، وما هم من براء، فلعنه الشيعة، وتبرأت منه وخرج توقيع الإمام بلعنه والبراءة منه. قال هارون: ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد قال: وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم وكلاؤه فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعاً لعائن الله تترى(٥٧).
موقعية الفقهاء والفرق بينهم وبين النائب الخاص:
والفرق بين مقام الفقيه ومقام النائب الخاص:
أولاً: حاكمية الصفات الكمالية:
إنّ الفقهاء لم يشخصوا بأسمائهم بل بتوفر صفات كمالية علمية وعملية فيهم، تؤهلهم للتصدي والإفتاء. ويكون المعنيّ بتشخيص توفّر تلك المواصفات فيهم، هم عامة الناس عبر آليات موضوعية كالرجوع لأهل الخبرة. ويكون الفقيه مراقَباً دائماً من أهل الخبرة والمجتمع، لضمان استمرارية هذه الصفات فيه.
فعن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
«فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنّه من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئاً ولا كرامة»(٥٨).
وفي مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق (عليه السلام):
«انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكماً فإني قد جعلته عليهم حاكماً»(٥٩).
ثانياً: محورية الأدلّة والوسط الخبروي:
مدار الحجيّة في الفقهاء إنما يتمحور في الثقلين والأدلّة الشرعيّة، وليس دور الفقيه إلّا كدور أهل الخبرة في التخصّصات الأخرى. ومن هنا تكون آراؤه محل النقد والمناقشة في الوسط الخبروي، وليس لشخص الفقيه أية حجيّة وراء حجيّة الأدلّة الشرعية من ظواهر الكتاب والسنة. ومن هنا يبحث العامي عن المجتهد وعن الأعلم، ومتى ما فقد الاجتهاد أو صار غيره أعلم يعدل عنه. وهذه المنظومة الإعجازية من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تجعل الهيمنة والريادة للكتاب والسنة وليس لشخص الفقيه، وأنّ موقف الفقهاء لابد وأن يُحَكّم بمحكمات الكتاب والسنة.
ومن هنا، فإنّ فقهاء الشيعة دائماً يكونون تحت رقابة شديدة، وتناقش أفكارهم وآراؤهم من قبل سائر العلماء والمتخصصين باستمرار. وأيضاً لا يغفل دور الناس في أن تكون سلوكياتهم تحت النظر، وهي تولّد بيئة رقابية ينشأ منه نوعٌ من الحصانة عن الزلل والزيغ. وفيما لو تجاوزوا الخطوط التخصصية المحددة يسقط اعتبارهم، كما حصل في ابن أبي العذاقر الشلمغاني وغيره.
وقد نهى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من جعل الشخص غير المعصوم محوراً للحجية والتولي والتبري، كما ورد عنهم (عليهم السلام): «إياك وأن تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما قال»(٦٠).
ومن السذاجة بمكان الاعتقاد في واحد من علمائنا الأخيار وفقهائنا الأبرار، أنّ له صلاحية فوق صلاحية المتخصّص والخبير، شأنه شأن ساير المتخصّصين والخبراء على اختلاف درجات التخصص والخبروية. فيكون الشخص محور الحجية والتولي والتبري. وهو يقرب من دعوى النيابة الخاصة والسفارة والعصمة.
وقد يشاهد أنّ بعض الأتباع يغالون في علم من أعلام المذهب، فينزلونه فوق منزلة الفقيه والعالم ليجعلوه وصياً على الدين. وهذه المغالاة قد تبرز في السلوك العملي لهم دون أن يصرّحوا بذلك. فمن الخطأ لو نزّلنا العالم فوق أن ينتقد حتى من قبل ساير أهل الاختصاص، أو عدم جواز الرجوع لغيره من ساير المتخصصين، وحكر الدين والمذهب على الشخص الواحد. كأنّما قد يُدعى أنه أتى بما لا يسبقه ولا يلحقه فيه أحد، وأنّه لا طريق للوصول إلى الدين إلّا من خلاله، فمن رام الوقوف على الدين والوحي الإلهي فلابد أن ينظر من خلال نافذته، وكلّ من لا ينظر منها يكون مجانباً للصواب.
هذه المغالاة في العلماء والفقهاء، ترجع في لبّها لدعوى صلاحيات النائب الخاص، وهي - مع خطورتها عند الطائفة حتى جعلوها من موجبات الخروج عن المذهب كما مر - تولّد بيئة خصبة لظهور المذاهب والأديان الضالة.
نموذج من مذهب البابية والبهائية وتأثرهم بالمدرسة الشيخية:
ظهرت البابية على يد السيد علي محمد الشيرازي، حيث ادَّعى أنّه باب الحجة، ثم ادَّعى أنّه هو المهدي الموعود، وأنّه نبي، فآل أمر أتباعه إلى القول بنبوّة الميرزا حسين علي النوري الملقّب عندهم ببهاء الله، وأنّه الذي أظهره الله ناسخاً للإسلام، من هنا ظهرت الديانة البهائية.
التي تنسب جذورها إلى بعض تلامذة المدرسة الشيخية الذين بالغوا في مكانة الشيخ أحمد الأحسائي، وبعد رحيل الشيخ الأحسائي رجع أكثرهم إلى السيد كاظم الرشتي الذي يعدّ عند بعضهم من أخص تلامذة الأحسائي، وقد نقلوا عن الأحسائي أنّه قال في الرشتي: (ولدي كاظم يفهم، ولا يفهم غيره)(٦١) وذكر كريمخان الكرماني تلميذ الرشتي أنّه سئل الشيخ الأحسائي: (أنّه إذا افتقدناك فممّن نأخذ العلم؟ فقال: من السيد كاظم فإنّه أخذ مني مشافهة، وقد أخذت العلم مشافهة عن أهل البيت (عليهم السلام)، والسيد كاظم أخذ العلم عن الله مباشرة)(٦٢).
وبعد ما توفى السيد كاظم الرشتي وقع الخلاف بين تلامذته في الوصي من بعده. فنشأت آراء مختلفة. فبعضهم تبع كريمخان الكرماني تلميذ السيد كاظم الرشتي. وقد كان يؤكّد وبإصرار على لزوم وجود المؤمن الكامل أو الركن الرابع من بعد الأركان الثلاثة أي التوحيد والنبوة والإمامة. وملئت كتب ودروس الكرماني بلزوم تولي الركن الرابع والتبري من أعدائه، وأنّه هو السبب في بقاء الأرض ولولاه ساخت الأرض وأنّ ببقائه تبقى الحجة، وغير ذلك مما هو من أوصاف الإمام المعصوم، قد نزّلها وطبّقها الكرماني على من سمّاه بالمؤمن الكامل، أو الركن الرابع(٦٣). فالمغالاة عند الكرماني تجاوزت عن حدها، فنزّل الركن الرابع منزلة الإمام المعصوم.
وهذه الفكرة راجت عند أتباع مدرسة الشيخ الأحسائي حتى الإحقاقية، لكنّها بأسماء وعناوين أخرى، فبين من يسمّيه الركن الرابع كالشيخية الكرمانية، ومن يسمّيه بالمؤمن الكامل، أو أحكام التولي والتبري، أو لزوم التبعية عن الفقيه الشيخي من سلالة المؤسسين وإن لم يكن من أهل الخبرة والاختصاص أو أقل خبرة من غيره ويسميه بالمولى، وغير ذلك. وكلّ ذلك يرجع في لبّه لفكرة النائب الخاص، وإعطاء صلاحيات تفوق صلاحية الفقهاء في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وجعل المحورية في الشخص بدل أن تكون في الأدلّة وظواهر الكتاب والسنّة.
وفي مثل هذه الأجواء رأى السيد علي محمد الشيرازي - الذي تتلمذ فترة عند السيد كاظم الرشتي - مجالاً واسعاً لنشر أطروحته، فادّعى لنفسه البابية. وكانت تتميّز هذه الدعوى بصرامة وصراحة أكثر من دعوى غيره كالكرماني، فتبعه ثمانية عشر من تلامذة الرشتي. وقد سماهم الشيرازي بحروف عدد الحي(٦٤)، حيث إنّهم من أوّل من آمن به وراج متاعه بسببهم، وعدد حروف الحي ١٨ بحسب الأبجد.
ففي الخطوة الأولى كان يسمي نفسه باب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأنّه مرسَل من قبله ليكون ذكراً للعالمين(٦٥) وقد أدخل اسمه في الأذان بعد الشهادة الثالثة(٦٦). ثم ارتقى بعد ذلك وادّعى أنّه هو المهدي الموعود(٦٧). وفي الخطوة الثالثة ادّعى لنفسه النبوة وأتى بكتابه الذي زعمه أنّه من الله وسمّاه بالبيان(٦٨). وأكّد في البيان على مجيء من يظهره الله من بعده.
وبعد ما توفّى علي محمد الشيرازي لجأ القسم الأكبر من أتباعه إلى الميرزا حسين علي النوري ولقبّوه ببهاء الله، وزعموا أنّه هو الذي بشّر به الباب في كتابه البيان، وهكذا تولدّت الديانة البهائية الزاعمة بأنّ البهاء هو النبي المرسل من قبل الله كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد أنزله الله ناسخاً للإسلام.
وطبعاً أنّ الشيخية الذين رفضوا دعوة الباب والبهاء، رفضوا أيضاً أن يكون محمد علي الشيرازي خريج مدرسة السيد كاظم الرشتي أو الشيخ الأحسائي، واعتقدوا أنّه قد ألصق نفسه بالسيد الرشتي ليكسب جمهور أتباعه. ونحن لا نريد الآن أن ندخل في مثل هذا النقاش. إنما الذي يهمّنا بحسب هذه الدراسة، محاولة كشف منشأ الزيغ والانحراف الذي أدّى لهذه النتائج المأساوية، لنتداركها ونتجنّب عنها. فإنّنا وإن برّأنا الشيخ الأحسائي من دعوى النيابة الخاصّة في نفسه، إلّا أننا لا نبرّأ أتباعه من إيجاد هذا الانطباع الخاطئ في عقليّة الناس بالنسبة للشيخ الأحسائي. وقد يكون السبب أو بعض السبب يرجع للشيخ نفسه بسبب عدم رعاية بعض موازين الكتمان والإذاعة والبث. ثم السيد الرشتي زاد في الطين بلّة، فحتى ولو قلنا وسلّمنا بأنّه لم يدع يوماً السفارة والبابية، إلّا أنّه لا يمكننا أن نبرّأه من إيجاده هذه الأرضية والبيئة الخصبة لظهور مثل هذه الأفكار والانحرافات، حيث يتمحور الشخص بدل محورية الثقلين.
إنّ فرض الوصاية لفقيه من الفقهاء على المذهب وجعله فوق أن ينتقد، وجعله محوراً للتولي والتبري، بحجة أنّه المؤمن الكامل أو الولي أو المولى أو الوسيط أو الركن الرابع، وغير ذلك مما هو من متبنيات المدرسة الشيخية بتشعباتها المختلفة، يؤدّي إلى هذه الانحرافات بمرور الزمن. فيأتي الأتباع ويزيدون على ما ذكره المؤسس ثم أتباع الأتباع، وكلما تسير للأمام يزدد البعد عن الحق، إلى أن يؤول إلى تأسيس ديانة جديدة. وهكذا تتولّد الفرق والمذاهب والأديان!
زلّة من بعض الأكابر تنتج غواية في الأتباع نزولاً في عمود الزمان.
أدلة انقطاع النيابة الخاصة:
كان للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أربعة من السفراء، توسّطوا بينه وبين الناس وقاموا بدور الباب من ٨ ربيع الأول سنة ٢٦٠ إلى ١٥ شعبان سنة ٣٢٩، فكان المجموع ٦٩ عاماً. وهم:
١ - عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله).
٢ - محمد بن عثمان العمري (رحمه الله).
٣ - حسين بن روح النوبختي (رحمه الله).
٤ - علي بن محمد السمري (رحمه الله).
وبوفاة السمري أغلقت هذه الباب وانقطعت السفارة الخاصّة. وهذا الانقطاع وسد باب النيابة الخاصة بات من ضروريات مذهب الإمامية، وكانت الطائفة تتبرّأ وتلعن كلّ من ادَّعى السفارة من بعد السمري.
إنّ انقطاع السفارة في الغيبة الكبرى وعدم وجود ممثل رسمي وباب فيما بين الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وبين الناس، من ضروريات مذهب الإمامية. وقد عدّ المخالف لذلك خارجاً عن المذهب. ويدلّ عليه جملة من الأمور:
الأول: الغيبة تعني العمل السري، ومن أوليات وضروريات العمل السري الخفاء وعدم الظهور، وهذا ينافي وجود التمثيل الرسمي المعلن بين الناس. وهذا واضح عند من يعرف لغة الأمن والتنظيمات السريّة. وقد حكى القرآن فعاليات الخضر (عليه السلام) للحيلولة دون فساد الظالمين وبثّ العدالة في المجتمع. فإنّ البرمجة الأمنية المتشددة اقتضت أن يكون الخضر في غاية الخفاء ويعمل بسريّة تامّة. وقد بلغ من شدة ستر الله تعالى للخضر (عليه السلام) أنّه تعالى أعطى لموسى (عليه السلام) وهو نبي من أولي العزم شفرات ليعرف موعد لقائه بالخضر (عليهما السلام). شفرات أمنية مشدّدة لا تقبل الاختراق. حتى وصي موسى يوشع بن نون الذي كان يرافقه، لم يعرف موعد اللقاء بهذه الشفرات.
فالأجواء أمنية للغاية ومتشددة، والستار الأمني ضارب بجذوره، فلا يكتفي بأن يكون محل الوعد هو مجمع البحرين، بل يجعل انسياب السمك في البحر دليلاً آخر على محل اللقاء. فلن يعرفه غير من يريد اطلاعه. قال تعالى: ﴿قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إلى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسيتُ الحُوتَ وما أَنْسانيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ واتَّخَذَ سَبيلَهُ فِي البَحْرِ عَجَبا قالَ ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصا﴾ (الكهف: ٦٣-٦٤).
إنّ تغييب الله لأوليائه ليس كما عند البشر بحيث تتخلّله خروقات أمنية، إنّها حراسة إلهية لا يمكن أن تخترق.
ومن هنا فإنّ من يدَّعي أنّه من رجال الغيب ومرتبط بالإمام الغائب وله صفة رسمية من قبله (عجَّل الله فرجه)، فهو كذّاب لا محالة، لأن نفس دعواه هذه دليل على كذبه. إنّ من يعرف لغة السر وطبيعة عمل المجموعات التي تعمل بخفاء، يدري بأنّ السرية والخفاء من أوليات برامج تلك المجموعات، وأنّ من يريد أن يتخطّى عن هذا القانون فسوف يُعفى عن منصبه، بل يُعاقَب وقد تصل عقوبته إلى التصفية الجسدية، كيلا يسبب الخسائر والفشل في المشروع.
الثاني: ما ورد في متواتر الأخبار من وقوع الغيبتين الصغرى والكبرى. وهذه الروايات رويت عن أغلب المعصومين (عليهم السلام) حتى عن نفس الإمام صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه). وقد عبّر عن الثانية بالغيبة التامة وأنّه لا يطّلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره إلّا المولى الذي يلي أمره. كلّ ذلك ينافي وجود الممثل الرسمي له في الغيبة الكبرى. ودلالة تثنية الغيبة على اختلاف الغيبتين القصيرة عن الطويلة بيّنة واضحة على ذلك، وإلّا لكانتا معاً غيبة واحدة لا غيبتين، واختلاف الغيبتين ليس إلّا بوجود السفراء والنوّاب الأربعة في الأُولى دون الثانية. فإنّه لو كان لديه ممثلاً وسفيراً يتوسّط بينه وبين الناس، لم يكن هنالك فرق ومائز بين الغيبتين، وهذا خلاف تلكم الروايات المتواترة.
وهذه الروايات المتواترة رواها الصدوق في كمال الدين، والطوسي في الغيبة، والنعماني في الغيبة، والكليني في الكافي، وقد رويت عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعن بقيّة الأئمّة (عليهم السلام).
فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث -: «أما أنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة، والأُخرى طويلة»(٦٩).
وروى النعماني في الغيبة بسنده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين: إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم يقول: قُتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على أمره من أصحابه إلّا نفر يسير، لا يطّلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره، إلّا المولى الذي يلي أمره»(٧٠).
وكون الرواية ذكرت وجود ولي يلي الأمر للإمام (عجَّل الله فرجه) لا مع الناس، وهو لا يتنافى مع الغيبة التامة.
الثالث: إجماع وتسالم الأصحاب على ذلك، بل على كفر وضلال مدَّعي السفارة من بعد السمري. وهذا التسالم والضرورة بلغت إلى حدّ أنّ الطائفة تبرأت من ابن أخ عثمان بن سعيد العمري (السفير الثاني) حينما ادّعى السفارة ولعنوه دون تريّث، مما يدل على وضوح بطلان ادِّعاء السفارة بعد السفير الرابع.
حكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ المفيد، عن الشيخ أبي القاسم بن محمّد ابن قولويه - صاحب كتاب كامل الزيارات، وهو أُستاذ الشيخ المفيد، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى - قال:
(وَقَدْ كُنَّا وَجَّهْنَا إلى أَبِي بَكْرٍ البَغْدَادِيِّ لمَّا ادَّعَى لَهُ هَذَا مَا ادَّعَاهُ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وحَلَفَ عَلَيْهِ فَقَبِلْنَا ذَلِكَ مِنْهُ. فَلَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ مَالَ إِلَيْهِ وعَدَلَ عَنِ الطَّائِفَةِ وأَوْصَى إِلَيْهِ لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِهِ، فَلَعَنَّاهُ وبَرِئْنَا مِنْهُ لِأَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَنِ ادَّعَى الأَمْرَ بَعْدَ السَّمُرِيِّ (رحمه الله) فَهُوَ كَافِرٌ مُنَمِّسٌ ضَالٌّ مُضِلٌّ وبِاللهِ التَّوْفِيقُ)(٧١).
والمُلفِت للنظر أنّ زعماء الطائفة لم يرتابوا في اللعن والتبري من مدّعي السفارة بمجرّد دعواه، قبل النظر في كلامه وأدلّته على ذلك. وهذا لا يكون إلّا في ضروريات الدين ومحكماته. فإنّ التريّث في رفض القول المخالف للمحكمات بحجّة النظر في الأدلّة، يكون من الشاكّ في محكمات الدين، وهو طريق أهل الزيغ الذين يحاكمون المحكمات بالأدلّة المتشابهة الواقعة في المرتبة الثانية بعد المحكمات. بينما أهل الرشد يحسمون الرفض القاطع لكلّ دعوى تخالف المحكمات. وهذا مؤدّى الآية السابعة من سورة آل عمران كما مرّ.
ونبّه على هذه الضرورة المذهبية كلّ من:
سعد بن عبد الله الأشعري في (المقالات والفرق) والشيخ المفيد في (الإرشاد) قال:
(وله قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار، فأمّا القصرى منهما فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة. وأمّا الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف)(٧٢).
وأيضاً الشيخ الصدوق في (كمال الدين)(٧٣) والشيخ الطوسي في (الغيبة)(٧٤) والنعماني وهو ابن أبي زينب تلميذ الكليني في (الغيبة) قال:
(هذه الأحاديث التي يذكر فيها أن للقائم (عليه السلام) غيبتين أحاديث قد صحت عندنا بحمد الله، وأوضح الله قول الأئمة (عليهم السلام)، وأظهر برهان صدقهم فيها. فأمّا الغيبة الأولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام (عليه السلام) وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين، موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم، وعويص الحكم والأجوبة عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات. وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيامها وتصرَّمت مدتها. والغيبة الثانية، هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدَّعي هذا الأمر. كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]. وهذا زمان ذلك قد حضر، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحق وممن لا يخرج في غربال الفتنة. فهذا معنى قولنا له غيبتان، ونحن في الأخيرة. نسأل الله أن يقرب فرج أوليائه منها ويجعلنا في حيز خيرته وجملة التابعين لصفوته، ومن خيار من ارتضاه وانتجبه لنصرة وليه وخليفته فإنه ولي الإحسان جواد منان)(٧٥).
الفتال النيشايوري في (روضة الواعظين)(٧٦)، وأمين الإسلام فضل بن حسن الطبرسي في (إعلام الورى)(٧٧)، وأحمد بن علي الطبرسي في (الاحتجاج)(٧٨)، والإربلي في (كشف الغمّة)(٧٩)، وابن صبّاغ المالكي في (الفصول المهمّة)(٨٠)، والعلامة الحلي في (الرجال)(٨١) وفي (المستجاد من الإرشاد)(٨٢)، وابن داوود في (الرجال)(٨٣)، والخواجة نصير الدين في (التجريد)، والفيض الكاشاني في (المحجة البيضاء)(٨٤)، العلامة المجلسي في (بحار الأنوار)(٨٥) و(مرآة العقول)(٨٦).
الرابع: الروايات التي تبين أحداث الظهور، تشترك جميعها في مفاد واحد، وهو عدم وجود صفة ممثل رسمي للإمام قبل ظهوره وقبل الصيحة السماوية.
الخامس: الروايات المستفيضة الآمرة بالانتظار وبالصبر والمرابطة، وعدم الانزلاق مع كلّ منادٍ لشعار إقامة الحقّ والعدل، وكذلك روايات التمحيص والامتحان، ومقتضاها انقطاع السفارة والاتّصال. فإنّ هذه الحيرة والاضطراب ليست إلّا للانقطاع وفقد الاتّصال، وهو مقتضى الصبر والانتظار والترقّب، وكذلك مفاد روايات التمحيص والامتحان بسبب شدّة المحنة في غيبته بفقد واسطة الارتباط، فتزداد الريبة حتّى يرجع أكثر القائلين بإمامته عن هذا الاعتقاد، لاسيّما مع كثرة الفتن والمحن والبلاء.
فقد روى النعماني بسنده عن أبي بصير، قال:
قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام): «إنّما مثل شيعتنا مثل أندر - يعني: بيداً فيه طعام فأصابه آكل - أي السوس فَنُقّي، ثمّ أصابه آكِل - أي السوس فَنُقّي حتّى بقي منه ما لا يضرّه الآكِل، وكذلك شيعتنا يميّزون ويمحّصون حتّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة»(٨٧).
السادس: الروايات الخاصة المصرّحة بانقطاع السفارة الخاصة، نظير التوقيع المروي عن النائب الرابع علي بن محمد السمري، رواه الشيخ في الغيبة، ورواه الصدوق في كمال الدين قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفى فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري فحضرته قبل وفاته فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
«بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية (التامة)، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفترٍ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم»... فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه، وقضى. وهذا آخر كلام سمع منه (رضي الله عنه) وأرضاه(٨٨).
وسند التوقيع قطعي، حيث رواه الصدوق عن شيخه الحسن بن أحمد المكتب القمي وهو من كبار مشايخ قم وترضّى عليه الصدوق. وهذا مع التشدد الذي كان يبذله الأصحاب حول التوقيعات الصادرة لخطورتها، وحساسية الوضع الأمني بخلاف آبائه (عليهم السلام). وقد كان السمري معاصراً لأصحاب الكتب الحديثية فلم يتوسط بينهم وبين السمري كثير من الرواة. وقد تلقتها الطائفة بالقبول من المفيد والطوسي والصدوق وابن قولويه، وكلهم معاصرون للسمري أو بفاصل زمني قصير وهم أعمدة المذهب وأعلامها. وهذا ما لا يقبل التزوير.
بل إنّ ذكر التوقيع مقروناً بقرائن قطعية دلَّت على إظهار التوقيع للناس وإعلانهم بذلك، ولم يكن أمراً خفياً لا يطلع عليه سوى المكتب. فلو كان كذباً لم يخف على أوتاد المذهب المعاصرين للحدث لاسيما مع التشددات الأمنية في مثل هذه التوقيعات.
ويلاحظ أنّ الصيحة هي أكبر علامة حتمية للظهور، وهي لا تقبل الدجل، فجعل الصيحة غاية لانقطاع السفارة، يبطل كلّ من يدّعي ذلك طول الغيبة الكبرى.
هذا وقد ذكر الشيخ الطوسي في الغيبة عند تعرّضه لترجمة وبيان حال النائب الرابع، خمسة روايات لانقطاع السفارة بخمسة طرق(٨٩).
السابع: أنّ عدم وجود الممثّل والسفير للإمام (عجَّل الله فرجه) في الغيبة الكبرى بات من معالم مذهب الشيعة وشعارها، فعُرفت الشيعة بذلك، وبات من المسلَّمات عند ساير طوائف المسلمين أنّ الشيعة لا يرون سفيراً للإمام الغائب. ولذا تراهم يستشكلون على الشيعة أنّه ما فائدة الإمام الغائب؟ وهذا الإشكال لا وقع له لو كان هنالك أبواب وسفراء.
فمثلاً نظر إلى كلام الشهرستاني في الملل والنحل وهو يعترض على الشيعة: والإمام عندكم ضامن مكلف بالهداية والعدل والجماعة مكلفون بالاقتداء به والاستنان بسنته، ومن لا يُرى كيف يُقتدى به(٩٠).
بل صرّح بعضهم بأنّ انقطاع السفارة من معالم المذهب الشيعي. قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: والقائلون من الرافضة بأن الحجة هذا هو المهدي يقولون لم يخلف أبوه غيره ومات وعمره خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها يحيى عليه الصلاة والسلام صبياً وجعله إماماً في حال الطفولية كما جعل عيسى (عليه السلام). كذلك توفي أبوه بسر من رأى وتستر هو بالمدينة وله غيبتان صغرى من منذ ولادته إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وكبرى وفي آخرها يقوم(٩١).
انقطاع السفارة لا يعني انقطاع التشرفات:
مرَّ في توقيع النائب الرابع قوله (عليه السلام): «وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفترٍ»، وهذا الكلام عطف على انقطاع السفارة الخاصة، والمراد بالمشاهدة المنفية إنما هي المشاهدة على النحو التي كانت للسمري وغيره من الأبواب، فإنّ قوله: «فمن ادّعى المشاهدة» عطف على انقطاع السفارة وعدم الوصية لأحد بعد.
والكلام مُركَّز على ادَّعاء السفارة والارتباط الدائم مع الإمام (عجَّل الله فرجه). وهذا لا ينفي وجود رجال الغيب وأصحاب السرّ الذين يعملون معه في دولته الخفية في غيبته، لكنما بقاءهم بهذه الصفة والارتباط مرهون بعدم إفصاحهم وإعلانهم، فادِّعاء هذا المقام يناقض مسؤوليتهم، لأنّ السرية وعدم الظهور من مقومات مسؤولياتهم. كما في لقاء موسى بالخضر (عليهما السلام) وسريّة موقع اللقاء بحيث لم يلتفت إليه حتى وصي موسى (عليه السلام).
كما لا ينفي حصول التشرفات واللقاءات دون تمثيل وصفة رسمية، فإنّها موجودة في كل عصر وزمان. وقد جرت سنّة المحدثين أنّهم أفردوا باباً في كتبهم لذكر قصص من التقى بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في الغيبة.
قال العلامة المجلسي بعد ذكر توقيع السمري (رحمه الله):
(لعله محمول على من يدَّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه (عليه السلام) إلى الشيعة، على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه (عليه السلام) والله يعلم)(٩٢).
إنّ التشرفات في الغيبة الكبرى ليست باختيار الإنسان، بل ولا الرؤية باختيار الإنسان ولا الكلام باختياره، فبقدر ما يؤذن له يراه ويتكلم ويعرفه ويتحرك نحوه. وهذا كيلا ييأس المؤمنون ولا ينسوا إمامهم، فينشطهم ويذكّرهم بين حين وآخر بلقاء ومشاهدة، كما حصل ذلك للعشرات من المؤمنين.
التشرفات واللقاءات ومقدار حجيتها والفرق بينها وبين البابيه، هو الفرق بين الممثل الرسمي للدولة والذي يكون على ارتباط دائم ودائب مع الدولة، وبين مواطن عادي اتفق له أن التقى بالملك، وليست له أية صفة رسمية. وهذا من جملة الفوارق بين الغيبة الصغرى والكبرى.
هذه التشرفات تكون منبّهات ومذكّرات للإمام الغائب والشمس المستور بالسحاب. وارتفاع السحب في موارد نادرة ومحدودة ومن دون تنسيق سابق، عن وجه الشمس لكي يراه البعض فيحكي للآخرين ويكون ذلك تذكيراً للإمام الغائب، ولا يحمل أياً من معاني السفارة والنيابة، ولا تمنع عنه أدلّة انقطاع السفارة. أنّه مزيد لطف وعناية منه (عجَّل الله فرجه) لشيعته، فيرتبط بهم ويُنشّطهم بين حين وأخر بلقاء ومشاهدة تنقل أخبارها كما نقل من ذلك المئات. بل خصّص المحدّثون منذ بداية الغيبة الكبرى باباً في كتبهم الحديثية لذكر من رآه والتقى به من الناس.
ومن هنا لا وقع لما قد يثار من شبهة من قبل بعض المتهجّمين، يُنكر ويستغرب تشرّف بعض المؤمنين بلقاء الإمام (عجَّل الله فرجه)، وأنّه أغاثهم وأنجاهم. يقول: ليس من شأن الإمام إغاثة اللهفان كبعض المؤسسات الخيرية التي تصب عملهم في إعانة المحتاجين. ثم يُشكل ثانياً بأنّه لِمَ لا تعمّ هذه الإغاثة لجميع المحتاجين والفقراء والتائهين؟
وينقض عليه: أنّه لِمَ لا يشفي الله تعالى جميع المرضى والمحتاجين، بل يغيث البعض دون الآخرين؟ ولِمَ لم يبرئ النبي عيسى (عليه السلام) جميع المرضى ولَم يُحي جميع الموتى؟ ولِمَ خصّص موسى (عليه السلام) نزول المنّ والسلوى وانفجار اثنتي عشرة عيناً من الحجرة بطائفة معينة وفي زمان ومكان محدود ولم يعمّمه للآخرين؟ وهكذا في كلّ إعجازات الأنبياء والأوصياء.
والحل:
١ - إنّه ليس من سنة الله تعالى أن يبطل نظام الأسباب والمسببات في عالم الدنيا، بل أبى أن يجري الأمور إلّا بأسبابها. غير أنّه قد يفعل من دون الأسباب الظاهرية ليكون برهاناً على نبوة النبي وإمامة الوصي. وهذا لا يقتضي التعميم، بل بمقدار ما تثبت به الحجة ويذكّر به الناس، والزائد على ذلك يكون من باب اللطف الزائد غير الواجب عليه.
٢ - إنّ هنالك حِكماً ومصالح في الفعل الإلهي، تقتضي هذه الاختلافات، شأنها شأن سائر أنواع الاختلاف في الفعل الإلهي.
٣ - بل إنّ تصرّفاته تعالى غير منحصرة في العمل الإعجازي، فإنّ ما يتحقق بالأسباب أيضاً يكون بتدبيره وتقديره وتهيئته للأسباب.
٤ - إنّ هنالك حسابات حكيمة في النظام المحكم الإلهي، تحول دون الفساد المطبق في الأرض. ويكون خليفة الله والإمام هو المَعنيّ بذلك من قبل الله تعالى. فهو قد يتصرّف في المفاصل المهمّة في حياة الإنسان، رعاية للتوازنات في دار الأسباب والمسببات، حتى لا يطبق الفساد على وجه الأرض. وقد ذكر الله تعالى في القرآن قصّة الخضر الذي أنجى المساكين من الفقر والمجاعة وحال دون مصادرة سفينتهم من قبل الملك الظالم، وأنجى المجتمع من وجود طاغوت يفرض الكفر على الناس، وسبّب في إيصال كنز اليتيمين إليهما ببناء الجدار. فهل كان للخضر مؤسسة خيرية مثلاً ليقوم بهذه التصرفات؟ إنّها سذاجة في الطرح، وتخدير للسذج من العوام! بل إنّ الله تعالى زوّد الخضر بالعلم اللدنّي وخوّل له تنفيذ هذه المهمات، للحفاظ على الصلاح النسبي في الأرض.
الهوامش:
(١) كتاب العين: ج٧، ص٢٤٦.
(٢) تاج اللغة وصحاح العربية: ج٢، ص٦٨٦.
(٣) مجمع البحرين، باب راء ما أوله السين: ج٣، ص٣٣٢.
(٤) أمالي الصدوق: ٣٤٥.
(٥) الكافي: ج١، ص١٩٣.
(٦) بحار الأنوار: ج٢، ص١٠٤ عن تفسير العياشي.
(٧) رجال الكشي: ص١٥، ح٣٤.
(٨) رجال الكشي: ص١٥، ح٣٦.
(٩) رجال الكشي: ص١٤، ح٣٣.
(١٠) تهذيب الأحكام: ج٦، ص١١٨.
(١١) الغيبة للشيخ الطوسي: ٢٣٢.
(١٢) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٣٢.
(١٣) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٣٢.
(١٤) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٣٢.
(١٥) رجال الكشي: ج٢، رقم ٥٨٢.
(١٦) المناقب، لابن شهر آشوب، باب إمامة الكاظم (عليه السلام)، فصل في أحواله وتواريخه، قال في ج٢، من المناقب ص٤٣٨: (وكان بين وفاة موسى (عليه السلام) إلى وقت حرق مقابر قريش مائتان وستون سنة بابه المفضل بن عمر الجعفي...).
(١٧) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٣٢.
(١٨) معجم رجال الحديث: ج١٧، ص٣٠.
(١٩) هكذا في المصدر، والظاهر أن المقصود هو غلق باب السفارة.
(٢٠) كتاب تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج البغدادي المتوفى سنة ٣٢٥. وقال عنه النجاشي: ثقة عين كثير الحديث (رجال النجاشي رقم ١٠٣٧)، وقال الشيخ عنه في من لم يرو عنهم: البغدادي خاصي، يكنّى أبابكر سمع منه التلعكبري (الفهرست رقم ٦٦٤، الرجال في من لم يرو عنهم: ٦٤ و١١٩). وقد ذكر الشيخ والنجاشي طريقهما إلى كتبه، طريق الشيخ إليها صحيحة كطريق النجاشي على الأصح لجلالة أبي المفضل الشيباني.
(٢١) رجال النجاشي: رقم ٩٧٦.
(٢٢) رجال الكشي: الحسين بن الحسن القمي عن سعد عن العبيدي عن يونس قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): «يا يونس أما ترى إلى محمد بن فرات وما يكذب علي»؟ فقلت: أبعده الله وأسحقه وأشقاه، فقال: «قد فعل الله ذلك به، أذاقه الله حر الحديد كما أذاق من كان قبله ممن كذب علينا، يا يونس إنما قلت ذلك لتحذر عنه أصحابي وتأمرهم بلعنه والبراءة منه، فإن الله برئ منه». قال سعد: وحدثني ابن العبيد عن أخيه جعفر بن عيسى وعلي بن إسماعيل الميثمي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال: «آذاني محمد بن الفرات آذاه الله وأذاقه حر الحديد، آذاني لعنه الله أذى ما آذى أبو الخطاب جعفر بن محمد (عليهما السلام) بمثله، وما كذب علينا خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات والله ما أحد يكذب إلينا إلّا ويذيقه الله حر الحديد». قال محمد بن عيسى: فأخبراني وغيرهما أنه ما لبث محمد بن فرات إلّا قليلاً حتى قتله إبراهيم بن شكلة أخبث قتلة. وكان محمد بن فرات يدعي أنه باب وأنه نبي وكان القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان، لعنهما الله. [رجال الكشي رقم: ٤٢٨].
(٢٣) فقال فيه النجاشي: (فاسد المذهب مضطرب الرواية، لا يعبأ به وقيل إنّه كان خطّابياً) وقال ابن الغضائري: (ضعيف متهافت، مرتفع القول، خطابي، وقد زيد عليه شيء كثير، وحمل الغلاة في حديثه حملاً عظيماً).
(٢٤) رواها الكشي في رجاله.
(٢٥) الإرشاد للشيخ المفيد: باب ذكر الإمام القائم بعد أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، فصل في النص عليه بالإمامة من أبيه.
(٢٦) المناقب لابن شهر آشوب: ح٤، باب إمامة أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) فصل في تواريخه وأحواله. وكذا أحوال الإمام الكاظم (عليه السلام) في فصل في معالي أموره، وفصل في أحواله وتواريخه.
(٢٧) معجم رجال الحديث: ج١٩، ص٣١٨.
(٢٨) وسائل الشيعة: ج٣٠، ص٣٧٤.
(٢٩) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٣٣.
(٣٠) مدينة في محافظة مركزي في إيران قريب من ساوه وقم.
(٣١) لسان آوجى شعبي، معناه بالفارسية الدارجة اليوم: (چطوري، خوشي، كجا بودي، بچه هايت چطورند؟).
(٣٢) كمال الدين: ج٢، ص٥٠٤، ح٣٤.
(٣٣) كمال الدين: ج٢، ص٥٠٣، ح٣٢؛ ورواه الشيخ في الغيبة للشيخ الطوسي: ص٣٠٤.
(٣٤) مدينة في شمال إيران، تقع في محافظة مازندران.
(٣٥) كمال الدين: ج٢، ص٥١٨، ح٤٧.
(٣٦) كمال الدين: ج٢، ص٥١٥.
(٣٧) وسائل الشيعة: ج٢٧، ص١٣١.
(٣٨) ينابيع المودة لذوي القربى للقندوزي: ج٣، ص٨٠، الباب ٦١، مقتل الحسين (عليه السلام).
(٣٩) وسائل الشيعة: ج٢٧، ص١١٣.
(٤٠) راجع: وسائل الشيعة: ج٢٧، ص١١٠ - كتب القضاء، أبواب صفات القاضي: باب ٩، ح١٠-١٨.
(٤١) رجال الكشي: ج١، ص٦٣، ح٣٦.
(٤٢) رجال الكشي: ج١، ص٦١، ح٣٤.
(٤٣) الأخيرجة: اسم موضع بالمدينة.
(٤٤) فيد: قلعة في طريق مكة.
(٤٥) أصول الكافي: ج١، ص٣٩٤.
(٤٦) وسائل الشيعة: ج٢٧، ص٣٤.
(٤٧) تهذيب الأحكام: ج٦، ص١١٨.
(٤٨) النمل: ١٧.
(٤٩) النمل: ٢٠-٣١.
(٥٠) القصص: ٧.
(٥١) آل عمران: ٤٢-٤٦؛ مريم: ١٧-٢١.
(٥٢) آل عمرن: ٤٧-٥٠.
(٥٣) تهذيب الأحكام: ج٦، ص١١٨.
(٥٤) رجال الكشي: ص١٤، ح٣٣.
(٥٥) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٣٩٩.
(٥٦) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٧٩، باب ذكر أمر أبي بكر البغدادي ابن أخي الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وأبي دلف المجنون.
(٥٧) بحار الأنوار: ج٥١، ص٣٦٧.
(٥٨) الاحتجاج: ج٢، ص٤٥٨.
(٥٩) الكافي: ج٧، ص٤١٢.
(٦٠) الكافي: ج٢، ص٢٩٨.
(٦١) فهرست، أبو القاسم إبراهيمي: ج١، ص١١٥؛ هداية الطالبين، محمد كريمخان كرماني: ص٦٧؛ تير شهاب در رد باب مرتاب، محمد كريمخان كرماني: ص١٧.
(٦٢) هداية الطالبين، محمد كريمخان كرماني: ص٦٧.
(٦٣) راجع كتاب فصل الخطاب، كريمخان الكرماني. وهذا كتاب حديثي بوبه ورتبه على مسائل التوحيد ثم النبوة ثم الإمامة، ومن ثم في الركن الرابع أو المؤمن الكامل، أو مسائل التولي والتبري، وسرد فيها كثيراً من الأخبار الواردة في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أسقطها على من سمّاه بالمؤمن الكامل.
(٦٤) الكوكب الدرية في المآثر البهائية، آيتي: ج١، ص٤٣.
(٦٥) أحسن القصص، علي محمد الباب: ص١.
(٦٦) بهائيان، محمد باقر نجفي: ص١٦٨.
(٦٧) نقطة الكاف، حاجي ميرزا جاني كاشاني: ص١٣٥.
(٦٨) البيان، علي محمد الباب: ص٣.
(٦٩) الغيبة للشيخ الطوسي: ص١٦٣.
(٧٠) الغيبة للنعماني: ص١٧٢.
(٧١) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٧٩، باب ذكر أمر أبي بكر البغدادي ابن أخي الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وأبي دلف المجنون.
(٧٢) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج٢، ص٣٤٠.
(٧٣) كمال الدين: ج٢، ص٤٣٣.
(٧٤) الغيبة للطوسي: ص٣٩٦-٤١٥.
(٧٥) الغيبة للنعماني: ص١٧٣.
(٧٦) روضة الواعين: ج٢، ص٢٦٧.
(٧٧) إعلام الورى بأعلام الهدى: ص٤٤٥.
(٧٨) الاحتجاج: ج٢، ص٤٧٨.
(٧٩) كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، علي بن أبي الفتح الإربلي: ج٣، ص٢٤٤.
(٨٠) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة: ص١١٠٠.
(٨١) خلاصة الأقوال: ص٢٥١، في ترجمة علي بن محمد السمري.
(٨٢) المستجاد من الإرشاد: ٢٣٢.
(٨٣) رجال ابن داوود: ص١٥٨، في ترجمة علي بن محمد السمري.
(٨٤) المحجة البيضاء: ج٤، ص٣٣٥.
(٨٥) بحار الأنوار: ج٥١، ص٣٥٨ باب ذكر أمر أبي الحسين علي بن محمد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب.
(٨٦) مرآة العقول: ج٤، ص٢ و٥٣، وج٦، ص١٨٦.
(٨٧) الغيبة للنعماني: ص٢١١.
(٨٨) كمال الدين: ج٢، ص٥١٦؛ الغيبة للشيخ الطوسي: ص٣٩٥.
(٨٩) الغيبة للشيخ الطوسي: ص٣٩٣.
(٩٠) الملل والنحل للشهرستاني: ج١، ص١٧٢.
(٩١) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، ابن حجر الهيتمي المكي: ص١٦٧.
(٩٢) بحار الأنوار: ج٥٢، ص١٥١.