الصفحة الرئيسية » البحوث والمقالات المهدوية » (٧٣٩) مراجعة مصادر كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (رحمه الله)
 البحوث والمقالات المهدوية

المقالات (٧٣٩) مراجعة مصادر كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (رحمه الله)

القسم القسم: البحوث والمقالات المهدوية الشخص الكاتب: محمد المسعودي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/٢٥ المشاهدات المشاهدات: ٤٥٤١ التعليقات التعليقات: ٠

مراجعة مصادر كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (رحمه الله)

محمد المسعودي(١)
ترجمة: السيد جلال الموسوي

المقدمة:
كانت الأطروحة المهدوية، من أبرز الأفكار الإسلامية التي احتلّت مساحة واسعة في أذهان مفكري كلِّ الفرق الإسلامية، سلباً أو إيجاباً، لذا فإنَّها كانت على مرِّ تأريخ الإسلام محلّ تحقيق وبحث جدّي، إلى جنب الاهتمام الخاصّ بالبحوث الكلامية الأخرى، فكانت البحوث المهدوية متجذِّرة في الفكر الإسلامي.
فجذور هذا المبحث تمتدُّ إلى الأحاديث النبوية الشريفة، والتي تبشّر عالم الوجود بظهور المنجي الحقيقي، وتشكيله للمجتمع المثالي السعيد.
ومن جهة أُخرى، فلقد حاول بعض، وعلى مرِّ القرون الماضية، البحث عن المدينة الفاضلة، فأخطأوا الطريق، وانحرفوا عن الحقّ ومالوا إلى النِحَل والفرق الفاسدة، ووقعوا في شباك المنحرفين فكرياً، والمتصيدين في المياه العكرة، كما هو حال الكيسانية والناووسية والواقفية وغيرهم.
ولذا، فإنَّ أوائل العلماء والمتكلّمين من الإمامية، استلهموا من الأدلَّة العقلية والنقلية، ما هو الحقُّ والصحيح من المفاهيم والمصاديق في حقيقة المهدوية لبيانها وتبيينها للناس على مرِّ التأريخ، ورسموا الطريق الواضح والسالك للسالكين في طريقها، فكان كتاب (الغيبة) للشيخ محمد بن إبراهيم النعماني، وكتاب (الغيبة) لعبد الله بن جعفر الحميري، وكتاب (الغيبة) للشيخ المفيد، وكتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي، وغيرهم من علماء الشيعة، حيث أجابوا فيها عن كلّ الشبهات والإثارات المغرضة التي يثيرها المشكِّكون والمغرضون حول المهدوية.
وكتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (رحمه الله)، هو من أقدم وأفضل كتب الحديث في هذا المضمار، وقد كتبه الشيخ الطوسيّ (رحمه الله) سنة (٤٤٧هـ)، أي قبل وفاته بثلاثة عشر عاماً، وقد أشار (رحمه الله) إلى هذا التأريخ في موضعين من كتابه:
الأول: حينما يبحث في مدّة عمر بقية الله الأعظم (عجَّل الله فرجه)، حيث قال:
(لأنَّه على قولكم له في هذا الوقت الذي هو سنة سبع وأربعين وأربعمائة...)(٢).
الثاني: عند إشارته إلى مدفن النائب الأوَّل، عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله)، حيث يقول:
(وهو إلى يومنا هذا وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة...)(٣).
وكتاب (الغيبة) للطوسي من أهمّ مصادر المعرفة المهدوية. وبلحاظ اقتناء الشيخ الطوسي (رحمه الله) لأهم المآخذ والمصادر المتعدّدة وأوثقها، وبلحاظ إحاطته (رحمه الله) بالأحاديث، استطاع أن يدوِّن مجموعة قيمة في أهمّ المسائل المرتبطة بإمامة بقية الله الأعظم (عجَّل الله فرجه)، وأن يشيد صرحاً قوياً في قبال الأفكار اللقيطة والشبهات.
وهذا المقال، في صدد التحقيق في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي (رحمه الله)، بنظرة معرفية دقيقة، ودراسة مصادره دراسة جديدة فاحصة.
والحقيقة، أنَّنا لا نستطيع في هذا الوجيز دراسة كلِّ المصادر التي اعتمدها الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتابه، لأنَّ الكثير منها قد فُقدت من أيدينا بفعل حوادث الأيام، كما في حادثة إحراق بيت الشيخ الطوسي (رحمه الله)، حيث احترقت كلُّ الكتب الخطية النفيسة جدّاً، فلم تصل إلى أيدينا.
ومن جهة أُخرى، فإنَّ الشيخ (رحمه الله) لم يبين في ابتداء الروايات، المصادر التي استند فيها عليها، ولذا، علينا أولاً إيجاد القرائن، ثم نأخذ بالمحتملات القوية على أساس تلك القرائن المتوفرة.
وقضية استكشاف المصادر تحظى بعناية فائقة عند المحقّقين، وتعتبر من الفروع المهمّة في معرفة الكتب. وليس عندنا تأريخ دقيق لبداية هذا الحسِّ المعرفي، ولكنّنا اليوم نستمد من هذا الحقل في تحكيم بنيان الكتب، فنصل إلى معلومات هامّة من خلال المقارنة بين الكتب ومصادرها.
والمصدر في هذا المقال، يعني الكتب التي استند عليها الشيخ الطوسي (رحمه الله) في تأليف كتابه (الغيبة)، وأخذ الرواية عنها، وإن كان هذا المصطلح مصطلحاً جديداً في معرفة المآخذ.
ويمكننا، للوهلة الأولى، تقسيم المصادر التي استعان بها الشيخ الطوسي (رحمه الله) في (الغيبة) إلى طائفتين: المصادر التي هي في متناول أيدينا اليوم، والمصادر التي لم تصل إلى أيدينا.
المصادر الموجودة:
أ - كتاب الكافي:
كتاب الكافي، دوّنه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في عشرين عاماً، يقول النجاشي في رجاله:
(وكان خاله علان الكليني الرازي شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث، وأثبتهم. صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي، في عشرين سنة...)(٤).
لقد اتَّبع الكليني إبداعات جديدة في تبيين أبواب كتابه الكافي، فمزجه بسبك جديد، أخرج أبوابه بحُلَّة جديدة ومنقّحة، نالت الإعجاب والتحسين. والحقّ، إنَّ كتاب (الكافي) من أبرز وأروع الكتب الحديثية، وأكثرها انسجاماً، ويعدُّ من أوّل كتب الحديث الشيعية الأربعة.
ولقد استفاد الشيخ الطوسي (رحمه الله) في ترتيب وجمع كتابه (الغيبة) من (الكافي) الشريف. فقد اعتمد في أبواب متعدّدة ومختلفة على (الكافي)، وأخذ منه الروايات التي يحتاجها في مقامها. وقد نقل أكثر من خمسين حديثاً في كتابه عن الكافي، وهي متفرقة في ثمانية فصول من (الغيبة)، نشير إليها:
١ - في فصل (الكلام في الواقفة):
في هذا الفصل نقل المرحوم الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن المرحوم الكليني (١٤) حديثاً. في الأوَّل والثاني منها، كان السند يبدأ باسم الكليني، أي محمد بن يعقوب. وأمّا في بقية الروايات فإنَّ السند لم يبدأ باسم الكليني، وإنّما نقله بلفظ: (عنه)، والذي يفهم من المقام والعنوان الواقع بعد الضمير، أنَّ المراد بـ(عنه) محمد بن يعقوب الكليني أيضاً.
وأشار في مورد واحد فقط، في بداية السند باسم الإشارة: (وبهذا السند)، والذي وقع بعده عنوان (ابن مهران)، و(أحمد بن مهران) هو من مشايخ المرحوم الكليني، وعليه، يكون المشار إليه في النتيجة هو الكليني أيضاً.
وفي عمدة روايات الكافي، التي أخذها الشيخ في هذا الفصل من (الغيبة)، يرويها الكليني بواسطة (أحمد بن مهران). وأوّل رواية للكليني ينقلها الشيخ الطوسي (رحمه الله) هي من باب (أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) يعلمون متى يموتون وأنَّهم لا يموتون إلّا باختيارٍ منهم)، وهي في الجزء الأوّل من (الكافي). وأمّا بقية روايات هذا الفصل، فهي من باب (الإشارة والنصّ على ابن الحسن الرضا (عليه السلام)) في نفس ذلك الجزء من الكافي.
والشيخ الطوسي (رحمه الله)، لم يتَّبع في كتابه (الغيبة) نفس ترتيب الروايات الموجود في (الكافي)، وإنَّما ذكرها في المواضع التي يقتضيها جريُ البحث، وبأسلوب جديد.
ونبين هنا جدولاً مرتباً للروايات في كلا الكتابين.

www.m-mahdi.com

ثم ينقل الشيخ الطوسي (رحمه الله) في آخر هذا الفصل رواية عن الكليني، وهي:
(فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْمفَضَّلِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ مَاتَ أَبُو إِبْرَاهِيم (عليه السلام)...). وبعد الفحص عن هذه الرواية لم نجدها في كتاب الكافي.
ولابدَّ من الالتفات إلى نكتة مهمَّة، وهي أنَّ الكليني لا يعتبر من المشايخ المباشرين وبلا واسطة للشيخ الطوسي، وإنّما ينقل الشيخ عنه بواسطة، ولذا كان عليه أن يعتمد في أخذ الحديث على الطرق المعروفة. وفي هذه الرواية، فإنَّ الشيخ الطوسي لم يذكر طريقه إلى الشيخ الكليني، ولكنّه في ترجمة الكليني في الفهرست(٥) بيَّن طرقاً متعدّدة إلى كتب وروايات الكليني، نذكر بعضاً منها:
(أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عنه. وأخبرنا الحسين بن عبيد الله قراءة عليه أكثر كتبه من الكافي عن جماعة منهم أبو غالب أحمد بن محمد الزراري وأبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وأبو عبد الله أحمد بن إبراهيم الصيمري المعروف بابن أبي رافع وأبو محمد هارون ابن موسى التلعكبري وأبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني كلهم عن محمد بن يعقوب).
٢ - في ذيل الروايات الدالَّة على إمامة الحجّة بن الحسن (عجَّل الله فرجه) (صفحة ٩٧ فما بعدها) حيث ينقل الشيخ الطوسي في هذا الفصل خمس روايات عن الكليني. والشيخ هنا، خلافاً للفصل السابق، يذكر طريقه إلى الكليني في أوّل السند، ويشير إليها إشارة في موردين فقط، بقوله: (وبهذا الإسناد)، والمشار إليه معلوم في الأسناد السابقة على هذين السندين.
وقد أخذ الشيخ الطوسي روايات الكليني من باب (ما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم)، من الجزء الأوّل من الكافي:

www.m-mahdi.com

٣ - وينقل الشيخ الطوسي (رحمه الله) في (الغيبة)، في ذيل (وأمّا القائلون بإمامة جعفر بن علي بعد أخيه (عليه السلام)) (صفحة ١٤٩) رواية واحدة عن الكليني، يبدؤها بقوله:
(وروى محمد بن يعقوب الكليني - رفعه - قال: قال أبو محمد (عليه السلام) حين ولد الحجَّة...).
وقد بحثنا عن هذه الرواية فلم نجدها في الكافي.
٤ - في فصل (فأمّا الكلام في ولادة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)...).
وينقل الشيخ الطوسي (رحمه الله) في هذا الفصل سبع روايات عن الشيخ الكليني، ولم يذكر الشيخ في هذه الروايات طريقه إلى الشيخ الكليني، بل عنون الرواية بعنوان (محمد بن يعقوب). ولم نجد روايتين من هذه الروايات السبع، في الكافي.
وقد أخذ الشيخ الطوسي هذه الروايات من باب (الإشارة والنص على صاحب الدار (عليه السلام))، وباب: (في تسمية من رآه (عجَّل الله فرجه)) من الجزء الأوّل من الكافي الشريف.

www.m-mahdi.com

٥ - في فصل (وأمّا ما روي من الأخبار المتضمّنة لمن رآه (عجَّل الله فرجه)...).
ففي هذا الفصل، ينقل الشيخ الطوسي (رحمه الله) ستّة أحاديث عن الكليني، حيث ينقل الحديث الأوّل بسند كامل، ولكنه في الأحاديث الأربعة اللاحقة، يذكر السند باسم الإشارة (وبهذا الإسناد)، وكان ذلك منه مدعاةً لإثارة الجدل والحوار لمعرفة المشار إليه وتمييزه، والتحقيق في ذلك لا يسعه مجال هذا المقال.
والحديث السادس الذي ينقله عن الكليني، لم نجده في كتاب (الكافي)، بعد الفحص عنه.
وقد نقل الشيخ الطوسي هذه الرواية عن باب (باب في تسمية من رآه (عجَّل الله فرجه)) من الجزء الأوّل من كتاب الكافي.

www.m-mahdi.com

٦ - في فصل (وأمّا المعجزات الدالَّة على صحّة إمامته في زمان الغيبة...)
ففي هذا الفصل ينقل الشيخ الطوسي سبع روايات عن الكليني (رحمه الله)، يذكر في أولاها طريقه إلى روايات الكليني ابتداءً، وفي أربع روايات منها يبدأ السند بقوله: (بهذا الإسناد)، وفي مورد واحد يذكر السند باسم الكليني، (محمد بن يعقوب)، وأمّا الرواية السابعة فلم نجدها في (الكافي)، بعد الفحص. وهذه الروايات ينقلها الشيخ الطوسي عن باب (مولد صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)) في الجزء الأوّل من كتاب الكافي.

www.m-mahdi.com

٧ - وفي فصل (في ذكر طرف من أخبار السفراء الذين كانوا في حال الغيبة) وفي هذا الفصل ينقل الشيخ الطوسي (رحمه الله) رواية واحدة، لم نعثر عليها بعد فحصنا في كتاب الكافي.
وفي باب (فأمّا المذمومون منهم جماعة...) ينقل الشيخ الطوسي (رحمه الله)، أوّل رواية بهذا النحو: (الفروي عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، قال...)، ونظراً إلى إنَّ (عليّ بن إبراهيم) هو من مشايخ الكليني الكثيري الرواية، وقد نقل عنه الكثير في الكافي، ومن جهة أُخرى، فإنَّ هذه الرواية قد وردت في الكافي نفسه، ج١، ص٥٤٨، ح٢٧، فإنَّ الشيخ الطوسي قد أخذها من الكافي، بحسب الظاهر، إلّا أنّه (رحمه الله) لم يذكر الكليني في أوّل سندها، ولعلَّ ذلك كان نسياناً منه (رحمه الله)، أو إنّه اكتفى بذكر علي بن إبراهيم.
وفي نهاية هذا القسم من الكتاب، ينقل رواية أُخرى عن الكليني، ولكنّنا بعد الفحص لم نعثر عليها.
٨ - وفي فصل (فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة) وفي فصل (ذكر أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري والقول فيه)، ينقل الشيخ روايتين عن الكليني، يذكر طريقه إلى الكليني في الأولى، وينقلها عن باب (تسمية من رآه (عجَّل الله فرجه)) في الجزء الأوّل من الكافي، ولم نعثر على الرواية الثانية في الكافي، بعد الفحص.

www.m-mahdi.com

٩ - في ذيل (وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوامٌ ثقات...):
وفي هذا القسم من كتاب (الغيبة)، ينقل الشيخ الطوسي ثلاث روايات عن الكليني، لم نجد الأولى في الكافي، بعد فحصنا عنها، وأمّا الثانية والثالثة فهو ينقلها باسم الكليني، أي: (محمد بن يعقوب)، وكلا الروايتين عن باب (باب مولد الصاحب (عجَّل الله فرجه))، في الجزء الأوَّل من كتاب الكافي.

www.m-mahdi.com

تنبيه: نقل الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة)، عشر روايات عن الكليني لم نعثر عليها في الكافي، وقد يكون الشيخ قد أخذها عن كتاب (رسائل الأئمَّة (عليهم السلام)) وهو من تأليفات الشيخ الكليني أيضاً، وقد عدَّه النجاشي(٦) من كتب الكليني.
ب - كتاب (الغيبة) للنعماني:
ومن جملة مصادر الشيخ الطوسي (رحمه الله)، كتاب (الغيبة)(٧) للنعماني، وهو محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني البغدادي، المعروف بـ(ابن أبي زينب). يقول النجاشي: «شيخ من أصحابنا عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث... له كتب منها: كتاب الغيبة...»(٨).
وليس بين أيدينا ما يدلُّ على التأريخ الدقيق لولادة الشيخ النعماني، ولكنّه توفي في الشام، قريباً من سنة (٣٦٠هـ).
وكتاب (الغيبة) للنعماني، كتاب قيم في موضوعه، وكان قد انتهى من تأليفه سنة (٣٤٢هـ) وقد نقل الشيخ الطوسي في تدوين كتابه، ثماني روايات عن كتاب (الغيبة) للنعماني، نبينها هنا بالتفصيل:
١ - في فصل (ما يدلُّ على إمامة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)...):
ونقل الشيخ الطوسي في هذا الفصل سبع روايات عن النعماني، ذكر في أوّل سند الرواية الأولى منها، طريقه إلى كتاب النعماني، ولكنّه في بقية الروايات لم يذكر طريقه إلى الكتاب، إلّا إنَّه بدأ السند بعبارة: (بهذا الإسناد)، وبتأمّل بسيط يعلم المراد من المشار إليه.
هذا وقد أخذ الشيخ تلك الروايات من فصل (فيما روي أنَّ الأئمَّة اثنا عشر من طريق العامَّة وما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة)، من كتاب (الغيبة) للنعماني.
٢ - في (ذكر بعض من رأى الحجَّة (عجَّل الله فرجه)):
وفي هذا القسم من الكتاب، ينقل الشيخ الطوسي رواية واحدة عن النعماني، وبعد الفحص، لم نجد تلك الرواية في كتاب (الغيبة) للنعماني.
وطريق الشيخ الطوسي إلى النعماني في الرواية هو: (ما أخبرني به أبو عبد الله أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر قال حدثني أبو الحسين محمد بن علي الشجاعي الكاتب قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المعروف بابن أبي زينب النعماني الكاتب)(٩).
ج - كتاب (كمال الدين وتمام النعمة):
ومن مصادر الشيخ الطوسي في تأليف كتابه (الغيبة)، يمكننا عدّ كتاب (كمال الدين وتمام النعمة)(١٠) للشيخ الصدوق (رحمه الله) من جملة المصادر، وهو محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القميّ، من أعلام الإمامية في القرن السابع الهجري، والذي وُلد ببركة دعاء مولانا الحجَّة (عجَّل الله فرجه).
وهو من أبرز الفقهاء والمحدّثين، وله تصانيف كثيرة في فنون متعدّدة.
توفي الشيخ الصدوق سنة (٣٨١ هـ)، ومدفنه في مدينة ريّ بطهران.
وينقل الشيخ الطوسي عن الصدوق بواسطة واحدة، وهو أحد هؤلاء الأعلام:
١ - الشيخ محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد).
٢ - الحسين بن عبيد الله الغضائري.
٣ - جعفر بن الحسن بن حسكة القمّي.
٤ - محمد بن سليمان الحمراني.
وفي هذا الكتاب، عادةً ما يروي عن الصدوق بوساطة (جماعة)، ومراده من الجماعة هم هؤلاء الأعلام الأربعة أعلاه. وقد نقل ثمانية عشر حديثاً عن (كمال الدين وتمام النعمة)، نبينها بالتفصيل:
١ - في فصل (فأمّا الكلام في ولادة صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)...):
وفي هذا الفصل، ينقل الشيخ حديثين عن (كمال الدين) من باب (ذكر من شاهد القائم (عجَّل الله فرجه) ورآه وكلَّمه).
٢ - في فصل (وأمّا ظهور المعجزات الدالَّة على صحّة إمامته (عجَّل الله فرجه) في زمان الغيبة...):
حيث ينقل الشيخ الطوسي سبعة أحاديث عن كمال الدين، باب (ذكر التوقيعات الواردة عن القائم (عجَّل الله فرجه))، وذلك في ذيل بيان توقيعات الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه) من كتابه.
٣ - في فصل (فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة...):
وفي هذا الفصل، وعندما يترجم الشيخ الطوسي محمد بن عثمان بن سعيد، يذكر ثلاثة أحاديث عن كتاب (كمال الدين)، من باب (ذكر من شاهد القائم (عجَّل الله فرجه))، ومن باب (ذكر التوقيعات الواردة عن القائم (عجَّل الله فرجه)). ثم ينقل رواية عن الشيخ الصدوق بهذا السند: «وبهذا الإسناد عن محمد بن علي عن أبيه...». ومراده من محمد بن علي، الشيخ الصدوق (رحمه الله)، والمشار إليه في (بهذا الإسناد) هم مشايخه ݑ، ولكنَّنا لم نجد هذا الحديث في (كمال الدين وتمام النعمة).
٤ - في ذيل (بيان أنَّ محمد بن عثمان بن سعيد، قد عين الحسين بن روح من بعده، بأمرٍ من الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)):
وينقل الشيخ الطوسي هنا حديثين عن كمال الدين، من باب: (ذكر التوقيعات الواردة عن القائم (عجَّل الله فرجه)). ويبدأ سند الحديث الثاني بعبارة: (بهذا الإسناد).
٥ - وفي ذيل (ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمد السمري)، ينقل الشيخ الطوسي ثلاثة أحاديث عن (كمال الدين)، من باب (ما روي في ميلاد القائم (عجَّل الله فرجه)...)، ومن باب (ذكر التوقيعات الواردة عن القائم (عجَّل الله فرجه)).
د - أربع رسالات في الغيبة(١١):
الشيخ المفيد (محمد بن محمد بن النعمان) من الوجوه اللامعة في القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجري القمري، وكان من أعلم أهل زمانه في الكلام والفقه والحديث، وقد ألَّف هذه الرسائل الأربعة في الردِّ على الشبهات المثارة حول غيبة حضرة بقية الله الأعظم (عجَّل الله فرجه).
والشيخ الطوسي (رحمه الله)، وفي بدايات كتابه (الغيبة)، وفي فصل (في الكلام في الغيبة)، حيث يشير إلى أمور معرفية مهمَّة، يجيب فيها عن أسئلة مطروحة حول الموضوع، بإجابات موثقة رصينة وجامعة، فيلجم أفواه المنتقدين.
وهذه الطريقة التي اتّبعها الشيخ، وهي السؤال والجواب، قد أخذها عن أُستاذه الشيخ المفيد في تلك الرسائل الأربعة، حيث إنّنا إذا قارنّا بين الكتابين، لظهر لنا ذلك التأثّر جلياً.
وبنظر كاتب هذه السطور، فإنَّ الشيخ الطوسي في هذه المباحث، قد استلهم من أسلوب أستاذه، فاستفاد منه في تدوين كتابه.
هـ - كتاب الذخيرة(١٢):
خامس المصادر التي استعان بها الشيخ الطوسي في تدوين كتابه (الغيبة)، كتاب (الذخيرة) للسيد المرتضى (رحمه الله). وهو أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي المعروف بالسيد المرتضى عَلم الهُدى، المتوفي سنة (٤٣٦ هـ) والسيد المرتضى من تلاميذ الشيخ المفيد، وهو الذي صلّى على جنازة أستاذه، ثم تصدّر كرسي الزعامة لعالم التشيع.
كتب السيد المرتضى كتاب (الذخيرة) في علم الكلام، وقد استعان به الشيخ الطوسي في أربعة مواضع، حيث نقل عنه موردين في ذيل: (الدليل على وجوب الرئاسة)، وفي صفحة ١٣ و١٩، والمورد الأوَّل يبدأ بعبارة (ووجدت لبعض المتأخّرين كلاماً اعترض به كلام المرتضى (رحمه الله) في الغيبة...)، والمورد الثاني يبدأ بعبارة: (قلنا، الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى (رحمه الله) في الذخيرة).
والمورد الثالث والرابع، هما في ذيل (علَّة غيبته (عجَّل الله فرجه) عن أوليائه) في صفحة ٧٩ و٨٣، وقد بدأ المورد الثالث بعبارة: (وكان المرتضى (رحمه الله) يقول أخيراً...) وبدأ المورد الرابع بقوله: (وكان المرتضى (رحمه الله) يقول...).
و) كتاب مسائل علي بن جعفر:
ومن جملة المصادر التي يمكننا عدّها من مصادر الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة)، كتاب (مسائل علي بن جعفر)(١٣). وهو علي بن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وأخو الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وكان قد سأل أخاه الكاظم (عليه السلام) عن مسائل فأجاب عليها، وقد جُمِعَت تلك المسائل وأجوبتها في كتاب سُمّي بمسائل علي بن جعفر. توفي علي بن جعفر في أواسط القرن الثالث الهجري، وكان قد أدرك أربعة من الأئمَّة المعصومين من أئمَّة أهل البيت (عليهم السلام) وهم: الإمام الصادق، الإمام الكاظم، الإمام الرضا والإمام الجواد (عليهم السلام). لم يبتلَ علي بن جعفر بمذهب الوقف، بل بقي محافظاً على اعتقاده الصحيح رغم تقلب الأحوال والأوضاع الاجتماعية.
ومسائل علي بن جعفر، تعد موضوعات متنوّعة، وقد نقل الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة) عنه رواية في فصل (الكلام في الواقفة) صفحة (٤٠).
وتشير القرائن إلى أنَّه أخذها عن ذلك الكتاب، صفحة (٣٤٧)، رقم (٨٥٦)، والعبارة في كلا الكتابين هي: (وروى أيوب بن نوح عن الحسن بن فضال(١٤) قال سمعت علي بن جعفر يقول: كنت عند أخي موسى بن جعفر (عليهما السلام) وكان والله حجَّة في الأرض بعد أبي).
كما أنَّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) يروي عن علي بن جعفر في موارد أخرى، ولكنَّ أخذه من كتاب مسائل علي بن جعفر لم يحرز في تلك الموارد، فقد يكون قد أخذ تلك الروايات من كتاب آخر.
هذا وقد ذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الفهرست(١٥)، طريقه إلى كتاب (مسائل علي بن جعفر)، وهو: (أخبرنا بذلك جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن محمد بن يحيى عن العمركي الخراساني البوفكي عن علي بن جعفر).
ز - كتاب أسرار آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم):
ومؤلّف هذا الكتاب هو سُليم بن قيس(١٦) الهلالي، وهو من خواصّ أصحاب أئمَّة الشيعة الأوائل. جاء إلى المدينة المنوّرة وهو في عمر السادسة عشرة، وعاش محنة أمير المؤمنين (عليه السلام) وانزوائه في الدار.
أخذ العلم من منبع زلال علم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسمع أخبار الأحداث من لسان سلمان وأبي ذرّ والمقداد (رضوان الله عليهم)، وكتبها.
وكتاب سليم بن قيس أوّل كتابةٍ للتأريخ الإسلامي، ويعدُّ من أرصن ما كتب في الأحداث التي واجهها أهل البيت (عليهم السلام).
وينقل الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة)، في ذيل البحث عن بطلان الكيسانية، (صفحة ١٣١)، روايتين، وفي ذيل البحث عن علّة عدم ظهور الإمام الحجَّة (عجَّل الله فرجه)، (صفحة ٢٢٦) رواية ثالثة عن كتاب سليم بن قيس. ويبدو لنا أنّه أخذ الرواية مباشرة من الكتاب، وإن كانت القرائن الدالَّة على ذلك غير كافية، ولكنّها أيضاً غير بعيدة.
وطريق الشيخ الطوسي (رحمه الله) إلى كتاب سليم بن القيس، كما جاء في الفهرست(١٧)، هو:
(أخبرنا به ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن القاسم الملقب ماجيلويه عن محمد بن علي الصيرفي عن حماد بن عيسى وعثمان بن عيسى عن أبان بن أبي عياش عنه).
المصادر غير الموجودة:
أ - الضياء في الردِّ على المحمّدية والجعفرية:
كتاب الضياء، مجموعة أحاديث جمعها سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القُمّي، في الردِّ على القائلين بإمامة محمّد بن علي بن محمّد بن علي الرضا (عليهم السلام). وسعد بن عبد الله - كما ترجمه النّجاشي(١٨) - من فقهاء الإمامية الاثني عشرية، وقيل إنَّه التقى بالإمام الحادي عشر (عليه السلام) وسمع عنه الحديث.
وقد تحمَّل سعد بن عبد الله الأشعري عناء السفر من أجل جمع أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وكانت ثمرة هذه الأسفار كُتباً كثيرة وآثاراً باقية بعد موته، منها كتاب (الضياء) في الردَّ على المحمَّدية والجعفرية، والذي أخذ عنه الشيخ الطوسي بعض الأحاديث في كتابه (الغيبة)، ولذا فإنَّه يسندها إلى سعد بن عبد الله.
والشيخ الطوسي (رحمه الله) نقل كثيراً عن سعد بن عبد الله في كتابه (الغيبة)، ولكنْ لا يمكننا الجزم، أو معرفة أنَّه هل أخذ ذلك مباشرة من كتاب (الضياء)، أم أنَّه أخذه عن كتب أُخرى، فلا يمكننا الحكم بأنَّه قد أخذه من كتاب الضياء، ولذا فإنّنا هنا نبين بعض الموارد التي يمكننا الجزم بأنَّها مأخوذة من (الضياء) فقط.
الأول: في ذيل قوله (وأمّا من خالف من الفرق الباقية الذين قالوا بإمامة غيره كالمحمّدية...) في (صفحة ٦٨)، الحديث الأوّل، فهذا الحديث مأخوذ من كتاب الضياء.
ويبدأ سند هذا الحديث بقوله: (فروى سعد بن عبد الله قال حدثني أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري...).
الثاني: في ذيل قوله: (وأمّا المحمّدية الذين قالوا...) في (صفحة ١٣٣)، حيث نقل عنه بقوله: (ويزيد ذلك بياناً ما رواه سعد بن عبد الله عن جعفر بن محمد بن مالك...).
ففي هذا القسم من الكتاب، نقل الشيخ ثلاث روايات عن سعد بن عبد الله الأشعري، كما في (صفحة ١٣٣ و١٣٤). وفي ذيل: (وأمّا موت محمد في حياة أبيه...) (صفحة ١٣٤ و١٣٥ و١٣٦)، فقد نقل ثلاثة أحاديث عن سعد، والحديث الرابع مشكوك في أنَّه هل هو مأخوذ من كتاب الضياء أم من غيره.
وكذلك في ذيل (وأمّا معجزاته [الحسن العسكري (عليه السلام)] الدالَّة على إمامته...) وفي (صفحة ١٣٦، ١٣٧ و١٣٨)، نقل خمسة أحاديث عن كتاب سعد. وفي ذيل (فأمّا القائلون بأنَّ الحسن بن علي (عليهما السلام) لم يمت) في (صفحة ١٤٧)، نقل حديثاً واحداً، وفي ذيل (وأمّا من قال: إنَّ الحسن بن علي (عليهما السلام) يعيش بعد موته...) في (صفحة ١٤٨)، نقل حديثاً واحداً عن سعد.
وكذلك في ذيل قوله: (وأمّا القائلون بإمامة جعفر بن علي بعد أخيه (عليه السلام)) في (صفحة ١٥٠)، فقد نقل حديثاً واحداً عن كتاب الضياء.
ونقل الشيخ الطوسي ثلاثة أحاديث أخرى عن سعد، في ذيل قوله: (وقد بينا فساد قول الذاهبين إلى إمامة جعفر بن عليّ...) وذلك في (صفحة ١٥١ و١٥٢).
إذن، فمجموع الروايات التي نقلها الشيخ الطوسي عن كتاب (الضياء) لسعد بن عبد الله، هو تسع عشرة رواية. والتي يبدو لنا أنَّه أخذها مباشرة من نفس الكتاب.
وكان على الشيخ الطوسي (رحمه الله) أن يذكر طريقه إلى سعد بن عبد الله، لأنَّه لا يروي عنه مباشرة. ولكنَّه قال في (الفهرست)(١٩)، في ترجمة سعد: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدَّة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه ومحمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله).
وبذكر هذا الطريق في صدر إسناد سعد، يكون طريق الشيخ إلى سعد متّصلاً وتكون رواياته مسندة.
ب - كتاب الرجعة وكتاب القائم (عجَّل الله فرجه):
ومؤلّف هذين الكتابين هو الشيخ الفضل بن شاذان النيشابوري، وهو من مشايخ الحديث ومن ثقات محدِّثي الإمامية في أواسط القرن الثالث الهجري القمري، ومن الفقهاء والمتكلّمين وأجلّاء أصحاب الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري (عليهم السلام).
ويصل عدد كتبه إلى (١٨٠) مجلّداً، صرَّح النجاشي(٢٠) بعددٍ منها. توفي الفضل بن شاذان سنة (٢٦٠هـ).
ويبدو لراقم هذه الأوراق، أنَّ ما نقله الشيخ الطوسي في الفصول الختامية من كتابه، عن الشيخ الفضل بن شاذان، إنَّما أخذه من هذين الكتابين مباشرةً. ففي (فصل فيما ذكر في بيان مقدار عمره (عجَّل الله فرجه)) وفي (ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه (عجَّل الله فرجه)) روايات كثيرة يصل عددها إلى السبعين، كلّها عن هذين الكتابين.
ويبدأ الشيخ بنقل أوّل رواية منها بقوله: (وروى الفضل بن شاذان عن ابن أبي نجران عن...).
وأمّا في بقية الموارد، فإنَّ الشيخ إمّا أن يذكر الفضل بن شاذان في أوّل السند، وإمّا أن يشير بالضمير الذي يعود إليه.
والشيخ، وفي فصول متعدّدة، ينقل الرواية عن الفضل، ولكنَّ احتمال أخذه هذه الروايات من كتاب الفضل مباشرة، احتمال ضعيف، ولا توجد قرائن تدلُّ على ذلك.
فالفضل بن شاذان، ليس شيخاً بلا واسطة للشيخ الطوسي، ولذا، فإنَّ الشيخ يعتمد طريقاً حينما ينقل عن الفضل بن شاذان.
وهنا نكتفي بذكر طريق واحدٍ للشيخ الطوسي إلى الفضل بن شاذان، ذكره الشيخ في الفهرست(٢١)، وهو: (أخبرنا برواياته وكتبه هذه أبو عبد الله المفيد (رحمه الله) عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس عن علي بن محمد بن قتيبة عنه).
ج - كتاب (أخبار الوكلاء الأربعة):
كتاب (أخبار الوكلاء الأربعة) تأليف أحمد بن علي بن عباس بن نوح، أبو العباس السيرافي، هو مصدر آخر من مصادر الشيخ الطوسي (رحمه الله) في تأليف كتاب (الغيبة). والسيرافي، وكما جاء في ترجمته(٢٢) من مشايخ النجاشي، وله مؤلّفات كثيرة، أحدها هذا الكتاب.
لقد أخذ السيرافي إطار كتابه الأصلي من هبة الله بن أحمد بن محمد الكاتب.
وقد صرَّح النّجاشي، في ترجمة هبة الله(٢٣)، بهذا الأمر وقال: (...وكتاب في أخبار أبي عمرو وأبي جعفر العمريين، ورأيت أبا العباس بن نوح قد عوَّل عليه في الحكاية في كتابه أخبار الوكلاء).
هذا، وقد نقل الشيخ الطوسي في فصول متعدّدة في غيبته الحديث والكلام في أحوال النواب الأربعة عن السيرافي.
وللأسف، فإنَّ كتاب السيرافي لم يصل إلى أيدينا، وما وصلنا منه فقط هو ما ذُكر في متون الكتب الروائية، وخاصّة كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي، مع أنَّ الشيخ نفسه، وفي ترجمته(٢٤) للسيرافي، يصرِّح بعدم وجود كتاب أخبار الوكلاء بين أيدينا، ويقول: (...وله كتاب أخبار الأبواب غير أنَّ هذه الكتب كانت في المسودّة ولم يوجد منها شيءٌ... ومات عن قرب، إلّا أنَّه كان بالبصرة ولم يتّفق لقائي إياه).
ويبدو أنَّ نسخة من كتاب (أخبار الأبواب) كانت عند الشيخ حين كتابته لكتاب (الغيبة)، وقد نقل عنه في عدَّة مواضع من كتابه، منها:
١ - في فصل (وأمّا ظهور المعجزات الدالَّة على صحّة إمامته في زمان الغيبة...):
فقد نقل الشيخ في هذا الفصل خمس روايات عن (الوكلاء الأربعة)، في وقائع متعدّدة، أوّل تلك الروايات، في (صفحة ١٩٩)، حيث يبدأ بقوله: (وأخبرنا الحسين بن إبراهيم عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب، قال:...)، والمورد الثاني في (صفحة ١٩٩) أيضاً، حيث قال: (وبهذا الإسناد)، والثالثة في (صفحة ٢٠٨)، والرابعة في (صفحة ٢٠٩)، والخامسة في (صفحة ٢٢٠).
٢ - في فصل (فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة (السفراء الأربعة)):
وقد نقل الشيخ الطوسي (رحمه الله)، في هذا الفصل سبع عشرة رواية عن كتاب السيرافي، وفي موضوعات مختلفة، كأحوال السفراء والتوقيعات وغيرها.
وطريق الشيخ الطوسي (رحمه الله) إلى كتاب الوكلاء، بواسطة (جماعة من أصحابنا)(٢٥)، وهو هنا بواسطة (الحسين بن إبراهيم القمّي)، الذي ينقل عنه عن الكتاب.
د - كتاب الأوصياء وكتاب الغيبة:
وهما كتابان للشلمغاني، وقد أخذ عنهما الشيخ في كتابه الغيبة، وإن كان ما أخذه قليلاً، كما في فصل (فصل في ذكر العلَّة المانعة لصاحب الأمر (عجَّل الله فرجه) من الظهور)، في (صفحة ٢٣١)، وفي بحث (نيابة أبي القاسم الحسين بن روح) في (صفحة ٢٦٤). والشلمغاني، محمد بن علي بن أبي العزاقر، وكان من فقهاء الإمامية، وكتب كتباً عدَّة، منها هاذين الكتابين. وكان في بداية حياته مستقيماً، صحيح العقيدة، ولكنّه انحرف عن الحقّ، وقال بأقاويل عجيبة، فأُلقي القبض عليه وقتل سنة (٣٢٣هـ).
هـ - كتاب: في نصرة الواقفة:
وقد نقل عنه الشيخ الطوسي في غيبته، ذيل (الكلام في الواقفة)، حيث نقل عدَّة روايات استدلّوا بها على الوقف، وبعد نقله لكلِّ رواية أجاب عنها وردَّ الاستدلال بها، من جهة عدم دلالتها على هذا المسلك المعروف، أو من جهة عدم صحّة صدورها. وقد أخذ الشيخ الطوسي تلك الروايات من كتاب كتبه علي بن أحمد العلوي، في نصرة الواقفة، كما ترى ذلك في (صفحة ٤١)، حيث يقول: (فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمد علي بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه في نصرة الواقفة).
نتيجة البحث:
بعد التنقيب والبحث في القرائن، تبين لنا أنَّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) قد أخذ من هذه الكتب واستعان بها في تدوين كتابه (الغيبة)، ولكنّه نقل أحاديث أخرى كثيرة، لم نعثر على مصادرها، ولم يكشف لنا الشيخ عن مصادرها. فالشيخ، وفي كثير من الموارد، يبدأ السند بذكر شيخه، ولكنّنا لا ندري هل أنَّه سمع ذلك عن شيخه، أو أخذه من كتابه مثلاً، أم أنَّه أخذه من كتب سائر رواة الحديث، وأنَّه ذكر في البداية طريقه إلى ذلك الكتاب.

الهوامش:

(١) باحث ومحقّق.
(٢) الشيخ الطوسي، الغيبة، طهران، دار الكتب الإسلامية، ١٤٢٣ق، ص٨٨.
(٣) نفس المصدر، ص٢٤١.
(٤) النجاشي، رجال، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ص٣٧٧، رقم ١٠٢٦.
(٥) الشيخ الطوسي، الفهرست، النجف، المكتبة المرتضوية، ص ١٣٥، رقم ٥٩١.
(٦) النجاشي، ص ٣٧٧، رقم ١٠٢٦.
(٧) محمد النعماني، الغيبة، بلا مكان، مدين، ١٤٢٦هـ.
(٨) النجاشي، رجال، ص ٣٨٣، رقم ١٠٤٣.
(٩) الشيخ الطوسي، كتاب الغيبة، ص٩٧.
(١٠) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، قم - المؤسسة الإسلامية، ١٤٠٥هـ.
(١١) أربع رسالات في الغيبة، الشيخ المفيد، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ١٤١٣هـ.
(١٢) نقلاً عن آقا بزرك الطهراني في الذريعة، ج١٠، ص١٢، فإنَّ إحدى نسخ هذا الكتاب موجودة في مكتبة المحدِّث النوري، ونسخة أخرى منه موجودة في المكتبة الرضوية.
(١٣) مسائل علي بن جعفر، علي بن جعفر، قم - مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، ١٤٠٩هـ.
(١٤) المراد منه، الحسن بن فضال، وهو الحسن بن علي بن فضال، وإن لم يكن التعبير عنه بالحسن بن فضال موجوداً، ولكنّ الشيخ أدرجه بنفس العبارة التي جاءت في كتاب مسائل علي بن جعفر.
(١٥) الشيخ الطوسي، الفهرست، ص ٨٧، رقم ٣٦٧.
(١٦) كتاب سليم بن القيس، قم، الهادي، ١٤١٥هـ.
(١٧) الفهرست للشيخ الطوسي، ص ٨١، رقم ٣٣٦.
(١٨) قال ما نصه: شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها... ولقى مولانا أبا محمد (عليه السلام). [النجاشي، رجال، ص ١٧٧، رقم ٤٦٧].
(١٩) الشيخ الطوسي، الفهرست، ص ٧٥، رقم ٣١٦.
(٢٠) النجاشي، الرجال، ص ٣٠٦، رقم ٨٤٠.
(٢١) الشيخ الطوسي، الفهرست، ص ١٢٤، رقم ٥٦٣.
(٢٢) النجاشي، الرجال، ص ٨٦، رقم ٢٠٩.
(٢٣) نفس المصدر، ص٤٤، رقم ١١٨٥.
(٢٤) الشيخ الطوسي، الفهرست، ص ٣٧، رقم ١١٧.
(٢٥) الفهرست، ص ٣٧، رقم ١١٧.

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016