دلالات حديث الشمس في أحاديث المعصومين (عليهم السلام)
الشيخ محمد الجوراني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمته السابغة على جميع خلقه بولاية آل محمد وآلائه الجامعة على جميع بريته والصلاة والسلام على بقية الله تعالى من صفوة عباده وخاصة أولياءه من صنيعته صاحب الزمان ومعلم أحكام القران ومظهر الإيمان الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه).
دلالات حديث الشمس في أحاديث المعصومين (عليهم السلام):
لقد ذكر المعصومون (عليهم السلام) عدة أحاديث حول الفائدة من غيبة الحجة وكيف الاستفادة منه في حال غيبته والمعبر عنه بحديث الشمس، وسنروى ذلك بثلاثة طرق وهي:
١- عن جابر الأنصاري عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه ذكر أسماء كل واحد من الأئمة (عليهم السلام) إلى أن قال: ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان، قال جابر: فقلت له: يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): أي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الشمس وإن جللها سحاب... الخ(١)
٢- رواية سليمان فقلت للإمام الصادق (عليه السلام): فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور: فقال كالشمس إذا سترها سحاب.(٢)
٣- وروى الشيخ الطبرسي في الاحتجاج توقيعا خرج عن صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) بيد محمد بن عثمان وذكر فيه: وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكل الانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء.(٣)
لقد دلت الأحاديث الثلاثة على أن هناك ارتباط وثيق بين الحجة الغائب والشمس خلف السحاب وإنما وقع أصل التشبيه بينهما لوجود السنخية الصفاتية والبيانية الموضحة لكل جيل يسأل عن إمامه وكيف ينتفع به وكيف يصل إليه؟ فقبل الولوج ورسم الملامح الدلالية في أصل حديث الشمس لابد لنا أن نقدم فائدة عامة عن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه)
فائدة الغَيبة:
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن ليس عن ضرورة وجود الإمام (عجّل الله فرجه) الثابت عقلاً ونقلاً وإنما يكون عن حال غيبته واحتجابه عن شيعته ومحبيه وعن الأمة عموماً، فقد قال علمائنا في ذلك بما يلي مع شيء من التصرف، فالقول إن القيادة والهداية والقيام بوظائف الإمامة هو الغاية من تنصيب الإمام أو اختياره فكيف يكون إماماً قائداً وهو غائب عنهم؟!
والجواب: على وجهين نقضاً وحلاً.
أمّا النقض:
إن كتاب الله العزيز يعرّفنا على وجود نوعين من الأئمة والأولياء والقادة للأمّة:
وليٌّ غائب مستور، لا يعرفه حتى نبي زمانه، كما يخبر سبحانه عن صاحب موسى (عليه السلام) بقوله: ﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾ [الكهف/ ٦٥،٦٦]
ووليٌّ ظاهر باسط اليد، تعرفه الأمة وتقتدي به.
فالقرآن يدل على أن الولي ربما يكون غائباً لكنه لا يعيش في غفلة عن أمته بل يرعى شؤونها دون أن يعرفه أبناء الأمة.
وإلى ذلك يشير الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد النخعيّ، يقول كميل: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فأخرجني إلى الجبّان، فلما أصحر، تَنَفَّس الصعداء، وكان مما قاله: اللّهم بلى، لا تخلو الأرض من قائمٍ لله بحُجَّةٍ، أما ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً لِئلاّ تَبْطُلَ حُجَجُ الله وبيناتُه.(٤)
وليست غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بِدعاً في تاريخ الأولياء.
أمّا الحلّ فمن وجوه:
الأول: إن عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته، لا يدلّ على عدم كونه مفيداً في زمن غيبته، فالسائل جعل عدم العلم طريقاً إلى العلم بالعدم! وهذا من أعظم الجهل في تحليل المسائل العلمية، ولا شك أن عقول البشر لا تصل إلى كثير من الأمور المهمّة في عالم التكوين والتشريع، وإن كان فعله سبحانه منزّها عن العبث واللغو. فيجب علينا التسليم أمام التشريع إذا وصل إلينا بصورة صحيحة كما عرفت من تواتر الروايات على غيبته.
الثاني: إن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور وعدم الاستفادة من وجوده. فهذا صاحب موسى كان وليّاً، لجأ إليه أكبر أنبياء عصره، فقد خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون ليصونها عن غضب الملك، ولم يعلم أصحاب السفينة بتصرفه وإلاّ لصدوه عن الخرق جهلاً منهم بغاية عمله، كما بنى الجدار ليصون كنز اليتيمين. فأي مانع حينئذٍ من أن يكون للإمام الغائب في كل يوم وليلة تصرّفاً من هذا النمط من التصرفات، ويؤيد ذلك ما دلّت عليه الروايات من حضوره في أشهر الحج ومصاحبة الناس وحضور المجالس وإغاثة المضطرين وعودة المرضى وربما يتكفل بقضاء حوائجهم وإن كان الناس لا يعرفونه بل هناك تصرُّف خاص بالإمام أشار إليه قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا..﴾ [الأنبياء/٧٣]
الثالث: المُسَلَّم هو عدم إمكان وصول عموم الناس إليه في غيبته، وأما عدم وصول الخواص إليه فليس بأمر مُسَلَّم، بل دلّت الروايات على خلافه، فالصلحاء من الأمة، الذين يُستدرُّ بهم الغمام، لهم التشرف بلقائه وتستفيد الأمة بواسطتهم.
الرابع: لا يجب على الإمام أن يتولى التصرف في الأمور الظاهرية بنفسه، بل له تولية غيره على التصرف في الأمور كما فعل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في الغيبة الصغرى، كان له وكلاء أربعة، يقومون بحوائج الناس فكانت الصلة بينه وبين الناس مستمرة بهم.
وفي الغيبة الكبرى نصب الفقهاء والعلماء العدول العالمين بالأحكام، للقضاء وإجراء السياسات وإقامة الحدود وجعلهم حجة على الناس، فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف وبيان الأحكام ودفع الشبهات وكل ما يتوقف عليه نظم أمور الناس.
بعد ذكر هذه الفائدة سنذكر بعض الدلالات في حديث الشمس وهي كالتالي:
١- إن المراد من أصل التشبيه الحقيقة لا المجاز لأنه لا يحتمل وجه دون آخر بل تمامية الوجوه المحتملة في أصل المشبه به لان المعصوم ينظر إلى الموجودات بعين الحياة والحقيقة كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرض وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء﴾ [الحج - الآية – ١٨]
٢- جاء التشبيه مقرونا بالشمس لما لها من صفات كلية على نظام الوجود الإمكاني من جهة التأثير والتأثر وهذا ثابت لمن له ادنى اطلاع على بعض العلوم الكاشفة عن ذلك.
٣- إرادة المعصوم ببيان أمر الإمامة على أنها واضحة كوضوح الشمس والمنكر لها فكأنما أنكر الشمس الطالعة وإن كانت خلف السحاب فعينها مفقودة وآثارها موجودة والأثر يدل على العين وهي قاعدة عقلية ومشتركة بين جميع البشر.
٤- من المحتمل أن يكون نظام التشبيه هنا أريد منه النظام الأصلح للوجود حيث أن الشمس أحياناً تكون خلف السحاب لمصلحة قدرها الباري (عزّ وجل) وكي يقع نظام الفائدة والاتزان، وأن غيبة الإمام قد تكون بنفس الفعل أصلح نظام الوجود ولتربية الأمة باتجاه الكمال المطلوب فلو كان العكس لما تتحقق أصل الغرض.
٥- إن الشمس مصدر الحياة للمنظومة التابعة لها بما فيها سيد الكواكب الأرض فلو ابتعدت الشمس عن كل ذلك لانعدمت الحياة بالتجمد ولو اقتربت أكثر لانعدمت الحياة بشدة الحرارة والاحتراق إذن ما يخرج منها بقدر مقدور كذلك هو الإمام (عجّل الله فرجه) وحال فيضه إلى العوالم بما فيها عالمنا.
٦- إن الشمس من غير الممكن أن يقترب شيء إلى ذاتها أوعينها بسبب القوة الهائلة التي تتمتع بها ونقص الاستعداد الكامل بأي مخلوق بالاقتراب منها وكشف كنهها كذلك الإمام (عجّل الله فرجه) فهو يتمتع بطاقات هائلة فمن غير الممكن الوصول إلى معنى ذاته (عجّل الله فرجه) تعبداً بأصل الحديث المعصومي.
٧- إن الشمس وإن غابت ليلاً إلّا إن آثارها لا تنعدم تماماً فضوء النجوم والقمر منها والقسم الآخر من الأرض ينعم بها أيضاً فإن الإمام هكذا فإن إثاره لا تنعدم أبداً وهي موجودة على الدوام.
٨- إذن لولا وجود الشمس لانعدمت الحياة تماماً ولولا الحجة لساخت الأرض بأهلها والمطابقة بين المعنيين واضحة.
٩- كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بآثارها فهم ينتظرون في كل آن رفع السحاب وانكشاف الحجاب فكذلك المخلصون والمؤمنون والموقنون ينتظرون الفرج دائماً في أيام غيبته ولا ييأسون ويحصلون بذلك على أجر الانتظار العظيم.
١٠- الارتباط الفعلي بين الإنسان والشمس لا ينفك أبداً من يوم وجوده إلى وفاته وهذا رابط الحياة، إذن الارتباط يجب أن يكون بهذا المستوى وأكثر مع إمام العصر والحجة الغائب (عجّل الله فرجه) لأنه رابط حياة في عالم الإمكان وبقية العوالم وهذه الحقيقة يجب الالتفات إليها.
١١- ورد في دعاء الصباح لسيد المتقين (عليه السلام): (وشعشع ضياء الشمس بنور تأججه)، والضياء أثر لنور أصيل وباقي فضياء الإمامة من نور الله تعالى والنور لا متناهي فالضياء كذلك ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء﴾. [يونس - الآية٥]
١٢- قد وصف الباري سبحانه الشمس بالدليل قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾ [الفرقان - الآية٤٥]، فالإمام كذلك فقد قال (عليه السلام): إن استرشدْتَ أُرشدت، وإن طلبت وجدت، وهذا لا يكون إلّا للدليل والدال على طاعة الله ومعرفته وكما نقرا في زيارة الجامعة السلام على الأدلاء على الله.
١٣- زرع الأمل في نفوس المنتظرين أن الشمس وإن كانت محجوبة فإن آثارها لا تنقطع أكيداً فالذي يتمتع بالآثار يكاد أن يصل إلى المؤثر والعين ويتمتع ببركاته كلياً لا أن يحرم نفسه أو يتغافل عنها فيكون هو محجوباً عن إمامه تماماً.
١٤- ممكن أن نذكر معنى استحساني لا يخلو من فائدة دل عليه القرآن بقوله: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ﴾ [ق - الآية ٣٩]، فقد أرشد القرآن إلى فعل مهم قبل طلوع الإمام وظهوره وهو التسبيح الذي باطنه التوحيد وظاهره التنزيه والذي يحتاجه المنتظر قبل الظهور وفرض حالة التواصل بالتلبس بهذا المستوى من الذكر والتوحيد والعبادة بقوله قبل الغروب أيضاً بعد ظهوره سيكون الحال كذلك أو قبل غروبها عن المقصرين والجاحدين والمهملين والشاكين المتقاعسين عن هذا الأمر العظيم، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أو كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ [الأنعام - الآية ١٥٨]
نسال الله تعالى أن يمن علينا بالطلعة الرشيدة لصاحب الزمان (عجّل الله فرجه) وأن يجعنا من العاملين له في حال غيبته وظهوره، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
الهوامش:
(١) كمال الدين للصدوق ج١.
(٢) كمال الدين للصدوق ج١.
(٣) كمال الدين للصدوق الباب٤٥ الحديث٤ ص٤٨٥.
(٤) نهج البلاغة بتعليقات عبده ج٤ ص٣٧، قصار الحكم الرقم١٤٧.