سيدة الإماء (عليها السلام)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
الأنساب أصول هذا العالم.
بها يُحترز عن الخطأ في نسب الناس وتحظى بأهمية بالغة لدى الأُمم والشعوب على امتداد الزمان، خصوصاً لدى العرب حيث كان لهم اهتمام بالغ بها إذ كانوا يقسِّمون النسب إلى ما عُرف عندهم بطبقات الأنساب، حتى تميزوا عن غيرهم بذلك، حتى بلغ أمر اهتمامهم أن لكل قبيلة منهم نسّابة خاصاً بهم، وفي الأديان برز الاهتمام جلياً بالنسب حتى وردت فيه العديد من النصوص، فقد أشار القرآن الكريم إلى أهمية الأنساب في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾ (الحجرات: ١٣).
ويبدو أن لدى الإنسان غريزة تدفعه لمعرفة جذوره وأصوله، حيث يترتب عليها العديد من الآثار الاجتماعية والدينية والمالية، قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ (الشعراء: ٢١٤)، وقال تعالى: ﴿ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ﴾ (البقرة: ٢١٥).
النسب معنى: اتصال شيء بشيء وانتسابه إليه من القرابة والعلة، ومن خلاله يتعارف الناس فيما بينهم ويعرفون درجة القرابة والعلة مع بعضهم، ومن شدة الاهتمام به تشكل ومنذ القدم علم خاص به يعرف بعلم الأنساب له قواعده وأصوله، وعلى أساس هذه الأصول بنيت التركيبات الاجتماعية التي تطورت من العائلة والأسرة إلى البطون والعشائر والقبائل وغيرها، حتى انتهى نسب العرب مثلاً إلى رجلين، عدنان وقحطان.
من الآثار العديدة والمهمة المترتبة على النسب هو اعتباره في إمامة الأمة، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم (غيرها)».
من هنا نجد الأئمة (عليهم السلام) عندما كانوا يتحدثون عن خصائص الإمام وصفاته كانوا يذكرون الأنساب الطاهرة، وأن الإمام (عليه السلام) بما له من وظيفة لابد أن تكون فيه خاصية النسب الطاهر في الأصلاب إلى آدم (عليه السلام)، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «إني وأهل بيتي كنا نوراً يسعى بين يدي الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الله (عزَّ وجلَّ) آدم (عليه السلام) بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق آدم (عليه السلام) وضع ذلك النور في صلبه وأهبطه إلى الأرض... ثم لم يزل الله (عزَّ وجلَّ) ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ومن الأرحام الطاهرة إلى الأصلاب الكريمة من الآباء والأمهات لم يلتق واحد [أحد] منهم على سفاح قط»(١).
وفي عدة زيارات للأئمة (عليهم السلام)، ومنها زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ورد هذا التعبير: «أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة»(٢).
وفي زيارة أخرى لهم (عليهم السلام): «لم تزالوا بعين الله ينسخكم في أصلاب كل مطهر وينقلكم من أرحام المطهرات»(٣).
إلّا أننا نجد - مع الأسف - بعضاً ممن لا يعي ما يقول أو يتربص بأهل الطهارة في أنسابهم تغطية على دناءة أنساب غيرهم ممن تقدمهم بغير وجه حق، نجد من هؤلاء الطعن في إيمان أطهر نسب عرفته البشرية فينال من عبد المطلب وعبد الله وآمنة وأبي طالب والسيدة نرجس والدة الحجة بن الحسن (عجَّل الله فرجه).
القراءة الأولية للموروث الديني تنبئ بوضوح أن هذه الأسماء نقية طاهرة من الدنس أو الشك أو غير ذلك.
فيما يخص السيدة نرجس (عليها السلام) فقد ألفت العديد من الكتابات الدالة على ثبوت إسلامها وطهارتها من كل ما يقال حول نسبها الشريف وإيمانها الشامخ، ومما قيل من ذلك وفي الدلالة على طهارة نسبها وثبوت إيمانها:
١ - المروي في تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ (الشعراء: ٢١٨-٢١٩) أنها تعني في أصلاب النبيين وأرحام نسائهم.
وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ما زلت أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات»(٤).
عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): «كان الله ولا شيء غيره، ولا معلوم ولا مجهول، فأول ما ابتدأ من خلق خلقه أن خلق محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته... ثم خلق الله تعالى آدم (عليه السلام)... ثم أودعنا بعد ذلك صلب آدم (عليه السلام)، فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام، من صلب إلى صلب، ولا استقر في صلب إلّا تبين عن الذي انتقل منه انتقاله، وشرف الذي استقر فيه، حتى صار في عبد المطلب، فوقع بأم عبد الله فاطمة، فافترق النور جزأين: جزء في عبد الله، وجزء في أبي طالب (عليه السلام)، فذلك قوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٩] يعني في أصلاب النبيين وأرحام نسائهم، فعلى هذا أجرانا الله تعالى في الأصلاب والأرحام، حتى أخرجنا في أوان عصرنا وزماننا»(٥).
٢ - إن من الواضح لدى الإمامية الإيمان بطهارة الأئمة (عليهم السلام) من كل جهة بما في ذلك طهارة الآباء والأمهات فلم يعهد عنهم غير ذلك، وفي خصوص أُم الإمام (عجَّل الله فرجه) مع كونها جاءت من دار أهل الكتاب في ذلك الوقت إلّا أنهم تسالموا وصار من الواضحات عندهم إسلامها، ولو كان ثمة شيء آخر لبان في أقوالهم، وكتبهم ومؤلفاتهم قد ملأت الآفاق، ومما جاء من كلماتهم (لا يخفى أنه قد انعقد الإجماع من الفرقة المحقة على أن أجداد نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا مسلمين موحدين وما كان أحد من آبائه وأجداده كافراً وقد تواتر عن الأئمة (عليهم السلام) نحن من أصلاب المطهرين وأرحام المطهرات)(٦).
٣ - نقرأ في المسائل الفقهية أنه لا يجوز دفن الكافر أو المشرك في مقابر المسلمين وكذا العكس لما فيه من توهين، فإن حرمة المؤمن حياً كحرمته ميتاً.
وعندما نسأل عن قبر أُم الإمام (عليها السلام).
يأتي الجواب أنها دفنت في دار زوجها وعمّها لزوجها، في دار الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام)، وقد صرحت العديد من المصادر أنها مدفونة داخل حرم العسكريين (عليهما السلام) وقد كتب على قبرها (هذا قبر أم محمد (عليه السلام))(٧).
٤ - دلت عدة من الروايات على إسلامها ظهوراً أو تصريحاً ومنها:
ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام) حيث جاء فيها: قالت حكيمة: فلما أن صليت المغرب والعشاء الآخر أتيت بالمائدة، فأفطرت أنا وسوسن(٨) وبايتها في بيت واحد، فغفوت غفوة ثم استيقظت، فلم أزل مفكرة فيما وعدني أبو محمد (عليه السلام) من أمر ولي الله (عليه السلام) فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم فيه كل ليلة للصلاة، فصليت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة وخرجت [فزعة] وأسبغت الوضوء ثم عادت فصلت صلاة الليل وبلغت إلى الوتر فوقع في قلبي أن الفجر [قد] قرب فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام) فناداني من حجرته: «لا تشكي وكأنك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى...»(٩).
ودلالة الحديث على أنها تصلي صلاة الليل لا خفاء فيها، فكيف يقال بعدم إسلامها!
ومنها ما رواه الشيخ الصدوق (قدِّس سرّه) بسنده عن محمد بن بحر الشيباني عن بشر النخاس في حديث طويل جاء فيه: فقال أبو الحسن (عليه السلام): «يا كافور ادع لي أختي حكيمة»، فلما دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: «ها هيه»، فاعتنقتها طويلاً وسررت بها كثيراً، فقال لها مولانا: «يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبي محمد وأُم القائم (عليه السلام)... فقولي: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن أبي محمداً رسول الله، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها...»(١٠).
وفي مقطع قالت منها: دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري (عليه السلام) فقال لها: «كيف أراك الله عز الإسلام...»(١١).
ومن هنا تبين أن ما يقال على ألسنة البعض من عدم إسلام أُم الحجة بن الحسن (عليها السلام) لا يُقبل بأي حال من الأحوال ولا يعدو كونه لأجل التشكيك بهذه السيدة الطاهرة سيدة الإماء والإيمان (عليها السلام).
الهوامش:
(١) كمال الدين: ب٢٤، ص٢٧٥، ح٢٥.
(٢) المزار: ص٥١٥.
(٣) كامل الزيارات: ب١٥، ص١١٩، ح١٣٠/٢.
(٤) تصحيح اعتقادات الإمامية - المفيد: ص١٣٩.
(٥) حلية الأبرار - السيد هاشم البحراني: ب١، ج١، ص١٧.
(٦) مجمع البحرين - الشيخ الطريحي: ج١، ص٦٩.
(٧) أعيان الشيعة: ج٢، ص٥٨٨؛ مستدرك سفينة البحار: ج٨، ص٣٨٩.
(٨) وهو الاسم الثاني للسيدة نرجس (عليها السلام).
(٩) مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني: ج٨، ص٢٩، ح ٢٦٦٥ / ٩.
(١٠) كمال الدين: ب٤١، ص٤٢٢، ح١.
(١١) المصدر السابق.