فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب المركز » التمسّك بالمرجعية في زمن الغيبة الكبرى
 كتب المركز

الكتب التمسّك بالمرجعية في زمن الغيبة الكبرى

القسم القسم: كتب المركز الشخص المؤلف: السيد ضياء الخباز تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠١/٢٤ المشاهدات المشاهدات: ١٩١٠٥ التعليقات التعليقات: ٢

الردّ الساطع على ابن گاطع ٨
التمسّك بالمرجعية في زمن الغيبة الكبرى

تأليف: السيّد ضياء الخبّاز
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام)

مقدّمة المركز:...................٣
علاقة عملية التمحيص بالغيبة الكبرى:...................٥
تحقيق في حقيقة العلاقة بين الغيبة والتمحيص:...................٧
بيان حقيقة التمحيص:...................٩
الهدف من عملية التمحيص:...................١٢
خضوع مقام التشرّف بالإمام لقانون التمحيص:...................١٤
وظيفة المؤمن في مرحلة التمحيص:...................١٥
الوظيفة الأُولى: الحذر من أئمّة الضلال وأدعياء المهدوية:...................١٦
الوظيفة الثانية: التمسّك بالفقهاء والعلماء:...................١٨
الوظيفة الثالثة: التسلّح المعرفي:...................٢١

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
بعد أن كثر الحديث عن المدعو أحمد إسماعيل گاطع وما جاء به من دعاوى وأكاذيب وصلت إلى أكثر من (٥٠) دعوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان رأى مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السلام) ضرورة التصدّي لبيان زيف هذه الدعاوي والردّ عليها ليس من باب أنَّ ما جاء به أُمور علمية تعتمد الدليل العلمي والبرهان المنطقي فأنت لا تجد في طيّات دعاويه غير الزيف والتدليس والكذب والافتراء والانتقاء في الاعتماد على الروايات - وهذه كتبه وكتب أصحابه خير شاهد على ما نقول -، بل من باب أنَّ الشبهة قد تجد لها مساحة في بعض النفوس الضعيفة أوّلاً فتحتاج إلى

↑صفحة ٣↑

بعض التوضيحات وبلورة الأُصول والقيم وبيان الأُسس التي يعتمد عليها المنهج العلمي لدى السير البشري عموماً والطائفة بشكل خاصّ، مضافاً إلى القاء الحجَّة على المغترّ به والمتَّبع خطاه لئلَّا يقول أحد: (لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً وَأَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(١).
لذا فإنَّ نشر هذا الكرّاس(٢) للردّ على ابن گاطع يعتبر حلقة من حلقات التصدّي لأهل البدع والزيغ، مضافاً إلى باقي أنشطة مركز الدراسات في ردّ الشبهات من خلال موقعه في النت وصفحات التواصل الاجتماعي وصحيفة صدى المهدي وغيرها.
نسأله تعالى الثبات على الحقّ (يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك).

مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) إقبال الأعمال ١: ٥٠٥.
(٢) مقتبس من كتاب (المهدوية الخاتمة) للمؤلِّف.

↑صفحة ٤↑

علاقة عملية التمحيص بالغيبة الكبرى:
عند الرجوع إلى الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) نجد أنَّ الأئمَّة الأطهار قد حذَّروا من مرحلةٍ حرجةٍ خطيرةٍ يمرُّ بها المجتمعُ الشيعيُ، وهي مرحلة التمحيص، فمن تلك الروايات:
١ - ما ورد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال: (مع القائم (عليه السلام) من العرب شيء يسير)، فقيل له: إنَّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير! قال: (لا بدَّ للناس من أن يُمحَّصوا ويُميَّزوا ويُغربَلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير)(٣).
٢ - وعنه (عليه السلام) أيضاً: (هيهاتَ هيهاتَ! لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم - يعني ظهور الإمام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣) الغيبة للنعماني: ٢١٢، ورواها عن أبي يعفور أيضاً؛ كما رواها عنه الشيخ الكليني في الكافي ١: ٣٧٠.

↑صفحة ٥↑

المهدي (عليه السلام) - حتَّى تُميَّزوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتَّى تُمحَّصوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتَّى تُغربَلوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلَّا بعد إياسٍ، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتَّى يشقى مَنْ يشقى ويسعد مَنْ يسعد)(٤).
والحاصل: أنَّ الروايات تتحدَّث عن حقيقةٍ مخيفةٍ، وهي عملية التمحيص التي سيتعرَّض لها المجتمع الشيعي، وسيخرج من هذه العملية خلقٌ كثيرٌ، وهذه العملية مرتبطةٌ بغيبة الإمام المهدي (عليه السلام)، فقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (والله لأُقْتَلَنَّ أنا وابناي هذان - يعني: الحسن والحسين - وليبعثنَّ اللهُ رجلاً من ولدي في آخر الزمان يُطالِب بدمائنا، وليغيبنَّ عنهم تمييزاً لأهل الضَّلالة حتَّى يقول الجاهلُ: ما لله في آل أحمد من حاجةٍ)(٥).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤) الكافي ١: ٣٧٠؛ الغيبة للشيخ الطوسي: ٣٣٥.
(٥) الغيبة للنعماني: ١٤٣.

↑صفحة ٦↑

فقوله (عليه السلام): (وليغيبنَّ عنهم تمييزاً) واضح الدلالة على ما قلناه من ارتباط عملية التمحيص بغيبة الإمام المنتظر (عليه السلام)، ولكن الذي ينبغي أن يقع البحث حوله في هذه الرواية الشريفة هو بيان حقيقة هذه العلاقة بين الغيبة والتمحيص، فهل هي من قبيل علاقة العليَّة أم علاقة الهدفية؟
تحقيق في حقيقة العلاقة بين الغيبة والتمحيص:
وقبل بيان الحقيقة لا بدَّ وأن نُفرِّق أوَّلاً بين العلاقتين، وذلك متوقّف على فهم الفرق بين العلّية والهدفية، أو فقل: بين مصطلحي العلَّة والحكمة، وبيانه:
أنَّه قد قُرِرَ في محلّه أنَّ العلَّة هي التي يدور المعلولُ مدارَها وجوداً وعدماً، فإذا وُجِدَت وُجِدَ وإذا انعدمت انعدم، بينما الحكمة هي المصلحة والثمرة المترتّبة على وجود الشيء، فقد يوجد الشيءُ ولا توجد، وقد يوجد وتوجد معه.

↑صفحة ٧↑

وبعبارة أُخرى: أنَّ علاقة العلّية هي علاقة تلازمية لا تتخلَّف، فإذا وُجِدَت العلَّة لا بدَّ وأن يوجد المعلول من غير تخلّف، وهذا النحو من الملازمة غير موجود في الحكمة والهدفية، إذ يمكن تخلّفه كما يمكن تحقّقه.
إذا اتَّضح ذلك نقول: هل أنَّ العلاقة بين غيبة وليّ الله الأعظم أرواحنا فداه، وبين التمحيص والغربلة والتمييز ونحوها من العناوين الواردة في الروايات الشريفة، هي علاقة العلّية، بحيث إنَّ الله تبارك وتعالى إنَّما غيَّب وليَّه من أجل تمحيص الشيعة وغربلتهم، ولو أنَّه لم يرد تمحيصهم لما غيَّبه، أم أنَّه غيَّبه لعلَّة تخفى علينا، وأحد أهداف تغييبه هو التمحيص؟
الصحيح هو الثاني، لعدم معرفة أحد بعلَّة الغيبة، وهذا ما دلَّت بعض الروايات الشريفة، منها خبر عبد الله بن الفضل: قال الإمام الصادق (عليه السلام): (إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبةً لا بدَّ منها، يرتاب فيها كلُّ مبطلٍ)،

↑صفحة ٨↑

فقلتُ: ولِمَ جُعِلْتُ فداك؟ قال: (ذلك لأمرٍ لم يُؤْذَن لنا في كشفه لكم)(٦).
والحاصل: فإنَّ علَّة الغيبة لا يعلمها إلَّا الله تبارك وتعالى وخزّان علمه، وبهذا تتبيَّن الملاحظة على ما يذكره البعض من كون العلَّة من غيبته هي الخوف من القتل، أو اكتساب الخبرات القياديَّة! أو غير ذلك من التعليلات التي لا مستند لها.
بيان حقيقة التمحيص:
بعد أن اتَّضح لنا أنَّ المجتمع الشيعي يتعرَّض إلى عملية تمحيص في زمن الغيبة، لا بدَّ من بيان حقيقة هذا التمحيص وماهيَّته ليكون المؤمن على أُهبةٍ واستعدادٍ وحذرٍ.
فنقول: إنَّ هذا التمحيص في زمن الغيبة على مستويين:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦) كمال الدين وتمام النعمة: ٤٨٢؛ علل الشرائع ١: ٢٤٦.

↑صفحة ٩↑

المستوى الأوَّل: التمحيص السلوكي، حيث يُمَحَّصُ الناسُ من خلال غرائزهم وشهواتهم، ليُعْلَمَ من الذي ينقاد لشهواته وغرائزه ومن الذي يتجرَّد منها، فنحن نعيش في زمان ثورةٍ غرائزيَّةٍ من خلال توفّر سبل الإثارة للغرائز والشهوات، وزمان الثورة الغرائزيَّة هو زمان عملية التمحيص السلوكي للناس من خلال غرائزهم.
وقد وردت الروايات الشريفة التي تشير إلى هذا النوع من التمحيص، كما في الخبر الطويل الذي يرويه الشيخ الكليني في الكافي الشريف عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام): (مَنْ انتظر أمرَنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف فهو غداً في زمرتنا، إذا رأيتَ الحقَّ قد مات وذهب أهلُه، ورأيتَ القمارَ قد ظهر، ورأيتَ الشرابَ يُباع جهاراً وليس له مانعٌ، ورأيتَ النساءَ يبذلن أنفسَهنَّ لأهل الكفر، ورأيتَ الملاهي قد ظهرت لا يجرؤ أحدٌ على منعها، ورأيتَ الدماءَ قد اسْتُخِفَّ بها، ورأيتَ الناسَ قد تساووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن

↑صفحة ١٠↑

المنكر والتديّن به، فكن على حذر واطلب إلى الله عز وجل النجاة، واعلم أنَّ الناس في سخط الله عز وجل وإنَّما يُمهلهم لأمر يُراد بهم، فكن مترقِّباً واجتهد ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم عليه)(٧).
فهذه الرواية الشريفة - وأمثالها - تتحدَّث عن عملية تمحيصٍ سلوكي، وتُبيِّن أنَّ الناس سيتعرَّضون إلى موجبات الإثارة والمفاتن الدنيويَّة على أشدّها، والذي يُشرَّفُ برؤية الإمام ونصرته هو مَنْ يتجاوز التمحيص السلوكي بنجاح.
المستوى الثاني: التمحيص الفكري، وهو المستوى الأخطر والأشدّ؛ لأنَّ الناس لا يلتفتون إليه عادةً، فالمجتمع الشيعي سيُمَحَّصُ في بصيرته وعقائده وأفكاره، وستنتشر الراياتُ الضالّة والأفكارُ المنحرفةُ والشبهاتُ باسم الدين، ولا يخرج من هذه العملية إلَّا صاحبُ الوعي والبصيرة.
ويشهد لذلك ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧) الكافي ٨: ٣٦ - ٤٢، نقلناه بتصرّف.

↑صفحة ١١↑

الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون)(٨).
فإنَّ التعبير فيها بالضلال والاهتداء واضح الدلالة على التمحيص في البصائر والدين.
والمتحصِّل: أنَّ التمحيص الذي يمرُّ به العالمُ الشيعي على مستويين، سلوكي وفكري، والثاني يشكل امتحاناً أخطر من الأوَّل إذ هو مرتبط بدين الناس وبصائرهم، وسيظهر من يرفع الرايات باسم الإمام المنتظر ويدَّعي السفارة والنيابة والارتباط به (عليه السلام)، ومن ينصاع لهؤلاء فقد وقع في هاوية الجحيم.
الهدف من عملية التمحيص:
إنَّ المراجع لآيات القرآن الكريم يقف على حقيقة غير قابلة للإنكار والتشكيك، بل هي سُنَّة تكوينية لا بدَّ وأن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨) الكافي ١: ٣٣٨؛ كمال الدين: ٢٨٩؛ الغيبة للنعماني: ٦٩؛ الغيبة للشيخ الطوسي: ٣٣٦.

↑صفحة ١٢↑

تتحقَّق في كلِّ مجتمع من المجتمعات، من المجتمع الآدمي الأوَّل الذي شمل آدم وبنيه، إلى آخر يوم من أيّام الدنيا، وهي عملية التمحيص التي لا تختلف ولا تتخلَّف، وهذا ما صدحت به آيات الذكر الحكيم، كما في قوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) (العنكبوت: ٢ و٣).
ولسنا بحاجة لإقامة الشواهد الكثيرة للتدليل على هذه الحقيقة، وإنَّما نحن بحاجة لمعرفة الهدف منها، فلماذا جعل الله تبارك وتعالى عملية التمحيص سُنَّة تأريخية اجتماعية تكوينية لا بدَّ أن يمرَّ بها كلّ مجتمع؟
والجواب عن ذلك بأن يُقال: إنَّ الله تبارك وتعالى جعل للعباد مراتب ومواقع ومناصب ودرجات، لا ينالها أحدهم إلَّا بعد الارتقاء في سُلَّم الكمال ودرجاته، وهذا الارتقاء لا يكون إلَّا بالتمحيص والابتلاء.

↑صفحة ١٣↑

خضوع مقام التشرّف بالإمام لقانون التمحيص:
إذا اتَّضح أنَّ التمحيص عموماً إنَّما هو من أجل التأهيل لسموّ الموقع، يتَّضح الكلام فيما نحن فيه، فإنَّ صحبة الإمام المهدي (عليه السلام) ونصرته من المقامات الشامخة، وعليه فلا بدَّ للارتقاء لها من المرور بعملية التمحيص.
وتفصيل ذلك: أنَّ موقعها ورتبتها عند الله عز وجل ممَّا يُحيِّر العقول ويُدهشها، وقد وردت روايات متعدّدة في فضل أصحاب الإمام المنتظر (عليه السلام) ومقامهم العالي.
منها: ما رواه شيخنا الصدوق رحمه الله في كمال الدين وتمام النعمة بسنده إلى إمامنا باقر العلوم (عليه السلام): (كأنّي بأصحاب القائم (عليه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلَّا وهو مطيع لهم حتَّى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كلِّ شيء، حتَّى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم (عليه السلام))(٩).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩) كمال الدين: ٦٧٣.

↑صفحة ١٤↑

وبناءً على ما تقدَّم، وبمقتضى قانون التجانس والتناسب العقلائي، فإنَّ مقاماً كهذا المقام، ومنزلةً كهذه المنزلة، لا بدَّ وأن لا تُنال إلَّا بشقِّ الأنفس، وبطيّ تلك الاختبارات والابتلاءات، وبالصبر أمام ذلك التمحيص بما يناسب عظمة المقام، ويشهد لذلك ما جاء عن إمامنا الصادق (عليه السلام): (من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيَّتها العصابة المرحومة)(١٠).
وظيفة المؤمن في مرحلة التمحيص:
تقدَّم في المطالب السابقة تقسيم التمحيص إلى فكري بصائري، وسلوكي عملي، وتقدَّم هناك أيضاً أنَّ الأوَّل أخطرهما، وأمَّا وجه أخطريَّته، فيمكن تقريبه ببيان أمرين:
الأمر الأوَّل: أنَّ التمحيص السلوكي ممَّا يمكن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠) الغيبة للنعماني: ٢٠٧.

↑صفحة ١٥↑

تمييزه بسهولة، فالذي يعرف المحرَّمات بمختلف أنواعها، يمكنه الاجتناب عنها بسهولة.
الأمر الثاني: أنَّ التمحيص الفكري يكون باسم الدين والعلم، فيكون التمييز فيه صعباً حرجاً سيّما للطبقة العامّة.
وعلى ضوء ذلك نقول: إنَّ الروايات الشريفة قد ركَّزت على ثلاث وظائف مهمَّة ينبغي للمؤمنين أن يقوموا بها في مرحلة التمحيص:
الوظيفة الأُولى: الحذر من أئمّة الضلال وأدعياء المهدوية:
وقد ركَّزت الروايات الشريفة على هذا الأمر كثيراً، فمنها: صحيحة أبي خديجة، عن إمامنا الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: (لا يخرج القائم حتَّى يخرج اثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه)(١١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١) الغيبة للشيخ الطوسي: ٤٣٧؛ الإرشاد للمفيد ٢: ٣٧٢.

↑صفحة ١٦↑

والحاصل: أنَّ هنالك حالة من الضبابية تسود في مرحلة التمحيص، وينبغي على الإنسان أن يكون حذراً يقظاً ذا بصيرة في التعامل مع الأحداث المرتبطة بظهور الإمام (عليه السلام).
الوظيفة الثانية: التمسّك بالفقهاء والعلماء:
والملاحظ عند التدقيق في سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، وبالأخصّ ما جاء عن الأئمّة المتأخّرين (عليهم السلام) ابتداءً بإمامنا الجواد وانتهاءً بإمامنا العسكري (عليهم السلام)، هو دورهم الواضح والكبير في التمهيد لغيبة الإمام المهدي (عليه السلام) باعتبار أنَّها ظاهرة جديدة غير مألوفة للشيعة الذين اعتادوا على أن يكون الإمامُ بين أيديهم.
ومِنْ جملة الإعدادات التي ركَّز عليها الأئمَّة المتأخّرون (عليهم السلام): تحديد المرجعية الدينية التي يرجع إليها الناس في أُمور دينهم في زمن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام).
والروايات في هذا الشأن - أعني تركيز الأئمَّة (عليهم السلام) على الفقهاء ودورهم - كثيرة ومتعدّدة، ويمكن تصنيفها إلى طائفتين:

↑صفحة ١٨↑

الطائفة الأُولى: الروايات التي تتحدَّث عن فضل العلم والعلماء على نحو العموم دون أن تتحدَّث عن فترة زمنية خاصّة يمرُّ بها العلماء.
منها: صحيحة القدّاح، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء)(١٢).
وعنه (عليه السلام): (الراوية لحديثنا يشدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)(١٣).
وعنه (عليه السلام): (العلماء أُمناء، الأتقياء حصون، والأوصياء سادة)(١٤).
والروايات في هذا الشأن كثيرة جدَّاً.
الطائفة الثانية: الروايات التي تتحدَّث عن فضل العلم والعلماء في فترة زمنية خاصّة وهي التي عبَّرنا عنها بمرحلة التمحيص.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢) الكافي ١: ٣٤.
(١٣) الكافي ١: ٣٣.
(١٤) المصدر السابق.

↑صفحة ١٨↑

فمنها: ما ورد عن إمامنا الجواد (عليه السلام) أنَّه قال: (من تكفَّل بأيتام آل محمّد المنقطعين عن إمامهم المتحيّرين في جهلهم الأُسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين بردّ وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودليل أئمَّتهم ليفضلون عند الله تعالى على العبّاد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء)(١٥).
ومنها: ما روي عن الإمام الهادي (عليه السلام): (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه والذابّين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلَّا ارتدَّ عن دين الله، ولكنَّهم الذين يُمسِكون أزمَّة قلوب ضعفاء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥) الاحتجاج ١: ٩.

↑صفحة ١٩↑

الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أُولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل)(١٦).
ومنها: ما روي عن الإمام العسكري (عليه السلام): (فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يُقلِّدوه)(١٧).
ولمَّا وصلت النوبة إلى إمامنا المنتظر (عليه السلام) كتب في التوقيع الرفيع لسفيره المقدَّس الشيخ محمّد بن عثمان العمري قدس سره: (وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم)(١٨)،(١٩).
والمتحصِّل من ذلك كلّه: أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦) المصدر السابق.
(١٧) الاحتجاج ٢: ٢٦٣.
(١٨) كمال الدين: ٤٨٥.
(١٩) راجع المجلَّد الثاني من البحار للعلَّامة الأجلّ المجلسي رحمه الله حيث عقد هناك أبواباً متعدِّدة وأورد فيها الروايات الشريفة المرتبطة بالمقام.

↑صفحة ٢٠↑

وخصوصاً المتأخّرين أسَّسوا لمرجعية دينية للفقهاء من شيعتهم - في زمن الغيبة للإمام (عليه السلام) - يرجع إليها الناس، ومن هنا تعرف أنَّ ما جرت عليه سيرة الشيعة الإمامية (أعلى الله كلمتهم) من الرجوع إلى الفقهاء والمراجع العظام إنَّما هو استجابةٌ لما أراده الأئمَّة (عليهم السلام).
وعليه: فلا يُصغى لأيِّ دعوى زائفة كالدعاوى التي يُردِّدها بعض الضالّين والمغرضين من التحذير من المراجع العظام واتّهامهم بالضلال معاذ الله، فهذا خلاف المشروع الذي أسَّس له أئمَّة الحق (عليهم السلام).
الوظيفة الثالثة: التسلّح المعرفي:
وقد ركَّزت الروايات الشريفة على هذه الوظيفة تركيزاً بالغاً يكشف عن أهمّية هذه الوظيفة وحسّاسيتها، فمنها:
ما عن عمرو بن أبان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (اعرف العلامة فإذا عرفته لم يضرّك تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر، إنَّ الله عز وجل يقول: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ

↑صفحة ٢١↑

أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (الإسراء: ٧١)، فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر (عليه السلام))(٢٠).
وعن زرارة بن أعين، عن الإمام الصادق (عليه السلام) حين حديثه عن الحجَّة المنتظر (عليه السلام): (وهو المنتظر غير أنَّ الله عز وجل يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة)، قال: قلت: جُعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل؟ قال: (يا زرارة، إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء: اللّهمّ عرِّفني نفسك، فإنَّك إن لم تُعرِّفني نفسك لم أعرف نبيَّك، اللّهمّ عرِّفني رسولك، فإنَّك إن لم تُعرِّفني رسولك لم أعرف حجَّتك، اللّهمّ عرِّفني حجَّتك، فإنَّك إن لم تُعرِّفني حجَّتك ضللت عن ديني)(٢١).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠) الكافي ١: ٣٧٢؛ الغيبة للنعماني: ٣٥٢.
(٢١) الكافي ١: ٣٣٧.

↑صفحة ٢٢↑

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ٣ / ٣.٠
 التعليقات
الدولة:
الإسم: علي سعد
العراق
النص: نشكر مركز الدراسات في الامام المهدي عج وجعلنا من المتمسكين بنور الولاية العلوية وظلال المرجعية الكبرى التي حفظت الاسلام ولعبت دورها الريادي في صيانة وحفظ مذهب سفينة النجاة وكانوا دوما في صدارة التاريخ قلما وجسدا في سبيل الاهداف العليا للاسلام المحمدي الاصيل
تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠١/٢٨ ٠١:٣٦ م
إجابة التعليق

الدولة:
الإسم: علي سعد
العراق
النص: نشكر مركز الدراسات التخصصية في الاءمام المهدي ارواحنا لمقدمه الفدا ولسماحة المرجع الاعلى اية الله العظمى علي الحسيني ايده الله لخدمة الاسلام
تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٤/١٧ ٠٧:٤٢ ص
إجابة التعليق

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016