أبحاث العدد:
 البحث في العدد ١٧:
 الصفحة الرئيسية » اعداد المجلة » العدد ١٧/ محرم الحرام/ ١٤٤٦هـ » الإيمان بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وعدمه
 العدد ١٧/ محرم الحرام/ ١٤٤٦ه

المقالات الإيمان بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وعدمه

القسم القسم: العدد ١٧/ محرم الحرام/ ١٤٤٦هـ الشخص الكاتب: مجتبى السادة التاريخ التاريخ: ٢٠٢٤/٠٧/١٣ المشاهدات المشاهدات: ١٦٣ التعليقات التعليقات: ٠

الإيمان بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وعدمه
رؤية نهاية التاريخ في الفلسفة الغربية نموذجاً

مجتبى السادة

لماذا الإيمان بالـمُخلّص الإلهي (الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه))؟................ ١٢٧
أولاً: الـمُخلّص وبرهان الفطرة:............................................. ١٢٨
ثانياً: المُخلِّص وطريق الاستدلال العقلي:...................................... ١٣٠
ثالثاً: المُخلِّص وطريق الإرشاد السماوي:...................................... ١٣١
هل المُخلِّص الموعود هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؟......................... ١٣٣
البشارات في التراث الديني تنطبق على المخلِّص المهدي (عجَّل الله فرجه) فقط:.... ١٣٥
الفرق بين نهاية التاريخ ونهاية الكون:.......................................... ١٣٧
نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الغربي:........................................ ١٣٩
(١) نظرية هيجل لنهاية التاريخ:.............................................. ١٤٠
(٢) نظرية ماركس لنهاية التاريخ:............................................. ١٤١
(٣) نظرية فوكوياما لنهاية التاريخ:............................................ ١٤٢
(٤) نظرية هنتنغتون لنهاية التاريخ:............................................ ١٤٤
أركان نظرية هنتنغتون:....................................................... ١٤٤
(٥) نظرية ما بعد الحداثة لنهاية التاريخ:....................................... ١٤٦
خصائص النظرية:............................................................ ١٤٦
نهاية التاريخ في الرؤى الدينية السماوية:........................................ ١٥٠
اليهود:...................................................................... ١٥١
الرؤية الأساسية:............................................................. ١٥٢
النظرة الدينية:............................................................... ١٥٢
النظرة السياسية:............................................................. ١٥٣
المسيحيون:.................................................................. ١٥٣
الرؤية الأساسية:............................................................. ١٥٤
النظرة الدينية المسيحية:....................................................... ١٥٤
النظرة السياسية:............................................................. ١٥٥
المسلمون:................................................................... ١٥٦
الرؤية الأساسية:............................................................. ١٥٧
الأثر المعنوي:................................................................ ١٥٨
النظرة الدينية:............................................................... ١٥٩
النظرة السياسية:............................................................. ١٦١
أثر الإيمان بالمهدوية في رؤية نهاية التاريخ:...................................... ١٦٢
 النواحي الإيجابية للإيمان بالمهدوية:........................................... ١٦٢
النواحي السلبية لعدم الإيمان بالمهدوية:........................................ ١٦٤
لماذا يتجاهل الغرب المهدوية كرؤية لنهاية التاريخ؟............................. ١٦٦
أثر عدم الإيمان بالمخلص (المهدي) على المجتمعات الغربية:..................... ١٦٩
انتشار نبوءات يوم القيامة:.................................................... ١٧١
الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) يمثل أملاً مشتركاً للبشرية كافة:................. ١٧٢
١ - القيم الإنسانية المشتركة:................................................. ١٧٢
٢ - الأمل في المستقبل:....................................................... ١٧٣
٣ - التغلُّب على التحديات:.................................................. ١٧٣
٤ - احترام الأديان السماوية:.................................................. ١٧٤

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإيمان بالإمام المهدي المنتظر (الـمُخلّص) هو جزء من العقيدة الإسلامية حيث يُعتقد بخروجه في آخر الزمان لإصلاح البشرية وإقامة العدل والمساواة على وجه الأرض، وهذا يمثل اصطلاحاً نهاية التاريخ وبداية حقبة جديدة تسودها العدالة وتحكمها قوانين السماء.
وبقراءة سريعة لموقف العالم الغربي(١) تجاه هذا المعتقد، فإنَّ الإيمان بالمهدي أو بعبارة أخرى (الـمُخلّص) ليس جزءاً من العقائد الرئيسية في العالم الغربي العلماني، فالغرب يتميَّز بتنوعه الثقافي ويحتوي على مجموعة مختلفة من المعتقدات والأديان، إلّا أنَّ فكرة الـمُخلّص آخر الزمان - مع تعدد الهوية أو المسمى - لم تحظَ بانتشار واسع في الثقافة والرأي العام الغربي وبالخصوص لدى النخبة من المفكرين والفلاسفة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) نقصد بمصطلح الغرب أو العالم الغربي الإشارة للمفهوم الأيديولوجي أكثر منه للمعنى الجغرافي، ونقصد به الهوية ذات الدلالات الفكرية والثقافية والسياسية، وفي المجمل هو يشمل فضاءات الأنظمة الفكرية لمجموع الدول الغربية (أوربا وأمريكا معاً) وكل منظومة أو سياق يؤمن بأفكار ومعتقدات المركزية الغربية كأستراليا مثلاً، ومن جهة أخرى يرتبط مفهوم الغرب بالجذور الأسطورية للحضارة الإغريقية والرومانية.

↑صفحة ١٢٥↑

بالتأكيد اعتقاد الشعوب الغربية في (المخلص آخر الزمان) يختلف بناءً على الخلفية الدينية والثقافية للأفراد، فمثلاً في الديانة المسيحية الاعتقاد بالـمُخلّص يرمز إلى عودة السيد المسيح للعالم في النهاية الأخيرة لإقامة الملكوت السماوي والقيام بالحكم العادل، وهذا الاعتقاد مشترك بين المسيحيين المتدينين في العالم بما في ذلك الشعوب الغربية، بشكل عام يمكننا القول: إنَّ الاعتقاد (بالـمُخلّص آخر الزمان) ليس منتشراً في الثقافة الغربية العامة بنفس المستوى كما هو الحال في بعض التيارات المسيحية الأخرى في العالم(٢)، ومع ذلك لا يزال هناك بعض الأفراد والجماعات في الغرب يؤمنون بهذا الاعتقاد ويعتبرونه كجزء من معتقداتهم الدينية.
ولذا نرى أنَّ الإلحاد(٣) في الغرب ينتشر بين المفكرين والفلاسفة والأفراد العاديين، وهناك نسبة لا بأس بها لمن يعتنق المواقف الإلحادية الصريحة وينكر وجود الإله أو الروحانيات بشكل كامل، ولكن لا يمكننا القول بأنَّ الإلحاد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢) أظهرت دراسة لمؤسسة بيرتلسمان الألمانية عام ٢٠١٦م أنَّ عدد المتدينين من فئة الشباب المسيحي في الدول النامية أكبر مقارنة بنظرائهم في أوروبا، فعلى سبيل المثال: أظهرت الدراسة أنَّ (٨٠%) من الشباب البروتستانت خارج أوروبا متدينون بقوة مقارنة بـ(٧%) في أوروبا، والأمر نفسه ينطبق على الشباب الكاثوليك، إذ إنَّ عدد المتدينين منهم في أوروبا يصل إلى (٢٥%)، بينما يبلغ عددهم خارج أوروبا (٦٨%).
(٣) الإلحاد: هو مصطلح يشير إلى نقص الإيمان بالآلهة أو الروحانيات والانحياز نحو المواقف العقلانية والعلمية في تفسير العالم والحياة، وفي سياق المجتمع الغربي يعتبر الإلحاد ظاهرة منتشرة ولها تأثير كبير في الثقافة والرأي العام الغربي، بشكل عام: يُقدر عدد اللادينيين في أوروبا بحوالي ١٣٤ مليون نسمة، أي ما يشكل ٢٥% من سكان أوروبا، وخلال أواخر القرن العشرين كان هناك اتِّجاه متزايد في الإلحاد، فمثلاً: خلال الفترة بين الأعوام ٢٠٠٧ و٢٠٠٨ طلب استطلاع أجرته مؤسسة غالوب في العديد من الدول الأوروبية الإجابة عن السؤال (هل الدين يحتل مكانة هامة في حياتك؟)، في استونيا كانت أعلى نسبة لمن أجاب بـ(لا) إذ بلغت النسبة ٨٤%، جمهورية التشيك بلغت النسبة فيها ٧٤%، الدول الإسكندنافية أيضاً نسبة عالية أجابوا بـ(لا). كذلك الأمر في ألبانيا حيث النسبة ٦٣% وهولندا ٦٦%، وغالبية الدول الأوروبية تتبنّى النظام العلماني.

↑صفحة ١٢٦↑

هو الاتِّجاه السائد في الغرب مطلقاً، حيث لا يزال الدين والمعتقدات الروحية لها وجود وتأثير في الحياة الثقافية والاجتماعية للأفراد.
إنَّ الهدف الرئيسي لهذا البحث يتجلى في استشفاف أثر عدم الإيمان بالمخلص الإلهي الموعود آخر الزمان (المهدي المنتظر) على رؤى وتصورات النخب الفكرية الغربية، وسنقتطف في دراستنا هذه رؤية واحدة كمعالجة ومثال لهذا الأثر، وسنختار واحدة من أهم الأفكار الفلسفية المتداولة على الساحة الثقافية الغربية، ففي الآونة الأخيرة اكتسبت النظريات والفرضيات الفلسفية حول نهاية التاريخ أهمية كبيرة في المناقشات، فنحاول المقارنة بين رؤى الفلاسفة الغربيين وبين أطروحات الديانات السماوية لمستقبل البشرية.
لماذا الإيمان بالـمُخلّص الإلهي(٤) (الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه))؟
الإنسان دائماً يحدق بالمستقبل ويتطلَّع لاستشراف غده، ويندفع إلى معرفة ما يخبئ له الغد من خير أو شر، وتشتد هذه الحالة في الأزمات الخطيرة والحرجة التي تتعرَّض لها المجتمعات، والتي تثير أمامهم قلقاً واضطراباً كبيراً، وبشكل عام هذه إحدى هواجس الإنسان الهامة والمنبعثة من روحه الباحثة عن المعرفة والمتعطشة لاستكشاف المستقبل والاطلاع على حيثيات وتفاصيل نهاية التاريخ البشري.
ليس ثمة شك في أنَّ المجتمع البشري يهدف ويطمح إلى أن يعيش في وضع من الهدوء والاستقرار في المستقبل، ويتمتع بالرفاهية والرخاء، ويتخلص من الظلم والجور وويلات الحروب ومنغِّصات الحياة، ومن المؤكد أنَّ البشرية لم تحقق هذه الأمنية عملياً حتَّى الآن، ولكن هذا النمط من التفكير العقلي والمنسجم مع الوجدان الإنساني، ومع شمولية هذه الأمنية، واستمرار هذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤) لمزيد من التوسع في هذا الموضوع ارجع إلى كتاب: تعريف المهدوية للحضارات الأخرى، مجتبى السادة، أطياف للنشر - القطيف، ط أولى ١٤٤١ هـ، ٢٠٢٠م.

↑صفحة ١٢٧↑

الغاية عند جميع البشر، وديمومة هذه النزعة لدى الناس على مرِّ التاريخ، يمنحنا بشارة قطعية بأنَّ البشرية ينتظرها عصر مثالي يسوده العدل والمساواة والكمال، وتتحقق فيه جميع متطلبات واحتياجات الإنسانية بنسبة كاملة.
إنَّ التعاليم الربانية أرست فكرة نهاية التاريخ عبر عقيدة (الـمُخلّص) وأكَّدت على ذلك في تراث كل الأديان السماوية بصيغة واضحة، وهذا ما يؤمن به الملتزمون بتعاليم المدارس الإلهية، أمّا الأفراد أو المجتمع ذو النزعة العلمانية والأفكار المادية فإنَّه ينظر إلى عقيدة المخلص أو الأطروحة في صيغتها النهائية (المهدوية) من قبيل نظرته إلى أفكار الشعراء التي تفتقد بنظره لأيَّة قيمة واقعية، علماً بأنَّ فكرة المخلص واحدة من سنن الله تعالى في الحياة غايتها الهداية والإصلاح.
من المؤكد أنَّ ما نحتاج إليه لإدراك أصل مفهوم المخلص أو المنقذ الموعود (المهدوية) وإثباتها، لا يتسنَّى إلَّا بإحدى الطرق المعرفية والمنطقية التالية - سواء كان عن طريق (الفطرة الإنسانية) أو عن طريق (الاستدلال العقلي) أو عن طريق (الإرشاد السماوي) - وبهذا النوع من التفكير وبهذا المنهج الاستدلالي يمكن العثور على المعارف الغيبية والمعنوية بدلائل وحجج كافية، وإنَّ الثمرة التي تعود من نهج الطريق العقلي والاستدلال المنطقي تفضي إلى أن تكون فكرة المخلص آخر الزمان سائغة وقابلة للإحاطة والإدراك لمن يتحلَّى بهذا الأسلوب من التفكير والتحليل.
أولاً: الـمُخلّص وبرهان الفطرة:
الفطرة: هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها، فجُبِلَ الإنسان على محبَّة الخير وإيثاره، وكراهة الشر ودفعه، وفُطِر على حبِّ الفضائل، فكل إنسان يولد بفطرة سليمة صافية كاملة، بحيث إذا بقي بعيداً عن تأثير العوامل الخارجية (الوراثة والبيئة) سلك طريق الحق، ويكون إدراكه لحقائق الأشياء

↑صفحة ١٢٨↑

مستقيماً وبإحساس صادق، بسبب الحواس السليمة وما يتلقاه العقل السليم، وهكذا فإنَّ النزوع إلى الله إلى مخزون في الإنسان وفطرته، وكذلك الميل إلى العدل والصدق والمكارم مخزون بإحكام في أصول الفطرة الإنسانية، وهذا الإحساس يجذب الفرد نحو الكمال المعنوي.
إنَّ طريق الفطرة الصافية هو السير في داخل الذات الإنسانية، وتأمل الوصول إلى مطلق الكمال، أمّا حين يكون العالم الخارجي منسلخاً ومخالفاً لفطرة الإنسان (كانتشار الظلم والفساد مثلاً)، فإنَّ هذا يعد زيغاً وانحرافاً عن مقتضى الفطرة نفسها، فتدفعه غريزته وتجبِله على الانجذاب نحو التغيير لما يتوافق مع أصل خلقة الإنسان، وعلى هذا الأساس يصبح كل فرد منساقاً إلى العدل والمساواة (مبتغى الفطرة) كمطلب يحبه الناس في حياتهم وهو من صميم فطرتهم السليمة، وعندما لا يستطيع الفرد تغيير العالم الخارجي الذي يحتوي ما يخالف فطرته، يتحوَّل مبتغى الفطرة إلى أُمنية ينتظر تحقيقها، وهكذا هي فكرة الخلاص عند الإنسان، نابعة من فطرة الإنسان وينتظر تحويلها إلى أمر واقع، وهي تتماشى مع أي فطرة صافية، وتمثل قاسماً مشتركاً عاماً بين أفراد البشرية كافة.
إنَّ عقيدة المخلص ثابتة في النفس البشرية والوجدان الإنساني لا تتغير مهما مضى الزمان أو طرأت تحولات وتطورات تاريخية ما لم تتحقق على أرض الواقع، باعتبارها حقيقة مترسخة في نفس الإنسان لها جذور ممتزجة بالفطرة والطبيعة البشرية.
إنَّ حتمية ظهور المخلص في الفكر الإنساني عموماً انعكاس لحاجة فطرية، وتزداد هذه الحاجة إلحاحاً كلما زاد الظلم واستشرى الفساد، مما يكشف عن صدى للإحساس الغريزي المتأصل لهذه الفكرة في عمق النفس البشرية، وما الدعوة إلى (المدينة الفاضلة) كما عبَّر عنها الفلاسفة قديماً

↑صفحة ١٢٩↑

وحديثاً عبر التاريخ، إلَّا تعبيرٌ عن هذه الحاجة والإحساس، ولذا فإلهام الفطرة الإنسانية بالحاجة الملحة إلى المخلص أمر مشترك بين كل البشر، ولكن انتظارها وترقبها يختلف عند الشعوب والأُمم ويتفاوت حسب الظروف والواقع النفسي لكل مجتمع.
ثانياً: المُخلِّص وطريق الاستدلال العقلي:
العقل: هو مجموعة من القوى الإدراكية التي تتضمن الوعي والمعرفة والتفكير والحكم و... و... وهو غالباً ما يعرف بمَلَكَة الشخص الفكرية والإدراكية، وباستخدامه يستطيع الإنسان إثبات الأمور وبرهنتها، وهذا يتضمَّن التعمُّق في التفكير والتأمُّل، حيث يقوم العقل بتحليل المعلومات والأحداث ودراستها لاستنباط الحقائق والنتائج التي توصل إلى المعرفة.
فالعقل هو مصدر آخر ومهم من مصادر المعرفة الإنسانية، وعن طريقه يستطيع الفرد إدراك الحقائق وفهم المعاني الكلية، ولذا فإنَّ القضايا المعنوية والغائبة والتي نود إدراكها ومعرفتها بمقدورنا أن ننهج طريق الاستدلال العقلي الذي وهبه الله تعالى لنا لنصل إلى ما نريد، وإدراك المفاهيم واستخلاص الحقائق، ومن بين الحقائق التي يدركها العقل حقيقة (الـمُخلّص الموعود) كفكرة واقعية، حيث إنَّ العقل السليم يقضي بأنَّ الخير لابدّ أن ينتصر في نهاية المطاف، ويسود التوحيد والعدل على كافة الأرض المعمورة، وهذا ليس نابعاً من الرغبة أو العاطفة عند المستضعفين، بل نتاج لتفكير وتحليل عقلي يؤكد ذلك بناءً على:
* أنَّ الخالق أَمَر عباده باتِّباع طريق الخير والحق، ولابد أن يقيم الحجة عليهم بإمكانية قيام (الدولة الفاضلة لكل البشرية)، يتجسَّد فيها التوحيد والعدالة والفضيلة كأساس لها، حتَّى لا يتذرَّع أحد بكونها غير ممكنة التطبيق.

↑صفحة ١٣٠↑

* أنَّ البشرية لابد لها أن تتحرَّك ضد الظلم والفساد مهما طال الزمن، وفي مسيرتها التاريخية لابدّ أن تصحح مسارها وتصل إلى إقامة مجتمع العدل والرخاء، باعتبار ذلك يمثل الأمنية الكبرى للبشرية والمنبعثة من الفطرة الإنسانية، بضرورة القضاء على الظلم والجور بشكل نهائي وشامل.
وعلى ضوء ذلك، فلابد أن يقود شخص (الـمُخلّص) عملية التغيير والثورة العالمية الشاملة، وهذا ما توصَّل إليه العقل الإنساني عن طريق استقراء أطوار التاريخ ودراسة سننه، وهكذا يلتقي العقل البشري مع الحاجة الفطرية الإنسانية في ضرورة خلاص البشرية على يد جهة تطبق ذلك، وتحقق الأمنية الإنسانية الكبرى وتقيم أهداف الرسالات السماوية.
ثالثاً: المُخلِّص وطريق الإرشاد السماوي:
الوحي: الوسيلة والصلة بين الخالق والخَلق، ويتم من خلاله تبيان الرسالة الإلهية، وهذا المصدر من المعرفة يعد من أهم وأغنى وأسمى المصادر التي تلقاها الإنسان وهو مرتبط بعالم الغيب، ويعتبر إدراكاً خاصاً متميزاً عن سائر الإدراكات.
إنَّ طرق وأدوات المعرفة يستفاد منها في مجالات عديدة ومختلفة، فالحواس تختص في مجال الماديات والمحسوسات، والعقل في مجال معين بناءً على مبادئه وإمكانياته، أمّا مجال الوحي فهو أوسع نطاقاً وأكثر شمولية، كما أنَّه نافذ في جميع الأصعدة، ولذا توجد حقائق لا يدركها العقل، ولا تصل إليها الحواس، ويختص بنقلها الوحي، الذي يزوِّد الإنسان بمعرفة موضوعية ذات حقائق بالوجود، ويقف على مكنونها وماهيتها الحقيقية، ولا سيما الموضوعات المتعلقة بالذات الإلهية والعوالم الأخروية، فإنَّها تظل خارج دائرة استيعاب العقل والحواس، فالله تعالى وحده هو المحيط بكل شيء وبهذه الموضوعات، ونصيب العباد من العلم الإلهي محدود بقدر إخبار الله تعالى لهم.

↑صفحة ١٣١↑

والذي لا شك فيه، أنَّ الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على رسله وأنبيائه من خلال الوحي تضمنت الشرائع والأحكام والمبادئ والقيم التي ترشد وتهدي الناس إلى الحق والفضيلة، كما تضمَّنت معارف وحقائق تعجز مدارك الإنسان عن معرفتها أو الإحاطة بها مثل: الإخبار بالأمور الغيبية المستقبلية، سواء الأخروية (الموت والقيامة) أو الدنيوية (المستقبل ونهاية التاريخ)، علماً بأنَّ هذه المعلومات والمعرفة تحقق التوازن والانسجام للإنسان لصدورها من الخالق.
وقد لمسنا مواطن كثيرة في التراث الديني السماوي مثل (التوراة والإنجيل والقرآن) الموجودة والمتداولة في الأيدي تحتوي على نبوءات وبشارات وإشارات إلى (الـمُخلّص المرتقب) كهويته وعلامات ظهوره ومعالم دولته وأهدافه وغاياته، والتي لا يمكن الحصول عليها إلَّا عن طريق الوحي، مما جعل أتباع الديانات السماوية متَّفقة على (أصل الفكرة) وتنتظر زمانه وخروجه، وعليه فالمؤمنون لا يُسلِّمون بصدق أيَّة أطروحة للإصلاح أو الخلاص تشمل البشرية كلها تنبثق من غير طريق الوحي ومنبع النبوة.
بالتأكيد هناك حقائق ميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة - غيبية مثلاً) لا يمكن للعقل الخوض فيها مستقلاً، فمن الصعوبة التوصل إلى نتائج عقلية مجردة في الأمور المعنوية، والتي تقوم خارج المبادئ والإمكانيات العقلية (المستقبل مثلاً)، وصعوبة تجرد العقل البشري تنبع من طبيعة الإنسان وإمكانياته.
إنَّ الثمرة التي نستنتجها من نهج أو اتِّباع الطرق المعرفية السابقة: أنَّ فكرة المخلص المنتظر هي فكرة واقعية (العقل)، وهي حاجة بشرية (الفطرة)، وضرورة إلهية (الإرشاد السماوي)، إذن هي حاجة بشرية لما يتطلَّع إليه الإنسان بفطرته من القضاء على الظلم والفساد والذي يراه منافياً لسنن الانسجام في

↑صفحة ١٣٢↑

الطبيعة، وهي ضرورة إلهية لإقامة الحجة على الخلق (البشر) بأنَّ إمكانية إقامة الدولة الفاضلة ليست مستحيلة، وأنَّ العقل يدرك من خلال التفكير المنطقي بإمكانية تطبيق ذلك بشكل طبيعي، وهكذا قد تظافرت عدَّة طرق ووسائل واجتمعت في غرس بذرة (الـمُخلِّص) في عالم البشر منذ فجر التاريخ وحتَّى الآن.
هل المُخلِّص الموعود هو الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)؟
إنَّ دور الفطرة وبرهان العقل يثبتان أصل فكرة الخلاص ويبيّنان الخطوط الكلية لحقيقة الـمُخلّص، والتأكيد على ضرورة أصل وجوده، ولكن لا يتعرَّضان إلى تحديد الهوية وتعيين الشخصية، إنَّما ذلك يقع على عاتق الإرشاد والبشارات السماوية، حيث إنَّ هذا المنصب والمقام جعل إلهي، ليس للبشرية نصيب في الاختيار أو الانتخاب مثل تعيين أو تنصيب الأنبياء والرسل، إنَّما يتوفر هذا التشخيص والتحديد عن طريق الدليل النقلي القطعي من التراث الديني السماوي.
أصل فكرة الخلاص والمخلِّص متَّفق عليها بين مختلف الأديان السماوية، إلّا أنَّ الاختلاف قائم حول شخصية وهوية وكيان المخلِّص المنتظر، وهنا نطرح سؤالاً: هل المخلِّص المنتظر هو شخص واحد محدَّد بعينه سيظهر آخر الزمان بصفة المنقذ الموعود، أم هناك أكثر من شخص وبمسميات متعددة؟
للإجابة عن هذا التساؤل الجوهري نشير إلى النقاط التالية:
- الاتِّفاق على أصل القضية (المخلِّص) والكل يعترف بالمبدأ والمنشأ والمفهوم، وهذا بمثابة تجسيد لعقيدة ثابتة وفكرة واحدة مشتركة عند جميع الديانات السماوية، وهي ماثلة باطِّراد ومترسِّخة، ومن المواضيع البارزة في مسيرة التشريع الرباني.

↑صفحة ١٣٣↑

- منبع الفكرة ومصدرها ومنشؤها هو الوحي الإلهي لكل الأديان الإلهية، ولذا لا يمكن أن تتعارض أو تتناقض القضية فيما بينهم، أو تصطدم مع بعضها.
- وحدة النصوص السماوية، وتشابه الخطاب الديني فيما يخص المصلح العالمي المنتظر عند جميع الأديان الربانية من حيث الجوهر والمضمون والمفهوم.
- ذُكرت القضية في جميع الكتب المقدسة، ودُونت في معظم التراث الديني السماوي، وجميع الأنبياء والرسل قد أشاروا إليها.
- وحدة المخلّص عند جميع الأديان الإلهية يتأكَّد من خلال اجتماع البشرية على خاتمة واحدة للتاريخ، تحمل نفس الغاية والهدف، وما هو مطلوب تحقيقه على يد المنقذ الموعود.
- قضية المخلِّص حاجة إنسانية عند جميع البشر، كون الفكرة تتلاءم مع وجدان الفطرة، وتتوافق مع برهان العقل، وتتعاضد مع الإرشاد السماوي.
- روحية الانتظار للمنقذ الموعود موجودة عند جميع الطوائف الدينية والكثير من المجتمعات الإنسانية، وهذا الانتظار يمثل خطوة عملية للإيمان بعقيدة المخلِّص.
- علامات الظهور الكلية ثابتة ومتشابهة عند جميع الأديان السماوية، وقد ذُكرت في معظم الكتب المقدسة، فلا يمكن تشخيص زمن ظهور المخلص إلَّا بها، وهي ضمن أطار التخطيط الإلهي وسننه الكونية، وتعطي صورة لمعالم المستقبل قبل الظهور.
- أنَّ أوان ظهوره عند جميع الأديان والملل سيكون في آخر الزمان، وبعد أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً وفساداً.

↑صفحة ١٣٤↑

- محور المهدوية والخلاص هو أولوية التوحيد والعدل عند الجميع، وذلك لانحراف المسيرة البشرية عن هذا السياق، ولذا فحقيقتها تعني الثورة على الكفر والفساد بشتَّى الأنواع.
- ستتحقق بشارة الأديان والمذاهب السماوية في ظل حكومة عالمية واحدة للمصلح الأعظم، وهذه أمنية كبرى للإنسانية قاطبة على مدى التاريخ.
- المهدي الـمُخَلِّص ليس حكراً على طائفة دينية أو جماعة معينة، ودولته أو حضارته تبسط هيمنتها على الأرض كافة، وتدمج الأُمم والشعوب تحت لواء حكومته العادلة.
- الاتِّفاق على أنَّ المخلِّص المستقبلي (المرتَقَب) هو شخص وقائد واحد، وليس في نصوص الإرشاد الإلهي ما يشير أو يلمح إلى تعدُّد هذه الشخصية، فالكل يؤكد على ذلك، ولكن الاختلاف بين المتدينين قائم حول هويته.
- الأطروحة المهدوية الإمامية بتفاصيلها الجزئية وأبرز ما يميزها - مثل: الإمامة المبكرة وخطر ظروف الولادة وطول العمر والغيبة -، تشترك بها كتب الأديان السماوية الأخرى، وتتقاطع بحسب النصوص الثابتة لديها.
البشارات في التراث الديني تنطبق على المخلِّص المهدي (عجَّل الله فرجه) فقط:
فمن غير شك أنَّ الإرشاد السماوي من خلال النصوص في الكتب المقدسة، وكذلك الأخبار المستقبلية والغيبية التي أشارت إلى قضية الخلاص والمخلص، هي عبارة عن نبوءات سابقة أو قرائن عليها، وعند تأملها وقراءتها وتفسيرها بمنطق العقل وبرؤية وبصيرة ثاقبة، وبعيداً عن التعصب الديني والمذهبي، ندرك أنَّها تشير وتدلِّل على شخصية واحدة يكون المحور عليها آخر الزمان، وبما أنَّ المواصفات والخصائص المذكورة في النصوص الدينية

↑صفحة ١٣٥↑

لم تتحقق تاريخياً قبل العهد الإسلامي، ومع ختم النبوة وانقطاع الوحي الإلهي، لذا نجد أنَّها لا تنطبق واقعياً إلَّا على مخلّص أهل البيت (عليهم السلام)، حيث ذكرت بعض الجزئيات والتفاصيل المطابقة للوقائع التاريخية التي تميزت بها الأطروحة الإسلامية، فمثلاً: تعرض الـمُخَلّص لخطر القتل والتصفية أثناء ولادته والتي أدَّت إلى غيبته، ثم التأكيد على أنَّه محفوظ بالرعاية الإلهية أثناء غيبته حتى موعد ظهوره(٥) وهذا من خصائص المهدوية، وكذلك باستقراء البشارات والأخبار في التراث الديني نجد أنَّ هناك الكثير من التشابه والتقارب في علامات الظهور الكلية (للإمام المهدي) قد ذكرت في تراث الديانة اليهودية والمسيحية متطابقاً مع الديانة الإسلامية، وهناك أمثلة كثيرة لا يتَّسع المجال لذكرها(٦).
إذن معرفة هذه المواصفات والخصوصيات التي ذكرت في بشارات الكتب المقدسة يقودنا إلى إثبات أنَّ المصلح العالمي المنتظر الذي بشَّرت به جميع الديانات هو في الحقيقة الإمام المهدي بن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، وأنَّ المحصِّلة النهائية لكل تلك البشارات التي تشير إلى المخلِّص آخر الزمان، ليست دلالة على المخلِّص بعنوانه العام فحسب، بل شخَّصت خصوصيات هويته الحقيقية، من خلال تحديد صفات وتفصيلات لا تنطبق على غيره، ولا تتوافق إلَّا مع الأطروحة المهدوية الإمامية.
وفي هذا السياق ثمة سؤال يثار: هل المستقبل الذي ينتظره المسلمون يختلف عن المستقبل الذي يترقبه أتباع الديانات والحضارات الأخرى؟
وبمعنى آخر: هل إنَّ الخلاص الذي تنتظره البشرية واحد أم متعدد؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥) حيث وردت الإشارة إلى ذلك بصراحة ووضوح تام في الكتاب المقدس: العهد الجديد (الإنجيل: سفر رؤيا يوحنا: الإصحاح ١٢: ١ - ٦)، وكذلك ذكر أنَّه الثاني عشر من سلسلة مباركة متصلة، نظير ما ورد في العهد القديم (التوراة: سفر التكوين: الإصحاح ١٧: نص ٢١).
(٦) لمزيد من التوسع في هذا الموضوع ننصح بمراجعة كتاب: تعريف المهدوية للحضارات الأخرى، الفصل الثاني: المهدوية قاسم مشترك بين الحضارات، مصدر سابق.

↑صفحة ١٣٦↑

أليس (دولة العدل الإلهي) التي سيقيمها الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على الأرض، هي نفسها (حكم الله وملكوته في الأرض) التي سيقيمها السيد المسيح، أم تختلف؟
بالتأكيد هي كيان واحد، مما يكشف عن حقيقة أنَّ الهدف مشترك والمستقبل واحد، وأنَّها دولة واحدة تشمل المعمورة بأسرها، وأنَّ المخلِّص المنتظر واحد، وبذلك تتحقق ثمرة جهود كل الأنبياء والأديان السماوية، وتكون خاتمة المسيرة البشرية ونهاية التاريخ.
الفرق بين نهاية التاريخ ونهاية الكون:
مسيرة التاريخ البشري تتجسَّد بين خلق الله سبحانه وتعالى للكون من العدم، وخلق الإنسان ليؤدي مهمته في إعمار الأرض، ثم يموت الإنسان ويبعث بعد ذلك ويقف بين يدي الله تعالى ليحاسبه على أعماله، وهذا يشمل الناس جميعاً من بداية الخلق وحتَّى النهاية، ويكون البعث والجزاء والحساب في يوم القيامة.
في محور حديثنا عن نهاية التاريخ لا نقصد - تلك النظريات أو الفرضيات الفيزيائية حول نهاية الكون (أي يوم القيامة) أو الأفكار التي تتنبأ بنهاية العالم أو نهاية الزمن(٧)، بل بحثنا يصب اهتمامه وتركيزه حول مفهوم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧) علماً أنَّ تصور نهاية الكون عند العلماء الغربيين يعتمد على تصورهم لشكل الكون: (يختلف علماء الفلك والفيزياء الغربيون في تصورهم لشكل الكون في معطيات ثلاثة: الكثافة الفعلية لمادة الكون، وكثافة الحد الحرج للكون، وكمية المادة أو الطاقة في الكون)، وأبرز الفرضيات العلمية الغربية الحديثة التي تصور نهاية الكون هي: فرضية مفردة الانفجار الكبير، أو فرضية تضخم المجال الكمي، أو فرضية الارتداد الكبير، أو فرضية الكون الموازي، أو فرضية الكون الدوري المطابق، علماً بأنَّ جميع فرضيات الفيزيائيين الغربيين مخالفة إجمالاً للأطروحة القرآنية الكونية حول بداية ونهاية الزمان والمكان، حيث الرؤية القرآنية للنهاية تعتمد على مبدأ (المد والتوسعة والطي والنشر)، وهي أطروحة أكثر تفصيلاً وأعمق مضموناً من كل الفرضيات الغربية، لمزيد من التوسع في هذا المجال ينصح بمراجعة كتاب: بداية ونهاية الأكوان بين فرضيات العلم وظاهر القرآن، للسيد حسين الفياض، الطبعة الأولى ٢٠٢٠م.

↑صفحة ١٣٧↑

 نهاية التاريخ (أي مستقبل البشرية)، والذي يعني معرفة مسار التاريخ البشري ووضع غاية له، والذي يشير إلى نقطة فاصلة أو محطة نهائية لتطور الحضارات البشرية، أو حدوث تغيير جذري في المجتمعات الإنسانية يؤدي إلى تحقيق حالة مثالية أو هدف نهائي، ويسمَّى هذا التغيير الجذري نقطة نهاية التاريخ، (أي نهاية التطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي للإنسان).
وسنشير باختصار إلى الفرق بين مفهوم نهاية التاريخ ومفهوم نهاية الكون في النقاط التالية:
١ - التعريف:
نهاية التاريخ: يشير إلى نهاية الصراعات والتطورات الحضارية، حيث تصل البشرية إلى حالة من الاستقرار والرشد والكمال.
نهاية الكون: يشير إلى نهاية الوجود المادي للكون، بما في ذلك النجوم والكواكب والمجرات.
٢ - المنظور:
نهاية التاريخ: مفهوم فلسفي وفكري وديني، ويرتبط بأفكار مثل: المهدوية، والـمُخلّص، وآخر الزمان.
نهاية الكون: مفهوم ديني وعلمي، ويرتبط بأفكار مثل: يوم القيامة، والانفجار العظيم.
٣ - الزمن:
نهاية التاريخ: يتحقَّق داخل الزمان الإنساني وعلى الأرض.
نهاية الكون: نقطة تقع خارج الزمان في الآخرة أي يوم القيامة.
٤ - التأثير:
نهاية التاريخ: تؤثر على الفكر السياسي والاجتماعي، وتثير نقاشات حول مستقبل الحضارة الإنسانية.

↑صفحة ١٣٨↑

نهاية الكون: تؤثر على الفكر الديني والفلسفي، وتثير تساؤلات حول معنى الحياة والموت.
٥ - الأمثلة:
نهاية التاريخ: يرى بعضٌ أنَّ سقوط الاتِّحاد السوفيتي يمثل نهاية التاريخ، حيث لم يعد هناك صراع بين الأيديولوجيات الكبرى.
نهاية الكون: يرى بعضٌ أنَّ نهاية الكون ستحدث بعد اصطدام مجرة درب التبانة بمجرة أخرى.
نهاية التاريخ في الفكر الفلسفي الغربي:
اهتمَّ الفلاسفة قديماً وحديثاً بالبحث عن مستقبل البشرية وفكرة نهاية التاريخ، وشكَّل هذا المفهوم مجالاً واسعاً للدراسة والتقصّي في الفلسفة الغربية المعاصرة، وهذا المفهوم في الأصل فلسفي وسياسي، وفي ظل الأوضاع العالمية الصعبة، وتوتر العلاقات بين الشرق والغرب وازديادها تدهوراً، شاعت الدراسات حول نهاية التاريخ في العالم بشكل عام وفي الدول الغربية زادت بشكل خاص، فكثرت الفرضيات والأفكار التي تتنبأ عن مستقبل الإنسان وعلاقة الحضارات مع بعضها البعض، وإلى أين ستصل البشرية مستقبلاً، وجاءت كل هذه النظريات والأطروحات في سياق هيمنة الغرب على العالم في العقود الأخيرة.
وفي هذا السياق لابد أن نلاحظ: أنَّ الفلسفة الغربية في العصر الحديث لم تعد تؤمن أو تبرر الرؤية الدينية وغايتها، بل أصبحت لها رؤيتها الخاصة وأفكارها العلمانية المستقلة، ومن هذه الرؤى فكرة (نهاية التاريخ)، إذ يشير المفهوم في الفكر الفلسفي الغربي إلى توقعات فلسفية حول وصول مسار التطور البشري إلى نقطة توقف، حيث تنتصر أيديولوجية أو نظام اجتماعي

↑صفحة ١٣٩↑

معين بشكل نهائي، مما يضع حداً للصراعات التاريخية، وفي هذه السطور سنتعرف باختصار شديد على أهم النظريات والفرضيات التي طرحها فلاسفة الغرب والأكثر شهرة في هذا المجال:
(١) نظرية هيجل لنهاية التاريخ(٨):
تُعد نظرية هيجل(٩) لنهاية التاريخ من أهم الأفكار التي طرحت في فلسفة التاريخ في الفكر الغربي، ويرى أنَّ التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث العشوائية، بل هو عملية تطورية ذات اتِّجاه محدَّد، حيث تتكشف الروح المطلقة عبر الصراعات.
يقسم هيجل التاريخ إلى ثلاث مراحل رئيسية:
 المرحلة الأولى: هي مرحلة الوعي الذاتي، حيث يبدأ الإنسان في إدراك نفسه كموضوع منفصل عن العالم.
 المرحلة الثانية: هي مرحلة الموضوعية، حيث يركز الإنسان على العالم الخارجي ويحاول فهمه.
 المرحلة الثالثة: هي مرحلة الروح المطلقة، حيث يتَّحد الإنسان مع العالم الخارجي ويصل إلى فهم كامل للواقع.
نهاية التاريخ: يعتقد هيجل أنَّ التاريخ سينتهي في المرحلة الثالثة عندما تتحقق الروح المطلقة، في هذه المرحلة ستصبح الدولة تجسيداً للعقل المطلق، وستختفي جميع الصراعات والتناقضات، ويُعد مفهوم (الدولة العقلانية)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨) هيجل: كتاب العقل في التاريخ، الجزء الأول من محاضرات في فلسفة التاريخ، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير - بيروت، الطبعة الثالثة ٢٠٠٧م.
(٩) جورج فيلهلم فريدريش هيجل، فيلسوف ألماني (١٧٧٠-١٨٣١) Friedrich Hegel، يُعتبر واحداً من أهم الفلاسفة في علم التاريخ، وله تأثير كبير على الفلسفة الغربية.

↑صفحة ١٤٠↑

مركزياً في نظرية هيجل لنهاية التاريخ، ويرى أنَّ الدولة هي تجسيد للعقل المطلق، وأنَّها تمثل أعلى مستوى من التطور البشري.
الخلاصة: اعتبر هيجل أنَّ نهاية التاريخ ستتحقق في سيادة (الدولة العقلانية) التي تجسد الحرية، وأنَّ العقل هو وحده الذي سيوجه العالم.
أبرز نقاط النقد للنظرية: أنَّ نظرية هيجل تبسّط مسار التاريخ المعقد، وكان تركيزها على أوروبا والمجتمع الغربي، متجاهلة تنوع الثقافات في العالم والصراعات المستمرة.
(٢) نظرية ماركس(١٠) لنهاية التاريخ:
طرح كارل ماركس(١١)، نظرية حول نهاية التاريخ في سياق فلسفته حول الصراع الطبقي والتطور الاجتماعي، وتتضمن نظريته: أنَّ التاريخ ينقسم إلى مراحل رئيسية هي:
١- الشيوعية البدائية: مجتمع يسوده المساواة والملكية المشتركة.
٢- العبودية: سيطرة طبقة على أخرى واستغلالها.
٣- الإقطاعية: ملكية الأرض من قبل طبقة النبلاء واستئجار الفلاحين للعمل فيها.
٤- الرأسمالية: سيطرة رأس المال على وسائل الإنتاج واستغلال الطبقة العاملة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠) نظرية ماركس في التاريخ - ويكيبيديا، كتاب: نهاية التاريخ - هنري لوفيفر ترجمة: فاطمة الجيوشي - وزارة الثقافة السورية ط ٢٠٠٢م، كتاب: فلسفتنا - محمد باقر الصدر - دار التعارف بيروت ط٣ - ٢٠٠٩م.
(١١) كارل هاينريش ماركس (Karl Heinrich Marx)، فيلسوف ألماني ومفكر سياسي واقتصادي وعالم اجتماع، ولد سنة ١٨١٨م في ألمانيا لعائلة يهودية وتوفى ١٨٨٣م، مؤسس الشيوعية العلمية وفلسفة المادية الجدلية، وصاحب النظرية الماركسية، وينسب له تأسيس الاشتراكية العلمية.

↑صفحة ١٤١↑

٥- المجتمع الشيوعي النهائي: مرحلة تصبح فيها وسائل الإنتاج مملوكة للمجتمع ككل، وتختفي الطبقات الاجتماعية، وتسود المساواة والعدالة.
نهاية التاريخ: يرى ماركس أنَّ الرأسمالية ستولد تناقضات داخلية تؤدي إلى ثورة الطبقة العاملة ضد الطبقة الرأسمالية، ستؤسس هذه الثورة مجتمعات شيوعية بلا طبقات، تصبح فيه وسائل الإنتاج ملكية مشتركة للجميع، وتتحول جميع الدول إلى مجتمعات شيوعية تعيش في سلام ووئام.
الخلاصة: تنبأ ماركس بنهاية التاريخ في ظل سيادة النظام الشيوعي، حيث يصبح كل فرد قادراً على تحقيق إمكاناته الكاملة.
أبرز نقاط النقد للنظرية: إنَّ نظرية ماركس تُظهر تفاؤلاً مفرطاً، واعتمد في تفسيره على أنَّ وسائل الإنتاج هي محرك التاريخ، ويظهر فشلها في التنبؤ بمسار التاريخ، خاصة بعد انهيار الاتِّحاد السوفيتي.
(٣) نظرية فوكوياما لنهاية التاريخ:
في عام ١٩٩٢م نشر فرانسيس فوكوياما(١٢) كتابه الشهير (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) (١٣) الذي طرح فيه نظرية مثيرة للجدل حول نهاية التطور البشري.
مفهوم عام: تزعم النظرية أنَّ انهيار الاتحاد السوفييتي عام ١٩٩١م يمثل انتصار الديمقراطية الليبرالية كأفضل نظام سياسي واجتماعي واقتصادي (السوق الحر)، وأنَّ التاريخ قد توقف عن التطور نحو أنظمة بديلة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢) فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) ولد ١٩٥٢ هو عالم وفيلسوف واقتصادي سياسي معاصر، وأستاذ جامعي، كاتب ومفكر أميركي الجنسية من أصول يابانية، يعد من أهم مفكري المحافظين الجدد في الولايات المتحدة.
(١٣) كتاب: نهاية التاريخ والإنسان الأخير The End of History and the Last Man، ترجمة كل من: فؤاد شاهين وجميل قاسم ورضا الشايبي، مركز الإنماء القومي - بيروت، طبعة ١٩٩٣م.

↑صفحة ١٤٢↑

الأطروحة الأساسية: إنَّ الديمقراطية الليبرالية بقيمها عن: الحرية، الفردية، المساواة، السيادة الشعبية، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية، تشكل مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان.
جوهر النظرية: يفترض فوكوياما أنَّ التاريخ الإنساني هو عملية تطورية ذات اتجاه محدد، حيث تتنافس الأيديولوجيات المختلفة على السيادة، ويرى أنَّ الديمقراطية الليبرالية هي الشكل النهائي للحكومة، وأنَّ انتصارها على الأيديولوجيات الأخرى، مثل الشيوعية والفاشية وغيرها، يمثل نهاية التاريخ.
يُعزي فوكوياما أسباب انتصار الديمقراطية الليبرالية إلى عدَّة عوامل، أهمها:
كفاءتها الاقتصادية: تُعد الديمقراطية الليبرالية أفضل نظام لتنظيم الاقتصاد وتحقيق النمو.
قدرتها على التكيف: تتميز الديمقراطية الليبرالية بقدرتها على التكيف مع التغيرات والتحديات الجديدة.
الشرعية: تتمتع الديمقراطية الليبرالية بشرعية أكبر من الأيديولوجيات الأخرى لأنَّها تستند إلى مبادئ الحرية والمساواة.
نهاية التاريخ: يعتقد فوكوياما أنَّ انتصار الديمقراطية الليبرالية سيؤدي إلى نهاية الصراعات والتناقضات في العالم، حيث ستتبع جميع دول العالم منهج الديمقراطية الليبرالية وتعيش في سلام ووئام.
الخلاصة: يرى فوكوياما أنَّ الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد السوقي الحر هما النظام الأمثل، وسينتشران في جميع أنحاء العالم، وسيكونان نهاية التطور البشري، وفي هذه المرحلة سنصل إلى نهاية التاريخ.

↑صفحة ١٤٣↑

أبرز نقاط النقد للنظرية: تبسيط التاريخ لافتراضها أنَّ التاريخ قد توقف عن التطور، وكذلك تجاهلت النظرية التحديات التي تواجه الديمقراطية الليبرالية، مثل: صعود الديكتاتورية والتطرف والإرهاب، وعدم المساواة الاقتصادية، والصراعات الجيوسياسية.
(٤) نظرية هنتنغتون لنهاية التاريخ:
طرح العالم السياسي الأمريكي صاموئيل هنتنغتون(١٤) في كتابه(١٥) (صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي) (١٩٩٦) نظرية مثيرة للجدل تدور حول صراعات ما بعد الحرب الباردة، تعارض أفكاره فيها نظرية فوكوياما لنهاية التاريخ، بينما لا يتناول هنتنغتون مفهوم نهاية التاريخ بشكل مباشر.
أركان نظرية هنتنغتون:
* الصراعات الحضارية: يرى هنتنغتون أنَّ هوية الفرد سترتبط بشكل متزايد بحضارته بدلاً عن دولته، وأنَّ الصراعات في المستقبل ستكون صراعاً بين الحضارات المختلفة، وأنَّ النزاعات الأيديولوجية لم تنتهِ.
* الحضارات الرئيسية: يرى هنتنغتون أنَّ العالم ينقسم إلى سبع حضارات رئيسية:
الحضارة الغربية: تشمل أوروبا وأمريكا الشمالية.
الحضارة الصينية: تشمل الصين وجنوب شرق آسيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤) صاموئيل فيليبس هنتنغتون (١٩٢٧-٢٠٠٨-Samuel Phillips Huntington) هو عالم وسياسي أميركي، وبروفسور في جامعة هارفارد.
(١٥) تم نشر نظرية هنتنغتون لأول مرة عام ١٩٩٣ في مقال بعنوان (صراع الحضارات)، تم توسيع النظرية في كتاب (صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي)
(The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order) عام ١٩٩٦.

↑صفحة ١٤٤↑

الحضارة اليابانية: تشمل اليابان.
الحضارة الإسلامية: تشمل العالم الإسلامي.
الحضارة الهندية: تشمل شبه القارة الهندية.
الحضارة الأرثوذكسية: تشمل روسيا وبلدان شرق أوروبا.
الحضارة الأفريقية: تشمل دول إفريقيا جنوب الصحراء.
حدود الصراعات: تشير نظريته إلى أنَّ الصراعات بين الحضارات ستكون نزاعات (مسلحة) على طول الحدود الحضارية المشتركة، خاصة في المناطق التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي.
التحديات التي تواجه الحضارة الغربية: يواجه الغرب تحديات من قبيل صعود الحضارات الأخرى، خاصة الحضارة الإسلامية والصينية.
نهاية التاريخ: يرى أنَّ التاريخ سينتهي بنهاية الصراع بين الحضارات وسيطرة حضارة واحدة على العالم.
الخلاصة: من خلال صراع الحضارات يصبح العالم في ظل سيادة الحضارة الأقوى، وهيمنة محتملة للغرب.
أبرز نقاط النقد للنظرية: تبسيط مفرط للواقع الدولي، وتغليب الجانب الثقافي والديني على العوامل الاقتصادية والسياسية، يساهم هذا التصور في تأجيج التوترات بين الحضارات المختلفة وتجاهل إمكانية التعاون والتفاهم، كثير من المنتقدين وصفوا (صراع الحضارات) بأنَّه: (الأساس النظري لشرعنة عدوان الغرب بقيادة الولايات المتحدة على الصين والعالم الإسلامي)، تُتهم النظرية بالتشاؤم وعدم تقديم أي رؤية إيجابية للمستقبل.

↑صفحة ١٤٥↑

(٥) نظرية ما بعد الحداثة(١٦) لنهاية التاريخ:
تقدم نظرية ما بعد الحداثة(١٧) حول نهاية التاريخ منظوراً مختلفاً عن النظريات التقليدية مثل فرضيات هيجل أو ماركس أو فوكوياما، تنطلق النظرية من تيار فكري جديد، ظهر كردِّ فعل لعصر الحداثة، حيث ترفض الروايات والحقائق الكبرى للتاريخ، وتؤكد على فقدان الإيمان بوجود حقيقة واحدة مطلقة أو تفسير واحد للتاريخ، وأشهر منظّريها هو الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار(١٨).
خصائص النظرية:
* رفض فكرة نهاية التاريخ: تعارض النظرية فكرة وجود نهاية محددة للتاريخ.
* التاريخ عملية مستمرة: تشير النظرية إلى أنَّ التاريخ عملية مستمرة من التغير والتطور، ولا يوجد مسار محدَّد مسبقاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦) بوجه عام يعتبر كتاب الفيلسوف الفرنسي: جان فرانسوا ليوتار (علم ما بعد الحداثة) من أهم الكتب البارزة في هذا المجال.
(١٧) لا يوجد مُنظِّر محدد لنظرية ما بعد الحداثة حول نهاية التاريخ، نشأت هذه النظرية من خلال مساهمات العديد من المفكرين والفلاسفة على مر التاريخ، بعض من ساهموا في تطوير هذه النظرية:
- فريدريك نيتشه: فيلسوف ألماني عاش في القرن التاسع عشر.
- جان بودريار: فيلسوف فرنسي عاش في القرن العشرين.
- جاك دريدا: فيلسوف فرنسي عاش في القرن العشرين.
- يورجن هابرماس: فيلسوف ألماني معاصر.
بالإضافة إلى العديد من المفكرين والفلاسفة الآخرين.
(١٨) جان فرانسوا ليوتار: (١٩٢٤-١٩٩٨ - Jean - François Lyotard) فيلسوف وعالم اجتماع ومنظِّر أدبي فرنسي، اشتهر بأنَّه أول من أدخل مصطلح ما بعد الحداثة إلى الفلسفة والعلوم الاجتماعية والتاريخ، اشتهر بتحليله لما بعد الحداثة، ونقده للرواية الكبرى (grand narratives) مثل الماركسية والدينية، وقد كان لكتابات ليوتار تأثير كبير على الفلسفة، والنقد الأدبي، وعلم الاجتماع، ودراسات التاريخ.

↑صفحة ١٤٦↑

* التعددية والتنوع: تؤكد النظرية على التعددية والتنوع في التاريخ، وتعارض أي نظرة أحادية للتاريخ.
* نسبية الحقيقة: تشير النظرية إلى أنَّ الحقيقة التاريخية نسبية، ولا توجد حقيقة تاريخية مطلقة.
* التركيز على الخطاب: تركز النظرية على تحليل الخطابات التاريخية ودراسة كيفية تأثيرها على فهمنا للتاريخ.
* نقد الروايات الكبرى: تنتقد النظرية الروايات الكبرى التي تفسّر التاريخ بشكل شامل.
نهاية التاريخ: يرى ليوتار أنَّ (نهاية التاريخ) مفهوم خاطئ، وأنَّ ما بعد الحداثة يتميز بتعددية الأفكار وعدم وجود حقيقة واحدة مطلقة.
الخلاصة: رفض الحتمية التاريخية، حيث لا يوجد مسار محدّد للتاريخ.
أبرز نقاط النقد للنظرية: تُتهم النظرية بتجاهلها للتقدُّم العلمي والتكنولوجي الذي حققته البشرية، ويرى منتقدوها أنَّ هذا التصور يقدم رؤية سلبية تنكر إنجازات الحضارة الإنسانية، وبشكل عام يغلب على النظرية التشاؤم وعدم تقديم أي رؤية إيجابية للمستقبل.
وبعد هذا العرض الوجيز للنظريات الفلسفية الغربية الرئيسية، نأخذ جولة سريعة لنظرة فلاسفة آخرين لمفهوم نهاية التاريخ، حيث نرى الرؤية غالباً تنطبع بصورة تشاؤمية وسوداوية قاتمة، ففي هذا السياق وضمن محور (النهاية) يعتقد ويتنبأ الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفراي(١٩) في كتابه (انحطاط)، الذي رأى فيه أنَّ الغرب يعيش لحظات احتضار قبل انهيار حضارته على نفسها، بسبب مؤشرات يراها واضحة ومنها: العجز في التفكير في القضايا المصيرية والجوهرية، والتعلق بالسلبية في الفكر مع هيمنتها على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٩) ميشيل أونفراي، فيلسوف فرنسي معاصر من مواليد ١٩٥٩ Michel Onfray .

↑صفحة ١٤٧↑

حقول المعرفة والعمل، وهكذا نجد أنَّ مصطلح (موت الغرب) من الأفكار والعناوين التي طفت على سطح الفكر الغربي المعاصر بسلسلة من المناقشات والمناظرات(٢٠)، فمن نهاية التاريخ عند هيجل(٢١) الذي اعتقد بنهاية التاريخ بعد انتصار الثورة الفرنسية ومبادئها، إلى نهاية الدين بعد موت الإله عند نيتشه(٢٢)، ونهاية الأيديولوجيا عند ستيوارت هيوز(٢٣)، ونهاية الحداثة عند فرانسوا ليوتار(٢٤)، وهكذا ساد حديث النهايات التشاؤمي الخطاب النخبوي الغربي لينتهي بتنبؤ موت الغرب ونهايته، وإطلاق تحذيرات تسلط الضوء على المؤشرات التي تهدد هوية الغرب، وربما وجوده ككيان ثقافي وسياسي.
عندما يعمد الباحث إلى التعمق في دراسة المسوغات والأهداف وراء طرح هذه الأفكار والفرضيات لنهاية التاريخ في الغرب، ويرى محاولة مؤسسات الهيمنة السياسية والثقافية الغربية وبشتَّى الطرق إقناع المجتمعات الغربية والشعوب الأخرى للإيمان بهذه النظريات وجعلها رؤية محدّدة للحياة والمستقبل، بالرغم من أنَّ هذه النظريات ليست مبنيَّة على أي دليل علمي، وبعيدة كثيراً عن البشارات الدينية والرؤى السماوية، نجدهم في الحقيقة وواقع الأمر يؤسسون لمنظومة فكرية ورؤية معرفية وغطاء ثقافي، يُبرَّر ويُروَّج من خلاله لخطاب سياسي إيديولوجي، ومنعطف لنظام دولي جديد تتبنّاه الدول الغربية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وهذا ما يفسِّر بروز مجموعة من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠) مجلة الاستغراب، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العدد ٣١، نهاية الغرب بين فلسفة المابعديات وفكر النهايات، د. مكي سعد الله.
(٢١) جورج فيلهلم فريدريش هيجل، فيلسوف ألماني ١٧٧٠ -١٨٣١ Friedrich Hegel.
(٢٢) فريدريش فيلهيلم نيتشه، فيلسوف ألماني (١٨٤٤ -١٩٠٠) Friedrich Nietzsche.
(٢٣) إتش ستيوارت هيوز، مؤرخ أمريكي (١٩١٦-١٩٩٩) H. Stuart Hughes.
(٢٤) جان فرانسوا ليوتار، فيلسوف فرنسي (١٩٢٤-١٩٩٨) Jean - Francois Lyotard.

↑صفحة ١٤٨↑

النظريات (لمفهوم نهاية التاريخ) التي صاحبت هذا الانهيار، وتتلازم مع بلورة فكر جديد يقوم على الأحادية القطبية - أي نظام واحد يسير وفقه العالم -، وهكذا تصبح هذه الفرضيات مجرد أداة وبوق دعاية يستخدمها النظام الجديد في مرحلته التأسيسية، ولم تخرج نظرية فوكوياما (انتصار الديمقراطية الليبرالية)، ونظرية هنتنغتون (صِدام الحضارات وهيمنة الغرب)، ونظرية ما بعد الحداثة (التشكيك في الحقائق والروايات التاريخية الكبرى) عن هذا المسار، وتتحوَّل بموجبه هذه النظريات من رؤى فلسفية وفكرية إلى منهج سياسي وعسكري يبشر بأبدية الرأسمالية في ثوبها الجديد، وانتفاء إمكانية مناهضتها بسبب هيمنة القيم الغربية على العالم وقيادتها لمسيرة البشرية، وانصهار جميع شعوب العالم في كيان حضاري واحد وفق النموذج الغربي.
إنَّ أهم الآثار الملفتة للغاية والتي خلّفتها النظريات الغربية لنهاية التاريخ تتمثل في التأسيس الفلسفي للمركزية الغربية(٢٥)، لنأخذ مثالاً على ذلك: سيادة الليبرالية أو صراع الحضارات، لقد تشكَّلت رؤية الغرب للشعوب الأخرى على النظر إلى كل تنوع حضاري باعتباره اختلافاً جوهرياً مع ذاته الحضارية، ولم تكن التجربة الاستعمارية الغربية المديدة سوى حاصل رؤية فلسفية تمجّد ذاتها وتستهتر بالآخر، وما التفكير الاستعماري إلَّا حيِّز معرفي متأصِّل في فلسفة الغرب ومناهج تفكيره، وفي هذا الإطار فإنَّ المركزية الغربية وفق منطقها وتبعاً لرغباتها، ترى نفسها هي المكان الوحيد والمتميز والحصري الذي يجب أن تنبثق منه القيم التي تحدِّد وتعبِّر عن المرحلة النهائية من التطور البشري، مما أسس في الوعي السياسي الغربي نظرة الاستعلاء حيال بقية شعوب العالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٥) مجلة الاستغراب، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العدد ٢٩، البهتان الأيديولوجي للتمركز الغربي، محمود حيدر.

↑صفحة ١٤٩↑

وفي ذات السياق نجد أنَّ هذه الأفكار والفرضيات التي تُطرح كرؤية للنهاية تلعب دوراً كبيراً في التمهيد للعنصرية والعنف والإرهاب على صعيد الدول، مما يستدعي إعادة تقويم ومراجعة لهذه المنتجات الفكرية، خاصة في هذه اللحظة التاريخية الحرجة التي نشهد فيها انحراف العالم عن مساره الطبيعي، وبروز أزمة فكرية وسياسية عميقة في الغرب تجعله فاقداً للبوصلة الإنسانية السليمة في نظرته لبقية الشعوب والحضارات الأخرى.
ومما لا شك فيه، تم تكريس فكرة نهاية التاريخ في مراحل تاريخية سابقة على العقيدة الدينية، أمّا اليوم، فمن المؤكد أنَّ مفهوم نهاية التاريخ حسب ما يطرحه مفكرو الغرب حالياً وبما يحمله من تصور سلبي، بات عبئاً ثقيلاً على العالم وعلى المجتمعات الغربية نفسها في مختلف جوانب الحياة، مما يثير تساؤلاً عن علاقة هذه الرؤى والأفكار بالواقع السياسي والأيديولوجي والاجتماعي الذي يعيشه الغرب حالياً.
نخلص إلى القول وبعيداً عن أهداف الغرب السياسية وأطماعهم الاستعمارية: إنَّنا نتأسف على مفكري الغرب والنخب الثقافية للقراءة السطحية للتاريخ والتي تعتمد على ظاهر الأحداث فقط، وابتعادهم عن قراءة فلسفة التاريخ بعمق وبصورة علمية دقيقة تعتمد على التعليل والنظر، وفوق ذلك نجد أنَّ النخب الغربية لم تكلِّف نفسها عناء الاسترشاد بالكتب السماوية المقدِّسة، والتي من شأنها أن توفِّر لهم رؤية حقيقية وواقعية حول نهاية التاريخ ومستقبل البشرية حسب إرادة السماء وتدبير الخالق.
نهاية التاريخ في الرؤى الدينية السماوية:
ارتبطت فكرة نهاية التاريخ في الفكر الديني دوماً بانتصار مبدأ الخير على الشر، وقيام مدينة الأخيار (المدينة الفاضلة) على أنقاض مدينة الأشرار، وأنَّ التاريخ سيؤول ويصل إلى مرحلة الخلاص أو العدل والسلام المطلق على

↑صفحة ١٥٠↑

يد المخلص الموعود (الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه))، في فترة ما يعرف اصطلاحاً بآخر الزمان أو مرحلة نهاية التاريخ.
يُعد الإيمان بالخلاص والمخلص الموعود آخر الزمان من العقائد الأساسية في العديد من الأديان، ويؤمنون بأن الخالق سبحانه وتعالى قد أكَّد أنَّ للتاريخ مغزى ويتَّجه نحو هدف معيَّن(٢٦)، وسيصل إلى ذروة تطوُّره أو نهايته في مرحلة ما، لكن من الصعب الاعتقاد بأنَّ جميع الأديان على درجة من الاتِّفاق في رؤيتهم للخلاص، بل إنَّ اتِّباع أديان سماوية كبرى تحمل رؤى متناقضة طبقاً لشكل الخلاص وتصوُّره لديهم، ومن المؤكد أنَّ المفهوم الأساسِ للخلاص قاسمٌ مشتركٌ بين الأديان لمشروع آخر الزمان (نهاية التاريخ)، والتي تمثل خلاصة وجود البشرية على الأرض، وهنا نتساءل حول هذا المبدأ الإلهي العقلي الفطري:
ما هي رؤية أتباع الأديان السماوية الرئيسية تجاهه؟
ومن جهة أخرى: كيف ينظرون إلى نهاية التاريخ؟
اليهود:
إنَّ نهاية التاريخ والمستقبل يمثل بالنسبة لليهود أهمية بالغة جداً، وهم مقتنعون أنَّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الحياة التي يعيشونها والتي شكَّلت ظروفهم وأوضاعهم السابقة والحالية، وبين المستقبل والحياة التي تنتظرهم، فنهاية التاريخ مرتبط لديهم بفكرة التفوُّق العرقي، المبنية على قاعدة (الاصطفاء الإلهي) ومن ثَمَّ برزت مقولة (شعب الله المختار)، ومن هذه النظرة يقولون:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٦) قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥)، وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ (القصص: ٥).

↑صفحة ١٥١↑

إنَّ ثمة اختلافاً وتوتراً حادّاً بين ما يجب أن يكون وبين ما هو كائن فعلاً، وهو ما أعطى لليهود الرؤية والمغزى من التاريخ.
الرؤية الأساسية:
من المعلوم أنَّ المسيح المنتظر عند اليهود يشكل جوهر نبوءة الخلاص، وأنَّ المسيح ليس هو عيسى بن مريم (عليه السلام)، إنَّما هو مسيح خاص بهم يأتي لأول مرَّة، ولقد شكَّلت هذه العقيدة إحدى أهم الدعائم في نظرتهم للمستقبل ونهاية التاريخ، ويعتقدون أنَّ المسيح (اليهودي) هو ملك من نسل داود، سيأتي ليعدِّل مسار التاريخ اليهودي بل البشري، ويخلِّص شعب الله المختار من مصائبه وآلامه، ويجعلهم أسياد العالم بلا منازع، فتخضع لهم الشعوب والأُمم كلها، ويقيم مملكة إسرائيل الكبرى ويتَّخذ القدس عاصمة له، ويعيد بناء الهيكل ويحكم بشريعة موسى، ثم يبدأ عهداً جديداً سعيداً لليهود يدوم ألف عام يسمونه (أيام المشيح).
النظرة الدينية:
الاعتقاد بمجيء المسيح المنتظر هو من العقائد الإيمانية في اليهودية، والذي يعتبر من (الأصول الثلاثة عشر)(٢٧) التي تقوم عليها أركان الديانة اليهودية، ويعتبرونه رمزاً للخلاص، وترتيب توالي ظهور الأحداث العقائدية المنتظرة في الفكر الديني اليهودي، يمكن تلخيصها كالتالي:
١ - مجيء المسيح المنتظر: ظهور شخصية دينية استثنائية، ليقود الشعب اليهودي إلى الخلاص ويُقيم مملكة إسرائيل الكبرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٧) هي العقائد الثلاثة عشر للإيمان عند اليهود، والتي صاغها موسى بن ميمون في القرن الثاني عشر، ولد عام ١١٣٨ في قرطبة بإسبانيا وتوفي عام ١٢٠٤ في الفسطاط بمصر، والتي ذكرها في كتابه (المدخل) والمعروف أيضاً بـ(مقدمة في التوراة)، ويهدف الكتاب إلى توضيح العقيدة اليهودية وشرح المفاهيم والمبادئ الأساسية للديانة اليهودية.

↑صفحة ١٥٢↑

٢ - إعادة بناء الهيكل في القدس: يعتبر حدثاً هاماً للغاية، ويمثِّل عودة العبادة اليهودية إلى مكانها الأصلي، ورمزاً لتوحيد الشعب اليهودي.
٣ - جمع شتات اليهود: تجميع وتوحيد الشعب اليهودي من شتَّى بقاع العالم وتوطينهم في فلسطين.
٤ - قيام الأموات: سيقوم الموتى اليهود من قبورهم (الرجعة)، ويصبحون أسياداً في العالم.
٥ - العصر الذهبي: إقامة مملكة إسرائيل الكبرى، وتصبح الأرض جنة لليهود.
النظرة السياسية:
انتصار اليهود السياسي على أعدائهم وخلاصهم، وارتفاع شأنهم آخر الزمان إلى موقع ذي أهمية قصوى في الشؤون العالمية.
لقد استغلت الحركة الصهيونية نبوءة قدوم المخلص ورؤية نهاية التاريخ لتحقيق أهدافها ومطامعها التوسعية في المنطقة العربية والإسلامية، ويرى أتباعها أنَّ هذه هي الخطوة الأولى نحو تحقيق مملكة إسرائيل الكبرى.
ثمة من يستخدم مفهوم نهاية التاريخ حسب الرؤية اليهودية لتبرير مواقف سياسية متشدِّدة، وبعضٌ ينظر إلى الديمقراطية كأداة مؤقتة في خدمة تحقيق ملكوت الله تعالى.
المسيحيون:
لقد ارتبطت رؤية نهاية التاريخ في الديانة المسيحية بفكرة عودة المسيح إلى الأرض، ويعتقدون أنَّ العودة ستكون حدثاً خارقاً للطبيعة، حيث سينزل من السماء ليحكم العالم ويقيم ملكوت الله تعالى، وتمثِّل عودته تحقيقاً لوعد

↑صفحة ١٥٣↑

الخلاص الذي قدَّمه الله تعالى للبشرية، ولذا تجعل المسيحية فكرة العودة والمستقبل مرتبطة بفكرة الخلاص وتطهير الناس من الخطيئة والذنوب.
الرؤية الأساسية:
نقاط جوهرية تشكل جزءاً من رؤية المسيحيين لمستقبل البشرية ونهاية التاريخ:
عودة المسيح: يعتقد المسيحيون أنَّ المسيح سيعود في النهاية ليقيم المملكة السماوية على الأرض، وتعتبر هذه العودة إحدى الأحداث الرئيسية في المستقبل ونهاية التاريخ.
الخلاص: يعتقد المسيحيون أنَّ غاية الديانة المسيحية هي الخلاص الروحي والأبدي للإنسان من الخطيئة والانفصال عن الله تعالى، فعن طريق إيمانه بالمسيح وموته وقيامته، يتاح لهذا الشخص الغفران والمصالحة مع الله تعالى.
المملكة السماوية: يعتقد المسيحيون أنَّ بعد العودة الثانية للمسيح، سيقيم مملكته السماوية على الأرض، وستشهد هذه المملكة حقبة من السلام والعدالة والوحدة تحت حكمه.
وفي بداية مملكة المسيح التي ستستمر ألف عام، سيحكم المسيح جميع أُمم العالم، وفي تلك الفترة سيسود العدل وينتهي الظلم، وفيها ستحدث تغييرات في طبيعة الحياة، مثل: لن تفترس الحيوانات بعضها بعضاً، وتشمل كذلك طول عمر الإنسان، فالذي يموت في سن المائة عام يعتبر شاباً صغير السن.
النظرة الدينية المسيحية:
تُعدّ عودة المسيح إلى الأرض، المعروفة أيضاً باسم (المجيء الثاني)، عقيدة

↑صفحة ١٥٤↑

دينية أساسية في المسيحية، وتشير إلى حدث خارق للعادة في آخر الزمان، حاملاً معه الخلاص والعدالة الأبدية.
يُستند الإيمان بعودة المسيح إلى بشارات موجودة في الكتاب المقدس، منها:
- العهد القديم: أخبر العديد من الأنبياء مثل دانيال وزكريا، بمجيء المسيح وأنَّه سيقيم مملكة سلام وعدالة على الأرض.
- العهد الجديد: أكّد المسيح نفسه على عودته في العديد من أقواله(٢٨).
تختلف تفسيرات عودة المسيح وتفاصيلها وأهدافها بين مختلف الطوائف المسيحية، لكن بشكل عام تُشترك معظمها في المعتقدات التالية:
سيعود المسيح في مجدٍ عظيم، مصحوباً بملائكته.
سيُقيم حكماً عادلاً على الأرض، ويقضي على الشر والظلم.
سيَجمع المؤمنين به من الأموات (الرجعة)، ويُقيم مملكة الله تعالى الأبدية.
ستكون عودته علامة على نهاية التاريخ.
تمثل هذه العودة تحقيقاً للخلاص الكامل للبشرية وإقامة (ملكوت الله تعالى) على الأرض، وتُعدُّ مصدراً للأمل والرجاء للمسيحيين، ووعداً بانتصار الخير على الشر، وبداية حياة جديدة مليئة بالسلام والفرح.
النظرة السياسية:
تُعدّ عودة المسيح إلى الأرض حدثاً ذا أهمية دينية عميقة للمسيحيين، لكنه يحمل أيضاً دلالات سياسية كبيرة، نذكر منها:
الحركة المسيحية الصهيونية والتي يؤمن أتباعها بأنَّ عودة المسيح مرتبطة بعودة اليهود إلى أرض فلسطين وإقامة دولة إسرائيل، وأنَّ عودة المسيح ستُرسخ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٨) كما في: (متى ٢٤:٣٠) و(مرقس ١٣:٢٦).

↑صفحة ١٥٥↑

الهيمنة المسيحية على العالم آخر الزمان، ومن هنا تبدأ الرؤية المسيحية لنهاية التاريخ وتأثيرها على المجتمعات المسيحية:
* التيار الأصولي: يستخدم مفهوم نهاية التاريخ لتبرير الانعزال عن المجتمع والدولة، ويؤدي ذلك إلى موقف سلبي تجاه المشاركة السياسية.
* التيار التحريري: يركِّز على العمل لتحسين العالم الحالي، مع الإيمان بوجود خطة إلهية محددة، ويؤكد على أهمية العدالة الاجتماعية والمساواة.
* التيار الليبرالي: ينظر إلى مفهوم نهاية التاريخ بريبة من قبل الجماعات التي تؤمن بأهمية التغيير والتطور المستمر.
المسلمون:
لقد احتلَّت أطروحة نهاية التاريخ مكاناً لا يستهان به في الفكر الإسلامي، وتقدِّم الرؤية الإسلامية منهجاً متكاملاً في التعامل مع التاريخ البشري، وتتميَّز بارتباطها بالله سبحانه وتعالى، فتتحرك البشرية بأكملها نحو هدفها الأعلى وفردوسها الموعود في زمان الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، فيتحقق الحلم والأُمنية الكبرى للبشرية في إقامة دولة العدل الإلهي، فتكون عندئذٍ الحضارة الإنسانية أرقى حضارة شاملة عرفها البشر في كل أبعاد الحياة المادية والمعنوية والروحية بمقتضى تطبيق أحكام وقوانين الشريعة الإسلامية الحقيقية، وتعلّم الإنسان المراحل الخمس والعشرين من العلوم الجديدة(٢٩)، فتكون القيم الإنسانية والحضارية رفيعة وفي غاية الكمال، علماً بأنَّ التاريخ في الرؤية الإسلامية لا يتوقَّف عن التطور ولا يعرف سكوناً ولا نهاية، إلَّا بانتهاء الحياة على الأرض.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٩) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتّى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً». [المصدر: بحار الأنوار ج ٥٢ ص٣٣٦ ح٧٣، نقلاً عن الخرائج].

↑صفحة ١٥٦↑

الرؤية الأساسية:
يؤمن المسلمون بأنَّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) سيخرج آخر الزمان، وسيحقق العدل في العالم بشكل نهائي، وسيكون له دور كبير في تحقيق السلام والأمن والرخاء للبشرية، ويعتقدون بأنَّ المهدي سيحكم العالم بشريعة الله تعالى وقوانين الإسلام، وسيقوم بإصلاح كل ما تعاني منه البشرية من مشاكل وأزمات، وسيوفر للجميع الحياة الكريمة والسعادة والرفاهية التي يستحقونها ويحلمون بها، وسيكون له دور عظيم في تحقيق الهدف النهائي للخلق، وهو عبادة الله (جلَّ وعلا).
ووفق أطروحة المدرسة الإمامية وعلى قاعدة الإيمان بالإمام الثاني عشر وسلسلة الأئمة (عليهم السلام) عموماً، فإنَّ المهدوية تشكِّل ركيزة أساسية في الفكر الإسلامي، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية التاريخ ومستقبل البشرية، أمّا في وقتنا الحالي فإنَّ غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه) تمثِّل مرحلة انتقالية نحو الخلاص الأكمل، وأنَّ ظهوره في آخر الزمان سيعلن عن انتصار الخير على الشر وتحقيق المعنى الإنساني للبشرية.
وتتلخَّص أبرز المراحل في مسيرة وتاريخ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) باعتباره المخلص الإلهي المنتظر حسب الرؤية الإسلامية في النقاط التالية:
* المخلص الموعود: يُؤمن الشيعة الإمامية بأنَّ الإمام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام)، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولد عام ٢٥٥ هجري، وهو حي يرزق حتَّى الآن، وهو يعيش معنا في الحياة الدنيا وعلى كوكب الأرض.
* الغيبة الصغرى: غاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) عن المجتمع فترة من الزمن استمرت ما يقرب من ٧٠ عاماً، ويلتقي فيها بخواص الشيعة والسفراء الأربعة.

↑صفحة ١٥٧↑

* الغيبة الكبرى: غاب الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) منذ عام (٣٢٩هـ) عن المجتمع البشري بشكل تام (غيبة عنوان).
* الوظائف: الحفاظ على جوهر الإسلام وأصالته، ويمارس الإمام (عجَّل الله فرجه) أثناء الغيبة دوره القيادي، ويتحمل أعباء ومسؤوليات الإمامة.
* علامات الظهور: حدَّدت الروايات الشريفة علامات وبشارات لتُنذر باقتراب ظهوره الشريف.
* الظهور: سيظهر الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في آخر الزمان ليقيم دولة العدل الإلهي وينشر الإسلام في ربوع الأرض.
* الخلاص من الظلم: تُمثل المهدوية رمزاً للخلاص من الظلم والاستبداد.
* إعادة التوازن: يُمثل ظهور المهدي إعادة التوازن للعدالة والسلام في العالم.
* تحقيق الغاية الإنسانية: تُمثل المهدوية تجسيداً للغاية الإنسانية على الأرض.
الأثر المعنوي:
للرؤية الإسلامية المتمثلة في المهدوية على المؤمنين بها من أفراد ومجتمعات:
- الأمل: تمثل فكرة الإمام الغائب مصدر أمل وقوة للشيعة، وتحفز على التمسك بالقيم الروحية.
- الدافع: تمثل فكرة الإمام الغائب نموذجاً فريداً للتفكير الديني، والانتظار يُجسّد القوة الدافعة نحو التغيير.
- الهوية: للعقيدة المهدوية دور في تشكيل الهوية الدينية والثقافية للشيعة، ودور مهم في بناء مجتمع متماسك.

↑صفحة ١٥٨↑

- التفاؤل: تُشجع هذه الرؤية على التفاؤل بمستقبل البشرية، رغم المنغصات والمثبطات.
- الصبر: تحث على الصبر والمثابرة في مواجهة الظلم والقمع.
- التحرك: تُحفز على السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية ونشر القيم الإسلامية.
- المسؤولية: تُؤكد على مسؤولية الفرد في الإصلاح والتغيير وبناء مستقبل أفضل.
النظرة الدينية:
تشكِّل رؤية الإسلام لنهاية التاريخ ومستقبل البشرية موضوعاً ذا أهمية دينية وعقائدية كبيرة، وأنَّ المنطلق الجوهري للتاريخ حسب الأطروحة الإسلامية هو الله تعالى، فهو خالق التاريخ والحاضر وهو الذي يحدِّد نهايته بإرادته، ويرتبط ذلك بالإيمان بوجود خطة إلهية محددة تقود البشرية نحو تحقيق العدالة والسلام على الأرض مستقبلاً، واستناداً إلى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وتعاليم الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فإنَّ الخطة سيتم تنفيذها وتطبيقها على يد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) آخر الزمان، باعتباره يمثل امتداداً للنبوة وتجسيداً للولاية الإلهية على الأرض، وفي ضوء المنظور القرآني ووفق تدبير الخالق سبحانه وتعالى تشير الرؤية إلى:
١- مبدأ الاستخلاف:
إنَّ غاية الإنسان في الحياة هي تحقيق الخلافة في الأرض، ومنه أصبحت مهمة الإنسان واضحة، ويمكن تعريف الاستخلاف الحضاري: بأنَّه تحقيق العبودية لله تعالى، والسيادة في الأرض، والانسجام مع سنن الله الكونية، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ

↑صفحة ١٥٩↑

فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: ٣٠).
٢- مبدأ الوعد:
وعَدَ الله سبحانه وتعالى عباده الصالحين بالاستخلاف والتمكين في الأرض ونصرة دينهم وتحقيق رسالة السماء بتوحيد الله تعالى وعدم الشرك به، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ (النور: ٥٥).
٣- مبدأ الإرث:
أكَّد سبحانه وتعالى على أنَّ الأرض سيرثها عباده الصالحون والمستضعفون، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥).
هذا التوريث الإلهي هو تنفيذ لوعد الله تعالى بأن يمكِّن المؤمنين ويستخلفهم في مجتمع لا شرك فيه، وهذا المجتمع الصالح ضرورة تاريخية لابد منها، فالرؤية القرآنية لنهاية التاريخ ستكون للإنسان الصالح الذي يستخلف الأرض ويرثها.
الرؤية الإسلامية تنفي العبثية للتاريخ الإنساني العام، وأنَّ له حركة وغاية وهدفاً، وهذه الحركة من المسائل التي لها بعد عقائدي وفلسفي عميق، فالمسار التاريخي يتشكل بين فعل البشر الإرادي التابع لاختيارهم، وبين السنن والقواعد الإلهية المنبثقة من إرادة الخالق وتدبيره، وفي هاتين المسألتين لن يكون هناك جبر ولا تفويض، وفي آخر المطاف هناك وعد إلهي في (آخر الزمان) بغلبة وانتصار المؤمنين الصالحين على الظالمين الكافرين.

↑صفحة ١٦٠↑

النظرة السياسية:
رؤية نهاية التاريخ المتمثل بالمهدوية له أثر كبير على الفكر والمنهج السياسي الإسلامي حالياً ويشمل:
* الترابط بين الماضي والحاضر والمستقبل: تربط رؤية المهدوية بين الماضي (نبوة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)) والحاضر (انتظار المهدي (عجَّل الله فرجه)) والمستقبل (إقامة دولة العدل الإلهي).
* الدور القيادي للمرجعية الدينية: يلعب ممثل الإمام المهدي (نيابة عامة) دوراً مهماً في توجيه الشؤون السياسية والاجتماعية واتِّخاذ القرارات في المجتمع المؤمن، ويحظى بالاحترام والطاعة.
* التطلُّع إلى الخلاص والعدالة: تشكل العقيدة المهدوية مصدر أمل للمسلمين الذين يعانون من الظلم والقهر، وتحفزهم على السعي لتغيير الواقع وتأسيس مجتمع عادل.
* التحفيز على المقاومة ضد الظلم: تُلهم العقيدة المهدوية المسلمين للمقاومة ضد الظلم والاستبداد، سواء من خلال العمل السلمي أو غيره، إيماناً منهم بأنَّ المهدي سيأتي ليحقق النصر النهائي.
* الدعوة إلى الوحدة والتآخي: تشدِّد العقيدة المهدوية على أهمية الوحدة والتآخي بين المسلمين، باعتبارها شرطاً أساسياً لتمكين الأُمَّة ونصرتها.
* الحث على التفاؤل والرجاء: تحفِّز العقيدة المهدوية المسلمين على العمل الجاد والسعي لتحقيق الأهداف الكبرى للأُمَّة، وتُلهم التفاؤل بمستقبل أفضل رغم التحديات والصعوبات.
الثمرة:
وبعد هذه النظرة السريعة في ما قدمته الأطروحات الدينية السماوية، يتَّضح لنا أنَّ فكرة الخلاص في الأساس رؤية إنسانية عميقة، أشارت إليها

↑صفحة ١٦١↑

جميع الديانات السماوية، وهي في جوهرها تتعلق بقضية القلق الإنساني العميق حول الظلم والحروب والقتل والفساد، ووضع الحقوق الإنسانية المريع، والبحث عن الخلاص والإنقاذ من الأوضاع السيئة للبشرية.
وجوهر القول والحقيقة: إنَّ البشرية لن يتحقق مستقبلها المشرق والعيش الرغيد والحياة الأفضل من غير مشاركة السماء (الخالق)، فلو ترك الناس يتصرفون بمفردهم لاندفعوا لمصالحهم الخاصة وتوجهوا للفتنة والظلم، وبكل تأكيد أنَّ البشرية لا يمكن أن تتكامل بعيداً عن السماء.
أثر الإيمان بالمهدوية في رؤية نهاية التاريخ:
من الطبيعي أن يؤثر الاعتقاد بالمهدوية (المخلص) على نظرة الشخص للمستقبل ونهاية التاريخ، فمن الثابت أنَّ ظهور المهدي سيكون مصحوباً بتحقيق العدل الكامل والسلام الدائم في العالم، ولذا فإنَّ الشخص الذي يؤمن بالمهدوية ينظر إلى الحياة والمستقبل الذي ينتظر البشرية بتفاؤل وأمل بظهور المنقذ الموعود وإقامة دولة العدل الإلهي على يديه.
ومن جهة أخرى معاكسة، فإنَّ الشخص أو المجتمعات التي لا تؤمن بالمهدوية تنظر إلى نهاية التاريخ البشري من منظور مختلف وفي الغالب متشائم وسوداوي، فمثلاً: قد يُعتقد أنَّ العالم يتطور تطوراً طبيعياً بدون تدخلات سماوية أو رعاية خاصة، حيث يرى النهاية كنتيجة للتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحدث على مرّ الزمن، وبصفة عامة فإنَّ الاعتقادات الدينية والفلسفية تؤثر في نظرة الأفراد والمجتمعات للمستقبل، وبالخصوص عقيدة (الـمُخلّص / المهدي).
النواحي الإيجابية للإيمان بالمهدوية:
إنَّ الإيمان بالمهدوية يُبشّر الإنسانية بالعديد من الآثار الإيجابية وعلى أكثر من ناحية واتِّجاه، من قبيل:

↑صفحة ١٦٢↑

* تحقيق العدالة والمساواة: تُبشِّر بتطبيق قانون العدل الإلهي بين جميع الناس، فالمهدي سيقيم دولة العدل التي تسود فيها المساواة لجميع البشر، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو جنسهم، حالياً يُحفز هذا الإيمانُ على خلق بيئة إيجابية، والعمل من أجل تحقيق هذه الغاية.
* القضاء على الفقر والجوع: تُبشِّر بعالم خالٍ من العُسْرَة والمجاعة، فالمهدي سيوزع الثروات على جميع الناس بشكل عادل، ولن يبقى فقير أو جائع على وجه الأرض، حالياً يُكرس هذا الإيمانُ العملَ على تطبيق العدالة الاجتماعية والتعاون والترابط بين أفراد المجتمع ومساعدة الضعفاء.
* تحقيق الأمن والاستقرار: تُبشِّر بعالم خالٍ من الحروب والصراعات السياسية والعسكرية، فالمهدي سيُحقق الأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم، حالياً يُعزز هذا الإيمانُ الشعورَ بالإنسانية الواحدة، وتحقيق السلام العالمي، وحماية البشرية من المخاطر والكوارث والحروب.
* نشر السلام والوئام: تُبشّر بعالم يسود فيه المحبة والسلام بين جميع الناس، فالمهدي سيُنشر ثقافة التسامح والاحترام بين الجميع، ولن يكون هناك مكان للكراهية أو العنف، حالياً يُثبت هذا الإيمانُ الشعورَ بالأمان والطمأنينة.
* ازدهار العلم والمعرفة: تُبشّر بعالم يزدهر فيه العلم والمعرفة، فالمهدي سيشجع على العلم والتعلم، وسيُوفر للناس جميع الوسائل التي تساعدهم على التطور والارتقاء، حالياً يُشكل هذا الإيمانُ مصدراً للإلهام والتحفيز لطلب العلم والعمل على تحسين النفس والمجتمع.
* تحقيق السعادة والرفاهية: تُبشّر بعالم يسود فيه السعادة والرخاء للجميع، فالمهدي سيوفر لكافة الناس جميع احتياجاتهم المادية والمعنوية، وسيحقق لهم

↑صفحة ١٦٣↑

حياة كريمة، حالياً يُمثل هذا الإيمانُ رمزاً للأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل للبشرية.
* عودة الدين والقيم إلى المجتمع: تُبشِّر بعودة الدين والأخلاق إلى المجتمعات، فالمهدي سيعيد إحياء التوحيد والصلاح في نفوس الناس، وسينشئ مجتمعاً فاضلاً يسود فيه الخير والفضيلة، حالياً يُرسخ هذا الإيمان السعيَ لتحقيق القيم الإنسانية العُليا، وتوجيه سلوكيات الأفراد.
* إصلاح الفساد في الأرض: تُبشِّر بانتهاء الظلم وإصلاح الفساد في الأرض، فالمهدي سيقضي على الانحراف والخلل بكل أشكاله، وسينشئ مجتمعاً عادلاً ونظيفاً، حالياً يُقوي هذا الإيمانُ الشعورَ بأنَّ الظلم والفساد لن يستمر إلى الأبد، وأن هناك نهاية سعيدة تنتظر البشرية.
* تحقيق الوحدة بين الأديان: تُبشّر بتحقيق الوحدة الدينية بين الجميع، فالمهدي سيفرض التعامل الحسن مع أتباع الديانات المختلفة، وسينهي الصراعات الدينية والمذهبية، حالياً يُساهم هذا الإيمانُ في نشر ثقافة التسامح والاحترام وقبول الآخر بين أتباع مختلف الأديان والطوائف.
يشكِّل التطلُّع إلى مستقبل سعيد ونهاية تاريخ مشرقة حلماً يراود جميع شعوب العالم، إذ تعد هذه الرؤية الإيجابية بمثابة إطار فكري يساعد على فهم الحياة والعالم بشكل أفضل، وتُعدّ بمثابة طاقة بنّاءة تحرّك الأفراد والمجتمعات نحو التطور والرقي، وبمثابة بذور طيبة تُزرع في عقول الأفراد، وتثمر مشاعر صالحة وسلوكيات فاعلة، مما يؤثر بشكل مباشر على تطور المجتمع وازدهاره.
النواحي السلبية لعدم الإيمان بالمهدوية:
بالتأكيد عدم الإيمان بالمهدوية أو رفض فكرة الـمُخلّص الموعود يؤثر بشكل كبير جداً على النظرة لخاتمة مسار البشرية ومعنى التاريخ وهدفه،

↑صفحة ١٦٤↑

وانطلاقاً من المباني والأهداف الأساسية للنظريات والفرضيات الغربية لنهاية التاريخ، يمكننا تلمس بعض النقاط التالية:
* يفقد التاريخ معناه الروحي: تعطي المهدوية التاريخ معنى روحياً واجتماعياً، عبر تحقيق الخير والعدل في نهايته، وعند عدم الإيمان بها تصبح نهاية التاريخ عشوائية وبلا هدف.
* فقدان الدافع للتقدُّم: في زمن المهدوية تُحرز البشرية تقدماً هائلاً في جميع المجالات، مما يكون دافعاً قوياً للرقي بالمجتمع نحو الأفضل، وعندما يختفي هذا الدافع يصبح المجتمع راكداً، ويواجه صعوبة في التطور والنمو.
* تفقد الحياة معناها: المهدوية أمل المستقبل، ولكن عندما يختفي هذا الأمل يسيطر علينا شعور بأن الحياة لا هدف لها، وأنَّ وجودنا لا معنى له، وأن المستقبل أسوأ من الحاضر.
* يصبح التاريخ دورة متكررة: بدون هدف واضح أو نهاية سعيدة يصبح التاريخ دورة من الشقاء والخير أو الظلم والعدل، وهكذا يتكرر المسار دون أي أمل أو تفاؤل أو إيجابية.
* التقبل السلبي للظلم: تمثل المهدوية آمال الناس في العدالة الإلهية ونهاية التعسف والجور، وعدم الإيمان بها يؤدي لتقبل الظلم كأمر واقع والرضوخ له، والتعايش معه كجزء من الحياة من دون مقاومة أو اعتراض.
* تفقد القيم الأخلاقية روحها ومعناها: تعزِّز المهدوية نموذجاً للخير والعدل والرحمة التي ترشد المجتمعات للتمسك بها، وعندما يفقد هذا الدور والقدوة تصبح الأخلاق غير واضحة المعالم، ويقلّ التركيز عليها.
* فقدان الهدف الأخروي: عدم الإيمان بالمهدوية يؤدي إلى تجاهل إرادة السماء ومشروعها آخر الزمان، والتغافل عن القضايا الروحية والمعنوية،

↑صفحة ١٦٥↑

فيكون التركيز على الأمور المادية والحياة الدنيوية، ويصاحبه الشعور بالفراغ والضياع.
لماذا يتجاهل الغرب المهدوية كرؤية لنهاية التاريخ؟
منذ انطلاقة الإسلام والأعداء يتبعون استراتيجية لتجاهل أو تشويه العقائد الإسلامية، وحظيت العقيدة المهدوية بالخصوص بأكبر قدر من المحاربة والتشويه، وعلى ضوء التحولات والتقلبات السياسية الكبرى في العالم في العقود الأخيرة، وقع الغرب تحت تأثير عقائد ونبوءات آخر الزمان، واحتلَّت هذه المعتقدات مكاناً بارزاً في السنوات الأخيرة في فضاء الثقافة الغربية والرأي العام الغربي.
ليس من شك في أنَّ مؤسسات الهيمنة السياسية والفكرية الغربية، غايتها عرقلة مقدمات إقامة دولة العدل الإلهي، ومناهضة الخلاص الديني آخر الزمان، ولذا فإنَّ جميع خططها الاستراتيجية تستهدف بناء منظومة فكرية تتجاهل الرؤى السماوية (فكرة المخلص والخلاص) بشكل عام والأطروحة الإسلامية (المهدوية) بشكل خاص، خشية من تأثيرها على الشعوب الغربية، وكل هذا التوجس في الغرب من المهدوية لما تتَّصف به من مزايا وخصائص، وما تحمله من مبادئ وقيم وأهداف عُليا، ما يؤهلها للنهوض بالإنسانية لتصل لمرحلة الكمال والرشد، وممَّا يجعلها سريعة الانتشار والقبول لمن يعرفها ويطّلع على حقيقتها، ولذا فقد صدرت تقارير عدَّة استخباراتية غربية تحذر من عواقب انتشار المعارف والحقائق عن المهدوية الأصلية (أطروحة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام))، لهدف حماية واحتواء الشعوب الغربية من التأثر بها، ومن أن تتعرف على المهدوية بكل أبعادها وحقائقها، أو أن يدرك المواطن الغربي أنَّ الخلاص الإنساني الأمثل والأكمل، والذي يتلاءم مع وجدان الفطرة ويتوافق مع برهان العقل ويتعاضد مع الإرشاد السماوي ينطبق عليها فقط، فلا مفرَّ

↑صفحة ١٦٦↑

حينها من التصديق بها وتأييدها، وستكون آنذاك في نظر هذه الشعوب الملبية لطموحات البشرية والمحققة لآمال وأمنيات الإنسانية، ومن أجل القضاء مسبقاً على احترام وتقدير الإنسان الغربي لها، وأن لا تصبح أيديولوجية إنسانية جذابة ولا سيما بين المثقفين والنخب الفكرية في الغرب إذا توضحت أهدافها الكبرى، وهذا في جوهره أحد أهم الأسباب لتجاهل وتهميش الغرب للمهدوية في الرؤى الفكرية والفلسفية حول نهاية التاريخ.
ولذا تتآزر السياسات الاستراتيجية الغربية وعلى كل الأصعدة (السياسية والفكرية والإعلامية و...) لمناهضة المهدوية، لعل الإجراءات التي اتَّخذتها مؤسسات الهيمنة الغربية تكون سداً أمام انتشار مبادئ وقيم المهدوية في فضاء الثقافة الغربية، وباختصار نكتفي بإبراز بعض العوامل التي تكون وراء تجاهل الغرب للأطروحة الإسلامية كرؤية لنهاية التاريخ:
* قلة المعرفة والاهتمام: اختلاف الإطار الديني والثقافي، حيث إنَّ الغرب ينتمي بشكل رئيسي إلى التقاليد المسيحية والعلمانية، بينما الأطروحة المهدوية جزء من العقيدة الإسلامية، وبهذا لا تكون الشعوب الغربية على دراية وافية بتفاصيل وجوهر المهدوية، خاصة وأنَّهم لا يشعرون بأثر مباشر لها على حياتهم، وهذا يشكل عائقاً أمام فهمها وإدراك حقيقتها.
* الحفاظ على الهيمنة: تجاهل الأطروحة المهدوية يحافظ على هيمنة التفسيرات الغربية للتاريخ والمجتمع والمستقبل، وهكذا يميل الغرب إلى التركيز على النماذج الخاصة به لنهاية التاريخ البشري، مثل: مستقبل الحضارات أو سيناريوهات ما بعد نهاية العالم، مما يجعله ينظر إلى المهدوية على أنَّها أطروحة منافسة غير مرغوب فيها أو بديل غريب عن هذه النماذج.
* التشكيك بالأسس: إعطاء اهتمام للمهدوية قد يثير تساؤلات حول أسس الهيمنة الغربية والتفسيرات العلمانية للتاريخ، ولذا لا يُعير الغربيون

↑صفحة ١٦٧↑

اهتماماً كبيراً لفكرة المهدوية، لأنَّه ينظر إليها على أنَّها مفهوم غير عملي أو حدث بعيد المنال، ويفضلون التركيز على حلِّ المشكلات الحالية مثل: تغير المناخ والفقر والحرب، بدلاً عن التفكير في التفسيرات والأطروحات الدينية.
* دوافع التهميش والمناهضة: تجاهل المهدوية كرؤية نابع في الأساس من دوافع سياسية وأيديولوجية أكثر من مجرد اختلافات دينية أو ثقافية، حيث ينظر إلى الأطروحة المهدوية من قبل المؤسسات السياسية الغربية على أنَّها تمثل تهديداً لقيمهم وثقافتهم ومصالحهم، وأن جميع المشاعر السلبية تجاه المهدوية ما هي إلَّا صدى في أبعادها النفسية والفكرية لأزمة الخوف منها مستقبلاً.
* التركيز على الجوانب العلمانية: يوطد الغرب رؤيته دائماً على الجوانب العلمية والسياسية والاقتصادية للتاريخ بدلاً عن الجوانب الدينية أو الميتافيزيقية (والمهدوية من العقائد الدينية)، وبما أنَّ الثقافة الغربية تؤكد على العلمانية وفصل الدين عن الحياة العامة، لذا تفضل النخب الغربية التركيز على حلول علمية للمشكلات العالمية بدلاً عن طرح رؤى ذات صبغة دينية.
* تأثير الإعلام: الكثير من وسائل الإعلام الغربية تعرض الإسلام بشكل سلبي، وتركز على الصراعات في العالم الإسلامي، وإبراز الحركات الإرهابية (كالقاعدة وداعش)، وتصوّر شخصية الإمام المهدي كزعيم إسلامي مستقبلي، وتربطه بالأفعال الوحشية لتلك الحركات، وتنشر الأفكار الخاطئة حوله، مما يؤثر على نظرة الشعوب الغربية وتكوين صورة سلبية عنه.
* التعصب الديني: كثرت الكتابات في السنوات الأخيرة في الأوساط الثقافية والدينية الغربية حول (نبوءات نهاية الزمان في الكتاب المقدس)، وكان التركيز على فكرة أنَّ الدجال المنبوذ في كل الأديان السماوية أو الوحش أو التنين في التراث الديني لليهود والنصارى يتشابه تماماً مع المهدي الإسلامي، وأنَّ

↑صفحة ١٦٨↑

ما ينتظر المسلمون خروجه آخر الزمان هو في الحقيقة المسيح الدجال الذي ينتظره المسيحيون.
أثر عدم الإيمان بالمخلص (المهدي) على المجتمعات الغربية:
بما تقدَّم يتبيَّن أنَّ الإيمان بالمخلص يقدِّم غالباً شعوراً بالأمل والخلاص من خلال وعدٍ بمستقبلٍ أفضل، وفي المقابل يؤدي عدم الإيمان بفكرة أو عقيدة المخلص أو الخلاص آخر الزمان إلى تأثير سلبي عميق على الشعوب والمجتمعات وبالخصوص العلمانية منها (المجتمعات الغربية بشكل عام)، ومما يزيد الأمر سوءً كثرة النظريات والفرضيات الفلسفية المتشائمة حول نهاية التاريخ في الغرب.
إنَّ جهل الشعوب الغربية بمستقبلها أو المصير الذي يرتقبها، يشكل أهم موارد القلق والخوف لديها، فهي لا تعرف: هل ينتظرها السعادة والرخاء، أم ينتظرها الشقاء والمأساة؟ مما يؤثر بقوة على نفسيات وسلوكيات أفراد هذه المجتمعات، ولذا يمكن ملاحظة هذا التأثير في النقاط التالية:
١- فقدان الشعور بالأمل: يقدِّم الإيمان بالمخلص وعداً بنهاية سعيدة لكل المصاعب والمحن، بينما عدم الإيمان بالمخلص والخلاص يؤدي إلى شعور باليأس واللامبالاة، مما يؤدي لظهور أفكار مثل (لا يوجد معنى للحياة) أو (نحن في نهاية التاريخ) أو (ماذا ننتظر)، فيصحب ذلك شعور بالإحباط والضياع، ويصبح الأفراد أقل اهتماماً بالمشاركة في المجتمع أو العمل على تحسين حياتهم.
٢- غياب العدالة الدولية: يقدِّم الإيمان بالمخلص وعداً بالعدالة والمساواة، بينما عدم الإيمان بالمخلص يؤدي لتوجه الدول إلى التركيز على القوة والنفوذ، مما يؤدي لنشوب الحروب والصراعات وسيطرة الدول القوية على الدول الضعيفة من خلال القوة (عسكرية أو سياسية أو اقتصادية)، واحتلال دولة

↑صفحة ١٦٩↑

لأراضي دولة أخرى، فتنتهك حقوق الإنسان وتنهب ثروات الدول المحتلة، مما يعيق تحقيق السلام والاستقرار في العالم.
٣- تراجع القيم والمبادئ: يساهم الإيمان بالمخلص في تعزيز القيم الأخلاقية من خلال ربط السلوكيات بمسؤولية أخلاقية تهدف إلى نيل رضاه، بينما عدم الإيمان يؤدي إلى تفكك في القيم الأخلاقية وانعدام الشعور بالمسؤولية، والإحساس بالفراغ والعبثية نفسياً، خاصة إذا اعتقد الناس أن نهاية التاريخ سوداء، فيصبحون أقل اهتماماً بالتمسك بالمبادئ والقيم، ويعتقدون أن كل شيء بات مسموحاً به، طالما أنَّهم يستمتعون ويتلذذون قبل النهاية المظلمة.
٤- تفاقم الأزمات الاجتماعية: يشكل الإيمان بالمخلص مصدراً للتضامن والتعاون بين أفراد المجتمع، بينما عدم الإيمان يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية والتركيز على الفردية والأنانية، وتؤدي أفكار مثل (لا شيء مهم) إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية، فيصبح الأغنياء أكثر تركيزاً على حماية ثروتهم، بينما يصبح الفقراء أكثر استسلاماً لظروفهم التعيسة، مما يُسبِّب أو يؤدي إلى ضعف الروابط الاجتماعية.
٥- ازدياد الشعور بالقلق والتوتر: يمنح الإيمان بالمخلص شعوراً بالأمان والراحة من خلال وعد بحلّ لمشاكل العالم المستعصية، بينما عدم الإيمان يؤدي إلى شعور بالقلق والتوتر من مستقبلٍ غير واضح أو محدد، مما تؤدي مشاعر اليأس والقلق إلى زيادة العنف والنزاعات، فيصبح الناس أكثر استعداداً للقتال من أجل ما يعتقدون أنَّه ملكهم، أو يلجؤون إلى العنف كطريقة للتعبير عن غضبهم.
٦- تغيير في النظرة للعالم: يُوجِد الإيمان بالمخلص اهتماماً متزايداً بالعالم ككيان مترابط وأسرة واحدة، بينما عدم الإيمان يؤدي إلى أن يكون الفرد أكثر سلبية في نظرته للعالم، مما يؤدي إلى زيادة التركيز على الفردية والمادية على

↑صفحة ١٧٠↑

حساب الاهتمام بالمجتمع ككل، فتقلّ أهمية القيم الإنسانية مثل الحب والرحمة، وتزداد مشاعر الكره والعداء تجاه الشعوب الأخرى، خاصة إذا صاحبها نظرة استعلاء على الآخرين.
٧- تراجع الابتكار والإبداع: يخلق الإيمان بالمخلص الدافع لبناء حياة وعِيْشَة أمْثَل للوصول للمدينة الفاضلة، بينما عدم الإيمان يؤدي إلى شعور بأن لا شيء جديداً يمكن تحقيقه وليس هناك دافع للتقدم والتطوير، مما يؤدي إلى أن يصبح الناس أقل اهتماماً بالاختراع والاكتشاف، ويصبحون أكثر تركيزاً على الاستمتاع بالحاضر، بدلاً عن العمل على بناء مستقبل أرقى.
انتشار نبوءات يوم القيامة:
لا شك أنَّ ثمة سلوكيات وتصرفات ظهرت في المجتمعات الغربية نتجت من التشاؤم التي تركتها نظريات وفرضيات نهاية التاريخ، وكذلك عدم الإيمان بغاية محددة للتاريخ أو بالمخلص والخلاص آخر الزمان مما أدَّى إلى شعور الأفراد بالفراغ الروحي واللامعنى للحياة، فساعد ذلك على نشر الجهل والخرافات بنبوءات يوم القيامة، فكانوا يتوقعون البلاء والشر ولا يجدون ما يعلّقون عليه آمالهم، فالتصرفات المنبثقة عن النبوءات الأخيرة أو الكوارث الشاملة ليست جديدة في الغرب، بل هي اجترار لأفكار فلسفية قديمة وحديثة متجذرة في عقول ومعتقدات بعض فئات المجتمعات الغربية، ومتجسِّدة بفكرة الفناء والنهاية المحتومة.
من المهم التأكيد على أنَّ هذه التأثيرات السلبية لعدم الاعتقاد بالمخلص والخلاص آخر الزمان ليست حتمية أو مطلقة(٣٠)، وأنَّها تعتمد على العديد من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٠) من المهم إجراء المزيد من البحوث والدراسات لفهم تأثير عدم الإيمان بالمخلص (الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)) آخر الزمان على المجتمعات الغربية، والتوسع في الدراسات من زوايا أخرى اجتماعية وسياسية، وكذلك أثرها على نفسيات الشعوب.

↑صفحة ١٧١↑

العوامل، مثل: السياق الثقافي والديني للمجتمع، وطبيعة المعتقدات حول المخلص، ودوافع الأفراد وأفكارهم حول المستقبل، وغيرها كثير.
الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) يمثل أملاً مشتركاً للبشرية كافة:
بالتأكيد أنَّ الإيمان بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يعد أملاً للبشرية جمعاء، وثمة بشارات ودلالات عديدة في الفضاء الديني السماوي والنبوءات في الكتب المقدسة تشير إلى ظهور شخصية منقذة للعالم في آخر الزمان، وفي التراث الإنساني توجد أيضاً إشارات وتوقعات لظهور قائد يتحقق التغيير والتحرر في العالم على يديه، وفي هذا السياق يعتبر الإيمان بالمهدي فرصة للتغيير الإيجابي، ويمثل الأمل لحل المشاكل العالمية، وإحداث تحول جوهري على مستوى البشرية، ويمكن حصر بعض نقاط الأمل المشتركة للإنسانية في الآتي:
١ - القيم الإنسانية المشتركة:
* يجسد الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) قيماً إيجابية مثل: السلام، والعدالة، والحرية، والمساواة، والكرامة الإنسانية.
* يمثل الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) رمزاً لعالم إنساني يخلو من الظلم والفساد والصراعات والمنغصات.
* يوحد الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) البشرية كافة حول هدف مشترك وهو تحقيق السلام والعدالة للجميع.
* يؤكد الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) أهمية القيم الأخلاقية مثل: الصدق، والأمانة، والعدل، والإحسان، والتسامح.
* يمنح الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) إنشاء قادة مُلهمين يُشجعون الناس على العمل معاً لتحقيق غايات إنسانية عليا.

↑صفحة ١٧٢↑

٢ - الأمل في المستقبل:
* يقدم الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) أملاً في مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وبناء عالم يسوده السلام والعدالة.
* يُركِّز الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) على الشعور بالسعادة والتفاؤل، ويُخفف من مشاعر القلق والخوف.
* يدعم الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) السعي لتحقيق التقدم في جميع المجالات، مثل العلم والطب والتكنولوجيا.
* يؤكد الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) على مسؤولية الفرد في الإصلاح والتغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع البشر.
* يعزِّز الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) الاعتقاد بالخالق سبحانه وتعالى، وبقدرته على تغيير الواقع السيئ.
٣ - التغلُّب على التحديات:
* يساهم الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) في التغلُّب على التحديات العالمية مثل: الفقر والحرب والظلم والمرض والجوع.
* يُساعد الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) على إيجاد حلول فعّالة للمشكلات المعقدة التي تواجهها البشرية كالبيئة والمناخ.
* يعطي الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) البشرية دافعاً لتجاوز المخاطر والصعوبات التي تواجهها، والتطلّع نحو غدٍ أفضل.
* يحث الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) على الصبر والمثابرة في مواجهة الظلم والقمع، وخلق نظام عالمي أكثر عدالة.
* يعزز الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) على السلام والتفاوض، وحلّ النزاعات الدولية سلمياً، ونشر ثقافة التسامح.

↑صفحة ١٧٣↑

٤ - احترام الأديان السماوية:
* يشكل الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) نقطة مشتركة بين الإسلام والأديان السماوية كالمسيحية واليهودية.
* يحفز الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) الحوار بين الأديان المختلفة، ونشر ثقافة التعارف والاحترام والتسامح.
* يشجع الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) على التعاون بين أتباع الأديان المختلفة، ومشاركة المعرفة والخبرات.
* يُساعد الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) على احترام معتقدات الآخرين حتَّى لو لم نتفق معها، ومحاربة التعصب والتطرف.
* يلهم الإيمان بالمهدي (عجَّل الله فرجه) البشرية إيجاد المعنى والهدف في حياتها، ويُعطيها شعوراً بالانتماء إلى شيء أكبر من نفسها.
تغازل فكرة مستقبل البشرية السعيد أو نهاية التاريخ الإيجابي شوقنا وحنيننا إلى العدالة السماوية والوحدة الإنسانية، ولكن عندما نتفحص بتمعن وعمق جميع الفرضيات والنظريات الفلسفية الغربية عن نهاية التاريخ، أو مفهوم أتباع الأديان السماوية عن الخلاص ومستقبل البشرية، نجد أنَّ الرؤية الإسلامية (المهدوية) أكثر الأطروحات قرباً من العدالة والقيم الإنسانية، فمعها يقوى الأمل لتحقق الأمنية الكبرى للبشرية (المدينة الفاضلة)، والتي تنظر لجميع أفراد البشرية بمختلف الأعراق والأجناس والأديان على شكل سواء (كأسنان المشط)، وكلّهم متساوون أمام قانون دولة العدل الإلهي.
أمّا عن كشف غطاء المستقبل الزاهر والدولة المهدوية الفاضلة، يتحتّمُ على البشرية اليوم أن تصغي لنواميس الحكمة، ليس بنحو أعمى بل بروح العقل والرشاد، وأن تكون مستعدَّة لتقبل المساواة التامة والعدالة المقدَّسة بين

↑صفحة ١٧٤↑

جميع شعوب العالم، لقد واصل بعض الناس عيشه طوال القرن العشرين الذي يُعَدُّ أكثر قرون البشرية دموية، ولكن إذا أردنا أن نجعل تلك الدماء والآلام مجرد آلام مخاض ولادة عصر جديد(٣١)، لا آلام سكرات موت البشرية، فعلينا أن نصغي بكل صدق إلى الفطرة الصافية والعقل السليم والإرشاد السماوي، الذي يقود الإنسانية ويوجهها نحو الخلاص الحقيقي والعدل الإلهي والمستقبل المشرق، وحينها يكون لتاريخنا مغزى ولحياتنا هدف ومعنى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣١) العصر الجديد نقصد به دولة العدل الإلهي آخر الزمان على يد الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وقد جادت قريحة الفلاسفة وتأملاتهم حول هذه الدولة بثيمات عديدة، أشهرها على الإطلاق: (جمهورية أفلاطون) و(المدينة الفاضلة - للفارابي) و(مدينة الله - للقديس أوغسطين) و(المدينة الخيالية - لتوماس مور) و(مدينة الشمس - لدومنيك كامبانيلا) و(أطلنطا الجديدة - لفرنسيس بيكون) وغيرهم كثير.

↑صفحة ١٧٥↑

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

Copyright© 2004-2013 M-mahdi.com All Rights Reserved