المهدوية غير قابلة للتشكيك
الشيخ محمد رضا آل شمس الدين العاملي
كيف لمثقف مسلم أن يشكك في فكرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مع هذه الكثرة الروائية في المجاميع الحديثية عنه وعن شمائله وعلاماته، والمسلم بما أنه مسلم ليس له مصدر يستقي منه العقيدة، ومستند يركن له أهم من القرآن الكريم، والسنة الصحيحة. وهذه أقوال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومدى صحة النقل لها، واطمئنان النفوس بها وكيف اطمئن لها، وهي بتلك الكثرة، وبذلك العدد الضخم من الناقلين، والراوين...؟
إن نقل الحديث بتلك الكثرة، وتلك الصفة والكيفية التي نجدها في مجاميع الروايات، لا يدع مجالاً للشك والارتياب إلّا أن نقيس ذلك بمقياس ابن خلدون، وصاحب المنار، ذلك المقياس الواهي الذي لا ينبغي أن يعتمد عليه، ويركن إليه.
وهناك مقاييس أخرى أوهى مما ذكرناه، منها أن الفكرة قد اعتنقها أهل الملل القديمة، ولا أدري، أيصح أن يكون هذا موهناً للفكرة، أو مؤيداً لها؟ بل هو يؤيدها، ويكسبها قوة، لأن الأديان السماوية متحدة في الأصل، ومتقاربة في العقائد. ومنهم أخذ غيرهم من ذوي النحل، والأهواء.
ومن المقاييس، أن الفكرة سببت خللاً في المجتمع الإسلامي لادِّعاء رجال المهدوية. وهذا كسابقه في الوهن والفساد.
(أولاً): يجاب عن ذلك أنه يلزم فساد فكرة النبوة والألوهية لأنه كثر من ادَّعى ذلك.
(وثانياً): أن ذلك الادِّعاء لا يتم من طريق الشيعة الإمامية لاعتبارهم في المهدي الإمامة والعصمة، وظهور المعجز على يديه، وكونه أفضل الناس إلى غير ذلك من القيود والشروط المعتبرة في المهدي، وإنما يأتي من طريق غيرهم.
وزبدة القول: إن فكرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تدع في نفوس معتنقيها رعشة الأمل، ولذة الانتصار، وتحفز المسلمين على العمل والجهاد، وتغرس في نفوسهم روح الوثبة والنقمة على الظلم والظالمين. وتعرفهم بأن لهم دولة ذات كيان قوي، واستقلال في الرأي والحكم، فلا يستسلمون، ولا يخضعون لأُمة أخرى، ولا ينقادون لحكم جائز، ودولة ظالمة غاشمة.
وهذا ما لفت إليه المستعمرون، وأذنابهم وشياطينهم في بلاد الغرب، قبل أن يتنبه له أبناء المسلمين، لهذا راحوا يحاربون فكرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بكل ما أوتوا من قوة، وبشتى الطرق والأساليب لإخماد ثورة الدين، وإطفاء نور الإصلاح، وفكرة الدفاع والجهاد، (فاحذروا أيها المسلمون من دعايات المستعمرين وسماسرة المستعمرين على بلادكم، وعقائدكم...).
واعلموا (أيها المسلمون) أن فكرة المهدوية، والاعتقاد بها، تخلق منا جنوداً وأبطالاً، وتجعل منا بواسلاً، ورجالاً، وهي مدرسة تعلمنا الشجاعة، وليس الجبن، والعمل، وليس الكسل واليقظة وليس النوم، والدفاع وليس الاستسلام، والعزة وليس الخضوع.
والمهدوية مجمع أشعة نبوية وإمامية، أصلها ثابت في السماء، وفرعها في الأرض، ولا زالت أنوارها المضيئة يستنير بها الشباب في كل جيل وهي تعلم المسلمين كل جديد ومفيد. حتى إذا حان الوقت جنى المجتمع الإنساني ثمرها الشهي وأكلها الطري الطيب.
وفكرة المهدوية، فكرة السيف والرمح، وفكرة القوة، والدفاع عن المظلومين، ومجاهدة الخونة الظالمين، وهي لأعظم تأثيراً من القنبلة الذرية - كما يقول بعض الأدباء - وليس للمسلمين، والعرب، والشرقيين سلاح أمضى ومحفز أقوى، وناصر ومدافع، غير سيف ذي الفقار وفكرة المهدوية.
ويجب أن يعلم، أن انتظار خروج المهدي (عجّل الله فرجه) ليس - كما يتوهم البعض - معناه: ترك ما يجب على المسلمين من بث النصيحة، ونشر الفضيلة، وتعميم الأخلاق، وخدمة الإنسانية، ونصرة الضعفاء وإعانة المنكوبين التعساء وبعبارة أخصر، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هي تعلمنا ذلك كله، تمهيداً لخروج المصلح المنتظر.