القضية المهدوية والإقصاء
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
إن أهمية أي قضية إنسانية أو دينية تتأتى من دور تلك القضية في عنصرَيْ الإنسان والدين وما تقدمه لهما على صُعد مختلفة، وبطبيعة الحال فإن هذه الأهمية تتفاوت بحسب نوع القضية وأُفقها الشمولي وبحسب ما تقدمه للإنسان من حلول على صعيد الإشكاليات الكبرى المتعلقة بفكره وسلوكه.
والقضية المهدوية أو قل قضية المصلح لا خلاف في أنها أشمل القضايا في عصرنا الراهن، وهناك اتفاق عند الجميع في أنها هي البديل الواقعي والحقيقي عن كلّ ما قدم من أطروحات في مجال معالجة إشكاليات الإنسان، وهذه القناعة ليست متأتية من جهة أيدولوجية، بل إن الواقع الفكري المعاصر أكد هذه القناعة ولا زال يدعمها بالأدلة والبراهين والشواهد كلما طرحت فكرة في مجال مساعدة الإنسان وفشلت في تخطي تلك الإشكاليات التي لا تزال تتعقد بمرور الأيام.
فالقضية المهدوية محل وفاق بين أصحاب الفكر في أنها هي القضية القادرة على وضع الحلول الاستراتيجية والواقعية لإشكاليات الإنسان، وإذا كان هناك توقف عند البعض من جهة التسمية فبالإمكان الاستعاضة عنها (عند من ينكر) بفكرة المصلح فلا مشكلة في الاصطلاح مادام المضمون والجوهر واحداً.
ونلمح إلى أن أهمية القضية الدينية تنشأ عند من يعتنقها أو يعترف بها ويلتزم أنها تمثل الأطروحة الشاملة لمعالجة جميع الإشكاليات البشرية المتراكمة وهذا الالتزام ناتج عن الإيمان بشمولية المواد والمنهج الذي سيطرح من خلال هذه القضية، وهو الطرح الإسلامي لحل هذه الإشكاليات.
وحيث إن الطرح الإسلامي يتَّسم بقدر كبير من الشمولية في مجال الفكر والسلوك مما لم يكن في أي طرح ديني أو فكري آخر، وحيث إن القضية المهدوية تمثل حسب الاعتناق الديني التطبيق الواقعي لهذه الشمولية من المواد والمنهج، كان ينبغي أن تلاقي فكرة المهدي (عجّل الله فرجه) اهتماماً ملحوظاً من قبل المتدينين بها على أقل تقدير، إلّا أن ما يؤسف له أننا لم نجد قضية بمثلها من الشمولية؟ وفي عين الوقت لم نجد قضية بمثلها من الإقصاء والتهميش والتسطيح.
وهنا نسأل:
لماذا كل هذا الإقصاء والتهميش والإهمال في قضية هي ببالغ الأهمية وغاية الشمولية، فمع مالها من هذه الأهمية والتي ممكن أن تترجم أفكاراً وسلوكاً على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والإنساني والفكري والديني وغيرها من الصعد والمجالات، وأن يكون لها أثر واضح في كل منحى من مناحي الحياة.
إلّا أننا نجد أن الفكرة المهدوية أبعدت عن دورها في بناء الحياة الإنسانية، رغم أنها العنصر المشترك ليس بين الإسلاميين والدينيين والإلهيين فحسب، بل بين جميع أطياف البشر بما بينهم من تقاطعات فكرية وسلوكية.
وهنا نسأل علّنا نجد من يجيب عن هذا التساؤل بصراحة وشفافية! لماذا كل هذا التهميش والإقصاء لهذا المشترك الإنساني؟