الإمام المهدي الموعود (عجّل الله فرجه) والقرآن الكريم
سهام جودة لفتة
مع أن القرآن الكريم هو معجزة نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الخالدة المتجددة في كل عصر وجيل، فإن من معجزاته المتجددة أيضاً ما أخبر به (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن مستقبل الحياة ومسيرة الإسلام فيها إلى أن يجيء عصره الموعود فيظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون.
يبدو بالنظرة الأولى أن تطهير الأرض من الظلم والقضاء آلياً على الطواغيت والظالمين أمر غير ممكن، فقد تعودت الأرض على أنين المظلومين وآهاتهم، حتى لا يبدو لاستغاثتهم مجيب، وتعودت على وجود الظالمين، حتى لا يخلو منهم عصر من العصور. فهم كالشجرة الخبيثة المستحكمة الجذور ما إن يقلع منهم واحد حتى يثبت عشرة، وما إن ينقضي عليهم في جيل حتى يفرقوا أفواجاً في أجيال.
ولكن الله تعالى الذي قضت حكمته أن يقيم حياة الناس على قانون صراع الحق والباطل والخير والشر قد جعل لكل شيء حداً، ولكل أجل كتاب وللظلم على الأرض نهاية.
جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالأقْدامِ﴾.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «الله يعرفهم، ولكن نزلت في القائم يعرفهم بسيماهم فيذبحهم بالسيف هو وأصحابه خيطاً»(١).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «فليخرجن الله بغتة برجل منا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الأحياء لا يعطيهم إلّا السيف، هرجاً مرجاً - أي قتلاً قتلاً - موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر»(٢).
وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سار في أُمته بالمن، كان يتألف الناس، والقائم يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحداً، ويل لمن ناواه» (٣).
والكتاب الذي معه هو العهد المعهود له من جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفيه كما ورد «أقتل ثم أقتل ولا تستتيبنَّ أحداً»، أي لا تطيل النوبة من مجرم.
وأمّا سنته من جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فخروجه بالسيف وقتله أعداء الله تعالى وأعداء رسوله. والجبارين والطواغيت وأنه ينصر بالسيف والرعب وأنه لا ترد له راية»(٤).
وقد يروى البعض في سياسة القتل والإبادة للظالمين التي يعتمدها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أنها قسوة وإسراف في القتل، ولكنها في الواقع عملية جراحية ضرورية لتطهير مجتمع المسلمين ومجتمعات العالم من الطغاة والظالمين، وبدونها لا يمكن إنهاء الظلم وإقامة العدل ولا القضاء على أسباب المؤامرات الجديدة التي سيقوم بها بقاياهم فيما لو استعمل الإمام معهم سياسة اللين والعفو. فالظالمين في مجتمعات العالم كالغصون اليابسة في الشجرة، بل كالغدة السرطانية التي لابد من استئصالها من أجل نجاة المريض مهما كلف الأمر.
والأمر الذي يوجب الاطمئنان عند المترددين في هذه السياسة أنها بعهد معهود من النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأن الله تعالى يعطي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) العلم بالناس وشخصياتهم، فهو ينظر إلى الشخص بنور الله تعالى فيعرف ما هو وراؤه.
ولا يخشى أن يقتل أحداً من الذين يؤمل اهتدائهم وصلاحهم، كما أخبر الله تعالى عن قتل الخضر (عليه السلام) للغلام في قصته مع موسى (عليه السلام) حتى لا يرهق أبويه طغياناً وكفراً. بل تدل الأحاديث على أن الخضر (عليه السلام) يظهر مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويكون من أعوانه ويبدو أنه يستعمل علمه اللدني، وهذا ما يدل عليه من خلال الآية القرآنية: ﴿آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾(٥). في تنمية بذور الحشر ودفع الشر عن المؤمنين. والقضاء على الفساد والشر وهو بذرة حقيرة قبل أن تصبح شجرة خبيثة.
جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾(٦).
جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما سُئل: أظهر ذلك بعد؟ قال: «كلا والذي نفسي بيده، حتى لا تبقى قرية إلّا ونودي فيها بشهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمداً رسول الله بكرة وعشياً»(٧).
وعن ابن عباس قال: حتى لا يبقي يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلّا صار إلى الإسلام وحتى ترفع الخيرية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير وهو قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ وذلك عند قيام القائم (عليه السلام)(٨) ومعنى ترفع الخيرية أي لا يقبل من أهل الكتاب إلّا الإسلام.
وجاء أيضاً عن تفسير هذه الآية الشريفة عن الإمام الصادق (عليه السلام) عندما سأله أبي بصير عن تأويل ذلك فقال (عليه السلام): «والله ما نزل تأويلها بعد». قلت: جعلت فداك ومتى ينزل تأويلها؟ قال: «حتى يقوم القائم إن شاء الله تعالى، فإذا خرج القائم لم يبق كافر ولا مشرك إلّا كره خروجه، حتى لو أن كافراً أو مشركاً في بطن الصخرة لقالت يا مؤمن في بطني كافر أو مشرك فاقتله فيجيئه فيقتله».
وفيه عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير هذه الآية قال (عليه السلام): «يكون أن لا يبقى أحد إلّا أقر بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(٩).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال سئل أبي (عليه السلام) عن قوله تعالى: ﴿وَقاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾، ﴿حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ﴾، فقال: «لم يجيء تأويل هذه الآية، ولو قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون تأويل هذه الآية ويبلغن دين محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على وجه الأرض كما قال الله تعالى»(١٠).
وجاء في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾، قال الإمام الباقر (عليه السلام): «عند خروج القائم (عليه السلام)»(١١).
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الآْفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾(١٢).
عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الآفاق انتفاض لآفاق عليهم فيرون قدرة الله في أنفسهم وفي الآفاق وقوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ يعني خروج القائم هو الحق من الله (عزَّ وجلَّ) يراه هذا الخلق لابد منه»(١٣).
وقد ورد في الأحاديث بأن بعض الكافرين والمنافقين من أعداء المهدي (عجّل الله فرجه) يمسخون فجأة قردة وخنازير. وأن معنى انتقاض الآفاق عليهم اضطراب بلدانهم وخروج شعوبهم من تحت سلطتهم وانتقاض آفاق السماء بآيات تظهر لهم.
وجاء في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً﴾(١٤).
عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «نزلت في القائم إذا خرج (أمر) باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب الله عليه ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب إلّا وحّد الله تعالى»، قلت: جعلت فداك أن الخلق أكثر من ذلك، فقال: «إن الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل»(١٥).
وما يعطاه المهدي (عجّل الله فرجه) في الآيات ووسائل الاتصال والسيطرة على العالم هو تكثير القليل.
وجاء في تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ﴾(١٦).
قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: «نزلت في الإمام فقال: إن أصبح إمامكم غائباً فمن يأتيكم بإمام ظاهر يأتيكم بأخبار السماء والأرض وبحلال الله وبحرامه»(١٧).
الخاتمة:
يمكن الاستدلال من خلال الآيات الشريفة المفسرة بظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والأحاديث الشريفة المشيرة به، على أن مهمته ربانية ضخمة متعددة الجوانب جليلة الأهداف فهي عملية تفسير شاملة للحياة الإنسانية على وجه الأرض وإقامة فصل جديد منها بكل معنى الكلمة.
ولو لم يكن من مهمته (عجّل الله فرجه) إلّا بعث الإسلام من جديد وإقامة حضارته الربانية العادلة وتعميم نوره على العالم، لكفى ولكنها مع ذلك مهمته تطوير الحياة البشرية تطويراً مادياً كبيراً بحيث لا تقاس نعمة الحياة في عصره والعصور التي بعده (عجّل الله فرجه) بالحياة في المراحل السابقة مهما كانت متقدمة ومتطورة.
الهوامش:
(١) الغيبة للنعماني ص١٣٧.
(٢) شرح نهج البلاغة: ج٢ ص١٧٨.
(٣) غيبة النعماني ص٢٣٧.
(٤) البحار ج٥١ ص٢١٨.
(٥) الكهف: ٦٥.
(٦) التوبة: ٣٣٠.
(٧) المحجة للبحراني ص٨٦.
(٨) المحجة للبحراني ص٩٧.
(٩) تفسير العياشي ج٢ ص٨٧.
(١٠) تفسير العياشي ج٢ ص٥٦.
(١١) روضة الكافة ص٢٨٧.
(١٢) السجدة: ٥٣.
(١٣) غيبة النعماني: ص١٤٣.
(١٤) آل عمران ٨٣.
(١٥) تفسير العياشي ج١ ص١٨٣.
(١٦) الملك: ٣٠.
(١٧) غيبة الطوسي: ص١٥٨.