الآثار الأخلاقية للانتظار (١)
الشيخ محمد علي العباد
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم»، قالوا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن كنا معك ببدر واحد وحنين ونزل فينا القرآن، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنكم لو حملتم ما حملوا لم تصبروا صبرهم».
إن مصطلح الانتظار في الفكر الإسلامي وبالأخص الإمامي منه هو الترقب لظهور دولة الحق على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهذا الترقب يحمل في طياته جوانب عديدة يتحملها المنتظِر، وتشكل هذه الجوانب ثقافة متكاملة وأسساً حضارية يمكن أن يقام عليها بناء الدولة المستقبلية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لأنه من المعلوم أن غيبة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) يرجع أمرها إلى عدم توفر الظروف المؤاتية لإقامة الدولة العالمية، وبالتالي فالمنتظرون لابد أن يهيؤوا هذه الظروف التي يمكن أن تساعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لإقامة هذه الدولة، - دولة العدل - على كل ربوع الكرة الأرضية.
ومن هنا نقول إن من المهم جداً أن يفهم المسلم ما هو الانتظار، والذي ينسجم مع الثقافة التي نراها في كثير من الآيات القرآنية، والأحاديث والروايات الشريفة.
إنّ مما يؤسف له أن هناك تصوراً خاطئاً للانتظار يعبّر عنه بالانتظار السلبي، وهو الانتظار غير المنسجم مع هذه الثقافة الحضارية لانتظار الإمام (عجّل الله فرجه)، وأسباب هذا الانتظار السلبي أمور عديدة ومن هذه الأمور أو المظاهر هو ما عند بعض الأفراد من اللامبالاة وهو أمر لا يشكل شيئاً في جانب شخصيته الثقافية والفكرية والسلوكية والعملية، وبالتالي كيف يمكن أن ينسجم هذا الفرد مع ثقافة الانتظار وهذا هو الأمر الأول.
والأمر الثاني قد يكون دور المنتظر هو فقط رصد العلامات التي ذكرت في الأحاديث والروايات، والتي يمكن أن تحدث قبل ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويكون هذا الرصد كما يرصد الإنسان ظهور الشمس وظهور القمر ويترقب ظهورهما دون أن يرتب على هذا الترقب للظهور أي عمل.
إن هذا انتظار جامد، وبلا حركة، وأنه مجرد رصد للعلامات، دون أن يكون فيه للإنسان أي دور في انتظار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، مع أنه من المؤكد أن الروايات عندما ذكرت العلامات أرادت أن تحمّل المنتظر مسؤولية كيفية تعامله من هذه المسؤوليات، وكيف يتعامل مع هذه العلامات وكيف يستعد بالتالي لظهور الإمام (عجّل الله فرجه).
وعندما تأتي الروايات لتذكر أن من العلامات (الدجال)، الذي يشكل جبهة كفر، وخط انحراف، كذلك السفياني من جهة، ومن جهة أخرى تأتي روايات تذكر لنا جبهة الإيمان والثبات، وهم الموطئين والممهدين للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وبالتالي من المهم أن يعرف المنتظر كيف يتعامل مع هذه العلامة أو تلك وأن يقف موقف الراصد لهذه العلامات، فذلك يشكل مشكلة خطيرة جداً في موضوع الانتظار.
وهذا الفهم المتقدم والمعبر عنه بالانتظار الجامد بعيد جداً عن الفهم الإسلامي للمهدوية والثقافة الإسلامية ومعه لا يعيش الفرد واقع المهدوية ولا يكون له دور إطلاقاً في التهيئة لظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وهناك نوع آخر من الانتظار؛ أنه انتظار بشكل آخر، انتظار متحرك ولكنه مفسد، وهو أنّ هناك من يرى أنه لابد من ملء الأرض بالجور والفساد تعجيلاً لظهور الإمام (عجّل الله فرجه).
وهذه الحالة تعتبر أخطر من عدم معرفة الانتظار، أو من الانتظار السلبي، وذلك يكون إمّا عن جهل مركب أو تسييس هذا الفرد أو تلك الجماعة لأن تحمل شعار (انشروا الفساد ليظهر الحجة (عجّل الله فرجه)).
بينما نجد أن الشيخ الطبرسي (قدس سره) في كتابه (الرسائل العشر) يقول: (إن السبب في غياب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هم الناس) وعلى هذا لابد وأن يكون السبب في ظهوره (عجّل الله فرجه) الناس.
فلابد للفرد أن يكون موقفه موقفاً إيجابياً وانتظاره انتظاراً إيجابياً، وهذا الانتظار الإيجابي يحمل الفرد مسؤوليات عديدة باتجاه حالة الاستبداد والظلم ومظاهر الفساد.