انتظارنا للإمام لا يعني تغييب الأسباب؟
محمد حسن عبد الخاقاني
من الناس من يعطل العمل اكتفاءً بالأمل، ويهرب من إصلاح الواقع المرير - بحجة أن الله (عزَّ وجلَّ) سيصلحه - ويتوقف عن السعي للتمكين لدين الله بحجة أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو الذي سيفعل ذلك. ولا شك أن هذا ابتعاد عن الواقع وهروب للأماني، مع تعطيل الأسباب الشرعية.
إن هذا الانحراف في ترقب ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مظهر سلبي يعكس الانحراف في فهم العلاقة بين الأمور الكونية، وبين الأمور الشرعية وما أصدق ما جاء في ذلك عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيث يقول: «إن الله أراد بنا أشياءً، وأراد منا أشياء. فما أراده بنا أخفاه عنا، وما أراده منا بينه لنا».
إن الله تعالى أمر مريم (عليها السلام) أن تأخذ بالأسباب، وهي في أشد حالات ضعفها، فقال عز من قائل: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا﴾.
فالاتجاه الإيجابي في حل معضلة الأُمة وملء الفجوة هو الاتجاه الذي يقوم أصحابه بمواجهة الواقع، ومجابهتهم الباطل - والمثابرة على الأخذ بأسباب نهوض الأُمة.
إن أهم الأسباب في هذا المضمار هو التمكين للإسلام، أي أن يعود المسلمون إلى دينهم ويتوبوا إلى ربهم ويؤدوا واجبهم في إبلاغ الإسلام إلى البشرية، ويبذلوا الجهد في النهوض من كبوتهم.
أمّا حصول خوارق العادات فمرجع أمره إلى الله وما علينا نحن إلّا العمل، يقول تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾، فحكمة الله جل وعلا اقتضت أن يبتلى الناس ببعضهم لتكون العاقبة للتقوى.
إن دولة الإسلام سوف تتحقق إذا أخذ المسلمون بالأسباب الموجبة لذلك، لقوله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ...﴾.
فهل الانتظار على هذا، هو القعود حتى يتحول الغيب إلى شهادة؟ أم هو بذل الجهد، والإعداد لكل أمر عدته، وأخذ أهبته، وتشمير ساعد الجد وتجريد حسام العمل من الغمد، والانطلاق حتى يقع النصر، ويتطابق أمر الشرع مع القدر؟ فإن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا يخرج إلى قوم قاعدين، أو سينصره أناس خاملون.
وهل الانتظار أن نأخذ من الدين أخباراً عن المستقبل، نجعلها سدّاً أمام الحركة، وعائقاً في وجه التقدم.
إن الانتظار لا يحتاج علاجاً سحرياً - ولا يحتاج متمهدين بل يريد ممهدين - ويحتاج إلى قادة يملكون من الوعي القيادي ما يستطيعون من خلاله أن يقودوا الأُمة نحو شاطئ الرشاد.
فالانتظار الحقيقي للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يعني أن لا يتناسى المسلمون بحال من الأحوال توفير أسباب التغيير الذي يرومونه.