الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) المصلح العالمي المنتظر
الشيخ أيوب الحائري
لا أعتقد أنّ بحثاً من البحوث الإسلامية قد نال اهتمام علماء الإسلام كموضوع الإمام المنتظر المهدي الموعود (عجّل الله فرجه)، فقد بحث من جميع جوانبه على ضوء الكتاب والسنة، كما تطرّق لبحثه غير واحد من رجالات العلم والمعرفة في الأديان والمذاهب السماوية الأخرى لأنّ الإيمان والاعتقاد بظهور المنقذ والمصلح العالمي المنتظر الذي يشكّل ويمثّل جوهر الفكرة المهدوية في الإسلام، كما هو موجود عندنا، فهو موجود عند تلك الأديان والمذاهب أيضاً، والإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي تعبّر عن حاجة فطريّة عامة للإنسان وتقوم هذه الحاجة على تطلّع الإنسان إلى الكمال، فهي فكرة قديمة وليست مقصورة على الإسلام، وقد تعرّض القرآن لهذه الفكرة والوعد الإلهي بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾. فالزبور صحف داوود، والذكر هو التوراة كما جاء في التفاسير، ولابدّ أنْ يتحقق هذا الوعد الإلهي يوماً ما، وإنْ كان هذا اليوم هو آخر يوم من عمر الدنيا كما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً.
والآية الأخرى التي تشير إلى هذا الوعد الإلهي، قوله تعالى: ﴿وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ﴾.
وهذه الآية وإنْ وردت في شأن بني إسرائيل واستيلائهم على زمام الأمور بعد تخلّصهم من قبضة الفراعنة - لكن تعبير (ونريد) يشير إلى إرادة إلهية مستمرة، ولذلك طبقّت الآية في الكثير من الروايات على ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
إنّ أمثال هذه الآيات التي لم نذكر إلاّ نماذج منها، وغيرها من الآيات شواهد على أنّ قيادة العالم ستنتهي لعباد الله الصالحين، وهذا الأمر لا خلاف فيه بين الأديان والمذاهب، وهذه الحقيقة شأنها أنْ تساعد على إسقاط أربع شبهات في المسألة المهدوية في آن واحد.
فهي توضح أولاً: بطلان الشبهة القائلة بتفرّد الشيعة بالقول بالمهدوية.
وثانياً: بطلان الشبهة القائلة بأنّ المهدوية أسطورة، إذ ليست هناك أسطورة تحظى بإجماع الأديان السماوية وغير السماوية ويتبنّاها العلماء والمفكرون والفلاسفة.
وثالثاً: بطلان الشبهة القائلة بدور اليهود في إيجاد العقيدة بالمهدوية بحجّة أن الفكرة موجودة عند اليهود وغيرهم.
كما توضّح رابعاً: بطلان الشبهة القائلة بأن فكرة المهدوية وليدة الظروف السياسية الحرجة التي عاشها أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، فما أكثر المظلومين والمضطهدين على مرّ التاريخ وعبر الزمن وفي شتى بقاع الأرض، ومع ذلك لم يعرف عنهم هذا الاعتقاد، وما أكثر الأفراد والجماعات التي آمنت بهذه الفكرة بدون معاناة لظلم واضطهاد.
نعم لاريب بحصول عوامل ضغط واضطهاد دفعت باتجاه التمسّك بالفكرة المهدوية أكثر لا أنها أنشأت هذه الفكرة وهذا الاعتقاد وأوجدتها من حيث الأساس.
إذن الإيمان بحتمية ظهور المخلّص الديني العالمي وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كل الأرض من نقاط الاشتراك البارزة بين جميع الأديان والمذاهب، والاختلاف بينهم إنّما هو في تحديد هوية ومصداق هذا المصلح العالمي الذي يحقق جميع أهداف الأنبياء والأوصياء. هذا المنقذ والمصلح العالمي قد وجد وما زال موجوداً ولكنه غاب عن الأنظار لمصلحة علمها عند الله سبحانه وتعالى، ويتطلب منا بحث كهذا الرجوع لمرويات الفريقين عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمصادر التاريخية ليتّضح للجميع أن ذلك المصلح العالمي العظيم قد ولد في منتصف شعبان سنة (٢٥٥) من الهجرة في سامراء وهو المهدي ابن الحسن العسكري (عليهما السلام)، الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذي يملأ الله به الدنيا عدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
وبهذا المعنى وردت روايات كثيرة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليهم السلام) وهي تدل على تعيين نسب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وكونه من أهل البيت (عليهم السلام) ومن ولد فاطمة (عليها السلام) ومن ذرية الإمام الحسين (عليه السلام) وهو الإمام والخليفة الثاني عشر بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم).