الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) وثلاثية (الوراثة، والفكر، والثقافة)
لطيف عبد النبي يونس
من المحاور المهمة التي يجب أن يستلهمها المنتظِر بكلّ قوته هو الفكر العقيدي والتأمّلي المبني على أساس خط الوراثة الإلهي السلام عليك يا وارث...، بمعنى أنّه يستقي أسسه من عقيدة أصول الدين، تلك المنظومة الشاملة التي تؤسّس لعلاقات متينة بين المؤمن بها وبين طريقة تعامله مع الأطراف الأخرى وفق مبدأ حيّ وفعّال، لو طبّق بشكل كبير لأنتج العدل الكبير، فالمنتظِر في فكره موحّد، وفي عقيدة النبوة والإمامة والعدل والمعاد مؤمن.
والقضية الأساسية والمهمة هي ما يحتاجه من هذا الفكر وبما يطبّقه في حياته اليومية لكي ينسج منه المنظومة التطبيقية، وهذا ما يشكله فكر وعقيدة ومبدأ الإمامة، ومن خلاله تنبثق نظرتنا في الإمام الثاني عشر الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه)، وهذا الفكر، وهذه العقيدة مستسقاة من النصوص الواضحة والصريحة التي تمثل محور حركته وفعاليته وبرامجه، وهي فكرة وعقيدة توصله بخط الوراثة ببعدي الماضي، والحاضر والمستقبل.
ويتبلور من خلال خطي الوراثة الإلهية، وخط الفكر والعقيدة ثقافة خاصة، لها بعدها الإيديولوجي وأهدافها الاستراتيجية وأبعادها الاقتصادية والسياسية والإدارية والاجتماعية، وهي ثقافة تستمد روحها وجسدها من النصوص، وتستديم نشاطها وديناميكيتها من الفكر والوراثة، وهي ثقافة خاصة ومتميزة، هي ثقافة الانتظار.
إنّ هذه الثقافة تتبلور وتتشكل وفق ضوابط وأسس رقابية صارمة ويتحول الفكر التأملي والعقيدي إلى فكر تطبيقي عملي وواقعي، هذه الثقافة لها مميزاتها وخصائصها النفسية والاجتماعية وأساليبها وأدواتها، صاغت النصوص المهدوية أطرها العامة، كما في هذه الرواية التي لا يمكن إغفالها:
جاء في (الأربعون حديثاً) أنّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة بعده: يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته، القائلين بإمامته المنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان، لأنّ الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالسيف، إنّ أولئك هم المخلصون حقا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، أنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أنْ يناديهم الباري (عزَّ وجل) فيقول عبادي وإمائي آمنتم بنبيي وصدقتم بغيبي فابشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وامائي حقاً ومنكم أتقبّل وعنكم أعفو ولكم أغفر وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي.
هذه النصوص صاغت ثقافة الانتظار في ذات المؤمن بعقيدة ونظرية الإمامة وخصوصاً إمامة الثاني عشر (عجّل الله فرجه) وأصبحت وأمست هذه الثقافة بكل أبعادها العلمية والعملية ثقافة معاصرة وثقافة سلوكية مميزة لها آثارها وأهميتها في الارتباط بالمنظومة الفكرية العامة، ولعل الكثير ممن اتصل بهذه الثقافة واطّلع عليها بحيادية ونزاهة وعمق ودقة أعجب بها وحصلت له انتقالة نوعية على أساس الفكر أو السلوك، تحصل من ذلك أن الثقافة الانتظارية هي الواقع العملي المؤطّر بخصائص ومميزات وآثار تابعة لخطّى الوراثة والفكر العقيدي.
بما أنّ الثقافة سلوك منسجم مع خطى الوراثة والفكر من جانب وهي تتعايش مع واقع يحمل ثقافات متعددة لها خصائصها المميزة لها، فلابدّ من حصول جدل واقعي أو صراع عقيدي يستبطن الخطوط الفكرية أو الوراثية.
ومن هنا يدخل مفهوما البراءة والتولّي عنصرين مهمين في الثقافة الانتظارية، ومن خلال هذين المبدأين ينتج موقفان كلاهما يسند الآخر لكي يحققا مبدأ التولّي والتبرّي، ومن خلالهما تتحقق الثقافة الانتظارية العملية الحقيقية، فما هما هذان الموقفان؟
وجواباً نقول: هما الحضور والموقف
هذان الموقفان هما المحققان للثقافة الانتظارية الحقيقية، فلا موقف بلا حضور في الساحة، فالحضور بدون موقف يكون حضورا فارغاً ولا يؤدي إلى مواجهة ولا إلى تأثير في الساحة العملية، ولكن ما هي مقومات الحضور الذي يقود إلى الموقف الحقيقي؟ لا شك أنّ الوعي هو الركيزة التي يجب أن يتحلى بها الحضور وهذا الوعي لا يأتي إلا من خلال استيعاب النظرية الفكرية المتمثل بالخط الوراثي وما يمتلكه وما سطره من نصوص، وانسجاماً مع هذا يتطلب قراءة صحيحة للساحة وما تحمله من تحديات أو اشكاليات أو تناقضات نوعية حجمها وعددها حتى يتم التشخيص الدقيق للمعضلة الحقيقية، والابتعاد عن المشاكل الجزئية التي من خلالها ينشغل المنتظر بها عن الأمور المصيرية.
هذا الحضور الواعي يتطلب موقفاً حازماً وحاسماً يتحرك وفق أدوات وأساليب متميزة لكي يعطي العلاج الحقيقي لما تواجهه ثقافة الانتظار من إشكاليات وتحديات وأمراض. هذا الحضور وهذا الموقف لا ينفكان بأية صورة من الصور عن خطى الوراثة والفكر الذي من نتائجه الكبيرة: أنْ يكون أنساناً رسالياً، وحلقة فاعلة في خط الوراثة مستوعباً لأبعاد نظريته العامة المتمثلة بالإسلام وبالحاضرة المتمثلة بإمامة الثاني عشر (عجّل الله فرجه). يمتلك ثقافة انتظارية مميزة لها حضور واع وموقف حازم، تتمحور حول خطى الوراثة والفكر الإسلاميين. له طاقة وحرارة فعّالة يأخذها من ذلك الخط العام. تتفعل هذه الطاقة إلى برامج تتوافق مع ما موجود من ثقافات أخرى، فيتحول المنتظر بثقافته الانتظارية إلى مرحلة التمهيد والتوطئة وتعجيل الفرج.