علائم الظهور
السيد محمد علي الحلو
تتبيّن لنا أهمية معرفة علائم الظهور بأنّها تقضي بمعرفة ظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، إذ أنّ هذه المعرفة تقتضي بأنّ ذلك سيكون ضمن مهمة المكّلف الطالب الانضمام إلى حركة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومناصرته، وهذا يتطلب سعي الجميع إلى معرفة ملامح يوم الظهور، فبالإضافة إلى مجهوليّة ذلك اليوم فإنّ حالات الإرهاص المتوالية ستشاركُ في الكشف عن أهمية ذلك الظرف العصيب الذي سيكون المكلّف فيه بين حالتين، حالة الهداية والإرشاد لأتباع الحق المتمثل في عليّ (عليه السلام) ونهجه، وبين دعاوى أتباع الضلال ورموزه، وهو ما يعبّر عنها في لغة الملاحم والفتن (بالصيحة) فبالإضافة إلى تحقق صيحة حقيقية تدعو إلى منهج الحق، فإنّ صيحة مخالفة تدوي في الأرجاء لتزلزل بها المواقف وتغير من خلالها القرارات، وذلك حينما يكو ن الإنسان قد عاش في خضمّ متاهاتٍ فكريةٍ تفرض عليه حالات التردّد والتشكيك، أو على الأقل حالات اللامبالاة التي تمليها ظروف الاشتغالات المادية التي يواجهها الإنسان عند ذلك.
كما أنّ حالات اختلاط الحق بالباطل التي تسعى إليها بعض الدوائر السياسية المتلبسة بلباس الدين، أو الدينية الساعية إلى انتهاج منحى سياسي يقتحم السياسة بالدين بشكل فجّ عميق يؤدّي بالرؤية السليمة إلى إحباطات خطيرة تسبب العجز عن اتخاذ القرارات الصحيحة في خضمّ معترك فكري تضطرب معها القيم والمبادئ، عند ذلك يشعر الإنسان بأهمية معرفة المنتظر الموعود (عجّل الله فرجه)، ويسعى إلى الانضمام إليه، ولكن لا يتحقّق إلاّ بعد معرفة علائم ظهوره (عجّل الله فرجه) ليطمئن إلى أن الذي ظهر ذلك هو الموعود وليس غيره.
ولم يألُ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) جهداً في توضيح هذه العلامات؛ فضلاً عن حق معرفتها ومتابعتها ليتسنى للجميع الوقوف على حقيقة الظهور ومعرفته دون أنْ يكون الإنسان متحيّراً بغير هدى، وضالاً من غير رشاد، وإلى ذلك أكد الأئمة (عليهم السلام) إلى معرفة هذه العلامات التي تعين المكلف على اتخاذ القرار المناسب فور بدء الظهور، وقد أكّد على معرفتها أهل البيت (عليه السلام) بروايات عدّة منها:
- ما رواه عمر بن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في صحيحه، قال: اعرف العلامة، فإذا عرفتها لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخّر.
- وعن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينادي منادٍ من السماء: أنّ فلاناً هو الأمير، وينادي مناد: أنَ علياً وشيعته هم الفائزون، قلت: فمن يقاتل المهدي (عليه السلام) بعد هذا؟
فقال (عليه السلام): إن الشيطان ينادي أن فلاناً وشيعته هم الفائزون، يعني رجلاً من بني أمية قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال (عليه السلام): يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: إنّه يكون قبل أنْ يكون، ويعلمون أنّهم هم المحقون الصادقون.
- وعن هشام بن سالم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: هما صيحتان: صيحة في أول الليل، صيحة في آخر الليلة الثانية، قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال: فقال (عليه السلام): واحدة من السماء وواحدة من إبليس، فقلت: وكيف تعرف هذه من هذه؟ فقال (عليه السلام): يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون.
يعتبر الحث على معرفة علامات الظهور حالات تعبئة (تثقيفيّة) تحصّن المكلف من مخاطر الارتجاجات الفكرية التي ستحدثها قضية الظهور وما يصاحب ذلك من مخاطر انحراف تسببها محاولات الزيف الفكري الذي ينتاب المجتمعات الإسلامية.
ويبدو أنّ معرفة علامات الظهور ستبرز أهميتها إذا ما عرفنا أنّ هناك أزمة فكرية ستتفاقم إلى الحد الذي يشعر به المرء أنّه يعيش في حالة ضياع فكري وهوس عقائدي، ومنشأ ذلك مشكلة الانسياقات الحميمة وراء الشهرة وحب الجاه والسعي للحصول على أكبر قدر من العناوين المفتعلة التي يحرص عليها أهل الدنيا... وهكذا فلا بد إذن من محاولة إفشاء الآراء المنحرفة التي يستطيع من خلالها البعض إغواء عدد أكبر من الأتباع، وتشكيل قواعد عريضة من خلال الادعاءات الباطلة التي سيطلقها هؤلاء في التمويه على الحقائق الثابتة.
لذا فدعوى السفارة الكاذبة، أو المهدوية الباطلة تنشأ من فراغٍ فكري وضياع عقائدي تنفذُ من خلالها هذه الحالات إلى الأوساط الساذجة والعقول الخاوية من أية ثقافة، والفارغة من أية معرفة تضمن خلالها التصدي إلى هذه الانحرافات.
إن ما يعتري الساحة الإسلامية من سذاجات تعين لمثل هذه الدعوى إلى سرعة النفوذ في أوساط هؤلاء المغرر بهم، وهم مع ذلك تواقون للوصول إلى معرفة الحقيقة وحريصون على الانضمام إلى حركة الإنقاذ، ومحاولات الإصلاح التي تعدهم بها فكرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كفيلة في أن يتلهف هؤلاء إلى أية دعوى، منساقين وراء أية حركة إصلاحية ترفع شعارات المهدوية، إلا أنهم يصطدمون عند حالات التطبيق بدعاوى المهدوية وأمثالها، فتراهم ينخرطون بسذاجتهم دون تحقيق ومعرفة أباطيل هؤلاء الضالين والمضلّين الذين تغويهم تصوراتهم الشيطانية للانصياع إلى إرادة النفس وشهرة الجاه فيؤسسون على ذلك مبان ضالة ليس لها من الحقيقة نصيب.
هذا ما دفع أئمتنا (عليهم السلام) إلى التأكيد على معرفة علامات الظهور ومواصفات المدّعين ليتسنى للجميع التحصن من هذه الدعاوى والتصدي إلى فضحها وإبطال محاولات مفتعليها، ولئلا يسارع هؤلاء إلى التصديق لصيحات الشيطان واغواءاته من خلال طيش أزلامه ومتبعيه.