الإنسان الكامل عند أهل البيت (عليهم السلام) هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في هذا العصر
محمد حسن عبد الخاقاني
يملك الإمام (عليه السلام) باعتبار الدرجة الوجودية أرفع مقام في قوس الصعود ونبع الإمامة، وصفات الإمام (عليه السلام) من درجة الوجود الرفيعة هذه.
ويعتبر أهل البيت (عليهم السلام) أن مقام الإمامة هو أرفع من أن يتمكن الناس بتعيينهم واختيارهم أن يحققوه، بل تكليفهم هو معرفة الأولياء.
إذ بإمكان المقامات العالية من السير الصعودي للوجود أن تحيط بالمقامات الأدنى، وليس العكس.
إن الأئمة (عليهم السلام) هم في الدرجات الأعلى من حيث الكمالات الوجودية، ومقام الإمامة هو مقام موهوب، وليس أمراً اكتسابياً.
إن منشأ كمال الإمام (عليه السلام) هو الإمداد الغيبي، والعناية والجذبة الإلهيتين، وليس النمو الظاهري ومرور الأعوام والسنين.
هذا العون والإلهام هو بدوره نتيجة للرفعة الوجودية للإمام (عليه السلام)، إذ إن الإمام (عليه السلام) أيضاً يتمتع مثل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدرجة وجودية خاصة، هي بالقياس إلى الآخرين غير اعتيادية وإعجازية، ومنها نفس ذلك العلم الخارق للعادة الذي يملكه الإمام (عليه السلام)، فالإمامة هي باطن النبوة وكلاهما يرتويان من نبع واحد، حيث أوضح الإمام الرضا (عليه السلام) هذه المسألة، معتبراً أن الفرق الوحيد بين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإمام (عليه السلام) يكمن في أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يرى الملك ويسمع كلامه، وأمّا الإمام (عليه السلام) فيسمع كلامه ولا يراه، وعلى أساس هذا التفاوت سمي الأئمة بـ(المحدّثين) و(المفهّمين).
نظراً لأن الإمام (عليه السلام) لم يكن ليأتي في الرتبة الثانية بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، من حيث الكمالات الوجودية، إلّا لأن للإمامة اتصالاً وارتباطاً وثيقاً بالنبوة.
إن الإمام (عليه السلام) هو الوارث بالحق لعلوم الأنبياء (عليهم السلام) وكتبهم، وقد عرف الإمام الرضا (عليه السلام) الأئمة (عليهم السلام) بعنوانهم صفوة الله (عزَّ وجلَّ) وورثة كتاب الحق، وهو على معرفة بجميع الكتب السماوية بأي لغة نزلت، وكما صرَّح الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بذلك.
جاء ذكر هذه الوراثة على لسان الأحاديث والأخبار بتعابير مختلفة، ومنها: أن علامات الأنبياء الماضين وآياتهم موجودة عندهم (الأئمة) من قبيل: ألواح موسى (عليه السلام) وعصاه، خاتم سليمان (عليه السلام)، قميص يوسف (عليه السلام)، سلاح النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والكتب المختومة، والصحيفة والجامعة، وغير ذلك مما يرمز لوراثة علم الأنبياء (عليهم السلام) وقدراتهم.
والإمام هو أعلم أهل زمانه، لأن علمه من آثار وجوده، ووجوده هو الأرفع في كل عصر.
والإمام حاكم ورقيب على جميع حوادث العالم وأعمال الناس، وأنه المشرف والرقيب على سير الحوادث، ومن جملتها أعمال الناس، حيث ورد في الروايات أن جميع أعمال الناس تعرض على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأكرم والأئمة (عليهم السلام).
فالإمام (عليه السلام) بوصفه الإنسان الكامل هو خليفة الله في الأرض فهو (عليه السلام) فريد الدهر ووحيد العصر.
فهو (عليه السلام) يتربع فوق قمة هرم الوجود، فقيادته مصانة من الخطأ والانحراف ومحصورة به (عليه السلام).
ونظراً لأن الإمام يقف على رأس هرم عالم الوجود، وهو أرفع درجة من درجات الوجود على الإطلاق في عصره، وواسطة فيض الحق تعالى المباشرة، لذا يجب أن يتمتع بالصفات الكمالية المتناسبة مع هذه المرتبة.
ومن جملة هذه الصفات (الوحدة) و(التفرد)، أي أن إمام كل عصر وحيد دهره، ولا يمكن وجود إمام سواه، وسوف لن يكون في كل عصر ومرحلة أكثر من إمام واحد.
ومادام عالم الوجود لن يخلو من الإمام (عليه السلام) أبداً، وعلى هذا الأصل فإن الأرض لن تخلو من حجة الحق، وهو أن وجود الإمام (عليه السلام) هو من ناحية واسطة فيض الحق الضرورية في عالم الوجود، ولذا طالما وجد عالم الوجود، سوف يكون وجود الإمام (عليه السلام) ضرورياً وحتمياً.
وانطلاقاً من حاجة الناس للهداية السماوية يمثل الإمام (عليه السلام) مشعل الهداية المنير، وأمين الوحي الإلهي، وحافظه ومرجع تفسير الكتاب السماوي وتأويله.
فطالما وجد الإنسان، فسوف يوجد الإمام (عليه السلام) أيضاً لأن الأرض تخرب وتسيخ بدون حجة الله (عزَّ وجلَّ)، لأن عالم الوجود لا مصير له سوى العدم من دون العون والفيض الإلهي.
إن الفيض والإلهام الإلهيين دائميان، وعليه ينبغي أن يوجد في كل عصر فرد يليق بهذا الفيض والإلهام، وبنزول الملائكة والروح.
قال الإمام علي (عليه السلام): «اللهم لا تخلو الأرض من حجة لك على خلقك ظاهر أو خائف مغمور لئلا تبطل على الناس حججك أو بيناتك»، وقيل للإمام الصادق (عليه السلام): كيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ فقال (عليه السلام): «كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب».
وإن ما عند أهل بيت النبوة (عليهم السلام) يتفق بالكامل مع بيان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأحكام الإمامة الشرعية ممثلة بإمامة إبراهيم والأنبياء (عليهم السلام) من بعده حتى خاتمهم وأفضلهم محمد الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ووصيه علي (عليه السلام)، واستمرار بإمامة أبنائه (عليهم السلام) ابتداء بالإمام الحسن (عليه السلام) وختاماً بالإمام المهدي الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه).
فالإمام (عليه السلام) على وفق مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) هو صاحب الكلمة العليا، يقود ولا يقاد، ولا يتقدم عليه أحد ولا يتأخر عنه أحد.
إن الحديث النبوي أكد على أن الأئمة (عليهم السلام) يتعاقبون اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون.
جاء في الحديث الشريف: «لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ويكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش».
جاء في صحيح الترمذي في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) نقلاً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»، وفي مكان آخر عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: «إنه في أُمتي المهدي»، كذلك جاء عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
فالإنسان الكامل عند أهل البيت (عليهم السلام) هو الإمام المعصوم (عليه السلام)، وأن الأئمة (عليهم السلام) من بعد الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هم اثنا عشر، أولهم سيد الأوصياء علي بن أبي طالب (عليه السلام) وآخرهم خاتم الأوصياء (عليهم السلام) الإمام المهدي المنتظر المهدي الحجة بن الحسن صاحب العصر إمام هذا الزمان (عجّل الله فرجه).