استمرارية المهدوية بليلة القدر
الشيخ حميد عبد الجليل لطيف الوائلي
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾.
العقيدة المهدوية ولِم هي بالتحديد؟
لأنها سنّة الهية ومطلب انساني وتوق بشري عقلائي. لماذا؟
لانّ الهدى هو المنهج الذي به يتحقق ما أرسل من أجله كل الرسل وعلى أساسه أقيمت جميع الشرائع، بإقامة دين الحق وتحقيق مصلحة خلق البشر وتنزيه الخالق من العبث ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَرُوا﴾ ولا يكون إلّا بالمهدي (عجّل الله فرجه).
فما هو الدليل على استمرارية هذه العقيدة:
حيث أنّ البعض يصور أنّ المهدوية لو سلمنا أنها ستتحقق في يوم ما فإنها تكون وليدة ساعتها, ويستدلون على ذلك بحديث الإصلاح في ليلة, ولكن الواقع الفكري ضمن المنهج الإسلامي يوصد الباب على هذا التقول ويدحضه بأتم حجّة وأقوم برهان.
يقدّم لنا المنهج الإسلامي ومن خلال أهم عناصر الاستدلال لديه وهي القرآن الكريم, والسنّة المطهرة:
أدلّة استمرارية هذه العقيدة وإنها محور متحرك وشريان نابض في جسد البنية الإسلامية, وإنها روح هذا الجسد الملكوتي الطاهر, وذلك من خلال سورة القدر وآيات ليلتها:
إذ تبيّن الآيات الكريمات التي تناولت شهر رمضان وليلة القدر أنّ المهدوية عقيدة يجب أنْ تمارس ويتم الارتباط بها على طول خط الوجود الإنساني، وأنّ بها أمان الناس دنياً وديناً.
قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ...﴾.
وإنا أنزلناه أي إنّ الله تعالى يتحدث عن إنزال شيء في غاية الأهمية، إذ ينسب هذا الإنزال له مباشرة، إذ الضمير يعود إليه تعالى, وهذا المنزّل كما تنص عليه الآيات الأُخرى والروايات الشريفة هو القرآن الكريم, قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذي أُنْزِلَ فيهِ الْقُرْآنُ﴾, وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ﴾.
وكلمة القدر تعني التقدير أو الإمضاء للمقدّرات بشكل عام، يقول تعالى: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أمر حَكِيمٍ﴾, أي في ليلة القدر يفصّل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنّة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما سيكون فيها إلى آخرها.
وليس هذا الأمر الحكيم الذي يفرق في هذا الليلة ويتنزّل من عالم الملكوت والنور إلى هذا العالم، ليس هو إلّا أمر الدين، إذ لا نتصور أمراً بأهمية الدين يلقى هذا الاهتمام من قبل الله تعالى.
١- وهنا نسأل: هل ليلة القدر مستمرة؟ حتى يكون النزول مستمراً؟
٢- على من تنزل المقدرات في ليلة القدر, على من يتنزَّل الروح؟
إنَّ سياق الآيات يدل بما لا يقبل الشك على الدوام والاستمرار، وكذلك الروايات تؤكد ذلك.
قال الطباطبائي (قدس سره): ويستفاد من ذلك أنّ ليلة القدر متكررة بتكرار السنين، ففي شهر رمضان من كل سنة قمرية ليلة تقدّر فيها أمور السّنة من الليلة إلى مثلها من قابل، فلا وجه لما قيل إنّها كانت ليلة واحدة بعينها نزل فيها القرآن الكريم من غير أنْ يتكرر, وكذلك ما قيل: إنّها كانت تتكرر بتكرار السنين بزمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), فعن حمران بن أعين أنه سأل أبا جعفر عن قول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾. قال: نعم ليلة القدر وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر.
وقد روى ابن كثير حديثاً طويلاً قال: سألت أبا ذر قلت: كيف سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها قلت: يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: بل هي في رمضان. قلت: يكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): بل هي إلى يوم القيامة.
ينقل عن شيخ الأزهر (محمد عبده) انّه يقول إنّ المراد بتنزّل الملائكة هو تنزلها لتبليغ أحكام الدين إلى النفس الكاملة.
وهنا نسأل بعد أنْ ثبت:
١- إنّ ليلة القدر مستمرة.
٢- إنها يتنزل فيها أحكام الدين على من يتنزل الأمر والروح؟
وهل يعقل أنّ التنزّل على غير المكلفين من بقية المخلوقات؟
وهنا أما أنْ نقول: (وهو القول الصحيح عند المسلمين) أنّ ليلة القدر مستمرة، وأنّ التنزّل بالروح في كل سنة يتكرر في ليلة هي أشرف الليالي، أو نقول بأحد الأقوال الآتية الباطلة:
١- ذهبت الليلة وذهب النزول بذهاب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
٢- أو يقال إنّ النزول مستمر ولكنه أما لشخص غير معين، أو لحاكم الجور.
والكل باطل.
أمّا الأول فلأنَّ الروايات من جميع مصادر المسلمين تثبت أنّ النزول باق ثابت إلى يوم القيامة.
وأمّا الثاني فلا يعقل أنْ يكون النزول إلى حاكم الجور أو إلى الشخص غير المعين لأنّ النزول إنما جاء لغاية وحكمة، وهذا النزول بهذه الكيفية يتنافى والحكمة.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يا معشر الشيعة خاصموا بسورة ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ تفلحوا فو الله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا.
يا معشر الشيعة خاصموا بـ ﴿حم * وَالْكِتابِ الْمُبينِ * إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرينَ﴾ فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
إذن نثبت إلى هنا:
حقيقة هذه العقيدة ولم هي بالتحديد.
وإنّ ليلة القدر باقية مستمرة، وأنّ الأمر فيها يتنزل على شخص ملكوتي إلهي.
فلابد أنْ يكون هذا الشخص الإلهي الملكوتي هو المهدي ابن الحسن العسكري (عليه السلام) إذ لم تنص الأدلة على شخص بقي في الحياة يحمل الأهلية لهذا التنازل غيره.