شرح زيارة آل ياسين (٢)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح إلى هذه الفقرة (فتقولوا كما قال الله تعالى: سَلاَمٌ عَلَى? آلِ يَس، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا دَاعِيَ اللهِ).
تتحدث الفقرة الشريفة عن جملة من الأبحاث، نسلط الضوء على بعض منها:
١- إنّ الحديث الذي تتضمنه الزيارة الآتية هو قول الله سبحانه وتعالى، لابدّ لمن يريد التوجّه إلى الله والإمام من التوجه به، فهو حديث إلهي على لسان الإمام (عجّل الله فرجه).
٢- (سلام على آل ياسين) هذه الفقرة هي فقرة قرآنية حيث قال تعالى: ﴿سَلامٌ عَلى إِلْ ياسينَ * إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنينَ﴾، وقد فسرت هذه الآية بأهل البيت (عليهم السلام)، ونصّت على ذلك جملة وافرة من الروايات، بل بوّب لها المحدّثون أبواباً مستقلة، كما صنع ذلك صاحب (البحار) حيث قال (رحمه الله): (باب إنّ آل يس آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم))، وأخرج فيه مجموعة من الأخبار التي تنص على ذلك، وقد رويت أخبار كون إل ياسين هم محمد وآله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من طرف أبناء العامّة، كما هي من طرفنا، فقد روي عن ابن عباس في قوله (عزَّ وجل): ﴿سَلامٌ عَلى إِلْ ياسينَ﴾ أنّه قال أي على آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وروى الصدوق في معاني الأخبار قائلاً: ياسين محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونحن آل ياسين.
وقد روي فيما احتج به الإمام الرضا (عليه السلام) على علماء العامّة أنّه قال لهم: اخبروني عن قول الله (عزَّ وجل): ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكيمِ﴾ فمن عني بقوله ﴿يس﴾ قال العلماء (يس) محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يشك فيه أحد فقال (عليه السلام) إنّ الله (عزَّ وجل) أعطى محمداً وآل محمد من ذلك فضلاً لا يبلغ أحد كنه وصفه، وذلك أنّ الله (عزَّ وجل) لم يسلّم على أحد إلاّ على الأنبياء (عليهم السلام) فقال تبارك وتعالى: ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمينَ﴾، وقال: ﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾، وقال: ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ ولم يقل سلام على آل نوح، ولم يقل سلام على إبراهيم، ولا قال سلام على آل موسى وهارون، وقال (عزَّ وجل): ﴿سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ يعني (آل محمد (عليهم السلام)).
وحيث أنّ الآيات الشريفة قد قرنت أهل البيت بالأنبياء (عليهم السلام) فلابدّ أنْ تكون لهم مراتب الأنبياء من العلم والعصمة والإمامة والفضيلة.
فابتداء الزيارة بهذا السلام دلالة على ارتباطه (عجّل الله فرجه) بالأنبياء (عليهم السلام) وأنّه وارثهم، وقد نص على ذلك مجموعة من الروايات، منها قول الباقر (عليه السلام): إنّ في القائم من أهل البيت (عليهم السلام) سنّة من خمسة من الرسل، يونس بن متي، ويوسف بن يعقوب، وموسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام)... .
وهناك أخبار أخرى تدل على شباهته (عجّل الله فرجه) بأنبياء أخر.
٣- (السلام عليك يا داعي الله) وردت لفظة الداعي في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿يا قَوْمَنا أَجيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَليمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾.
وقد ذكر ابن منظور في (لسانه): داعي، داعي الأمة إلى توحيد الله وطاعته ويقال دعاني إلى الإحسان إليك إحسانك إلي.
وقد ورد في الأحاديث والزيارات الشريفة (السلام على الأئمة الدعاة والقادة الهداة) وفي حديث الرضا (عليه السلام) قال: الإمام أمين الله في خلقه... والدّاعي إلى الله، والذّاب عن حرم الله، ... .
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا أذن الله (عزَّ وجل) للقائم (عليه السلام) في الخروج صعد المنبر ودعا الناس إلى نفسه ... .
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ قائمنا (عليه السلام) إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا إليه رسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وفي حديث آخر قال (عليه السلام): ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنّة نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) والولاية لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) والبراءة من عدوه.
وللحديث عن كونه (عجّل الله فرجه) داعياً لله وإنّ من ألقابه (الدّاعي إلى الله)، كما نصت الزيارة على ذلك لابدّ أنْ نلتفت إلى جملة من الأمور وهي أنّ:
١- الدعوة ليست مطلقة بل مقيدة بالدعوة إلى الله في قبال من يدعو إلى غير الله، وأنّ الدعوة إلى الله هي منه تعالى وبأمره كما نص على ذلك الخبر المتقدم.
٢- هذه الدعوة هي أطول دعوة شهدتها البشرية من حيث الزمان، فهي دعوة مباشرة وقعت على عاتقه وتشخصت به (عجّل الله فرجه)، وهي إلى الآن لها أكثر من أحد عشر قرناً، ولا نعلم كم ستستمر، نعم قد قاربتها دعوة لبعض الأنبياء (عليهم السلام) كدعوة نوح (عليه السلام) التي استمرت تسعمائة وخمسين عاماً.
٣- لهذه الدعوة حالات مختلفة، فمنها الدعوة في الغيبة الصغرى، فلها حيثياتها وأسلوبها ومنهجها وأدواتها وطريقتها في إدارة الناس إلى الله سبحانه وتعالى، ومنها الدعوة في الغيبة الكبرى وكذلك لها ما لها، ومنها الدعوة في زمن الظهور وتختلف في بدايته عنها أثناء بناء الدولة، عنها بعد الاستقرار وكلّ لها أدواتها وطريقتها في إدارة الناس ودعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى.
٤- إن هذه الدعوة دعوة إمامة بامتياز فهي دعوة لولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكذلك هي دعوة براءة ممن لا يتولاه. فهي دعوة ذات بعد له خصوصيته ومميزاته ولعل الكثير ممن يؤمن بالإسلام لا يستسيغ هذه الدعوة لأنه تربى على عكسها فتكون من أصعب الدعوات وعلى حد تعبر بعض الروايات انها دين جديد.