شرح زيارة آل ياسين (٤)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة (...السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بَابَ اللهِ).
وللحديث عن شرح هذه الفقرة يقع في محور واحد:
عبّرت هذه الزيارة الشريفة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بأنّه باب الله، وبمقتضى مجموعة من القوانين الأصولية واللغوية فإنّ المتكلم يريد جميع معاني الباب، وذلك عندما أطلق هذه الكلمة، فلو كان يريد معنىً محدداً أو مجموعة من المعاني دون غيرها لكان بيّن في كلامه أنّه يريد هذا دون ذاك، وحيث أنّه أطلق صفة الباب وأضافها إلى (الله) سبحانه وتعالى وجعلها للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فلابدّ أنْ يكون المراد هو جميع المعاني المفهومة من الباب المنسوب إلى الله سبحانه وتعالى، وحيث أنّ المعاني كثيرة وللباب مراتب كثيرة كذلك فسنقتصر في بيان هذه العبارة على بعض منها، فالباب الذي يعتبر المدخل إلى الشيء، ولا يمكن الدخول إلاّ عن طريقه، خصوصاً إذا كان الباب واحداً، قال النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن هذا الباب مشخّصاً مصداقه بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (أنا مدينة العلم) وفي خبر آخر (الحكمة وعلي بابها).
وحيث أنّه وبلا شك لا يريد به علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) فقط دون غيره كما نص حديث الثقلين والاثني عشر، فهو يريد (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنْ يخبر الناس بأنّ المدينة الإلهية وهي مدينة العلم والحكمة وما عداها هو الجهل والضلال، هذه المدينة الإلهية منحصرة بباب واحد هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في زمانه.
وهو أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في زمانه، والأئمة (عليهم السلام) الأطهار في أزمانهم، وهو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في زماننا، فالذي يريد أنْ يدخل المدينة الإلهية فلابدّ أنْ يختار طريق الباب ويذهب باتجاه الباب، وإلاّ فهو خارج هذه المدينة ولا مدينة سوى مدينة الله، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرينَ﴾، فبمجموع ما دلت عليه الأخبار والروايات مفسرة للآيات القرآنية أو مبينة لمعان جديدة نفهم منها أنّ الارتباط مع الله سبحانه وتعالى، وبناء علاقة صحيحة معه تكون نتائج الاستثمار فيها ناجعة، لابدّ أنْ يكون كل ذلك عن طريق بناء علاقة مع الإمام (عجّل الله فرجه)، لأنّه الباب الوحيد إلى الله سبحانه وتعالى، ومن جميل ما تحدث عنه القرآن الكريم أنّه نسب القبول والرضا والطاعة بل والفضل إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) لمن أراد أنْ يطيعه، قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إلى اللَّهِ راغِبُونَ﴾.
فهذه الآية الكريمة التي هي من أمهات الآيات تحدثنا عن رضوان الله وأنّه منحصر برضا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ العطاء الإلهي هو العطاء المحمدي الرسالي الإلهي، ومن لا يرضى عنه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا يرضى عنه الله، ومن لا يرضى بعطاء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولم يكتف به، وذهب وراء عطاء آخر، فهو خاسر خارج، وهذا معناه وبشكل واضح أنّ ما يقوله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو بلا شك قول الله، وحيث أنّه حصر (صلّى الله عليه وآله وسلم) الدخول إلى ساحة القدس الإلهي من بوابة الإمام، فيكون غير القاصد لهذه البوابة خارج خارجي، أي أنّه في نفس وقت كونه خارجاً عن الدين يكون خارجياً، بمعنى أنّه يعلن العداء ويشهر السيف ضد الإرادة الإلهية والعطاء النبوي، فلابدّ من الانصياع التام للإرادة المحمدية في تعيين الباب الموجب للرضا الإلهي والنجاح الأخروي.
والنتيجة هي أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو المدخل الوحيد والطريق الفريد الذي لا يؤتى إلاّ منه، وهو الباب لكل علاقة مع الله سبحانه وتعالى، علاقة صاعدة كقبول الأعمال ونيل الثواب ورفع العقاب وتحصيل الحسنات ورفع الدرجات والفوز بالجنّات، أو علاقة نازلة كتحصيل الرزق وديمومية الصحة والعافية والتوفيق والسداد وبناء المكانة الاجتماعية أو أي شيء آخر، كل ذلك لا يكون إلاّ عن طريق هذا الباب.