شرح زيارة آل ياسين (٦)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة (السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حُجَّةَ اللهِ وَدَلِيلَ إِرَادَتِهِ).
تحدثنا في الحلقة السابقة عن كون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الداّعي والربّاني والباب والديّان والخليفة والناصر لله سبحانه وتعالى، ونتحدث اليوم عن كونه (عجّل الله فرجه) الحجّة والدليل لإرادة الله سبحانه وتعالى.
ولا يخفى أنّ معاني الحجّة ودليل الإرادة في اللغة مختلفة ولها معان متعددة تكاد تكون واضحة جداً، وتفسيراً للكلمة بمعناها، وهي لاتهمّ بحثنا كثيراً سوى أنْ نذكر ما ذكره أهل اللغة من معان لها، فالحجّة عندهم البرهان، والدليل هو الطريقة، والإرادة هي المشيئة والقصد.
بينما سيكون حديثنا عمّا تفيده هذه الألقاب واقترانها بالذات الإلهية وتلبس الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بها وما تفيده من تقرّب العبد إلى الله واستقامته في طريق الهداية والوصول، واتزانه وهو يسير في درب العبودية معتمداً على معرفته بما يتلبسه إمامه وهاديه من صفات، وساعياً إلى تجسيد ما يتمكن من تجسيده في الجانب العملي من التخلّق بتلك الصفات والعمل على أنْ يكون مهتدياً تحت ظلال مضامينها، متنوراً قلبه وفكره بمفاهيمها وما تحويه من كنوز معرفية تنير له درب الجهل فتجعله مضاءً بالعلم والفهم، لتكون نتيجة كل ذلك الثقافة الدينية العالية والعقيدة الإيمانية الراسخة، والسلوك الشرعي المستقيم.
هذا هو المرجو من قراءة أدعية أهل البيت (عليهم السلام) وزياراتهم تلك المفاهيم والكلمات التي تشكل نبراساً يضيء لسالكي درب الحق والهداية، ويأخذ بأيديهم للوصول إلى أقصى مراتب الكمال والاستقامة.
وفيما يرتبط بالمفهومين الواردين في مقطع الزيارة المباركة وكون الإمام (عجّل الله فرجه) حجة الله ودليل إرادته، حيث يعني ذلك أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو الشخص الذي سيحتج به الله سبحانه وتعالى على عباده الذين تشرفوا بإمامته المباشرة ويحاسبهم على أساس التزامهم بالسير وراء هذه الحجّة الإلهية واجبة الطاعة، وحجّة الله على الناس من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تختلف عنها مع الأئمة الذين سبقوه (عليهم السلام)، فهي حجّة ذات مميزات خاصة وتكاد تكون صعبة جداً، لأنّ الناس الذين عاشوا مع الحجج التي سبقته (عجّل الله فرجه) كانوا يعيشون مع حجة الله فيرونه ويسألونه ويطمئنون بوجوده، ويلتمسون هداه، ويستنيرون بطريقته، فيوصلهم إلى مقاصدهم وهو موجود بين ظهرانيهم، فلم يستوحشوا لغيبته ولم يشنّع عليهم وينتقصهم الأعداء لطول عمره، ولم يتهموا بالإيمان بالخرافة والحبر على الورق، لهذا ولغيره كان من يؤمن في زمان حجة الله الغائب ويلتمس أثر حجيته ويسير وراءها بمراتب أعلى ممن كان يلتمس أثر الحجة في زمان آبائه الطاهرين الحاضرين.
فتباعد الزمان وتراكم الدهر غلّظ قلوب الكثير من الناس على هذا الإيمان، فبدأ بعض منهم يتطاير كالهشيم الذي تذروه الرياح، بينما من استقر وهو قابض على الجمر بل أشد، فكانت من هنا الصعوبة ومن هنا يصفو الإيمان ومن هنا تتفاوت الدرجات ومن هنا يتميز الخبيث من الطيب، فلابدّ أنْ نفهم أنّ هذه الحجة الإلهية التي جعلها الله سبحانه وتعالى في نفس كونها تحاسب وتراقب هي دليل للرضا والإرادة والمشيئة، فما يريده الله سبحانه وتعالى وما يرضاه ويشاؤه لا يكون إلاّ عن طريق حجة الله الرقيب الشاهد، فنحن نعيش بين كفتي الميزان المتساويين، والصفتين للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) المتلازمتين أنْ يكون رقيباً شاهداً، حجة علينا، ومفتاحاً لإرادة الله ومشيئته ورضاه عنا، فلا تنفكّ حجيته وسلطنته ووجوب أتباعه وأخذ الدين عنه عن التقرب به والتوسط إلى الله عن طريقه وكسب الرضا برضاه وتحقيق المطالب بمشيئته.
فحجّة الله ودليل إرادته تعني لنا أنْ يكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إماماً مفترض الطاعة، مراقباً للصغير والكبير من أعمالنا، به يرضى الله عنّا، وبه يرفع الذنوب ويستر العيوب، وينزل الأرزاق، ويمحو السيئات ويثبت الحسنات، ويقرّب البعيد، ويسهل الطريق، ويقيم الاعوجاج، وينشر العدل، ويبسط الرزق، ويشفي المريض، ويوسّع على الناس إذا قبلوا حجّته، ويهديهم لرضا ربّهم، ويكون يوم القيامة على ما قدّموا شهيداً، وبين يدي الله سبحانه وتعالى شاهداً ومحاسباً.