شرح زيارة آل ياسين (٨)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة (السَّلاَمُ عَلَيْكَ فِي آنَاءِ لَيْلِكَ وَأَطْرَافِ نَهَارِكَ).
إنّ الحديث عن الانتساب يختلف باختلاف الأشياء التي تنسب إلى بعضها البعض، وتتقدس الكثير منها بانتسابها إلى المقدس، وتتهاوى أُخر بانتسابها إلى الوضيع، فيزيد ذاك المستملح من أسماء العرب صار مشمئزاً منه، وانتسابه لفرد يكشف عن وضاعة، وليس ذاك إلاّ لما صدر من يزيد اللعين من فعال أوجبت قبح هذا الاسم والاشمئزاز من حامله، فيما تجد كثيراً من الوجودات البسيطة تقدست بانتسابها إلى الله سبحانه وتعالى أو إلى مقدسات اخرى، فحجارة صمّاء بناها النبي إبراهيم (عليه السلام) أصبحت واحدة منها بيت الله، والأخرى مقام التوجه و العبادة، فالكعبة ومقام إبراهيم لم يكونا سوى أحجار لاتسمن ولا تغني، قبل أنْ تنتسبا إلى الله سبحانه وتعالى وإلى بيته، وما أنْ انتسبتا حتى صارتا من أقدس مقدسات المسلمين، وهكذا بيت المقدس، وليس ببعيد عنّا قبر الحسين (عليه السلام) وتراب أرض كربلاء التي قدّسها جسده الطاهر ولآلاف من الأمتار تحيط بضريحه المقدس فأصبحت تربة لها من المكانة والقداسة ما لا يضاهيها غيرها وهكذا بقية الأشياء، فحجارة المسجد ومواد بنائه قبل أنْ يبنى، ليس لها من القداسة حظ ولا نصيب، فما أنْ تبنى به وتنتسب إليه حتى تلحقها أحكاماً فقهية كثيرة من حرمة تنجيسها والاستخفاف بها وغيرها.
وانتساب الأيام إلى إمام الزمان لابدّ أنْ ينظر إليها كذلك، فهي مقدسة لأنّ الزيارة الشريفة نسبت الأيام إليه (عجّل الله فرجه)، فخاطبتها بأنها ليله ونهاره وأنّ السلام عليه يدور مدارهما ويبقى ببقائهما، فتحولت هذه الساعات التي يحتضنها اليوم والليلة من شيء لا قيمة له - أو له قيمة ولكنها قليلة وغير ملتفت إليها - إلى شيء مقدس ذا قيمة عالية بانتسابه إلى اقدس الأشياء بعد الله سبحانه وتعالى وهو إمام زماننا (عجّل الله فرجه).
فلا بدّ أنْ نلتفت إلى أنّ هذه الساعات التي تمر علينا لها وجوه متعددة، وجه أنّ فيها نقضي حاجاتنا ونعيش حياتنا ونرتب أمورنا، وهذا أمر يتساوى فيه جميع الناس ولا مائز لأحد فيه على آخر، ووجه ثان فضلاً عن وجوه أخرى، أنّ هناك أناساً يعيشون في هذه الساعات التي تولد الأيام والليالي، لا على نحو ما يعيشه الآخرون، بل يعيشوها وهي منتسبة إلى إمام الزمان، وهي مملوكة إلى صاحب العصر (عجّل الله فرجه)، فالتعامل مع الأيام بهكذا وجه يحتمل أن يكون هو المراد من هذه الفقرة، كما يحتمل أنْ يكون المراد منها أنْ ينشغل الإنسان الموالي لإمام الزمان (عجّل الله فرجه) بالسلام عليه في كل لحظات ودقائق وساعات اليوم والليلة، ومعنى السلام هنا ليس هو تلك الألفاظ التي نتعاهدها عندما يخاطب أحدنا الآخر، إنما يراد منه هو أنْ نكون سلاماً للإمام (عجّل الله فرجه)، بمعنى أنْ لا نكون جزءاً ولو ضئيلاً جداً في حرب الإمام (عجّل الله فرجه) بمخالفة أو معصية، أو بشيء يوجب أنْ لا نكون سلماً للإمام (عجّل الله فرجه).
فالمقطع الآنف الذكر الذي يقول (السلام عليك في آناء ليلك وأطراف نهارك) يريد أنْ يقول لنا إنّ الحالة التي ينبغي أنْ تكونوا عليها أيها الموالون لإمامكم، هي أنْ تكون أفعالكم فضلاً عن أقوالكم سلاماً في كل آن وساعة تمر عليكم من أيام الإمام (عجّل الله فرجه) ولياليه، فهذه الساعات ليست ملكاً لكم لتتصرفوا بها بما يحلو لكم وبما تشاؤون، انّما هي ملك للإمام فقط، وإنما صارت لكم وصح أنْ تتصرفوا بها إذا كنتم سلماً للإمام (عجّل الله فرجه)، وإلا فإنّه يصدق عليكم أنكم غاصبوا هذه الساعات وسرّاق لأيام إمام الزمان (عجّل الله فرجه).