شرح زيارة آل ياسين (٩)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة (السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللهِ فِي أَرْضِهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مِيثَاقَ اللهِ الَّذِي أَخَذَهُ وَوَكَّدَهُ).
تتضمن هاتان الفقرتان الحديث عن مبدأين مهمين في القضايا الاعتقادية هما:
الأول: التمثيل الإلهي للناس وديمومية بقائه.
الثاني: الالتفاف حول الممثل الإلهي في الأرض والانصياع التّام له.
والحديث عن هذين المبدأين بشكل مجمل وبعد دمج المبدأين يكون من خلال مراجعة الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) والتي تحدثت عن عنوان بقيّة الله في الأرض، وكون هذا الإمام الباقي في الأرض له على الناس ميثاق، أخذه الله عليهم وأكّده، وشدد على التمسك به، فمتابعة هذه الصفات التي نطقت بها الزيارة الشريفة تعطي الأبعاد التي أشرنا إليها من ديمومية البقاء ولزوم التمسك، حيث أنّ الزائر للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بهذه المقاطع المباركة إذ يخاطبه (السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا بَقِيَّةَ اللهِ فِي أَرْضِهِ)، هو يشير - من خلال هذا المقطع - إلى حالة الارتباط الأرضي بالسماء، وإنّ هذا الارتباط قد جرت سنة الله فيه أنْ يكون باقياً، وأنْ يكون العنصر الذي يمثل الإرادة الإلهية في الأرض دون غيرها مما خلق الله سبحانه وتعالى، وكأنها نقطة المنطلق للوصول إلى ما عداها من مكونات هذا الكون ومجرّاته، فالأوامر الإلهية التي يراد بها أنْ يصل المخلوقون إلى تحقيق إرادة خالقهم، والتي تمثل إرادة السماء، تنطلق من الأرض دون غيرها، ومن خلال ما أبقاه الله ثابتاً فيها وحارساً عن زوالها وسيخها، وهذا المعنى لا يتم إلاّ بأنْ يردف بتأكيد وتوثيق على التمسك ببقية الله لذا أخذ الله تعالى ميثاق العباد على التمسك به وشدد على من ينفلت عنه ويهمله، وهذا ما يمكن أنْ يلتمس من حديث عن معاني المقطع بدلالتها الظاهرة من ألفاظه، أمّا في ما يلتمس من أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، العامة منها أو الخاصة، التي أشارت إليه بخصوصه، حيث ورد عنهم (عليهم السلام)، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً وأول ما ينطق به هذه الآية: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾، ثم يقول أنا بقية الله... فلا يُسلّم عليه مُسلم إلاّ قال: السلام عليكَ يا بقيّة الله في أرضه.
وفي حديث آخر أنْ رجلاً قال للإمام الصادق (عليه السلام): نُسلّم على القائم بإمرة المؤمنين؟ قال (عليه السلام): لا، ذلك اسم سمّى الله به أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يُسمى به أحد قبله ولا بعده إلاّ كافر. قال: فكيف نُسلّم عليه؟ قال (عليه السلام): نقول السلام عليك يا بقية الله، ثم قرأ (عليه السلام) قوله تعالى: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ﴾.
وهناك أحاديث أُخر تشير إلى هذا المعنى، فضلاً عن الروايات التي تدل على ضرورة وجود الإمام (عجّل الله فرجه) وبقائه في الأرض ما دامت موجودة، إذ بعدمه يلزم سيخها وزوالها. فإنها - هذه الأحاديث - قد أجلت الأمر وأوضحته حتى بات من ضرورات الامامية وأمهات عقائدهم.
وقد تحدث القرآن الكريم عن الميثاق الذي أخذه الله على الناس كافة تجاه رسله وكتبه وأوليائه، بل عن الميثاق الذي أخذه على النبيّين فضلاً عن عامة الناس والذي يشير إلى بعد ضرورة الإيمان بخليفة الله في أرضه من الأئمة (عليهم السلام) على الجميع دون استثناء ومهما علت مرتبته ودنى قربه، فهذا عيسى بن مريم (عليه السلام) سيخضع أبان ظهوره ويكون في طاعة الإمام (عجّل الله فرجه) امتثالاً للميثاق المأخوذ عليه من قبل الله سبحانه وتعالى، إذن كيف ببقية الناس ممن هو أدون من عيسى (عليه السلام) وهو من أولي العزم.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أخذ اللَّهُ ميثاقَ بَني إِسْرائيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبيلِ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أخذ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ﴾.