شرح زيارة آل ياسين (١١)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة: (السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَلَمُ الْمَنْصُوبُ وَالْعِلْمُ الْمَصْبُوبُ وَالْغَوْثُ وَالرَّحْمَةُ الْوَاسِعَةُ، وَعْداً غَيْرَ مَكْذُوبٍ).
والحديث فيها عن تلك الأبعاد التي تجسّدها سيرة الأئمة (عليهم السلام) في إمامتهم للمذهب الحقّ، وأنهم إنما كانوا قادة لأتباع الحقّ بما تمتعوا به من خصائص ومميزات أهلّتهم لهذه الوظيفة الإلهية السماوية والملوكتية في سياسة الناس وهدايتهم وقيادتهم نحو الفضل والفضيلة والرفعة والكمال، وانتشال العالم من حضيض ما اسقطهم فيه الشيطان وإتباع الباطل والانحراف.
فالتسليم على الإمام بانّه العَلم المنصوب، والذي يفيد بأنّ الوظيفة للإمام (عجّل الله فرجه) من قبل الله سبحانه وتعالى هي الهداية لمن ضل، واحتضان من اهتدى، والأخذ بالجميع في الصحارى والفلوات المعرفية والسلوكية والعبادية إلى بر الأمان وجادّة اليقين، فالإمام الذي نصبه الله سبحانه وتعالى ورفعه بمقام الإمامة، وأقامه علماً لهداية الناس جميعاً هو من يحمل صفات أهّلته لمهنته وعلى رأسها البعد المعرفي المتمثل بالعِلم المصبوب، والبعد العملي المتثمل بالغوث والرحمة الواسعة، والبعد التطميني الوجداني المتمثّل بأنّ هذا الحديث عن الإمام (عجّل الله فرجه) بهذه الكيفية وهذه الصفات أمر جزمي قطعي يقيني بديهي فطري.
فالبعد المعرفي هو في كون الإمام (عجّل الله فرجه) العالم الفيّاض ذا المنزلة الرفيعة، وهو ما يمثّل للبشرية التلقّي - وعلى طول الخط - من الأعلى، فالعلم يأخذ بالإنسان إلى الأعلى ويضعه في مدارج المعرفة دائماً، والإمام مهما أفاض على الناس يبقى هو صاحب المنزلة الرفيعة والعليا مهما علا وارتفع مكانة الناس بما أفاضه عليهم، وهذا البعد العلمي المعرفي أخذ فيه بعد آخر وكأنّه يريد أنْ يرفع حالة الجفاف والقسوة العلمية، فأخذ البعد العملي الذي يتّسم باللطافة ورقّة القلب والعطف، فعبّر عن الإمام (عجّل الله فرجه) بعد تعبيره بانّه علم غزير فيّاض مصبوب على الناس، بأنّه في عين الوقت رحمة وغوث وملجأ واسع، فالعباد متى ما صرخوا وجدوا الإمام (عجّل الله فرجه)، بل حتى لو لم يصرخوا استغاثة بالإمام فإنهم سيجدونه (عجّل الله فرجه) لأنّه ليس غوثاً فقط، وإنما هو غوث رحيم واسع يشمل الصارخ استغاثة به والمتألم الساكت، بل وغيرهما، ثم عطف المقطع اللاحق ببيان حالة لما تقدّم من البعدين المعرفي والسلوكي لصفات الإمام (عجّل الله فرجه)، زيادة في التطمين والتوكيد والتوثيق بأنّ الإمام (عجّل الله فرجه) إنّما يحمل ذلك كلّه عن يقين منه بما يحمل، ويجب أنْ تكونوا أنتم أيضاً على يقين مما يحمل ويتمتع به ويؤديه من أدوار، لأنّ هذا وعد غير مكذوب.
وفي حديث الإمام الرضا (عليه السلام) عن الإمام (عجّل الله فرجه) وصفاته يقول: ...الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم، وهي بالأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار، الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى، والمنجي من الردى... الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق، والأم البرّة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد... .