شرح زيارة آل ياسين (١٢)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح فقرة: (السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَقوُمُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْعُدُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّي وَتَقْنُتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي، السَّلاَمُ عَلَيْكَ فِي اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى? وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى?).
يشير المقطع المبارك لهذه الزيارة الشريفة إلى حالات ينبغي أنْ يكون عليها المؤمنون بوجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحياته، فالمقطع يرسم لنا لوحة من التواصل المتكامل ويعطي فكرة عقائدية وأسلوباً عملياً وتعبوياً ميدانياً في علاقة المؤمنين بالإمام (عجّل الله فرجه)، وحتى في زمان غيبته.
فحالة التواصل التي لابدّ أنْ يكون عليها الإنسان مع إمام زمانه حينما يبدأ النهار في أوّله ويبدأ ببداية الارتباط مع الله تعالى بالصلاة، فأوّل ما يقعد الإنسان من نومه يبادر إلى حالة الصلة والتواصل وحيث أنّ التواصل لابدّ أنْ يكون بواسطة الإمام (عجّل الله فرجه) ومعيّته فلابدّ إذن من استذكاره في هذه المحطّة والتسليم عليه، ثم الالتفات إلى أنّ جوانب التواصل مع الإمام ينبغي أنْ تكون في جميع حيثيّات ما يمر به الإمام (عجّل الله فرجه) في ذلك اليوم، فلابدّ من التواصل معه والالتفات في نفس الوقت إلى الحالات التي تمرّ على الإمام في يومه.
وتعكس لنا الزيارة الشريفة جوانب مهمة، إذ بطبيعة الحال هي لا تعكس جميع الحالات التي يتلبّس بها الإمام في يومه فيكون انعكاساً لأبرز ما يقوم به الإمام (عجّل الله فرجه)، تطلب من المؤمن أنْ يكون متواصلاً مع إمامه ولو بأدنى مراتب التواصل وهو السلام، امّا التواصل بمراتب أعلى فمتروك للفرد وقابلياته ومقدار ما يريد أنْ يوثّق به العلاقة بينه وبين الإمام ويقوّيها.
وقد أشارت الزيارة إلى حالات مختلفة، فالقراءة حالة والبيان للأحكام حالة أخرى، والصلاة ثالثة، والقنوت رابعة، والركوع خامسة، والسجود سادسة، وهكذا إلى الحالات التي ذكرها الدعاء، واللطيف أنّ الزيارة المباركة ركّزت في أغلب الحالات المستعرضة، على حالات الصلاة وأفعالها، وذكرت منها الركوع والسجود والقنوت والتهليل والتكبير والتسبيح والتحميد والاستغفار، وهي إشارة واضحة إلى أنّ حالة التواصل مع الله سبحانه وتعالى تتجلى عند الصلاة، فلابدّ أنْ تكون حالة التواصل مع الإمام كذلك، وهنا تأتي لطيفة جديدة ينبغي استشعارها عند تلبّس المؤمن بها وهي إنّنا عندما نتوجّه إلى الصلاة ونتقرّب بها إلى الله فلابدّ أنْ نستذكر في جميع حالاتها وأفعالها ما يكون عليه الإمام (عجّل الله فرجه) في صلاته، ونحاول أنْ نقتبس ونتأسّى من حالته في الصلاة لنكون على بعض مراتبها.
تنقلنا الزيارة إلى أنّ ما ينبغي علينا الابتداء به في يومنا هو ما ينبغي علينا الانتهاء به في ذلك اليوم، فسلامنا وارتباطنا مع الإمام (عجّل الله فرجه) في الابتداء لابدّ أنْ يكون هو في الانتهاء وعندما يغشى الليل إلى أنْ يتجلى النهار ثانية.
وهناك إشارة أخرى يمكن التماسها من الزيارة المباركة فضلاً عن إشارات كثيرة لمن يتأمّل وهي الايحاء بشكل لطيف إلى القارئ أنّ الإمام موجود بشكل فعّال وحيوي ويمارس تكاليفه الشرعية فضلاً عن مهامه، لذلك سلّطت الزيارة الضوء على جزئيات خفيفة وبسيطة من تلك الممارسات.
ولننه حديثنا بإشارة أخرى قد تكون مرادة للزيارة المباركة، حيث أنّها أغفلت الجانب المعاشي بشكل كبير، وليس ذلك لأنّ الإمام (عجّل الله فرجه) لا يمارسه، وإنّما لأجل أن الإنسان قد انشغل بتأمين هذا الجانب بشكل طغى على حيثيات حياته كلها، وبطبيعة الحال فإنّ الزيارة تريد من خلال مضامينها أنْ تخرج القارئ لها من حالة التغلغل والانغماس في الجانب المعاشي المادي، فتعكس له صورة ما عليه إمامه من حالة الارتباط المعنوي والتلبّس العبودي من خلال ممارساته الارتباطية مع الله سبحانه وتعالى.
فهي رسالة عملية لما ينبغي أنْ يكون عليه الإنسان من التأسّي العملي بإمام زمانه (عجّل الله فرجه) وتقمّص بعض ممارساته اليومية في تأمين الارتباط أوّلاً ومن خلال السلام عليه وهو متلبّس بهذه الحيثيّات وممارستها ثانية من قبل نفس الشخص، فالإنسان الذي يسلّم على الإمام (عجّل الله فرجه) أثناء هذه الممارسات لابدّ أنْ يكون ممارساً لها ولو بأدنى مراتبها، ولو خجلاً من الإمام، فكيف يسلّم عليه ساجداً وهو لا يسجد، وراكعاً وهو لا يركع، وقانتاً وهو لا يقنت، ومستغفراً وهو لا يستغفر.