شرح زيارة آل ياسين (١٦)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح المقطع: (أَنْتُمُ الأول وَالآخِرُ وَأَنَّ رَجْعَتَكُمْ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهَا يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أو كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً).
بعد أنْ بيّن المقطع السابق أنّ الإقرار لحجج الله من الواجبات على الخلق، فرّع عليه الإقرار ببعض الحقائق التي يتمتّع بها أهل البيت (عليهم السلام)، والحقيقة الأولى هي أنّ هؤلاء المحبوبين والشهداء هم بداية الوجود ونهايته، فيقتضي أنْ يكون كل ما بين البداية والنهاية مرتبطاً بهما ومتفرّعاً عليهما، وهو إشارة من جهة أخرى إلى كونهم عناصر الفيض الإلهي كما هي إشارة أخرى إلى كون نهاية الوجود ستنتهي بهم، وعلى حد تعبير بعض الروايات والزيارات، وحساب الخلق عليكم وإيابهم إليكم، وهذا المقطع يعكس بشكل واضح الأهمية التي يتمتّع بها أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الوجود الصلاحيات المعطاة لهم من قبل الله سبحانه وتعالى، وفي هذا المقطع كنوز معرفية كثيرة قد تحدثت عنها الكثير من الروايات نقلها العلامة المجلسي (قدس سره) في (بحاره) كشؤون خلقهم وطينتهم، وكونهم فيض الوجود، وغيرها من البحوث المهمة التي يفهم منها أهمية أهل البيت (عليهم السلام) ومكانتهم والواجبات التي تجب علينا تجاههم.
فيما تحدّث المقطع التالي والذي يقول: إنّ رجعتكم حق... الخ عن حقيقة أخرى من حقائق أهل البيت (عليهم السلام) وهي كما أنها في الدنيا حقيقة ثابتة هي كذلك في الرجعة، بل في القيامة، إذ الرجعة لون من ألوان القيامة.
وهنا لابدّ من الحديث عن أنّ الرجعة ليس لها شكل واحد وإنّها بأشكال متعددة ستقع، إن الرجعة تقع في مرحلتها الأولى عند ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) ثم تشتد كمرحلة ثانية في زمن الأئمة (عليهم السلام)، ثم تأتي مرحلة أخرى في زمن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومن حيث الزمن يبلغ مداها الآلاف من السنين، ومن حيث العدد ذكرت جملة من الروايات أنّه يرجع فيها الأنبياء وجملة من الأصحاب والعلماء فضلاً عن كثير من المؤمنين وغيرهم، أمّا للحساب والمقاصة أو لاستكمال الإيمان أو لمشاهدة ما كان فكرة في الوجدان أو عقيدة في القلب فيرى متحققاً بالعيان، وقد تكون الآية الكريمة في هذا المقطع إشارة إلى وقوع الرجعة في اناس لم يموتوا وهو ما قلنا عنه إنّه النحو الأول من أنحاء الرجعة، حيث جاء في بعض تفسيراتها عندما قالت: يوم لا ينفع نفساً إيمانها... الخ، أي لا ينفع نفس عند ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إيمانها السابق بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وإنْ لم تكن قد ماتت، فمن لم يؤمن بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قبل ظهوره ويظهر في حياة هذا الشخص وقبل موته فإنّ الإيمان به (عجّل الله فرجه) لا ينفع هذا الشخص وبمقتضى الإطلاق في هذه الآية الشمول لهذا الفرد مع أنّه لم يمت لتكون رجعته عن الموت، فهذا نحو من الرجعة أطلقتها الروايات، وفي هذا المقطع الشريف تبين لنا أنّ الرجعة حقيقة دينية أمرنا بالإيمان بها وأنها ستقع في اُناس، وإن لم يموتوا، فضلاً عن وقوعها في الميّتين الذين يرجعون.