شرح زيارة آل ياسين (١٨)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح المقطع: (يَا مَوْلاَيَ شَقِيَ مَنْ خَالَفَكُمْ وَسَعِدَ مَنْ أَطَاعَكُمْ).
هذا المقطع من الزيارة الشريفة على صغر حجمه يتمتّع بمداليل عميقة ودقيقة، وتمثّل بعداً عقائدياً ومعرفياً لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، إذ يتضمّن - ونذكر هنا إشارات لما يتضمّن - وعلى شكل نقاط:
١- إنّ الله سبحانه وتعالى لم يتّصل بعباده بشكل مباشر، وإنّما بعث إليهم من يسوقهم إلى مرعى عبوديّته وطاعته، وأنّ الشقيّ من يخرج عن القطيع، والسعيد من يقتدي بقائده ومرشده ويطيعه، وقد أكّدت السّنن التي جاءت بها الآيات والروايات ذلك، ولعلّ من بين أصرحها قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ...﴾ فهما يدلاّن بوضوح على أنّ الذي يريد أنْ يرتبط بالله سبحانه وتعالى لابدّ أنْ يتّخذ واسطة توصله إليه (عزَّ وجل)، وأنْ يطيع هذه الواسطة.
٢- إنّ هذا الاتصال بالله سبحانه وتعالى يمثّل منظومة الدين الذي فصّلها القرآن وسنّة العترة، وليست السنّة هي سنّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقط وما تحدّث به لأمّته، بل إنّ السعادة التي ضمّنها القرآن نتاج طبيعي لمن آمن بمجموع أهل البيت (عليهم السلام) دون استثناء، وانّ الشقاء الأبدي ملازم لمن أنكر، ولو كان واحداً، فمن آمن بالأئمّة (عليهم السلام) فضلاً عن سيّدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ولم يؤمن بقائمهم وآخرهم (عليهم السلام) فكأنّما لم يؤمن بشيء، ولازمته الشقاوة الدائمة.
٣- إنّ هذا المقطع جاء ختماً لما تقدّم من حديث في الزيارة المباركة عن قضايا وعقائد يجب الإيمان بها، وحيث أنّ السؤال الطبيعي من القارئ لهذه الزيارة الشريفة يتحدث ويقول: وما هو جزائي إنْ آمنت واعتقدت؟ فيأتي الجواب وبشكل واضح أنّ السعادة الأبدية تلازمك، وإنْ لم تؤمن فإنّ الشقاء هو الذي يلازمك، ثم يسأل السائل عن أن المخالفة الموجبة للشقاء هي في أي شيء؟
فيأتي الجواب أنّ ظاهر الزيارة المباركة والمقطع الذي نتحدّث عنه يلزمنا بالطّاعة التامّة وفي كل شيء، وتجنّب المخالفة لأيّ شيء، كما ألزمنا الإيمان بهم جميعاً (عليهم السلام)، فلابدّ أنْ تكون طاعتنا لهم جميعاً وفي كل شيء، ليكون ختام ذلك هو أنّ ما تقدّم من شهادتنا وطاعتنا الذي يضمن لنا سعادتنا، أنّ ذلك شهادة مودعة عند أمين الله، وأنّه سيسلمها لنا عند احتياجنا إليها، ومن أولى منه بالشهادة على ما أودعنا من أمور خطيرة ومهمّة، وقد تقدّم شرح شهادته (عجّل الله فرجه) عندما شرحنا المقطع (اُشهد يا مولاي...)، فنحن أردنا أنْ نبتدأ بجعل الإمام (عجّل الله فرجه) شهيداً على ما نعتقد ونختتم بجعله شهيداً على ما اعتقدنا، وهذا هو مدلول ما تحدثت عنه الروايات الشريفة، بل وهذه الزيارة المباركة، إذ تقدّم منا الحديث عن معنى قولهم (عليهم السلام): (أنتم الأول والآخر...)، فهم كما في ابتداء الخلق أوّلاً، فهم كذلك في آخره، وكما هم وسيطنا الأوّل، فكذلك هم آخره، وهم كل شيء ما بين أوليتهم وآخريتهم، فلا نملك شيئاً من الأمر إلاّ ما اودع في قلوبنا من حبّ، وما ترجمناه من طاعة لهم (عليهم السلام).