شرح زيارة آل ياسين (١٩)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح المقطع الأخير من هذه الزيارة الشريفة: (فَأَشْهَدْ عَلَى مَا أَشْهَدْتُكَ عَلَيْهِ، وَأَنَا وَلِيٌّ لَكَ بَريءٌ مِنْ عَدُوِّكَ، فَالْحَقُّ مَا رَضِيتُمُوهُ، وَالْبَاطِلُ مَا أَسْخَطْتُمُوهُ، وَالْمَعْرُوفُ مَا أَمَرْتُمْ بِهِ، وَالْمُنْكَرُ مَا نَهَيْتُمْ عَنْهُ، فَنَفْسِي مُؤْمِنَةٌ بِاللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِرَسُولِهِ وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَبِكُمْ يَا مَوْلاَيَ أَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ، وَنُصْرَتِي مُعَدَّةٌ لَكُمْ وَمَوَدَّتِي خَالِصَةٌ لَكُمْ آمِينَ آمِينَ).
هذا المقطع من الزيارة الشريفة يتحدّث عن الطلب من الإمام (عجّل الله فرجه) أنْ يكون حاملاً وضامناً - لما اعتقده الزائر - لمجموعة العقائد والإيمانيّات التي أوجبتها الزيارة، كضرورة عقيديّة يتحلّى بها المؤمن الزائر.
فيطلب من الإمام (عجّل الله فرجه) بعد أنْ تلى عليه ما تتضمنه جوانحه من الولاء العقدي له (عجّل الله فرجه)، أنْ يكون هو الشاهد على ما في قلبه.
ثم يفرّع على ذلك وكأنّه متملّق للإمام (عجّل الله فرجه)، أنّ ما أطلبه منك يا سيّدي ومولاي بمقتضى ولائي لك وبراءتي من عدوّك، فتقبّل أيّها الحجّة المنتظر أنْ تكون شاهداً على ما طلبت من جنابك ومقامك السامي الشهادة عليه.
وحيث أنّ أهل البيت (عليهم السلام) - وبمقتضى ما نعتقد - لا يشهدون على باطل أبداً، ولا يرتضون إلاّ الحقّ، فيخاطب الزائر الإمام (عجّل الله فرجه) بالقول: (فالحق ما رضيتموه والباطل ما استسخطتموه)، ومن جملة ما رضيتموه هو ما أحمله أنا الزائر لك يا حجّة الله من عقيدة، لأنّ نفسي يا ابن رسول الله مؤمنة بالله ورسوله وبأمير المؤمنين وبآبائك الأوصياء، وأنّ نصرتي ومودّتي خالصة لكم، ولا يمكن أنْ تكون هذه المودّة لغيركم.
فهذه الزيارة لإمام العصر (عجّل الله فرجه) تُربّي في نفس الإنسان أن يستحضر الحقّ بين يديه فيواليه، وينظر إلى الباطل فيعاديه، ويسخط على من يتلبّس به وينصر أوليائه، فالباطل والحق طريقان، في أحدهما نجد أهل البيت (عليهم السلام) وولاءهم وودّهم وينتهي هذا الطريق بنا إلى الجنان والرضوان، فيما يكون الطريق الآخر وإنْ بدا لأوّل وهلة محاطاً باللذائذ والزخارف، إلاّ أنّ نتيجته النيران والعذاب المستديم.
إنّ الزيارة - أيّها الأخوة - للإمام (عجّل الله فرجه) هي تربية اجتماعية، فإنّ المجتمع بكل أطيافه وألوانه، وبغضّ النظر عن عقائده يأنس بالتزاور، ويستوحش الوحدة والفراق، فحثّ الشارع المقدّس على زيارة أهل البيت (عليهم السلام) وأنْ نكون في محال وجودهم هو تأكيد على نهج اجتماعي انساني تميل إليه الفطرة، ولا يأباه إلاّ الذوق الأعوج، فضلاً عمّا في هذه الزيارات من تأثيرات كبرى على روح الزائر، فالتعوّد على ترتيل هذه الكلمات وقراءتها يوجب آثاراً في النفس، فتبدأ نفس الزائر بلوم صاحبها إذا كان بعيداً عن معانيها السامية وتشجّعه على سلوك سبل المكارم والسير على منهجها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، وبهذه العجالة أنْ نذكر الفوائد التي تترتّب على زيارات أهل البيت (عليهم السلام) وصلتهم التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها، فهم رحم الله وصلته أوصل من رحمنا، وأدنى مراتب الصلة التي يسقط بها هذا التكليف الإلهي العظيم هي زيارتهم ولو عن بعد.
فما أجمل أنْ يكون برنامجنا اليومي مبتدئاً بزيارة أهل البيت (عليهم السلام) لاسيّما الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فهل يا ترى سيتساوى حال شخص يبتدئ يومه بتفقّد إمامه والسؤال عن حاله، والتألّم لمصابه وما هو فيه، والدعاء لرفع البلاء عنه وحفظه يساوى حال إنسان غافل لاهٍ عن ذكره.
أيّها الأحبة قد أمرتنا آيات المودة في ذي القربى ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، وهو أجر الرسالة التي جاء بها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، بصلة رحم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فإذا أردنا أنْ نصل أهل البيت (عليهم السلام) فإنّ القناة التي توصلنا إليهم في زماننا هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فإنّكم تعلمون أنّ أي عمل، صغر أو كبر، لا يمكن قبوله إلاّ بأنْ يمرّ عن طريقه (عجّل الله فرجه) فلنغتنم فرصاً ثمينة تدرّ علينا كنوزاً وجواهر لا تبيد ولا تندثر، لقاء دقائق معدودة نرتل بها هذه الزيارة المباركة التي سعينا طيلة الحلقات المتقدمة أنْ نبيّن بعضاً من المعاني التي حملتها إلينا، ليكون هذا الفهم البسيط دافعاً وحافزاً للإقبال عليها والانكفاء على قراءتها.
نسأل الله سبحانه وتعالى أنْ يجعله ذخراً لنا عند ولينا.