علل الغيبة وفلسفتها (٢)
الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي
النعماني وحكمة التمحيص:
في أواخر سنة ٣٤٢ هـ. أملى النعماني على كاتبه محمد بن أبي الحسن الشجاعي كتابه في الغيبة وقد كتب في مقدمته سبب تأليفه إيّاه فقال:
(وكأن النعماني رأى أن ما رواه شيخه الكليني (قدس سره) في (أصول الكافي) في زهاء الستين خبراً في عشرة صفحات غير كاف أو غير شاف لغليل هذا الجمع غير القليل عن الشُبه الكثيرة وغير القليلة بشأن الغيبة، فجمع في أول كتاب مستقل في الغيبة في خمسة وعشرين باباً ما وفقه الله لجمعه من الأحاديث التي رواها الشيوخ عن الأئمة الصادقين (عليهم السلام) أجمعين في الغيبة بحسب ما حضره.
وقد خصّص الباب الحادي عشر منها بعنوان ما روى فيما يلحق الشيعة من التمحيص عند الغيبة، ونوّه إليه في مقدمته بعنوان باب ما يلحق الشيعة من التمحيص والغربلة والتفرقة)، وقد قدّم في المقدمة من جملة ما أورده في ذلك الباب حديثين.
ونصّ النعماني على أن التمحيص علّة الغيبة في الباب السابع.
قال: (والغيبة... للأمر الذي يريده الله والتدبير الذي أمضاه في الخلق بوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة للتصفية فيمن يدّعى هذا الأمر).
وقال: إِن هذا الإمام (عليه السلام) جُعل كمال الدين به وعلى يديه، وتمحيص الخلق وامتحانهم وتمييزهم في غيبته لتحصيل الخاص الخالص الصافي منهم بالإقامة على نظام أمره والإقرار بإمامته، والديانة لله بأنه حق وأنه كائن، وأن أرضه لا تخلو منه وأن غاب شخصه، تصديقاً وإيماناً وإيقاناً بكل ما قاله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) وبشّروا به من قيامه بعد غيبته بالسيف عند اليأس منه.
وختم الباب بقوله: (غيبة الإمام (عليه السلام) في هذا الزمان الذي نحن فيه لتمحيص مَنْ يُمَحَّص وهلكة مَنْ يهلك ونجاة مَنْ ينجو بالثبات على الحق ونفيّ الريب والشك، والإيقان بما ورد من الأئمة (عليهم السلام) من أنه: لابدّ من كون هذه الغمة ثم انكشافها عند مشيئة الله لا مشيئة خلقه واقتراحهم).
ومن رواياته في ذلك: ما رواه عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن الإمام علي (عليه السلام)، قال: «وليبعثَنّ الله رجلاً من وُلدي في آخر الزمان، يُطالب بدمائنا، وليُغيّبنّ عنهم، تمييزاً لأهل الضلالة حتى يقول الجاهل: ما لله في آل محمد من حاجة».
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إِن الله يحب أن يمتحن قلوب الشيعة»، ثم ما رواه عن الإمام الباقر (عليه السلام) ومثله عن الرضا (عليه السلام).
النعماني وعلّة أن لا تكون عليه بيعة:
في الخبر السابع والأربعين من باب: ما روى في غيبة الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) روى بسنده عن الكُناسي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين (و)لا يقوم القائم ولأحد في عُنقه بيعة».
ثم روى ما رواه الكليني (قدس سره) عن هُشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «يقوم القائم وليس لأحد في عُنقه عقد ولا عهد ولا بيعة».
النعماني وعلّة الخوف على النفس:
وقد روى النعماني وزاد عليهما طريقين آخرين والأخبار الأربعة أو بالأحرى الإسناد الأربعة لخبر زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) التي رواها الكليني في (الكافي).
فقد ذكر ثلاثة طرق لخبر المفضّل بن عمر عنه (عليه السلام) أنه قال: «إذا قام القائم (عليه السلام) تلا هذه الآية: ﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾»، ثم علّق عليها وقال: هذه الأحاديث مصداق قوله: «إِنّ فيه سُنّةً من موسى وأنه خائف يترقّب».