المنهج المهدوي لعبور الفتنة
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
يسعى الإنسان المؤمن بالله سبحانه وتعالى إلى أنْ يخرج من هذه الدنيا وهو فائز بلقائه وحاصل على جائزة دخول الجنة.
وهذا الأمر لا يتحقق بسهولة، فهناك الكثير من المصاعب والمشاكل التي تواجه الإنسان وتقف في طريقه حجر عثرة وتمنعه من تحقيق هدفه هذا، فهناك النوازع النفسية، والغرائز والشهوات، والصراع بين الناس بعضهم بعضاً من أجل نيل المكاسب وتحقيق الأهداف، وهذه الأمور لاشك كلها تحول وتمنع الإنسان في أغلب الأحيان من أنْ يحقق هدفه.
ومن بين أهم الموانع التي تمنع الإنسان من أنْ يصل إلى غايته ويحقق هدفه في الفوز بالجنة والرضوان هي الفتن التي تقع في كل زمان، بل وعلى كل فرد، والفتن التي يبتلى بها الإنسان متنوعة ومواطنها متعددة، فهناك فتن في العقيدة وفي المال، وفي الروح، وفي البدن، وهناك فتن في الأولاد والزوجة والمجتمع والبلد، وتتنوع وتتعدد الفتن إلى أنْ تدخل إلى كل مفصل وتكاد تكون مع كل حركة يتحركها الإنسان.
ومن هنا تأتي أهمية أنْ يكون للإنسان منهج واضح وسهل ويسير، من خلال هذا المنهج يتخطّى الفتنة ويتجاوزها إلى حالة الاطمئنان والاستقرار.
ومن أهم الفتن التي يبتلى بها الإنسان هي الفتنة في العقيدة.
ومن بين أهم المناهج التي وضعت لتجاوز الفتنة وتخطيها بأمان وسلام هي المناهج التي وضعتها اليد المعصومة المنزهة عن الالتباس والتردد والشك لأجل أنْ تأخذ بيد الإنسان إلى بر الأمان وتضعه على جرف السلامة.
فالذي يتابع كلمات المعصومين (عليهم السلام) يجد أنها مليئة بالمناهج والقواعد والأسس والركائز التي إذا اعتمدها الإنسان وسلكها نجا وأمن وفاز واطمأن.
ونحن إذ نعيش في آخر الزمان، وفي زمن إمامة إمام آخر الزمان، وهو آخر الأئمة المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) الحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه) ولأنّ إمامنا هذا غائب عنا ولا نستطيع أنْ نتصل به ونتواصل معه لكي يأخذ بأيدينا ويخرجنا من أمواج الفتن، فلابد لنا من أنْ نرجع إلى كلماته، تلك الكلمات النورانية الإلهية، لنستفيد منها ونتخذ منها أساساً ومنهجاً للنجاة من الفتنة, وهذا الرجوع إلى كلماته (عجّل الله فرجه) يعد واحداً من أبرز عناصر الارتباط به وتفعيل قضية ولائه (عجّل الله فرجه). فأنت إذا حاولت دائماً أنْ يكون وجود الإمام (عجّل الله فرجه) معك من خلال ذكره ومن خلال العيش مع كلماته فإنك ترتبط به ارتباطاً يختلف عن الشخص الذي يعرف من الإمام اسمه فقط، أو يذكره في الشهر أو في السنة مرة أو في الضرورات فقط.
فهذه الكلمات كما أنها تضع منهجاً نسير من خلاله وننجو من الفتنة، فكذلك هي تقوي فينا علقة الارتباط وعنصر الترابط مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وتحيي في نفوسنا حالة الحضور وحالة التلاحم وحالة الذكر الدائم للإمام (عجّل الله فرجه).
ومن بين الكلمات التي صدرت عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في هذا المجال هو توقيعه رداً على من شك في إمامته وأنكر وصايته بعد أبيه (عليه السلام)، إذ يقول في كتابه وتوقيعه هذا:
بسم الله الرحمن الرحيم
عافانا الله وإياكم من الفتن ووهب لنا ولكم روح اليقين وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب أنه أُنهِيَ إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم فغمنا ذلك لكم لا لنا وساءنا فيكم لا فينا لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى غيره والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا...
ثم يقول (عجّل الله فرجه): يا هؤلاء مالكم في الريب تترددون وفي الحيرة تنعكسون...
ثم يقول (عجّل الله فرجه): ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم والإشفاق عليكم لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا... إلى آخر التوقيع.
فأنت تجد أنّ الإمام (عجّل الله فرجه) يفتتح هذا الكتاب بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى بأنْ يعافينا من الفتن ويستخرجنا منها، وأنْ يسدد هذه المعافاة بأنْ يهب لنا اليقين والإيمان والاطمئنان وفي نفس الوقت يجعل يقيننا مستمراً إلى أنْ نحشر عليه، وتكون عاقبتنا ومنقلبنا حسناً، فنُجار بذلك من سوء المنقلب.
فهذا منهج واضح وسهل ويسير يجعله الإمام (عجّل الله فرجه) للنجاة من الفتنة ثم بعد ذلك يعقب أنْ ما يحصل من الافتتان يسوء الإمام (عجّل الله فرجه) ويغتم له، ويعاتب الناس على ترددهم في الفتنة.
ثم بعد ذلك يبين لهم أنّ المحبة والإشفاق والرحمة هي التي أوجبت أنْ يتكلم إليهم من خلال التوقيع بواسطة السفير, وهذا المقطع النوراني يمكن أن نستفيد منه فوائد متعددة، وحيث أنّ حديثنا عن الفتنة نقتصر في الاستفادة منه على ذلك ونرجيء الحديث في الفوائد الأخرى إلى مناسبة ثانية.
والذي أريد أنْ أقوله هنا إنّ هناك مناهج للنجاة من الفتنة يضعها المفكرون، يضعها الصلحاء، يضعها العلماء، يضعها الأولياء، فعلينا أنْ ننتقي أي المناهج هي الأسلم وأيها هي الأيسر علينا وأيها هي الأقرب للوصول.
ولا شك أن المنهج الذي يضعه المعصوم هو حامل لهذه الصفات فهو يضع المتيسر لكل الناس ولا يضع شيئاً لا يوصلهم إلى بر الأمان، لأنّ فعل ذلك منه (عجّل الله فرجه) خلاف المنّة وخلاف الرحمة منه، وخلاف الشفقة منه علينا.
إذن المنهج الذي يجب أنْ نتبعه للنجاة من الفتنة هو منهج الإمام (عجّل الله فرجه)، وأوَّل مفردة من مفردات هذا المنهج هي أنْ نتمسك به هو (عجّل الله فرجه)، وبعد ذلك نتقدم خطوة أُخرى وهي أنْ نلتزم بفريضة الدعاء ونطلب من الله سبحانه وتعالى أنْ ينجينا من الفتنة، ثم بعد ذلك نتقدم خطوة أُخرى وهي أنْ نلاحظ الإمام (عجّل الله فرجه) وكأنه رقيبٌ علينا، فكل مورد نحسُّ فيه باقتراب الفتنة نلجأ إليه (عجّل الله فرجه) وكأننا نتحدث معه (عجّل الله فرجه) مباشرة ونستفتيه، ولا شك إننا سنكون من خلال هذا الطريق على المنهج وعلى المحجة الواضحة, ثم تأتي بعد ذلك خطوة أخرى وهي التزام المنهج الذي وضعه أهل البيت (عليهم السلام) سواء في العبادات أو في الأفكار والمعتقدات، وهكذا نخطو خطوة بعد خطوة ونستمر في التخطي والقفز على الفتنة من خلال التمسك بما وضعه أهل البيت (عليهم السلام) من منهج للنجاة منها إلى أنْ تكون عاقبتنا هي الفوز والأمان والنجاة من الامتحان.