رايةُ اليَماني أهدى الرايات
مرتضى علي الحلي
روى النعماني في كتابه (الغَيبة): أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثني أحمد بن يوسف بن يعقوب أبو الحسن الجعفي من كتابه، قال: حدثنا إسماعيل بن مهران، قال: حدثنا الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه ووهيب بن حفص، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام، أنه قال: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنّ رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أنْ يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم. الغيبة للنعماني: ص٢٦٤.
إنّ المُدّعي أحمد إسماعيل كاطع وأتباعه قد وظّفوا مقطعاً من هذه الرواية وبصورة معزولة عن كامل متن الرواية أعلاه ليطبقوه على أحمد إسماعيل.
فيكون بحسب زعمهم هو اليماني الموعود ورايته هي أهدى الرايات.
كون الرواية قد عَرضتْ لذكر اليماني في متنها.
وممكن مناقشة هذه الرواية من جهة السند، ففيها الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني وهو من وجوه الواقفة. (رجال النجاشي: ص٣٦). ومشهور في علم الرجال بأنه كذّاب ووضّاع.
- قال الكشي: حدثني محمد بن مسعود، قال: سألتُ علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، قال: كذاب ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة وكتبت عنه تفسير القرآن كله من أوله إلى آخره، الا انني لا استحل أنْ أروي عنه حديثا واحداً.
- وحكى لي أبو الحسن حمدويه بن نصير عن بعض أشياخه انه قال: الحسن بن علي بن أبي حمزة رجل سوء. (رجال الكشي: ص٥٢٠).
وبسقوط راوٍ واحدٍ تسقط الرواية سنداً، كيف والرواية قد رواها اثنان من وجوه الواقفة (الحسن بن علي وأبيه) (علي بن أبي حمزة البطائني).
وهذه الرواية بكاملها لم ترد في كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد ولا في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي.
نعم ورد صدرها: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى. في كتاب (الغيبة) للنعماني.
إلاّ أنه لم يرد المقطع الأخير مما رواه النعماني في كتابه (الغيبة) خاصة ذيل الرواية وهو (فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه) في غير كتاب النعماني (الغيبة).
وهذا هو المقطع الذي عوّلّ عليه المدعي أحمد إسماعيل وأتباعه في دعوى كونه هو اليماني، وأنّ رايته هي راية هدى وأهداها، وأنه يجب الإيمان به وإتّباعه لأنه يدعو إلى صاحبه (الإمام المهدي) عليه السلام.
إذاً يتبيّن كيف أنّ المدعي أحمد إسماعيل يكذب ويُدلّس في دعاويه بحيث يعتمد على اقتطاع ذيل رواية ضعيفة السند وساقطة الاعتبار رجالياً.
وأمّا مناقشة الرواية دلالياً فنقول إنّ الرواية ذكرت أنّ راية اليماني هي أهدى الرايات وأفضلها في وقت قبيل الظهور الشريف بفترة حددتها الروايات الصحيحة في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وحتى جعلتها من العلامات الحتمية وقرنتها بظهور الخراساني والسفياني والصيحة وذلك مشهور ومعروف.
وإنّ دعوى أحمد إسماعيل عوّلتْ على التلبّس بوصف اليماني فعلاً والتعنون برايته ولم يحن وقت ظهوره إلى الآن بحسب الروايات.
هذا وإنّ المدّعي أبن كاطع يدعو إلى نفسه لا إلى صاحبه، وهو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بحسب منطوق ذيل الرواية وتعليلها (لأنه يدعو إلى صاحبكم) وبهذا يتبين كذبه ودجله وضلاله وجهله.
ومن الواضح روائياً طبقاً لجغرافية أحداث الظهور المهدوي أنّ اليماني ليس من أهل البصرة ولا يظهر منها؟
ورغم افتضاح وبطلان دعوى أحمد إسماعيل في كونه هو اليماني الموعود وأنّ رايته هي أهدى الرايات إلّا أنّه تجاوز الخطوط الحمراء ليعلن عصمته الشخصية مُستنداً في ذلك على توصيف راية اليماني بـ(أهدى الرايات) وإنّ المعصوم بحسب زعمه هو وأتباعه هو صاحب راية الهدى والهداية منحصرة فيه فيكون هو المعصوم.
وهذه دعوى فاسدة من أصلها وباطلة في ابتداعها ذلك لعدم وجود أية ملازمة عقلية ولا حتى شرعية بين كون الشخص صاحب راية الهدى وبين عصمته.
فهناك الكثير من الصالحين والمؤمنين هم أصحاب هدى وحق ولم يدّعوا العصمة لأنفسهم كأصحاب الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وكالعلماء الصالحين.
فليس كل من يدعو الناس إلى الهدى أو إلى الصراط المستقيم هو معصوم.
وهناك رايات هدى يقترن ظهورها مع اليماني كراية الخراساني، فهل يعني هذا أنّ الخراساني هو معصوم أيضا ولم يقل أحدٌ بهذا؟.
وفي هذا المعنى روي عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وهؤلاء أهل بيتي اختار الله لهم الآخرة، وسيلقون بعدي تطريداً وتشريداً وبلاءً شديداً حتى يجيء قوم من ها هنا - وأشار بيده إلى المشرق - أصحاب رايات سود، يسألون الحق فلا يعطونه - حتى أعادها ثلاثاً - فيقاتلون حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً، فمن أدرك ذلك منكم فليأته ولو حبواً. (دلائل الإمامة لمحمد بن جرير (الطبري) الشيعي: ص٤٤٥).
وهناك ثمة أمرٌ مهم جداً يجب أنْ يعلمه الجميع خاصة أتباع المدعي أحمد إسماعيل وهو أنّ توصيف راية اليماني بأنها راية هدى هو وصف ينصب على الراية ذاتها وإن هي مَدحتْ اليماني لكنها عللت الهداية وأفضليتها في راية اليماني كونها تدعو إلى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا إلى صاحب الراية نفسه كما صنع المدّعي أحمد إسماعيل.
هذا وإنّ أفضلية راية اليماني هي بلحاظ من معها من الرايات الأخرى كراية الخراساني والسفياني وهما لم يظهرا بعدُ؟
روى الشيخ الطوسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق. (الغيبة للطوسي: ص٤٤٧).