معرفةُ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الانتسابيةُ
مرتضى علي الحلي
إنَّ من الضروري والواجب معرفة إمام الزمان معرفة عَقْديَّة تقوم على دعامة اليقين الشخصي عند الإنسان المُعتَقِد. بحيث يتمكن ذاتياً من تحديد ومعرفة الإمام الحق نصاً وشرعاً.
وفي هذا البحث سنتحدَّث عن مَعرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الانتسابيَّةُ. لما في هذه المعرفة من أثر قيِّم في تحديد الشخص الحق للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهويته الحقيقيّة.
وما يترتب على تلك المعرفة من قدرة تجعل صاحبها مُشخِّصاً ومُحدداً للمصداق الحق، للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، بحيث لا يقع في التوهم والاشتباه.
وتستند مَعرفةُ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الانتسابيَّةُ صدوراً في قطعيتها السنديّة إلى المعصوم (عليه السلام)، وأعني النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام)، فالمعصوم (عليه السلام) هو مَن يُبيِّن هوية ونسب الإمام المعصوم من بعده وينص عليه نصاً ويُشهد على ذلك.
ونحن نعتقد قطعاً ويقيناً أنّ كُل ما يُخبَر به النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو حق وواقع. ومن أهم ما أخبر به (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو نسب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقبل أن يُولَد الأئمة التسعة من ذُريّة الإمام الحسين (عليه السلام)، فجاءت اخباراته (صلّى الله عليه وآله وسلم) مُتطابقة تماماً مع ما أخبرَ به سالفاً. وخصوصا ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ونسبه الشريف، إذ أنَّ النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد ذكر نسب وأصل واسم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حتى يقطع الطريق أمام المُنكِرين والطامعين في حقوق آل محمد (عليهم السلام)، وهنا سأذكر أحاديث صحيحة ومتواترة وصلتْ إلى حد تُفيد معه الاطمئنان الفعلي بصدق وقطعيَّة صدورها ووضوح دلالتها عَقْديّاً.
فمثلاً ذكر ابن ماجه في سننه: ج٢ ص٥١٩. باب خروج المهدي (عجّل الله فرجه): أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) نسَبَ المهدي (عليه السلام) إلى عبد المطلب، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): نحن وِلد عبدالمطلب سادة أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي (عليه السلام).
وهنا يرد التساؤل وطرحه على المُنكرين لولادته (عجّل الله فرجه) ونسبه الشريف؟ ما معنى تكاثر الروايات في ذكر المهدي (عجّل الله فرجه) وهو لم يولد بعد، وخاصة من طرق أبناء العامة؟ وفي مجاميعهم الروائيّة. وما المصلحة من ذلك؟ وحتى لو سلَّمنا جدلا بوضع الأحاديث في هذا المضمار فما هو الغرض من ذلك؟ هل هو العبث أو التأسيس لحقيقة سوف تتحقّق في وقتها؟ ولو قلتم جدلا إنها أحاديث مكذوبة وموضوعة، فما معنى تعمير كذبٍ استمرّ طيلة أكثر من عشرة قرون خلتْ؟ أليس حبل الكذب قصير؟ ثُمّ أنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) على ما يذكر أحمد بن حنبل في (مسنده ج١، ص٣٧٦) نصّ لفظاً على تسمية المهدي (عجّل الله فرجه)، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): لا تنقضي الأيام ولا يذهب الأمر حتى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي اسمه يواطئ اسمي.
ومثل هذا الحديث قد ذكرتْه المجاميع الروائية كـ (سنن أبي داوود:ج٢، ص٣١٠)، و(سنن الترمذي ج٣، ص٣٤٣). و(المعجم الكبير للطبراني: ج١٠، ص١٣٤).
والبيان هنا يتّضح أكثر في تحديد نسب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وكونه من أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) واسمه (محمد) كاسم رسول الله محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
والأقوى من ذلك حُجّة في حديث ذكره أبو داوود في (سننه ج٤، ص١٠٧، رقم الحديث ٤٢٨٤).
(المهدي حقٌ وهو من ولدِ فاطمة)
والحديث هذا يتوفر على ضمانتين عقديتين مهمتين جداً وهما:
١- حقانيّة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) شخصاً وفكراً ومنهجاً.
٢- كون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) نسباً من ذرية الصدِّيقة فاطمة (عليها السلام) بنت النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهذا يعني أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قطعاً سيكون من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ومن ذرية الإمام الحسين (عليه السلام).
والدليل على ذلك تشخيص الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) هذا النسب بنفسه وبيده الشريفة، حينما وضعها على منكب الإمام الحسين (عليه السلام)، وفي ذلك التشخيص جاءت الأخبار متواترة وبصحة لا تقبل النكران.
فيذكر الدارقطني وابن الصباغ المالكي والسمعاني والقندوزي الحنفي وغيرهم كثيراً. أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام): يا فاطمة إنّا أهل بيت أُعطينا ستْ خصال لم يُعطَها أحدٌ من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت (عليهم السلام)... ومنّا مهدي الأمّة الذي يُصلّي عيسى خلفه، ثُمّ ضَرَبَ على منكب الحسين (عليه السلام)، فقال: (صلّى الله عليه وآله وسلم) مِن هذا. يعني الحسين (عليه السلام) مهدي الأمّة (عليه السلام).
وهذا الحديث أخرجه الدارقطني كما في (البيان في أخبار الزمان للكنجي: ص١١٦-١١٧ باب ٩).
وأخرجه أيضاً ابن الصبّاغ المالكي في (الفصول المهمة: ص٢٩٥-٢٩٦، فصل١٢) وذكره أيضاً القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة: ج٣، ص٨٣٩، رقم ٢٦، باب٩٤).
ولنا نحن أتباع مدرسة أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) أحاديث قريبة من معنى الحديث أعلاه، وأكتفي بذكر ما ذكره الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) عن سلمان (رضي الله عنه) قوله: دخلتُ على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وإذا بالحسين (عليه السلام) على فخذه وهو يُقبّل عينيه ويلثم فاه وهو يقول: أنتَ - للحسين (عليه السلام) - سيد ابن سيد أنتَ إمام ابن إمام أبو الأئمة أنتَ حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم. (الخصال الصدوق: ج٢، ص٤٨٦).
إنّ كل خلفيات الأحاديث الانتسابيَّة الخاصة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تعطي للمتتبع لها وبدقة قيمة عالية انتساب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إلى رسول الله (صّلى الله عليه وآله وسلم) وإلى فاطمة وإلى الحسين (عليهما السلام) وكونه الإمام الثاني عشر ابن الإمام الحادي عشر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لا محالة ولقرشيته النسبية ولمشموليته بحديث (الخلفاء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش)، أو حديث (لا يزال هذا الدين قائماً ما وليه اثنا عشر كلهم من قريش). وهذا الحديث متواتر، روته الصحاح والمسانيد بطرق متعددة وإن اختلف في متنه قليلاً.
نعم، اختلفوا في تأويله واضطربوا. راجع (صحيح البخاري: ج٩، ص١٠١، كتاب الأحكام، باب الاستخلاف) (صحيح مسلم: ج٢، ص١١٩، كتاب الإمارة)، (مسند أحمد بن حنبل: ج٥، ص٩٠- ٩٣-٩٧).