الحكومة العالمية للمخلّص وتحقيق الأمن والسلام العالمي
الشيخ إدريس تراوري
الحكومة هي عقد اجتماعي بين الحاكم والرعية، ولا يخفى على أحد أنّ النبي الخاتم (صلّى الله عليه وآله وسلم) قد قام بتأسيس الدولة في المدينة المنوّرة بعد هجرته إليه (صلّى الله عليه وآله وسلم) عندما تهيّأت أسباب ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى، وإن حوّلها الطغاة والظلمة بعد ذلك دولة لإشباع شهواتهم اللاإنسانية.
ويمكننا تقسيم الحكومات المعاصرة إلى:
- الملكية المطلقة الاستبدادية: وذلك بأنْ يحكم شخص في الناس بهواه كيفما يريد ولا يتقيّد بأيّ قانون وضابطة.
- الملكية المشروطة الحديثة: وتكون فيها الملكية حقاً وراثياً، ولا يكون على عاتق الملك أيّة مسؤولية، ويتمتع بكلّ ما يريد من أموال الدولة.
- الحكومة الاشرافية وتسمّى (أرستقراطية): وهي لزوم طاعة شخص أو فريق متسلّط لمجرّد تفوّقه النّسَبي أو المالي.
- حكومة الأغنياء (الطبقة الغنية): وهي استيلاء طبقة غنية ثريّة على زمام أمور الدولة والحكم على الناس لمجرّد ثرائهم وأموالهم.
- الحكومة الاشتراكية، القائمة على النظرية الماركسية: وهي تصيير الناس كلهم في قالب خاصّ واحد من التفكير ووجهة النظر في الحياة، وتبتني على المادية المحضة وقصر كل النظر والفكر في الماديات.
- الحكومة الشيوعية: وهي نظام سياسي اقتصادي قائم على أساس إلغاء الملكية الخاصة. وتسعى الشيوعية إلى إلغاء الدولة والحكومة والنظام بين الناس.
- الديمقراطية: وهي حكومة الشعب على الشعب كما يقال، ولكن ما في ظاهرها يختلف عمّا في باطنها، فبعد انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة يكون الرئيس مطلق العنان وتكون القوانين حبراً على ورق، وتستغلّ الحكومة الشعب لخدمة جهاز الدولة فقط.
إنّ الأنظمة المذكورة لم تستطع بعد التجربة البشرية أن تحلّ مشاكل المجتمع البشري، بل صارت وسيلة لاستغلال الجماعة القليلة جدّا طاقات الناس الفكرية والمادية، وبسببها تزداد مشاكل الناس يوما بعد يوم، فلا تستطيع تلك الحكومات أنْ تلبّي الحاجات البشرية. فأهدافها أهادفاً شخصية أو فئوية، وأعمالها منحصرة في حيّز محدود، ونشاطها في حدود ثابتة.
أما الحكومة الإسلامية، حكومة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فهي حكومة عالمية:
وأنّه لا شكّ ولا ريب أن الإسلام المحمدي دين عالمي فكان رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلم) يوجه رسالته السماوية إلى جميع الناس بدون استثناء، لذلك قام (صلّى الله عليه وآله وسلم) بتوجيه رسالة إلى من استطاع أن يوجّه إليه من الملوك بحسب الظروف في ذلك العصر. وكذلك هو القرآن الكريم يخبرنا عن عالمية الرسالة المحمدية (صلّى الله عليه وآله وسلم).
قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشيراً وَنَذيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ..﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَميعاً الَّذي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾، كما قال (عزَّ وجل): ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ﴾.
فرسالته (صلّى الله عليه وآله وسلم) رسالة الإسلام إلى الناس كافة، وعدم علم أكثر الناس بذلك والناتج من تقصيرهم لا ينفي الموضوع.
كما أنّ رسالته (صلّى الله عليه وآله وسلم) منشأ البركة والرحمة والخير والسعادة البشرية.
إذا فهمنا هذا بدقة لا يبقى لدينا أدنى شكّ في عالمية حكومة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لكونه آخر خلفائه وأوصيائه ومورد تحقق الوعود الإلهية في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:
- ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لا يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾.
هذا وعد إلهي للذين آمنوا وعملوا الصالحات، أن تكون بأيديهم الخلافة في الأرض أي الحكم والحكومة على جميع أنحاء الأرض، وأن يتمكّن دّين الإسلام في كلّ بقعة من بقاع الأرض، فيعبد الجميع ربّهم الذي لا إله إلا هو، بكل أمن واطمئنان، وهذا وعد إلهي يتحقق على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حين يظهر.
- قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
- قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
فعباد الله الصالحون سيملكون الأرض ويحكمون عليها بالدين الإلهي، الإسلام، وهذا الوعد الإلهي يتحقق عند الظهور المقدّس للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بعون الله تعالى.