الأمة ومسؤولية التمهيد للظهور
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
ربما يخفى على البعض دور الأُمة في صنع الواقع الملائم للظهور المبارك، وحتى تتضح الصورة لا بد أن نفهم أمراً مهماً، وهو أن الخطابات الدينية العظيمة يساهم في صنعها وصنع عظمتها أمران، هما: شخصية الملقي للخطاب، وكيفية إلقائه.
وعندما نلاحظ هذين العنصرين في القضية المهدوية نجد أن الملقي للخطاب تمثل بالمعصومين عموماً، ومن المعلوم أن المعصوم لا يمكن أن يتطرق إلى كلامه الخطأ أو الاشتباه، وهذا ما يضفي قدسية لا مثيل لها على أية قضية يوجه المعصوم خطابه إليها.
فخطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للأُمة بأن المهدي (عجّل الله فرجه) من ولده، أو من ولد فاطمة ومن ولد الحسين تحديداً، وأنه لو لم يبق إلّا يوم واحد للدنيا لأطاله الله تعالى حتى يظهر الحجة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليملأها قسطاً وعدلاً، فهذا الخطاب لا يمكن أن يصدر اشتباهاً أو خطأً، وبالتالي لابد من الإيمان المطلق به والتسليم القلبي له الذي يتبعه المجاراة العملية لمضمونه.
ثم تأتي مسألة كيفية الإلقاء، أي أن الملقي وهو المعصوم - كان قد ألقى الفكرة المهدوية بشكل واضح ونص لا إجمال فيه ولا إهمال، وأكد عليها بقدر درجة أهميتها في المنظومة الدينية، ولذا نلاحظ أن نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) قد ركزوا كثيراً على قضية المهدي (عجّل الله فرجه) إلى الحد الذي اضطر المخالف إلى الاعتراف بتلك القضية رغماً عنه، وإن حاول المناقشة في الصغرى، أي في شخص المهدي (عجّل الله فرجه) وأنه ابن الحسن العسكري (عليه السلام) أو رجل يولد في آخر الزمان ليكبر ويقوم بانقلاب عسكري وثقافي شامل.
جاء في بحار الأنوار ج٥١ - ص ١٤٧ وكتاب الغيبة للنعماني - ص١٥٣، عن محمد بن عصام، قال: حدثني المفضل بن عمر، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) في مجلسه ومعي غيري، فقال لنا: «إياكم والتنويه» - يعني باسم القائم (عليه السلام) - وكنت أراه يريد غيري، فقال لي: «يا أبا عبد الله، إياكم والتنويه، والله ليغيبن سبتاً من الدهر، وليخملن حتى يقال: مات أو هلك بأي واد سلك؟ ولتفيضن عليه أعين المؤمنين، وليكفأن كتكفئ السفينة في أمواج البحر حتى لا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه، وأيده بروح منه، ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي». قال المفضل: فبكيت، فقال لي: «ما يبكيك»؟ قلت: جعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: ترفع اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي؟ قال: فنظر إلى كوة في البيت تطلع فيها الشمس في مجلسه، فقال: «أهذه الشمس مضيئة»؟ قلت: نعم. فقال: «والله لأمرنا أضوأ منها».
فهذه الرواية - وأمثالها كثير - تبين أن أهل البيت (عليهم السلام) يصرحون بأن قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) واضحة جداً ولا تقبل الاشتباه ولا الخطأ، لكن لمن يرى نور الشمس وليس للأعمى.
فأهمية القضية - أية قضية - تابعة للظروف الموضوعية المحيطة بالملقى، ولمضمون القضية الملقاة.
وبعد عصمة الملقي وطريقته المناسبة في الإلقاء تبقى مهمة الملقى عليه، أي الأُمة، فهي المسؤولة عن حفظ هذه القضية وتنميتها بالشكل الذي يمهد للظهور المبارك، وبالتالي يجب على الأُمة أن تعمل على تطبيق التعليمات التي جاءت عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، وهذا يعني أن على الأفراد أن يبدؤوا بتطبيق تلك التعليمات، وهي ما تسمى بواجبات زمن الغيبة الكبرى حتى يصبح الفرد، وبالتالي الأُمة، بصيراً بالنور المهدوي، ولا يشتبه عليه الأمر. ومنه تعرف أهمية دور الأُمة في هذه القضية، وفي الوقت نفسه تعرف عظمة المسؤولية الملقاة على الأُمة تجاه القضية المهدوية.