سياسة التجريف والأراضي المحروقة (١) / أحمد كاطع إنموذجاً
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
تدعو سياسة التنظيم وترتيب الأولويات الدينية أصحاب الهموم وذوي النظرة للمصالح العليا للمذهب الحق إلى مراجعة أفكارهم بين حين وآخر والتماس ما يمكن أنْ يؤثر في الواقع نحو رفد المسيرة الدينية بطاقات جديدة، فيلتمسون من خلال هذه العملية تصحيح بعض أفكارهم، وتسويق البعض الآخر، وفي المقابل يكتسبون من الميدان خبرة من عاش في الأجواء المختلفة ومارس ميدانياً أفكاراً قد تبدو متصارعة.
فبين حقيقة الوضوح والبيان التي يمتلكها الدين الحق ومذهب الإمامية الاثني عشرية، والبساطة التي ضحّى من أجلها بأنفس الدماء، وبين تعقيدات تفرض من هنا وهناك، يحاول مسوّقوها اكتساب مساحة معينة واقتطاع عضو من أعضاء جسد التشيع، بعد أنْ حققت لهم وجودات خارجية ومكتسبات مادية ضخمة هيّأت لهم الأرضية للزحف بأفكارهم المشوشة ودمجها بالأفكار الحقة لتشويش الصورة الواضحة البسيطة، وإظهارها ولو بأقل ما يمكن لهم، على أنّ إتّباع هذا المذهب يتبعون المشوهات من العقيدة، ولا يركنون إلى حق وهدى، وهي نتيجة كبيرة جداً لهؤلاء الضلال، فلن تذهب تلك الأموال العظام ولا الجهود التي بذلوها لأجل تسويق هذه الأفكار سدى، بعد أنْ كانت اسوأ النتائج ترقباً من قبلهم هي إضعاف بعض الوجودات المقدسة في هذا المذهب، أو في تشويه بعض الأفكار الرائعة أو دس بعض الممارسات المنحرفة تسويقاً لها على أنها جاءت محيكة في هذا الجسد الإمامي الحق وعضواً في جسد التشيع.
فبين هذا وذاك يضيع البعض من أتباع المذهب الحق ظناً منهم أنهم على هدى، ويسيرون على جادة النجاة وسبيل الاستقامة، بينما هم في الحقيقة قد انحرفوا عن المسيرة واصيبوا بشلل فكري بعد تذوقهم تلك الأفكار المسمومة التي صدّرت لهم على أنّها أفكار المذهب حقيقة.
ومن بين النماذج التي أعدت بشكل واضح لممارسة هذه العملية في هذا الزمان، المدعو أحمد إسماعيل كاطع.
وهنا لابد من الحديث عن المكتبسات التي حققها أتباع هذا المدعو وإن كانت متفاوتة فيما بينها بحسب نسب ما حققته رواجاً وقبولاً لدى الأوساط الخاصة والعامة من المجتمع.
المكتسب الأوّل: بات اليوم من القضايا التي تتناقلها الألسن دون توقف عند سماعها أنّ يسمى هذا المدعو (أحمد بن الحسن) فالجميع يسمّيه بهذا الاسم ولا يسمّيه باسمه الحقيقي، مع أنّ هذا الاسم هو اسم مدعى له وليس اسمه الحقيقي، إذ أنّ اسمه (احمد إسماعيل) وليس (احمد بن الحسن)، والغريب أنه لم يقل في مدعاه أنّه أحمد بن المهدي أو أحمد بن من يدعي أنه ابن المهدي من أجداده، ولعل اختياره لاسم الحسن فيه دلالة للارتباط بينه وبينه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وللتسهيل لتقبل هذا الاسم.
ومع الأسف لقد تم تقبّل الاسم من قبل الناس غير المؤمنين به والذين يكتبون ضد دعوته، فضلاً عمن يتبعه، وهذا مكتسب يجب أنْ يلتفت إليه وأنْ تنبه الناس إلى سلب هذا المكتسب عنه وعدم أخذ هذه التسمية أخذ المسلمات.
المكتسب الثاني: وهو مكتسب يتلو الأول في الخطورة، وإنْ كان تقبله أقلّ من الأول إذ أنّ هذا المدعي فتح باب المجال لادعاء العصمة بعد الأئمة، وأنّ هذا الشخص رجل معصوم مرتبط بالسماء، أقواله على حد أقوال الأئمة في القبول والانصياع والاستماع، وأنّ التجرؤ عليه هو على حد التجرؤ على المعصومين (عليهم السلام) وهذا المكتسب وإنْ لم يكن رائجاً بشكل واسع إلّا أنّه لدى أتباعه أصبح من المسلمات، ويجب عند نقاش أتباع هذا المدّعي التركيز على هذه النقطة وسلب الشرعية عنها وأنها قضية مسلّمة، إذ كيف أصبح هذا الشخص معصوماً بعد تظافر الأدلّة وتواترها على انقطاع العصمة.
المكتسب الثالث: وهو يتقدم على الثاني في الخطورة والتقبل، حيث أنّه يدّعي أنّ الأئمة ليسوا اثني عشر وإنما هم أربع وعشرون، وبذلك يريد أنْ يرسم خارطة جديدة للمذهب، ليست الخارطة التي رسمها أهل البيت (عليهم السلام) والتي سميت من زمانهم بل من زمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى زماننا بالإمامية الاثني عشرية، فهو يريد أنْ يرسم خارطة جديدة قد تكون الثلاثة عشرية أو أي رقم آخر، فيكون بذلك ومن خلال هذا المكتسب قد فتح المجال واسعاً أمام غيره لادّعاء دعاوى أخرى، الهدف منها النيل من المذهب ومكانته وما يتمتع به من قبول وإقبال لدى المسلمين بل وغيرهم.
فهذه المكتسبات وغيرها ممن لم نشر إليها، يحاول هؤلاء أنْ يستفيدوا منها، وهي أقل النتائج تحصيلاً لهم، فبعد ثبوت بطلان دعوتهم يكونوا قد حققوا هذه المكتسبات كقدر متيقّن لحركتهم.
وهذا يعكس لنا من جهة أخرى أنّ هؤلاء ليسوا مجرد جماعة تلهث وراء المادة أو المنصب الاجتماعي، وإنما جماعة لها ما وراءها ممن يخطط ويبرمج ويرسم الأسس والاستراتيجيات للنيل من مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فسياسة تجريف الأراضي وحرقها هي سياسة قديمة وتتلون لتشكل في بعض الاحيان حروباً باردة ضد المذهب لإنهاك أتباعه وشل قدراتهم وتوجيه بوصلتهم صوب هؤلاء، وإشغال مفكريهم وعلمائهم به ليبتعدوا عن هدفهم السامي في بيان مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وما يتمتع به من رونق خاص في جذب البشرية تجاهه من خلال الأقلام الموزونة المعتدلة الأصيلة.