الأسئلة الصعبة لسعد بن عبد الله، سأله من صاحب العصر وهو غلام صغير(١)(*)
حدثنا محمد بن علي بن محمد بن حاتم النوفلي المعروف بالكرماني قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال : حدثنا أحمد بن طاهر القمي قال : حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني قال : حدثنا أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد الله القمي قال : كنت امرءا لهجا بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها ، كلفا باستظهار ما يصح لي من حقائقها ، مغرما بحفظ مشتبهها ومسغلقها ، شحيحا على ما أظفر به من معضلاتها ومشكلاتها ، متعصبا لمذهب الامامية راغبا عن الامن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي إلى التباغض والتشاتم ، معيبا للفرق ذوي الخلاف ، كاشفا عن مثالب أئمتهم ، هتاكا لحجب قادتهم ، إلى أن بليت بأشد النواصب منازعة ، وأطولهم مخاصمة ، وأكثرهم جدلا ، وأشنعهم سؤالا وأثبتهم على الباطل قدما . فقال ذات يوم - وأنا أناظره - : تبا لك ولأصحابك يا سعد إنكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما ، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وإمامتهما ، هذا الصديق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته ، أما علمتم أن رسول الله ما أخرجه مع نفسه إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد لأمر التأويل والملقى إليه أزمة الأمة ، وعليه المعول في شعب الصدع ، ولم الشعث ، وسد الخلل ، وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك، وكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته ، إذ ليس من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة إلى مكان يستخفي فيه ، ولما رأينا النبي متوجها إلى الانجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من أحد استبان لنا قصد رسول الله بأبي بكر للغار للعلة التي شرحناها ، وإنما أبات عليا على فراشه لما لم يكن يكترث به ، ولم يحفل به لاستثقاله، ولعلمه بأنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها . قال سعد : فأوردت عليه أجوبة شتى ، فما زال يعقب كل واحد منها بالنقض والرد علي ، ثم قال : ، يا سعد ودونكها أخرى بمثلها تخطم أنوف الروافض، ألستم تزعمون أن الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفارق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسر ان النفاق ، واستدللتم بليلة العقبة ، أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها ؟ قال سعد : فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الالزام وحذرا من أني إن أقررت له بطوعهما للاسلام احتج بأن بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون إلا عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه نحو قول الله تعالى " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا " وإن قلت : أسلما كرها كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس . قال سعد : فصدرت عنه مزورا قد انتفخت أحشائي من الغضب وتقطع كبدي من الكرب وكنت قد اتخذت طومارا وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيبا على أن أسال عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي - محمد عليه السلام فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في بعض المنازل فلما تصافحنا قال : بخير لحاقك بي ، قلت : الشوق ثم العادة في الأسؤلة قال : قد تكافينا على هذه الخطة الواحدة ، فقد برح بي القرم إلي لقاء مولانا أبي محمد عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل في التنزل فدونكها الصحبة المباركة فإنها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا . فوردنا سر من رأى فانتهينا منها إلى باب سيدنا فاستأذنا فخرج علينا الاذن بالدخول عليه وكان على عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه مائة وستون صرة من الدنانير والدراهم ، على كل صرة منها ختم صاحبها . قال سعد : فما شبهت وجه مولانا أبي محمد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفى من لياليه أربعا بعد عشر ، وعلى فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر ، على رأسه فرق بين وفرتين كأنه ألف بين واوين ، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها ، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة ، وبيده قلم إذا أراد أن يسطر به على البياض شيئا قبض الغلام على أصابعه ، فكان مولانا يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها كيلا يصده عن كتابة ما أراد فسلمنا عليه فألطف في الجواب وأومأ إلينا بالجلوس فلما فرغ من كتبة البياض الذي كان بيده ، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طي كسائه فوضعه بين يديه فنظر الهادي عليه السلام إلى الغلام وقال له : يا بني فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك، فقال: يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها ؟ فقال مولاي : يا ابن إسحاق استخرج ما في الجراب ليميز ما بين الحلال والحرام منها ، فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام : " هذه لفلان بن فلان ، من محلة كذا بقم ، يشتمل على اثنين وستين دينارا ، فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت إرثا له عن أبيه خمسة وأربعون دينارا ، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر دينارا ، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير " فقال مولانا : صدقت يا بني دل الرجل على الحرام منها ، فقال عليه السلام : " فتش عن دينار رازي السكة ، تاريخه سنة كذا ، قد انطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشه ، وقراضة آملية وزنها ربع دينار ، والعلة في تحريمها أن صاحب هذه الصرة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منا وربع من فأتت على ذلك مدة وفي انتهائها قيض لذل الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك منا ونصف من غزلا أدق مما كان دفعه إليه واتخذ من ذلك ثوبا ، كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه " فلما فتح رأس الصرة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه وبمقدارها على حسب ما قال ، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة . ثم أخرج صرة أخرى فقال الغلام : " هذه لفلان بن فلان ، من محلة كذا بقم تشتمل على خمسين دينارا لا يحل لنا لمسها " . قال : وكيف ذاك ؟ قال : " لأنها من ثمن حنطة حاف صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنه قبض حصته منها بكيل واف وكان ما حص الأكار بكيل بخس " فقال مولانا : صدقت يا بني . ثم قال : يا أحمد بن إسحاق احملها بأجمعها لتردها أو توصي بردها على أربابها فلا حاجة لنا في شئ منها ، وائتنا بثوب العجوز . قال أحمد : وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته. فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمد عليه السلام فقال: ما جاء بك يا سعد ؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق على لقاء مولانا . قال : والمسائل التي أردت أن تسأله عنها ؟ قلت : على حالها يا مولاي قال : فسل قرة عيني - وأومأ إلى الغلام - فقال لي الغلام : سل عما بدا لك منها ، فقلت له : مولانا وابن مولانا إنا روينا عنكم أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين عليه السلام حتى أرسل يوم الجمل إلى عائشة : إنك قد أرهجت على الاسلام وأهله بفتنتك ، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك ، فإن كففت عنى غربك وإلا طلقتك ، ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله قد كان طلاقهن وفاته ، قال : ما الطلاق ؟ قلت : تخلية السبيل ، قال : فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله قد خليت لهن السبيل فلم لا يحل لهن الأزواج ؟ قلت : لان الله تبارك وتعالى حرم الأزواج عليهن ، قال : كيف وقد خلى الموت سبيلهن ؟ قلت : فأخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض رسول الله صلى الله عليه وآله حكمه إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله فخصهن بشرف الأمهات ، فقال رسول الله : يا أبا الحسن إن هذا الشرف باق لهن ما دمن الله على الطاعة ، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف أمومة المؤمنين. قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته ؟ قال : الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا فإن المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوج بها لأجل الحد وإذا سحقت وجب عليها الرجم والرجم خزي ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد أبعده ، ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن أمر الله لنبيه موسى عليه السلام " فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" فإن فقهاء القريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة ، فقال : عليه السلام من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الامر فيها من خطيئتين إما أن تكون صلاة موسى فيهما جائزة أو غير جائزة ، فإن كانت صلاته جائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة ، وإن كانت مقدسة مطهرة فليست بأقدس وأطهر من الصلاة وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنه لم يعرف الحلال من الحرام وما علم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز ، وهذا كفر. قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما قال : إن موسى ناجى ربه بالواد المقدس فقال : يا رب إني قد أخلصت لك المحبة مني ، وغسلت قلبي عمن سواك - و كان شديد الحب لأهله - فقال الله تعالى : " إخلع نعليك " أي أنزع حب أهلك من قلبك إن كانت محبتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا.
قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل " كهيعص " قال هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد صلى الله عليه وآله وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة فأهبط عليه جبرئيل فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين سري عنه همه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة، فقال ذات يوم : يا إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته ، وقال : " كهيعص " " فالكاف " اسم كربلاء . و " الهاء " هلاك العترة . و " الياء " يزيد ، وهو ظالم الحسين عليهما السلام . و " العين " عطشه . و " الصاد " صبره. فلما سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته ( إلهي أتفجع خير خلقك بولده إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما ) ؟ ! ثم كان يقول : ( اللهم ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر ، وأجعله وارثا وصيا ، واجعل محله مني محل الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ، ثم فجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده ) فرزقه الله يحيى و فجعه به . وكان حمل يحيى ستة أشهر وحمل الحسين عليه السلام كذلك ، وله قصة طويلة . قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم ، قال : مصلح أو مفسد ؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلة ، وأوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله تعالى وأنزل عليهم الكتاب وأيدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الأمم وأهدي إلى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن ، قلت : لا ، فقال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله تعالى : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا - إلى قوله - لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم" فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وتتصرف عليه السرائر وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح . ثم قال مولانا : يا سعد وحين ادعى خصمك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرج مع نفسه مختار هذه الأمة إلى الغار إلا علما منه أن الخلافة له من بعده وأنه هو المقلد أمور التأويل والملقى إليه أزمة الأمة وعليه المعول في لم الشعث وسد الخلل وإقامة الحدود ، وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر ، فكما أشفق على نبوته أشفق على خلافته إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري أن يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره إلى مكان يستخفي فيه وإنما أبات عليا على فراشه لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقاله إياه وعلمه أنه إن قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها . فهلا نقضت عليه دعواه بقولك أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " فجعل هذه موقوفة على أعمار الأربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم فكان لا يجد بدا من قوله لك : بلى ، قلت : فكيف تقول حينئذ : أليس كما علم رسول الله أن الخلافة من بعده لأبي بكر علم أنها من بعد أبي بكر لعمر ومن بعد عمر لعثمان ومن بعد عثمان لعلي فكان أيضا لا يجد بدا من قوله لك : نعم ، ثم كنت تقول له : فكان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخرجهم جميعا ( على الترتيب ) إلى الغار ويشفق عليهم كما أشفق على أبي بكر ولا يستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه إياهم وتخصيصه أبا بكر وإخراجه مع نفسه دونهم . ولما قال : أخبرني عن الصديق والفاروق أسلما طوعا أو كرها ؟ لم لم تقل له : بل أسلما طمعا وذلك بأنهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفى سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم من حال إلى حال من قصة محمد صلى الله عليه وآله ومن عواقب أمره، فكانت اليهود تذكر أن محمدا يسلط على العرب كما كان بختنصر سلط على بني إسرائيل ولا بد له من الظفر بالعرب كما ظفر بختنصر ببني إسرائيل غير أنه كاذب في دعواه أنه نبي. فأتيا محمدا فساعداه على شهادة ألا إله إلا الله وبايعاه طمعا في أن ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد إذا استقامت أموره واستتبت أحواله فلما آيسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من أمثالهما من المنافقين على أن يقتلوه فدفع الله تعالى كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا كما أتى طلحة والزبير عليا عليه السلام فبايعاه وطمع كل واحد منهما أن ينال من جهته ولاية بلد ، فلما أيسا نكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع أشباههما من الناكثين قال سعد : ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت أثر أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكيا فقلت : ما أبطأك وأبكاك ؟ قال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره ، قلت : لا عليك فأخبره ، فدخل عليه مسرعا وانصرف من عنده متبسما وهو يصلي على محمد وآل محمد ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا يصلي عليه . قال سعد : فحمدنا الله تعالى على ذلك وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا أياما ، فلا نرى الغلام بين يديه فلما كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا وانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائما وقال : يا ابن رسول الله قد دنت الرحلة واشتد المحنة، فنحن نسأل الله تعالى أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك وعلى سيدة النساء أمك وعلى سيدي شباب أهل الجنة عمك و أبيك وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلي عليك وعلى ولدك و نرغب إلى الله أن يعلي كعبك ويكبت عدوك ، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك . قال : فلما قال هذه الكلمات استعبر مولانا حتى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته ثم قال : يا ابن إسحاق لا تكلف في دعائك شططا فإنك ملاق الله تعالى في صدرك هذا فخر أحمد مغشيا عليه ، فلما أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدك إلا شرفتني بخرقة أجعلها كفنا ، فأدخل مولانا يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهما فقال : خذها و لا تنفق على نفسك غيرها ، فإنك لن تعدم ما سألت ، وإن الله تبارك وتعالى لن يضيع أجر من أحسن عملا قال سعد : فلما انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حلوان على ثلاثة فراسخ حم أحمد بن إسحاق وثارت به علة صعبة أيس من حياته فيها ، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا أحمد بن إسحاق برجل من أهل بلده كان قاطنا بها، ثم قال : تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي ، فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا إلى مرقده . قال سعد : فلما حان أن ينكشف الليل عن الصبح أصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا أنا بكافور الخادم ( خادم مولانا أبي محمد عليه السلام ) وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم ، وجبر بالمحبوب رزيتكم ، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه ، فقوموا لدفنه فإنه من أكرمكم محلا عند سيدكم . ثم غاب عن أعيننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه ، وفرغنا من أمره رحمه الله.
الهوامش:
(*) موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام لمحمد تقي أكبر نژاد
(١) كمال الدين ج ٤٣ ص ٤٥٤_ باب ذكر من شاهد القائم عليه السلام ورآه.
بحار الأنوار ص ٧٨ ج ٥٢ باب ١٩ _ خبر سعد بن عبد الله ورؤيته.