السعادة في لقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) (١)
السيد منير الخباز
قال تعالى: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُـم مُؤْمِنِينَ﴾.
أفاد السيد الطباطبائي رحمه الله في الميزان أن المقصود ب﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ﴾ في الآية المباركة هو الربح الذي يدخل على الإنسان إذا أجرى المعاملة كأن باع شيئاً بربح، واستدل على ذلك بالسياق حيث أن الآية وردت في سياق كلام شعيب عليه السلام مع قومه حيث قال﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُـم مُؤْمِنِينَ﴾ وهناك معنى آخر يفيد أن المقصود ب﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ﴾ هو المظهر الباقي لله تبارك وتعالى، وهو ما ينطبق على الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) لوجهين:
الوجه الأول: أن الرواية وردت بذلك في الكافي عن عمر بن زاهر عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: سألته هل يسلم على القائم (عليه السلام) بإمرة المؤمنين يعني هل يقال للقائم (عليه السلام) (يا أمير المؤمنين) قال: (لا، ذاك اسم يختص بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) لم يسمَّ به أحد قبله ولا يتسمى به أحد بعده) قلت: بم يسلم على القائم (عليه السلام)؟! قال: أن تقول السلام عليك يا بقية الله، قال الله (عزّ وجل) ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ فالمراد ببقية الله: الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) لأنه بقية الله بمعنى المظهر الباقي لله، وكل إمام وكل نبي هو مظهر لله، لكن المظهر قد ينتقل إلى الملأ الأعلى كالأنبياء والأئمة الذين توفوا فهم مظهر قد أنقضى، وهناك مظهر مازال باقياً إلى أن تقوم الساعة وهو المعبر عنه بـ﴿بَقِيَّتُ الله﴾ وهو ينطبق على الإمام الحجة (عجّل الله فرجه).
الوجه الثاني:
أن الشرط في الآية يؤكد ذلك فقد قالت الآية المباركة: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُـم مُؤْمِنِينَ﴾ ولو كان المراد من ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ﴾هو الربح الذي يدخل إلى جيب الإنسان إذا باع فلا معنى لاشتراطه للربح الإيمان فالربح خير للمؤمن وللكافر ولا يختص بالمؤمن، بينما نجد أن الآية جعلت ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ لخصوص المؤمنين ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُـم مُؤْمِنِينَ﴾ وهذا لا ينطبق إلا على ملجأ المؤمنين وملاذهم الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) فهو الخير الذي يكون مشروطاً بالإيمان والصلاح.
إذاً الآية تتحدث عن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه( في سياق الآيات التي تتحدث عن شعيب (عليه السلام) مع قومه لا ينافي عمومها وسعتها لغير زمان شعيب (عليه السلام) بل لجميع الأزمنة, ونحن سنتحدث عن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) في محاور ثلاثة:
المحور الأول: هل أن الإمام (عجّل الله فرجه) غائب أم حاضر؟!
المحور الثاني: هل أن هدفنا هو لقاء الإمام (عجّل الله فرجه) أم لا ؟!
المحور الثالث: في علاقة الحب والعشق للإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)؟!
وبعد هذه المقدمة نأتي للحديث عن المحور الأول وهو: (كيف نتعامل مع قضية الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه))؟!
ولذلك اتجاهان: اتجاه مادي واتجاه روحي
فالاتجاه المادي: هو الذي يتعامل مع الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) كإنسان غائب ينتظر قدومه، ومسافر ينتظر مجيئه، ولأجل ذلك نرى كثيراً من الشيعة، كثيراً من الأقلام، كثيراً من المتحدثين يركز على القضايا المادية, ويطرح أموراً مثل ما هي علامات الظهور؟!ما هو شكل الإمام (عجّل الله فرجه)؟! ما هو شكل سيف الإمام (عجّل الله فرجه)؟! ما هو شكل درع الإمام (عجّل الله فرجه)؟! لباس الإمام (عجّل الله فرجه)؟! خاتم الإمام (عجّل الله فرجه)؟! وهذا التركيز على القضايا المادية يعبر عن (اتجاه مادي) وهو أن الإمام جسد غاب عن الأنظار ولذلك لابد أن نبحث عن علامات قدومه وعلامات مجيئه حتى نميزه عن غيره.
وهناك اتجاه أخر وهو:
الاتجاه الروحي: الذي يقول إن الإمام (عجّل الله فرجه) حاضر وليس بغائب فهو ليس بجسد حتى نبحث متى يأتي (ذلك الجسد)، نعم الإمام (عجّل الله فرجه) كسائر الناس له جسد مكون من دم ولحم ولكن ليست الإمامة منوطة بجسده، صحيح أنه الذي غاب عنا، لكن الإمامة منوطة بمجموعة من القيم ومجموعة من المبادئ ومجموعة من المثل، فهو أي الإمام (عجّل الله فرجه)، ليس جسداً اختفى وراء جدار أو غاب عن الأنظار، فالإمامة هي مجموعة من المبادئ وهذه المبادئ حاضرة وقائمة وفاعلة وليست غائبة، والإمام بمبادئه, وبمثله، الإمام بقيمه وليس الإمام بجسده.
وبما أن الإمامة مجموعة من القيم ومجموعة من المثل إذا فالإمام (عجّل الله فرجه) حاضر وليس بغائب لأن هذه المبادئ حاضرة وفاعلة فعلينا أن تعامل مع الإمام (عجّل الله فرجه) كحاضر لا أن نتعامل مع الإمام (عجّل الله فرجه) على أنه غائب، إن هناك مبادئ هي الإمام نفسه وهذه المبادئ هي التي تقررها الآية المباركة:﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وقال تعالى:﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ هذه هي الإمام (عجّل الله فرجه), الإمام (عجّل الله فرجه) أمر بمعروف ونهي عن منكر، الإمام (عجّل الله فرجه) دعوة إلى الخير، فهذه المبادئ الحية النشطة المتجددة هي الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، ونحن نتفاعل مع هذه المبادئ تفاعلاً حضورياً، لا تفاعلاً غيابياً.
هذا مع العلم بأننا لا نستخف بالعلامات التي أوردتها الروايات الشريفة مثل:
ورد في رواية علي بن حنظله عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (خمس علامات قبل قيام القائم (عليه السلام): الصيحة,وخروج السفياني, والخسف, قتل النفس الزكية بين الركن والمقام وخروج اليماني).
وفي معتبرة عبد الله بن سنان (أن جميعها محتوم) بمعنى لابد أن يحصل.
وفي رواية أبي بصير: (وأن أهدى الرايات راية اليماني فإنه يدعوكم إلى صاحبكم).
إذاً وجود علامات للإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) أمر لا يمكن إنكاره، هذه العلامات ستقع قبل خروجه وذكرها أهل البيت (عليهم السلام) من أجل رفع اللبس عن خروجه ووقت ظهوره.
لكن لا ينبغي أن نركز على العلامات ونهمل المبادئ, فالإمام هو المبادئ وليس هو هذه العلامات, هذه العلامات تمت أو لم تتم علينا أن نتعامل مع الإمام (عجّل الله فرجه) على أنه حاضر وفاعل وقائم، أي علينا أن نتعامل مع مبادئ الإمام (عجّل الله فرجه) سواء تمت هذه العلامات أو لم تتم فالإمامة حاضرة بمبادئ فاعلة.