السعادة في لقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) (٣)
السيد منير الخباز
في سابق حديثنا عن هذا الموضوع عرفنا بأنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو بقية الله، وأنه المظهر الباقي لله تبارك وتعالى، وأن كل نبي وكل إمام معصوم هو مظهر لله، وأن أنبياء وأوصياء ماتوا أو قتلوا، وأن منهم مظهراً لله لا زال باقياً إلى أن تقوم الساعة، ألا وهو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وقد بيّنّا في المحورين الأول والثاني من البحث أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حاضر، وأنه فاعل، وقائم علينا، وأنّ الإمامة حاضرة بمبادئ فاعلة.
كذلك إن علاقتنا بإمامنا (عجّل الله فرجه) هي علاقة انصهارية، وهي علاقة بمبادئ وقيم الإمام (عجّل الله فرجه).
أمّا في هذه الحلقة فسنتناول:
علاقة العشق بالإمام (عجّل الله فرجه).
إن الواقع يقول إن علاقتنا بالإمام (عجّل الله فرجه) الآن تبدو علاقة سطحية، علاقة جافّة جداً، علاقة يابسة، وربما تكون علاقتنا بأساتذتنا وبأصدقائنا وأحبائنا وبمراجعنا وزعمائنا أقوى من علاقتنا بالإمام (عجّل الله فرجه)، والمفروض أن علاقتنا بالإمام (عجّل الله فرجه) يجب أن تكون علاقة حب وعشق لا مجرد دعاء ورغبة، فنحن ندعو للإمام (عجّل الله فرجه) ولكن ما يريده الإمام (عجّل الله فرجه) منا ليس مجرد لقلقة اللسان في الدعاء، بل يريد منا علاقة حب وعشق كي نكون أهلاً للقائه وأهلاً لتكريمه وأهلاً لتشريفه، فما هي علاقة الحب والأنس؟!
إن هذه العلاقة لها عناصر:
العنصر الأول: هو صفاء القلب:
فالقلب الذي يحمل حقداً على الناس هو قلب بعيد عن لقاء الإمام (عجّل الله فرجه) وعن بركة الإمام (عجّل الله فرجه).
فالقلب الذي يحظى ببركة الإمام قلب طاهر، والقرآن الكريم يقول: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا﴾، فالقلب الخالي من الغل هو القلب الذي يلتقي بالإمام (عجّل الله فرجه).
الإنسان المبتسم، المتواضع، الخلوق، الذي يحب الناس ويألفهم ويبادر لقضاء حوائجهم، هو المحظوظ بلقاء الإمام (عجّل الله فرجه)، وهو المحظوظ ببركة الإمام، وبمدد الإمام، لأن قلبه طاهر كصفحة بيضاء لا يحمل حقداً ولا ضغينة، كما ورد عن النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أفاضلكم أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون»، فالمؤمن يألف ويؤلف، وهذا هو الحقيق بلقاء الإمام (عجّل الله فرجه).
العنصر الثاني: الذنوب التي تزعج وتؤلم وتبغض الإمام (عجّل الله فرجه):
جاء في رواية الشيخ الطبرسي في الاحتجاج، يروى عن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) أنه قال: «لو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته [والإمام هنا يشير إلى شرط اللقاء معه (عجّل الله فرجه)] كانوا على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد الذي عليهم لمّا تأخر عليهم اليمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق من المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل».
العنصر الثالث: الإهداء:
وهو من عناصر الأهلية للقاء الإمام (عجّل الله فرجه)، ولكي نعيش علاقة ثنائية مع الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه).
ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «تهادوا تحابوا»، الهدية تورث المحبة وهذا يجب أن يكون مع الإمام أيضاً، فإذا أهديت للإمام (عجّل الله فرجه) فإن هذا يجلب قلب الإمام إليك، وتضمن محبته، ولكن كيف تهدى الهدية للإمام؟! والجواب هو أن تصلي عنه، أن تطوف عنه، أن تحج عنه، أن تتصدق عنه، أن تصوم، فنحن بعيدون عن الإمام (عجّل الله فرجه)، نصلي لآبائنا وأُمهاتنا، لكننا لا نذكر في ذلك الإمام (عجّل الله فرجه)، إن الصلاة عنه والصدقة عنه هدية غالية ثمينة يكرمها الإمام (عجّل الله فرجه) وهذه الهدية تجعلنا مشمولين ببركته، مشمولين بدعائه.
يقول السيد علي بن طاووس (رحمه الله) وهو من أجلّاء علماء الإمامية سنة ٦٣٨: كنت بسر من رأى ليلة الثالث عشر من شهر ذي القعدة سحراً فسمعت صوت الإمام (عليه السلام) يدعو لشيعته وهو يقول: «اللهم ابقهم وأحيهم في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا».
فالإمام يدعو لمن هو قريب منه (عجّل الله فرجه)، فالإمام (عجّل الله فرجه) يكتب للشيخ المفيد شيخ الطائفة الإمامية: «إنّا غير مهملين لرعايتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا دعاؤنا لكم لنزلت بكم الألواء واصطلمتكم الأعداء».
العنصر الرابع: الذكر الخفي:
وهو من عناصر اللقاء الفنائي بالإمام المنتظر (عجّل الله فرجه). فما معنى الذكر الخفي؟
نقول إن هذا المصطلح مأخوذ من دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللهم آنسنا بالذكر الخفي، واستعملنا بالعمل الزكي والسعي المرضي»، فالذكر الخفي هو الانقطاع، فأنت إذا ذكرت الله ذكراً خفياً انقطعت إليه، ومن انقطع إلى الله لا يطلب إلّا من الله ولا يشكو إلّا لله ولا يبث همّه إلّا لله، كذلك فإن الإمام (عجّل الله فرجه) من عناصر لقائه الذكر الخفي وهو أن تنقطع إليه وتقول: يا رب أنا لا أريد حاجة لا أريد حياة ولا شفاء ولا رزقاً إلّا برضا الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه).
العنصر الخامس: تصور الإمام (عجّل الله فرجه):
بمعنى أن تتصور الإمام (عجّل الله فرجه)، وأن تفكر في محبوبك، فإن أنت أحببت شخصاً فإنّك تتصوره دائماً، وهو يمر على ذكرك دائماً ويمر على بالك، فلو كنت تحب الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) حقاً لكان بالك وذكرك وذهنك مشغولاً بصورته ومشغولاً بخياله مشغولاً بما تتصيد من أوصافه، فهل بالك مشغول به؟!
جاء في زيارة آل ياسين «السلام عليك في آناء ليلك وأطراف نهارك، السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تصلي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد، السلام عليك حين تسبح وتهلل، السلام عليك حين تحمد وتسبح، السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى»، ففي الزيارة صور للإمام تمر على أذهاننا وتربطنا بالإمام (عجّل الله فرجه).
العنصر السادس: التألم لألمه (عجّل الله فرجه):
وهو العنصر الأخير من عناصر لقائه (عجّل الله فرجه).
وهنا نقول: لا يوجد شخص على هذه الأرض يتألم مثل الإمام (عجّل الله فرجه)، الإمام يعيش الألم، وذلك لما يرى من مصائب ونوائب تمر بالأُمة الإسلامية، الإمام (عجّل الله فرجه) إذا رأى ذنباً من مؤمن يتألم، فكيف به إذا رأى فضائع الذنوب، وكبائر الجرائم والمعاصي، الإمام (عجّل الله فرجه) يعيش ألماً لا يعيشه أحد مثله، لذلك فعلاقتنا بالإمام (عجّل الله فرجه) تقتضي أن نتألم لألمه وأن نتصور آلامه فنتألم له.
جاء في دعاء الندبة «عزيزٌ عليَّ أن أرى الخلق ولا ترى ولا أسمع لك حسيساً ولا نجوى، عزيزٌ عليَّ أن أُجاب دونك وأُناغى، عزيزٌ عليَّ أن أبكيك وتخذلك الورى، عزيزٌ عليَّ أن يجري عليك دونهم ما جرى»، هذه الكلمات تقوي عندنا إحساساً بألم الإمام وبآهات الإمام (عجّل الله فرجه).