البداء في وقت الظهور
ياسين حسن السلامي
إنّ حياة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأعوانه في غيبته هي (أمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله وغيب من غيب الله) ومن هنا فإنّ الأئمة (عليهم السلام) لم يذكروا تفاصيل هذه الغيبة ولم يكشفوا عن أسرارها إلا القليل الذي سمح لهم بالحديث عنه.
ففي (علل الشرائع) /١/٢٤٥ عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: (إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب فيها كل مبطل، فقلت له: ولم جعلت فداك؟ قال (عليه السلام): لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلت فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال (عليه السلام): وجه الحكمة في غيبته, وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره أنْ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره, كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر (عليه السلام) من خرق السفينة, وقتل الغلام, وإقامة الجدار لموسى (عليه السلام) إلا وقت افتراقهما يا ابن الفضل: إنّ هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنّه (عزَّ وجل) حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلها حكمة وإنْ كان وجهها غير منكشف لنا).
أقول الرواية التالية توضح بعض أسباب عدم الإذن لهم بالكشف عن أسرار هذه الغيبة ففي (الكافي) ١/٣٦٨ عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: (يا ثابت إنّ الله تبارك وتعالى قد كان وقّت هذا الأمر في السبعين, فلما أنْ قتل الحسين (عليه السلام) اشتدّ غضب الله تعالى على أهل الأرض, فأخّره إلى أربعين ومائة, فحدّثناكم فأذعتم الحديث فكشفتم قناع الستر، ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا ﴿ويَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾. قال أبو حمزة: فحدثت بذلك أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: قد كان كذلك).
أقول لعلّ معنى (وقت هذا الأمر في السبعين) أي جعل الله تعالى في سابق علمه أنّ تملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجورا في هذا الوقت وهو سنة سبعين من الهجرة أي في عهد الأئمة (عليهم السلام) وقبل ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ولما قتل الإمام الحسين (عليه السلام) تغيرت المصلحة واقتضى تأخيره.
ولكنْ يرد على - أنّ البداء لله تعالى حصل بعد قتل الحسين (عليه السلام) - الأخبار الواردة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنّ ذلك لا يكون إلّا على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان.
قال المازندراني في (شرح أصول الكافي) ٦/٣٣٢: قوله (قد كان وقت هذا الأمر في السبعين) توقيت ظهور هذا الأمر في السبعين من الغيبة على الظاهر أو من الهجرة على احتمال بعيد - حتى يرجع الخلق إلى دين واحد - توقيت بدائي فلذلك جرى فيه البداء. أو غيّر السبعين إلى ضعفه وهو مائة وأربعون ثم غيّر ضعفه إلى ما شاء الله... ولم يجعل الله لما بعد ذلك وقتا عندنا، أي لم يجعل لنا توقيته بعد ذلك, ولا يجوز لنا إظهار وقته, ويحتمل أنْ يكون المراد أنّه لم يجعل لنا علما بوقته بعد ذلك).
وعُلم من قول المازندراني: (توقيت ظهور هذا الأمر في السبعين من الغيبة على الظاهر) أي يكون توقيت الظهور بعد سبعين عاماً من غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ويرد على قوله هذا إخبار الإمام أبو جعفر (عليه السلام) بأن ذلك يكون قبل الغيبة وبعد قتل الإمام الحسين (عليه السلام).
وقال الشيخ الطوسي في (الغيبة) ص٤٢٨: فالوجه في هذه الإخبار أنْ نقول - إنْ صحت - أنّه لا يمتنع أنْ يكون الله تعالى قد وقّت هذا الأمر في الأوقات التي ذكرت, فلمّا تجدّد ما تجدّد تغيّرت المصلحة واقتضت تأخيره إلى وقت آخر, وكذلك فيما بعد, ويكون الوقت الأول, وكل وقت يجوز أن يؤخّر مشروطاً بأن لا يتجدد ما يقتضي المصلحة تأخيره إلى أن يجيء الوقت الذي لا يغيره شيء فيكون محتوماً. وعلى هذا يتأوّل ما روي في تأخير الأعمار عن أوقاتها والزيادة فيها عند الدعاء (والصدقات) وصلة الأرحام, وما روي في تنقيص الأعمار عن أوقاتها إلى ما قبله عند فعل الظلم وقطع الرحم وغير ذلك, وهو تعالى وإن كان عالما بالأمرين, فلا يمتنع أن يكون أحدهما معلوماً بشرط والآخر بلا شرط, وهذه الجملة لا خلاف فيها بين أهل العدل).
أقول: قد يكون هناك أكثر من بداء لله تعالى في هذه المسألة وإنّ جميع ذلك عَلِمَه أهل البيت (عليهم السلام)، وكان آخره هو ما أخبر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): إن ذلك يكون في آخر الزمان على يد الإمام المهدي (عليه السلام).
ولعل معنى قول الإمام الباقر (عليه السلام): ولم يجعل الله له بعد لك وقتاً عندنا. أي لم يجعل الله لنا أن نحدّثكم عن وقت الظهور، وليس معناه أنهم يجهلون وقت الظهور.