أدلة الاعتقاد بالمخلّص عند اليهود
الشيخ محمد رباط الفرطوسي
تؤكّد التعاليم اليهودية أنّ اليهود مجبرون على قبول المبادئ الثلاثة عشر للإيمان، والتي ألّفها الحاخام موسى بن ميمون، بما في ذلك الإيمان بشكل قاطع بمجيء المسيَّا، حيث ينص المبدأ الثاني عشر على ذلك، ويقول ذلك المبدأ:
أنا اعتقد بإيمان كبير بمجيء المسيَّا، حتى لو كان قد تأخّر حدوث ذلك، إلّا أني سأنتظر قدومه كل يوم.
ففي التوراة نجد أنّ بلعام يتنبأ عن الملكين الممسوحين، الأول هو داوود الذي أنقذ إسرائيل من أيدي مضطهديه، والممسوح الآخر الذي سوف يقوم، فهو من نسل داوود أيضاً لينقذ إسرائيل في النهاية، هذا ما قاله بلعام في (سفر العدد): (أراه ولكنْ ليس الآن) هذا هو داوود، أبصره، ولكن ليس قريباً، وهذا هو المسيّا الملك، يبرز كوكب من يعقوب، هذا هو داود، ويقوم قضيب من إسرائيل، هذا هو المسيّا الملك، فيحطم طرفي موآب ويهلك بني الوغى، هذا هو داود في دولته.
وفي (سفر صموئيل الثاني) يقول الكتاب: (سوف يقتلع جميع أبناء شيث، هذا هو المسيّا الملك المعلن عنه هنا، ملكه سوف يسود من البحر إلى البحر).
ففي الفكر اليهودي إذا قام ملك من بيت داوود دارسا للتوراة ومتعمّقاً بالوصايا، استناداً للتوراة المكتوبة والشفهية (التلمود)، وقام بإرغام جميع بني إسرائيل على اتباعه، مقوّياً نقاط ضعفهم، وحارب باسم الرب، هذا الملك سوف يعامل كما لو أنّه الملك الممسوح حقّاً، فإذا انتصر على جميع الأمم من حوله، وقام ببناء الهيكل المقدس في مكانه (القدس) وجمع كل بني إسرائيل المشتتين، فإنّه سيكون بالحقيقة الملك الممسوح المسيّا، وسوف يقود كل العالم لعبادة الرب، مثلما جاء في (سفر صفنيا): (لأني حينئذ أحوّل الشعوب إلى شفة نقية ليدعوا كلّهم باسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة، ولكن إنْ لم يستمر في نجاحه أو تمّ قتله، فسيعرف حينها بأنّه لم يكن المسيّا الذي وعدتنا به التوراة، وسنعلم بأنّه مثل باقي الملوك المنحدرين من بيت داود الذين ملكوا إلى حين، ومن ثَمّ ماتوا).
هناك نصوص عن المسيّا يؤمن بها اليهود على أنّها نبوءات سوف تتحقّق، ويمكن القول إنّ معظم النصوص التي تتعلّق بالمسيّا وبما سيقوم به مدوّنة في كتاب (النبي إشعيا)، وهناك نبوءات أخرى مذكورة في كتب الأنبياء الآخرين أيضاً، ومن تلك النبوءات والأدلّة على ظهور المخلّص:
أولاً: ما جاء في (سفر التكوين):
وهو أول أسفار العهد القديم، حيث يتحدّث عن منتظر الأُمم كلّها:
(لا يزول القضيب من يهودا، وينزع من بين رجليه، حتى يأتي الذي هو أهله، وهو يكون انتظار الأمم).
ثانياً: ما جاء في (سفر أشعيا):
ما ذكره النبي أشعيا في كتابه، حيث يقول: (ويخرج قضيب من جذع يسى، وينبت غصن من أصوله، ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب، ولذته تكون في مخافة الرب، فلا يقضي بحسب نظر عينيه، ولا يحكم بحسب سمع أذنيه بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه، ويكون البر منطقة متنيه، والأمانة منطقة حقويه، فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمن معاً، وصبي صغير يسوقها، والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً، والأسد كالبقر يأكل تبناً، ويلعب الرضيع على سرب الصل، ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان، لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي؛ لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب، كما تغطي المياه البحر، ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسى القائم راية للشعوب، إياه تطلب الأمم، ويكون محله مجداً...).
ثالثاً: ما جاء في (سفر ملاخي):
وهو آخر أسفار العهد القديم بخصوص المخلّص في آخر الزمان قوله: (هأنذا أرسل ملاكي فيهيّء الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هوذا يأتي قال رب الجنود. ومن يحتمل يوم مجيئه ومن يثبت عند ظهوره؛ لأنه مثل نار الممحص ومثل أشنان القصار. فيجلس ممحصاً ومنقياً للفضة، فينقي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة؛ ليكونوا مقربين للرب تقدمة بالبر. فتكون تقدمة يهوذا وأورشليم مرضية للرب، كما في أيام القدم وكما في السنين القديمة).
رابعاً: ما جاء في (مزامير داود):
ذكر المخلّص في مزامير داوود في أسفار العهد القديم:
النص الأول: (اللهم اعطِ أحكامك للملك وبارك لابن الملك، يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق، تحمل الجبال سلاماً للشعب والآكام بالبر، يقضي لمساكين الشعب، يخلص بني البائسين ويسحق الظالم، يخشونك ما دامت الشمس وقدام القمر إلى دور فدور. ينزل مثل المطر على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض. يشرق في أيامه الصديق وكثرة السلام، إلى أن يضمحل القمر. ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض، إمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب، ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة، ملوك شبا وسبا يقدمون هدية، ويسجد له كل الملوك، كل الأمم تتعبد له؛ لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين، إذ لا معين له، يشفق على المسكين والبائس، ويخلص أنفس الفقراء، من الظلم والخطف، يفدي أنفسهم ويكرم دمهم في عينيه، ويعيش ويعطيه من ذهب شبا، ويصلي لأجله دائماً. اليوم كله يباركه تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال، تتمايل مثل لبنان ثمرتها، ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض. يكون اسمه إلى الدهر، قدام الشمس يمتد اسمه. ويتباركون به، كل أمم الأرض يطوبونه. مبارك الرب الله إله إسرائيل الصانع العجائب وحده، ومبارك اسم مجده إلى الدهر ولتمتلئ الأرض كلها من مجده، آمين ثم آمين، تمت صلوات داود بن يسى).
النص الثاني: كما يشير سفر مزامير داود إلى أن الأرض سيرثها العباد الصالحون، حيث يقول: (إن الله يعلم أيام الصالحين، وسيكون ميراثهم أبدياً).
النص الثالث: قوله: (لانّ المتبرّكين بالله سيرثون الأرض، وسينقطع أثر من لعنهم..).
خامساً: ما جاء في (سفر دانيال):
وجاء في سفر دانيال حول مملكة المخلّص العالمي: (وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد).
وغيرها من النصوص الأخرى الكثيرة التي تشير إلى حتمية ظهور المخلّص في آخر الزمان ليقيم دولة العدل والقسط والإيمان في كل أرجاء الأرض.