يوم الظهور... هو يوم تفعيل الإمكانات الخام
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
خلق الله الكون والإنسان، وأودع فيهما إمكانات هائلة، ربما لا يمكننا تصوّرها. وجعل الحياة على قصرها فرصة لإخراج تلك الإمكانات إلى حيّز الفعليّة، تماماً كما يولد الإنسان، وهو غير قادر على النطق، ولكنّ فيه إمكانية النطق، وبمرور الأيام تتحوّل تلك الإمكانيّة إلى فعليّة.
والملاحظة المهمّة هنا، هي أنّ الإنسان رغم مرور آلاف السنين على وجوده على الأرض، فإنّه لم يستغل ولم يفعّل جميع الإمكانات المتاحة له. بل إنّ الإمكانات (الخام) ما زالت كامنة وغير مفعّلة إلى يوم الناس هذا. حتى قيل إنّ الإنسان لم يفعّل من عقله سوى ٣ % فقط!
وحيث نعلم أنّ الله تعالى من الحكمة بحيث لا يخلق إمكانيّة من دون أنْ يتيح لها أنْ تصبح فعليّة، عرفنا أنّه لابدّ من مجيء يوم تبرز فيه تلك الإمكانات لترى نور الوجود. حتى تندفع شبهة العبث وعدم الحكمة في إيجاد تلك الإمكانات.
إذن، هناك إمكانات هائلة، في الكون والإنسان، وهي مازالت بحاجة إلى تفجير وتفعيل، ولاشكّ أنّها ستغيّر من وجه الحياة، لتشهد البشريّة تحوّلات ونقلات بعيدة المدى، تفوق كل التطورات التي وصلت إليها البشرية اليوم.
ونحن نعتقد أنّ ذلك اليوم آتٍ لا محالة، وأنّه هو يوم ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه). وليس هذا مجرد دعوى، بل توجد عليه مؤشّرات عديدة وتصريحات واضحة في الروايات الشريفة، نذكر منها:
أولاً: ما أكّدته الروايات الشريفة من تطوّر العلوم زمن الظهور إلى أكثر من اثني عشر ضعفاً مما هو موجود قبل الظهور.
عن أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:العلم سبعة وعشرون حرفاً فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثّها في الناس، وضمّ إليها الحرفين، حتى يبثّها سبعة وعشرين حرفاً. [بحار الأنوار، ج ٥٢، ص٣٣٦].
ثانياً: تؤكّد الروايات الشريفة أنّ الأرض ستخرج للمهدي (عجّل الله فرجه) أفلاذ أكبادها، شبه الاسطوانات الضخمة من الذهب. كما ورد ذلك عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): (تقيءُ الأرضُ أفلاذَ كبدِها. أمثالَ الأسطوانِ من الذهبِ والفضةِ...).
هذه الثروات هي موجودة اليوم. ولكنّها غير مستخرجة وغير مفعّلة بالصورة الصحيحة.
ثالثاً: وتذكر الروايات الشريفة أنّ أسماع وأبصار المؤمنين تمتدّ إلى مديات بعيدة تشمل شرق المعمورة وغربها.
جاء في (بحار الأنوار، ج٥٢، ص٣٣٦) عن أبي الربيع الشامي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ قائمنا إذا قام مدّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يكون بينهم وبين القائم (عليه السلام) بريد، يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه، وهو في مكانه.
وجاء في (كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، ص٦٧٤) عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنّه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفعا لله تبارك وتعالى كلّ منخفض من الأرض، وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ المؤمن في زمان القائم (عليه السلام)، وهو بالمشرق يرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق.
وربما يشير هذا إلى وجود هذه الإمكانية في هذه الحواس. إلاّ أنّها لم تفجّر لحدّ الآن.
رابعاً: لا نستطيع اليوم أنْ نمشي على الماء. ولكنّ أصحاب الإمام (عجّل الله فرجه) سيفعلون ذلك. ولعلّه ممكن لكل إنسان، ولكنّها إمكانية لم تفعّل إلى الآن.
جاء في (غيبة النعماني، ص٣٣٤-٣٣٥)عن محمد بن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليه السلام)، قال: إذا قام القائم (عليه السلام) بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها، قال: ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟!
فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون.
خامساً: إنّ معدّل الأعمار اليوم لا يتجاوز الستين أو السبعين عاماً، حتى إذا ما تجاوز أحدهم المئة عام، تسارعت وسائل الإعلام لتصويره على أنّه من المعمرين.
أمّا في زمن الظهور، فإنّ الناس سيعمّرون، وسيفجّر الجسد طاقاته ليعيش طويلاً.
ففي (غيبة الشيخ الطوسي، ص٤٦٨): ...ويعمّر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد فيهم أنثى... .
وغير هذا كثير مما ذكرته الروايات الشريفة.
وليس من الضروري أنْ تفعّل تلك الإمكانات لكلّ البشر زمن الظهور، ولكنّ حصولها لبعض منهم يشير إلى إمكانية متاحة للبشر. لكنْ لم يفعّلها الجميع.
إذن، يوم الظهور، هو يوم تفعيل الإمكانات الخام المودعة في الكون والإنسان.