في إثبات إمامة المهدي (عجّل الله فرجه) ووجوده
السيد علي بن عبد الكريم النجفي
لابدّ من ذكر إثبات إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ووجوده وعصمته بالأدلة العقلية، وإنْ كان إثبات إمامة آبائه (عليهم السلام) يثبت بها وجوده وإمامته، لأنّ ذلك أصل يترتب على هذا، ومقام يرجع هذا البحث إليه، ولكنْ نذكر هنا ما يقطع حجّة جاحديه ويعلم أنّ الحق (له) ومعه وفيه.
والأدلة العقلية لوجوده:
أ- لو لم يكن القائم (عجّل الله فرجه) موجوداً لخلا الزمان من الإمام، لكنّ التالي باطل فالمقدّم مثله.
بيان الملازمة: إنّ الإمامة منحصرة فيهم (عليهم السلام)، أي الأئمة وآباؤه (عليهم السلام) لاشك في انتقالهم إلى ربّهم، فلو لم يكنْ وجوده واجباً لخلا الزمان من الإمام المعصوم، فالملازمة ظاهرة.
وأمّا بطلان التالي: فلأنّه قد ثبت أنّ الإمامة لطف، واللطف واجب على الله تعالى، فخلو الزمان من الإمام محال (فيبطل التالي) فيبطل المقدّم، فيكون موجوداً وهو المطلوب.
ب- لو قيل بعدم وجود القائم محمد بن الحسن (عليه السلام) وعدم وجوب إمامته لزم خرق الإجماع، لكن التالي باطل فالمقدم مثله.
بيان الشرطية: إنّ الإجماع واقع بين المسلمين كافة أنّ الناس طرّاً على قسمين: قسم قائل بإمامة الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام)، وقسم غير قائل بذلك. أمّا القائلون بإمامتهم فلا شكّ عندهم في وجوده وإمامته، وهو ظاهر. وأمّا غير القائلين بإمامتهم فالبحث معهم ليس في إمامته ووجوده، بل في إمامة أجداده (عليهم السلام)، فإنّ كلّ من قال بإمامتهم قال بإمامته ووجوده، وكلّ من لم يقل بإمامتهم لم يقل بإمامته ولا بوجوده، فلو قال أحد بإمامتهم وأنكر إمامته ووجوده لكان قولاً ثالثاً خارقاً فقد بانت الشرطية.
وأمّا بطلان التالي فظاهر، فيبطل المقدّم، فيكون القول بعدم وجوده وبعدم إمامته محالاً، وهو المطلوب.
لا يقال: الإمام هو الذي يقوم بأعباء الإمامة، وأنتم تقولون إنّ الحسن العسكري (عليه السلام) مات وابنه المهدي (عجّل الله فرجه) صغير لا يصحّ أنْ يقوم بأعباء الإمامة، فلا يكون على تقدير صحّة وجوده إماماً.
وعلى سبيل التنزل، وقد نبّى الله عيسى بن مريم (عليه السلام) وهو ابن ساعة واحدة، ألا ترى كيف أنكر بنو إسرائيل على مريم فقالوا: ﴿يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا﴾ ما كنّا نظنّ أنّكِ تفعلين مثل هذا الفعل الفظيع فأشارت إليه فقالت كلّموا هذا الطفل، قالوا: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ فأجابوها منكرين عليها، أرأيتِ طفلاً يتكلّم، فــ: ﴿قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ فتكلّم (عليه السلام) بالحكمة وأثبت لنفسه النبوة.
وكذلك القول في يحيى بن زكريا (عليه السلام)، فقد أثبت الله له الحكم في الكتاب وهو صبي فقال: ﴿وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ وهذا نص في الباب.
ولا يدفع الشك في إمامته إمامته، وإلاّ لدفع الشك في نبوة عيسى (عليه السلام) نبوته. ولعمري أنّ الناس على قسمين: قسم شهدوا بوجوده بعد أبيه الحسن (عليه السلام)، وقسم نفوا ذلك. فأي الشهادتين أثبت وأولى بالقبول عند أهل العقول والمنقول؟ أليست شهادة النفي منفية لا يجب قبولها في الشريعة المحمدية؟
ج- إنّما دهى مخالفونا في إمامة القائم وإمامة آبائه (عليهم السلام) فأنكروها وزين لهم الشيطان منعها فمنعوها، لموضع جهلهم بحقيقة الإمام (عجّل الله فرجه) وما خصه الله تعالى به من الكرامة حتى صار أهلاً للإمامة، فخفي عليهم معرفة حقيقته فوضعوا الحق في غير موضعه، وأخرجوه عن مستحقه، وغفلوا عن كون الإمام يجب أن يكون في مرتبة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)، إذ هو المبلغ عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) ما أنزل إليه، كأنهم لم يطلعوا على ما خاطبه به في الكتاب المبين ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً﴾ فجعله نذيراً للمخلوقين كافة، من الملائكة المقربين والجن والإنس أجمعين.
وإذا كان الإمام (عجّل الله فرجه) في مرتبته حجة على هؤلاء بأجمعهم، لوجوب تبليغه إياهم ما وجب عليهم من شريعته، فبمجرد اختيار بعض الناس لبعض الأشخاص في بعض الأصقاع، أو كون فيه صفة اختاروها أو حالة أرادوها يصير حجّة على المخلوقين كافة، من الملائكة والجن والإنس أجمعين. نعوذ بالله من هذا الأفك العظيم والضلال المبين.
اعلم أنّ حال الإمام الحجّة القائم المنتظر (عجّل الله فرجه) في وقتنا هذا كحال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قبل ظهور النبوة، وذلك لأنّه لم يعرف خبر النبي بالحقيقة إلّا العلماء الراسخون والفضلاء المحقّقون، وكان الإسلام غريباً فيهم، وكان الواحد من الذين آمنوا به إذا سأل الله تعجيل فرج نبيه وإظهار أمره سخر منه أهل الجهل والضلال وقالوا: متى يخرج هذا النبي الذي تزعمون أنّه نبي السيف، وأنّ دعوته تبلغ المشرق والمغرب، وأنّه تنقاد له ملوك الأرض، كما يقول الجهّال لنا في هذا الوقت: متى يخرج المهدي الذي تزعمون أنّه لابدّ من خروجه وظهوره وينكره قوم ويعرفه آخرون.
وقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء، وقد عاد الإسلام كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) غريباً في هذا الزمان، وسيقوى بظهور ولي الله وحجته كما قوي برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وصاحب شريعته، وتقرّ بذلك أعين المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرّت أعين المنتظرين لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والعارفين به بعد ظهوره، وإن الله لمنجز لأوليائه ما وعدهم ويعلي كلمتهم ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾.