المعطيات الإيجابية لعقيدة الانتظار
علي فاضل موسى
إنّ فكرة المنقذ ليست بالجديدة، فإنّ جميع الأديان السماوية وغير السماوية عندها هذه الفكرة، بل حتى الأفكار الماديّة نجدها تقول: إنّ المجتمع سوف يصل يوما ما إلى السعادة المرجوّة. وأخذوا يصفون ذلك اليوم بعدّة أوصاف.
وكيف ما كان، فإنّ جميع أولئك نجدهم يصفون لنا ذلك المنقذ أو اليوم الموعود بمجموعة من الصفات، زادت أو قلت، نجدها بشكل أو بآخر تنطبق أكثرها أو أجمعها على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وإن اختلفت في اسم ذلك المنقذ، أو ماهيّته أو كيفيّة خروجه.
المهم أنّهم يتفقون على أنّ هناك منقذاً للبشرية لابدّ له أنْ يخرج ليخلّصها مما هي فيه من الويلات والمحن، كل هذا يدفعنا إلى البحث حول عدّة محاور نطرحها بشكل تساؤلات، من أهمها: مَن هو المنقذ الحقيقي من بين ما تقوله هذه الأديان والأفكار على مشاربها كافة؟.
وقبل هذا نسأل: هل هناك منقذ فعلا؟ وهل حال البشرية بحاجة إلى المنقذ هذا؟ ولماذا؟
ونجيب بكل ثقة. نعم هناك منقذ، والبشرية بأمسّ الحاجة إليه. وهذا ليس اعتباطا وإنّما هناك مشكلة تعاني منها البشرية منذ بداية مشوار الخليقة إلى الآن، وهي مشكلة العدالة الاجتماعية. إنّها المشكلة القديمة الجديدة.
لقد مرت على البشرية أدوار وأفكار وتيّارات رفعت ونادت بأعلى أصواتها بأنواع من الشعارات، هادفة إلى حلّ هذه المشكلة، فضلاً عن جذب الناس إليها، وأخذت البشرية على عاتقها هذه الأفكار، وتبنّت الانخراط في مسلكها ظنا منها أنّها هي التي تروي ظمأها. وإذا بها كماء البحر لا تزيد الظامئ إلاّ ظمأً!
والتاريخ شاهد على ذلك، فمنذ فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى وأنّ هذه الأنهار تجري من تحتي وأنا أهديكم سبيل الرشاد.
مرورا بالثورة الصناعية في أوربا، وبالشيوعية التي ادّعت حل هذه المشكلة من جذورها وبعد سبعين عاما سقطت على أعتاب هذه المشكلة العويصة تساقط أوراق الخريف.
إلى النظام الرأسمالي الذي أحكم قبضته على عالم اليوم معلنا العولمة أطروحة جديدة لحلّ هذه المشكلة غاضاً الطرف عن المشكلات النفسية والفكرية الناتجة من هذه الأطروحة.
ولا ننسى أطروحة السماء لحل هذه المشكلة والتي حمل شعارها الأنبياء (عليهم السلام) والتي واكبت هذه الأدوار، ولم يكن بالأمر الهيّن، فقد قدّموا كل ما بوسعهم من عمل دؤوب ليل نهار وتحملوا المشاق من تشريد وتعذيب وسجن وقتل في سبيل هذه الدعوة والمحافظة عليها سالمة من أيدي المتلاعبين، والشيء الغريب أنّ البشرية جرّبت النظام الإلهي على يد النبي سليمان (عليه السلام) والرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) ورأت ما جنته في ظل هذه الحكومة، وإنْ لم تدم طويلاً، المهم شاهدت وجنت ومع هذا أعطتها ظهرها باحثة عن نظام يحل مشكلتها، وكل نظام جرّبته لم يصلح لها لأنّه ناقص، وصادر من ناقص، وهذا هو السر في عدم نجاح الأنظمة الوضعية في حل هذه المشكلة، كل هذا وغيره دفع بالبشرية إلى انتظار المنقذ الذي يكون على يده حل هذه المشكلة وغيرها من المشاكل الراهنة وغير الراهنة، وليس هذا معناه أنّ السبب في قضية الانتظار هو اجتماعي، ولا كما ادّعت الشيوعية أنّ سببها اقتصادي. وإنّما هو البحث عن العدالة في حل المشكلة الاجتماعية التي أساسها العدالة في توزيع الحقوق والوجبات، وهذا هو ضالة البشرية، ولن تجدها إلاّ في أحضان هذا المنقذ الذي يمثل حكومة السماء، شاءت البشرية أم أبت، والتي جرى في سبيلها أنهار من دماء الأنبياء والأولياء الصالحين الذين سيتحقق حلمهم على يد هذا المنقذ الذي يطبّق عدل الله في الأرض، من هنا علينا أنْ نفهم كيفية الانتظار وعلى أي وجه يجب أنْ تكون، لا كما نريدها.
إنّ لفظة الانتظار عند سماعها يتبادر إلى الذهن السكون وعدم الحركة إلى أنْ يأتي من نحن بانتظاره. وهذا المعنى لا نجني منه ثمرة وليس هو المقصود من انتظار المنقذ، وسوف نبين ما هو مطلوب من مفهوم الانتظار من خلال عرض بسيط لحديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج.
إنّ لفظة (أعمال) نفهم منها أنّ الانتظار هو عمل وليس شيء آخر، وأنّ لفظة (أفضل) نفهم منا أنّ هناك فاضلاً ومفضول، وهذا لا يكون إلّا مترجّح.
إنّ تطبيق عدالة الله في الأرض وفي ضمنها العدالة في حل المشكلة الاجتماعية وهو ما يعلمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) علماً يقينياً هو المرجح الذي يكون من أجله عمل الانتظار أفضل الأعمال.
ولكن كيف يترجم الانتظار إلى عمل؟
إنّ للانتظار ثلاثة أبعاد هي:
١- البعد العقائدي.
٢- البعد السلوكي.
٣- البعد النفسي.
١- البعد العقائدي: قلنا سابقاً إنّ كل الأديان السماوية وغيرها من الأفكار المادية تقول بالمنقذ أو تعد البشرية بسعادة في نهاية المطاف لها، وهذا يدعونا إلى البحث حول من هو المنقذ الحقيقي، وسوف نتناول الموضوع على المستوى الإسلامي فقط، لأنّ المذاهب الإسلامية اختلفت في تحديد من هو المنقذ فكيف يكون الموضوع في غيرها؟
إنّ الأحاديث الواردة في كتب الشيعة ومؤلفاتهم لم تذكر مورد البحث هنا، لأنّ الاعتقاد بالإمامة يعتـبر أصلاً ثابتاً من أصول الديــن أو المذهب عنــد الشيعة الإمامية، وكل من يعتقد بالإمامة لا محيص له إلا أنّ يعتقد بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لأنّ الأحاديث التي تتطرق إلى الإمامة وإلى عدد الأئمة تصرح بأنّ الإمام الثاني عشر هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
فالاعتقاد بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لا ينفك ولا ينفصل عن الاعتقاد بالإمامة بصورة عامّة، وهو جزء لا يتجزأ عن الموضوع.
أمّا الأحاديث الواردة في كتب السنّة حول الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) فهي تختلف من حيث الإجمال والتفصيل. فهناك الأحاديث التي تكتفي بذكر العدد فقط دون الأسماء وتعيين أشخاصهم، وهناك الأحاديث التي تصرّح بالعدد والأسماء. وبعض تلك الأحاديث تصرّح بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأنّه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
وخلاصة القول: إنّ تلك الأحاديث يفسّر بعضها بعضاً، ومن الحق والصواب أنْ أقول إنّ تلك الأحاديث قد تجاوزت حدّ التواتر بحيث لا يبقى مجال ولا موضع للمناقشة، ومنها:
قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أنا سيّد النبيين، وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين وأنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي.
٢- البعد السلوكي: وهو معتمد كليّاً على البعد الأول، لأنّ سلوك الإنسان ناتج عن عقيدته. ونعني به الجانب العملي في حياة الإنسان فلابدّ أنْ يكون على درجة من الاستقامة أو على الاستقامة التامة، فهي المساهمة الابتدائية في تشكيل جيل الظهور، وكيفية ذلك تكون في تطبيق التعاليم الإسلامية المتمثلة في الرسالة العملية لأحد الفقهاء والمستندة إلى مصادر التشريع التي هي الكتاب والسنّة، وبذلك يكون الإنسان مستعدّ سلوكياً في تطبيق فكرة الإمام وتوجيهاته (عجّل الله فرجه) فلا يجد صعوبة تذكر بسبب المران المتّبع والمطبّق على نفسه أولاً، وبهذا يتبين إنّ الإمام لا يأتي بجديد غير الإسلام الذي نزل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أمّا ما ورد (إنّ الإسلام يعود غريباً كما بدأ) فراجع إلى الهاجرين للرسالة العملية في عصر الغيبة لا إلى الإسلام وبأي صورة من الصور.
٣- البعد النفسي: وهو نتاج البعدين الأولين، إذ يكون الإنسان على درجة من الاطمئنان النفسي واليقين القلبي من خروج الإمام لا محالة وبهذا يكون مستعدّاً نفسياً وفي أي وقت من الأوقات على استقبال الإمام (عجّل الله فرجه) وتطبيق ونشر ما يحمله من مشروع عالمي إصلاحي وتحقيق ما عانت البشرية في سبيل الوصول إليه.
ومن هذا كلّه تتبين المعطيات الايجابية لقضية الانتظار، كونها عملاً، ومن أهم هذه المعطيات:
١- التمحيص الكامل والشامل للبشرية على أدوارها كافة.
٢- القضاء أو كشف الحالة الوسط في المجتمع وهي حالة النفاق.
٣- بروز وظهور معسكرين متضادين لا ثالث لهما وهما معسكرا الحق والباطل.
٤- ظهور الطاقات الكامنة في المجتمع وعلى المستويات الفكرية والثقافية والعلمية والعملية كافة.
٥- قناعة البشرية بعدم قدرة الأنظمة الوضعية في تحقيق ما تصبو إليه.
٦- الاستعداد التام للبشرية في استقبال المنقذ وإنْ كان على غير ما تعتقد به.
٧- تهيئة جيل نوعي، لا كميّ، في رفد الدعوة.
٨- فسح المجال لتطبيق الدعوة أفرادا ومجتمعات، وهذان الأخيران لا ينافيان ما ورد عنهم (عليهم السلام) من (إنّ الأرض تمتلئ جوراً) لأنّه لا مانع من تهيئة الجيل وفسح المجال للتطبيق مع وجود الجور والظلم.
٩- رفد ودعم دعوة الإمام بكثير من الشواهد التاريخية التي مرّت بها البشرية. وهذا يقودنا إلى بحث الرجعة.
١٠- الحجّة البالغة على البشرية في سعة الوقت في التحقيق والتدقيق عن الحقيقة الغافلة عنها.
وهناك الكثير من المعطيات التي لا يسع البحث من تناولها على التفاصيل.