اكتمال الإيمان الصلة بصاحب الزمان (عجّل الله فرجه)
محمد حسن عبد الخاقاني
ما تعارف عليه الذين وجهّوا بوصلة اعتقادهم - من بني البشر - نحو الله (عزَّ وجل)، أنّ علامة المؤمنين بل واكتمال عقيدتهم وإيمانهم هي ايجابية صلتهم بخالقهم, وهؤلاء هم المتديّنون حقاً، فالتديّن الحقّ هو حسن العلاقة بديّان الدين.
إنّ سبيل المؤمنين إلى الله, والعلاقة به تعالى لا يكون إلّا عن طريق أناس استحقوا أنْ ينتدبهم ربّهم - بكريم لطفه - إلى عباده مرسلين, مبتعثين متبوعين بأوصياء لهم, وأنّ العلاقة بالوصي ليست إلّا استمرار العلاقة بالرسول المبتعث.
هذا ما كانت عليه القرون، وسارت عليه السنون، وجرت عليه سنّة الأولين، فما من نبيّ أو رسول إلا اتبعه وصيّ بل عدّة أوصياء، وليست سيرة نبيّنا وخاتم الرسل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) بدعاً من السير النبوية المباركة - معاذ الله -، أو أنّ سنته (صلّى الله عليه وآله وسلم) بجديدة على السنن، ليأتي بعد ذلك من يشكك في مثل هذه العلاقة.
إنّه لا يشكك أو يفتعل ذلك إلا حكّام الأرض، من طواغيت الدنيا وسلاطينها، يساعدهم في ذلك وعّاظهم، السائرون في ركابهم، ومن المتعيشين على فتات موائدهم.
لقد سعى هؤلاء الشذّاذ بكل ما أوتوا من مكر وتدبير لأنْ ينأوا بخطوات السائرين، لكي تبتعد بهم الشقّة عن هذا الطريق, طريق الإيمان، وأنْ يضعوا أمام أولئك السائرين العوائق لكي لا يسلكوا صراط الله، ذلك الصراط الذي يتمثّـل بسلسلة الصادقين، الأصفياء المهديين الذين يؤدّون حقّ الرفقة فيحسنون إلى الذين رافقوهم، ويصلون بهم إلى الكمال الإنساني، نهاية الهدف السماوي المرسوم.
ومن ذلك، وعلى هذا المنوال، فإنّ هناك محاولات لقطع موئل الإيمان، ومنبع تأويل القرآن، سلسلة العترة وأوصياء رسول الرحمن، تتمثل هذه المحاولات بشخصيات، بجمعيات وهيئات، أنظمة ومنظمات، يريدون مجمعين تشتيت قضية الإسلام المركزية، قضية اكتمال حلقات السلسلة الإيمانية، ويعملون على تحييد الثقافة المهدوية، مبتعدين بذلك، هم ومن اصطفّ معهم عن مسار التوحيد الصميم، ليكونوا على هامش الطريق السّوي، وخارج الجمع الإيماني، فيكونوا عرضة للنهش، بل افتراس ذئاب التيه الفكري، وغدر الشعارات الزائفة، وعذابات الإصلاح المدّعى.
إنّه في مقابل ذلك، ومن الجهة الثانية، وأمام هؤلاء الذين أرادوا للبشرية أنْ تعمه في ديجور الظلام، يجب أنْ يكون هناك من يسعى لتوحيد سير الأمّة ولم شملها، وجمع كلمتها على طريق البصيرة والنور، طريق التوحيد، طريق دين الله الإسلام.
إنّ هذا السير المبارك، وفي هذا الزمن خاصّة، لا يكون ولا يتمّ له السدّاد إلّا بالإقتداء بمصابيح الهدى وسفن النجاة, أولئك الذين كرّمهم الله وكلّفهم بهذه المهمّة التي ليست بالسهلة، أوصياء خاتم الرسل والأنبياء، من اقتضت حكمة الرحمن - لخاتميّة رسالته (صلّى الله عليه وآله وسلم) وخصوصيتها - بأنْ تكون فترة الزمان بعده طويلة ممدودة، خالية من أي نبي أو رسول، فقيّض صاحب اللطف (عزَّ وجل) لخلقه من يكفل إيصالهم بعده (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى كامل الهداية، وذلك باتباع سبل الهداية، عترته الطاهرة، أولهم وصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم حفيده وسمّي الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه).
إنّ سلوك طريق السداد والائتمام برسول الرشاد، لا يكون ولا يكتمل إلا عبر المرابطة على باب خاتم عترة الرسول (عليهم السلام)، الإمام الذي لابدّ من ظهوره، وحتميّة قيام دولته، دولة الحق العالمية، والعدالة الربانية، فإنّه الوعد الإلهي، ومشروع أمّة الإسلام، وحاضرها الذي سيفعّل في المستقبل، كما يريد الله ذلك ﴿هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
ذلك الاظهار الذي لم يتسن لهذا الدين قبل قيام دولة الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه).
إنّ المرابطة على باب الإمام (عجّل الله فرجه)، والحصول على موضع قدم ثابتة على طريق التمهيد للظهور المهدوي، وتهيئة الظروف الملائمة, وإعداد النفس له, ما هو إلّا اصطفاف تحت راية خاتم الرسل (صلّى الله عليه وآله وسلم)، جدّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، راية العلم والقوّة والتطوّر، راية الإسلام الإيماني، وذلك في مقابل رايات التشرذم والجهل والتخلف، رايات الجاهلية بجميع أطوارها.
وإنّه لا ينجو من هذا الجهل، وهذا التشرذم إلّا من أيقن وآمن بوحدانية الله تعالى أولاً، وأقرّ بأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأوصيائه (عليهم السلام) هم حججه على خلقه، وهم الهداة لا غيرهم, ثانياً بل ولا يتكامل إيمانه إلّا أنْ يقرّ بلا بديّة أن تأتي يوماً حكومتهم، الحكومة الإلهيّة الواحدة، ودولة حجّة الله بإشراقها الربّاني، ونقائها المحمدي الذي يجسدّه الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، ثالثاً.. ﴿...أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾.