الإسلام والمهدوية والحداثوية
قراءة في المُشتركات والمُفترقات في الفهم البشري
مرتضى علي الحلي
ينبغي أوّلاً التفريق المعرفي بين مقولة الحداثة، والحداثويّة، فهناك فرقٌ شاسع بين المقولتين.
فالحداثة تعني التجدّد في معالم الحياة وجوديّاً. والحداثويّة تعني عند جملتها (نوعاً من الايديولوجيا تجاه العالم والحياة بصورة مطلقة) وهي تنحى بتفكيرها منحى عقلانياً نقدياً صرفاً، وربّما غالباً ما يحذفون الدين ومقولاته حذفاً متعمّداً، لا حذفاً وجدانياً وفطرياً.
وإنّ الحداثويّة في عصرنا هذا تشبه بوجه كبير البراهمة، - وهي فرقة من كفرة الهند - تقدّس العقل وترى أنّه يغني عن النبوّة، فالحداثويّة والبراهمة على حد سواء في تخندقهم فكريّاً في خندق العقلانية الصرفة وتنكرهم لضرورة الدين ومقولاته التعبدية، وحجتهم واحدة في أنّ الدين إنْ جاء بما يوافق العقول البشرية فلم تكن حاجة ضرورية إليه لأنّه جاء بتحصيل حاصل.
وإنْ جاء بما يُخالف العقول فيجب ردّه فكرياً ومنهجياً، والحال أنّهم يجب أنْ يذعنوا بحقيقة الارتباط بالله تعالى وأنبيائه ودينه الحق، لأنّ الله تعالى بعث أنبياءه بما لا تقتضيه العقول في إدراكاتها ولا تهتدي إليه سبيلاً، وجاءوا أيضاً بما لا تقتضي العقول تقبيحه فكرياً، كمقولات العدل والمساواة والحرية الإنسانية ومحاربة استعباد البشر، وغيرها كثير، كالمقولات الأخلاقية، كالصدق والأمانة وهلمّ جرّا.
وهذه الأخريات المقولاتية كلّها مسلّمات قبلية ومنهجية عند المنظومة الحداثويّة، وإذا تبيّن هذا التوضيح أعلاه نقول: لا مانع عقلاً وشرعاً في منظومة الإسلام من انتهاج نهج الحداثة، أي: (التجديد في وسائل ومعالم الحياة عامّة) وهو أمر واقع نعيشه اليوم وضرورة وجودية وبشرية لا يمكن الاستغناء عنها.
أمّا بالنسبة للمشتركات بين الفكر المهدوي خصوصاً وحتى الفكر الإسلامي عموماً فيوجد نحو مشتركات قيميّة متعدّدة تجمع بين الآيديولوجيتين، الإسلامية عامّة وخاصّة والحداثويّة، خصوصاً في مقولات العدالة والمساواة والتحرّر من الرّقيّة البشرية ورفض الاستبداد الديني والسياسي.
وهذا هو عين ما تنشده القضية المهدوية في تحقّقها وظهورها النهائي، وإنّ كان الفارق في التشبيه بالجمع بين المشتركات كبيراً. ولكنْ على الأصل يوجد اجتماع ولو بأصل المقولات المتقدّمة وإن اختلف التطبيق.
ومن هنا وبحكم وجود مشتركات قيمية بين الإسلام عامّة والمهدوية خاصة والحداثويّة، يجب علينا تنضيج الحوار والوعي مع حملة الفكر الحداثوي، انطلاقاً من المشترك البشري بيننا، وتحريكاً للمُتَّفَق، وتجميداً للمُختَلَف.
وأمّا بالنسبة للمائز بيننا وبينهم وهو أنّهم ربما لا يقبلون بتراث العالم القديم – بزعمهم - ويطرحون الدين أرضاً وربما يلحدون في أغلب اتجاهاتهم.
ولكنّ هذا لا يعني أنّنا أيضاً يجب أنْ نحذفهم فكرياً ومنهجياً، وذلك لأنّهم اليوم يمتلكون وسائل الحداثة ويُصدّرونها إلينا، وبفعلها يصنعون ما يُريدون، فعلينا أنْ ننهج منهج القرآن الكريم الأصيل في صورة إقناعهم فكرياً بحكم المشترك بيننا وبينهم.
وفي هذا المجال قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
والكلمة السواء بيننا وبينهم كما ذكرت أعلاه هي المقولات المشتركة كالعدل والحرية الإنسانية والمساواة في الحقوق والواجبات.
نعم لا نتنازل عن الدين الحق وربّه ونبيّه ومنهاجه ولا نُرغمهم عليه، بل ندعوهم إلى الحق والعدل والإنصاف.
وأما من جهة القيمة الاجتماعية للمشتركات بيننا وبينهم بشرياً فالأمر واضح، وهو أنّ التغيير الصالح للمجتمع الإنساني برمّته إذ ما أُريد له التحقّق يجب أنْ يسبقه الإعداد والتقبّل، وهضم عملية التبدل في المناهج الاجتماعية وسلوكياتها عامّة.
وهذا ما تتفق عليه مشارب البشرية كافّة، إذ لا يقبلون بكل تغيير بالقوّة، بل على العكس، إنّهم يؤمنون بالقناعة والتسليم الطوعي لمشروع التغيير، وهذا هو عينه ما تحمله فكرة المهدوية خاصة.
وهنا يندمج المفصل القيمي الاجتماعي الرابط بين بني البشر عامّة (مسلمين أو مهدويين أو حداثويين) وهذه نقطة إيجابية تُسجّل في قبولها البشري لصالح المفهوم المهدوي ومشروع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) القادم.
فالبشرية في نهاية المطاف ستصل إلى نضجها الأخير الذي يفتح السبيل طوعاً وقبولاً وقناعةً لتحقيق منهج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وبفعل وسائل الحداثة الجديدة حياتيّاً ولو كره الكافرون أو المشركون أو الحداثويون.