المهدوية والمعاد
إدريس هاني
تجسّد المهدوية نموذجاً مصغّراً للمعاد. ففضلاً عن كون ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وعد الله، والله لا يخلف الميعاد، كما جاء في بيان الأئمة (عليهم السلام)، حيث هو من المحتوم لا الموقوف، فإنّه (عجّل الله فرجه) حين ظهوره سيتولّى مع أنصاره عمران الأرض وإنجاز رسالة الاستخلاف.
وتحكي التعاليم الدينية حول المهدي أنّه سينجز ما يشبه جنّة على الأرض، من حيث ما يكون في زمانه من الخيرات، وأيضاً سيقيم ما يشبه ناراً لمعاقبة المفسدين والبطش بالاستكبار. ولذلك سمّي مهدياً لأنّه يدعو إلى أمر خفي، فيحاسب الناس بعلمه لا بظاهر حالهم. فيثخن في معاقبة المتمرّدين عن الحق، ويطاردهم في كل الدنيا، ليجسّد بذلك عنوان المعاد بشقّيه: السعادة والشقاء. فعن غزال بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى الناس ويعمر الرجل في ملكه... الخبر.
كما يقابله ما جاء في قول الإمام الصادق (عليه السلام) تفسيراً للآية الكريمة ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالأَقْدامِ﴾، قال (عليه السلام): يقتل المنافقين والكفار في ذلك اليوم بسيف عدالة المهدي (عليه السلام).
فمن عزّ عليه تصوّر المعاد الأكبر، أمكنه استيعاب مفهومه وإمكانه من خلال المعاد الأصغر. فيكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بهذا الصنيع عنوان لطف يعزّز عند الناس عقيدة المعاد. وأيضاً نموذجاً تتحقّق معه مضامين المعاد الأكبر؛ حيث مظاهر النشأة الأخرى على صعيد العمران والنضج العقلي الكبير والتحوّل الأعظم في حياة البشر، والارتقاء في أسباب السماوات والأرض. ففيه الإثابة، وفيه النقمة والعذاب. فكل ما كان يتحدّث عنه القرآن على لسان أنبيائه (عليهم السلام) بالقوة سيتحقّق بالفعل في زمن الظهور ودولة المهدي العظمى. ويؤكّد على أنّها حالة تغيير كبرى في عالم الناس، قول الإمام (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) جاء بأمر غير الذي كان. لذا حقّ أنْ نقول: إنّ المهدوية انتقال الحقائق النبوية ومجد الرسالات من القوة إلى الفعل. فهي اللحظة الأوج في تحقق مقاصد الرسالات. فتكون المهدوية مصداقاً لمقاصد الشريعة وحكمة الرسالة. ولذا قال عنها تعالى: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. وحيث لا شيء يتغير سوى أنّ المهدي إنّما سمي كذلك لأنّه يهدي إلى أمر خفي، فإنّه سيحاسب الظالمين بعلمه ويطالهم بإعجازه.
وسوف تكون دولته العظمى نموذجاً لكل ما كانت تهفو إليه قلوب الأنبياء والأمم قاطبة. أليس من لطفه تعالى وعدله أنْ يظهر للناس ما كان يقصده من أمر بعثه المتواتر للرسل؛ حتى يكون ذلك في ذاته حجّة على العباد.
إنّ دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) العظمى تظهر بأنّ ما دعا له الأنبياء (عليهم السلام) ممكن التحقق على الأرض. وبذلك يكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ودولته حجة لله على الناس، حتى لا يقال إنّ ما دعت إليه الرسالات كان عصيَّ التحقق على الأرض، فكان المعاد المهدوي الأصغر حلقة كبرى في مسلسل الحجية المتواترة. فلا يحتج على الله بعد تحقق دولته (عجّل الله فرجه) أحد، على أساس إمكان تحقق دولة النبوات والرسالات والشرائع الإلهية متى شاء الناس. ولا يحتج أحد على الله بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، على أساس أنّها اللطف الذي مكّن فيه للمؤمنين ويسرّ لهم سبل الطاعة؛ فلا يكفر بعد ذلك إلاّ شقي.
فدولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تأخذهم بالحكم الواقعي وتحاسبهم بالعلم لا بالظن، وبالقوة لا بالاختبار، وهي رحمة الله التي ترفع من قوة اللطف، حتى تكاد تجبر الناس على ورود موارد السعادة، حيث لا دولة بعد هذه الدولة يرتجى فيها خير الدارين، أو على قول الصادق (عليه السلام): دولتنا آخر الدول، ولن يبقى أهل بيت لهم دولة إلّا ملكوا قبلنا لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء. وهو قوله تعالى: ﴿وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.