أطروحة المصلح العالمي
الشيخ مرتضى علي باشا
كل من يرى الحياة البشرية على سطح الكرة الأرضية يدرك مقدار الفوضى والظلم والاستبداد والاضطهاد الذي يحدث على أيدي البشر. لذا فهو يتوق ويبحث عن الخلاص من الواقع المعاش لتنعم البشرية جمعاء بحياة ملؤها السعادة والعدالة والراحة. وهذا أصل تؤمن به العديد من الشعوب على اختلاف دياناتها ومستواها الفكري والثقافي وإنْ اختلفوا في تفاصيله. ودين الإسلام أكدّ هذا المبدأ في العديد من الآيات القرآنية, فضلاً عن الروايات المتواترة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتبشير بمجيئه في آخر الزمان.
وهنا نكتفي ببعض الآيات القرآنية :
- قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
وفي هذه الآية الكريمة عدّة فوائد هي:
١- الوضع الذي تعيشه الكرة الأرضية لن يستمر على ما هو عليه, بل هناك مستقبل آخر عبّرت عنه الآية بـوراثة الأرض.
٢- هذا المصير لا يقبل التغيير أو التبديل أو التراجع, بل هو أمر قد كتبه الله تعالى وقدّره وجعله حتمياً لا مفرّ منه.
٣- من الذين سيرثون الأرض؟ ذكرت الآية لهم صفتين (عبادي), (الصالحون).
إذن لن يرث الأرض (المسلمون) أو (المؤمنون) بل (عباد الله الصالحون), ولو رجعنا للقرآن الكريم لوجدناه يطلق هاتين الصفتين على مجموعة خاصة اصطفاها الله تعالى واختارها كالأنبياء. يقول تعالى: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ وقوله: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾.
وهكذا صفة (الصالحين), بل نجد خليل الرحمن إبراهيم (عليه السلام) يدعو ربه فيقول: ﴿رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾.
إذن من يرث الأرض هم صفوة البشر, الذين وصلوا إلى هذين المقامين (عباد الله) (الصالحين).
- قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ وقوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾.
هنا تبرز عّدة نقاط هي:
١- الدين المسيحي حالياً هو الأكثر انتشاراً في العالم, وحتى هذا اليوم ما زال الإسلام ديناً محارباً متهماً مشوّهاً على أيدي أعدائه وأيدي الجهلة من أتباعه كالإرهابيين وأمثالهم.
٢- الوعد الإلهي والإرادة الإلهية بإظهار الهدى ودين الحق على الدين كله لم تتحقّق حتى هذا اليوم, ولا بدّ أنْ يأتي ذلك اليوم.
٣- الذي سيظهر على الدين كله ليس هو اجتهادات البشر في فهم الدين, بل الذي وعد الله بإظهاره على الدين كله هو نفس الهدى ودين الحق الصافي الخالص الذي أرسل الله به رسوله محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم). إذن العلم الذي يحمله الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو علم خالص صاف، لا اجتهادات ولا وجهات نظر شخصية قد تصيب أو تخطئ. بل هو نفس الهدى والدين الحق الذي أُرسل به رسول الله, توارثه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
الدليل الثالث: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
وهنا عدة أمور أيضاً هي:
١- هذه الدنيا عبارة عن معركة بين الله تعالى وجنده, وبين الشيطان وجنده.
٢- ما زلنا حتى هذا العصر نرى جنود إبليس هم المسيطرون في أكثر الميادين, والفساد العقائدي والأخلاقي والاقتصادي يسيطر على العالم, ويبسط جنود الشيطان نفوذهم وشرهم وفسادهم في شرق الأرض وغربها.
٣- هذا الوضع لن يستمر, بل له نهاية. لا بدّ أن يأتي ذلك اليوم الذي يغلب فيه الله تعالى وجنده, فيكون التوحيد والعدالة والحرية والرحمة والرأفة والأخلاق العالية هي المسيطرة على الكرة الأرضية. وقد كشفت الروايات بأن الغلبة والانتصار يتحقق على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
إذن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من عباد الله الصالحين, اختاره الله تعالى لينتصر به, ويظهر به الدين الحق على الدين كله, وليورثه الأرض بما عليها. شخص بهذا القدر من الأهمية والمكانة عند الله تعالى لا شك أنه يستحق كل الاهتمام من كل إنسان فضلاً عن المسلمين. يجب علينا أن نتعرف عليه, ونتعرف على ما يقربنا منه, علنا نكون من جنده في نهضته, ونتعلم المعنى الصحيح لانتظاره.