الظهور المقدس مكانه مكة المكرمة
الشيخ جعفر الهادي
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: يظهر المهدي (عليه السلام) بمكّة عند العشاء، ومعه راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وقميصة وسيفه وعلامات ونور.
إنّ مكة المكرمة كانت المنطلق الأول للوحي، ومنها خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بدعوته (دعوة الإسلام) على البشرية، ومن هناك كانت الدعوة الرسالية، وكان الصوت الإلهي إلى كل العالم لكي يؤمنوا بالدعوة الجديدة (دعوة الإسلام) التي بشر بها جميع الأنبياء والرسل قبل رسولنا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)!
إذا أردنا أنْ نلقي نظرة على مكة في عصر الظهور، وحيث الحجيج متحلّقون حول الكعبة الشريفة، فماذا يمكن أنْ نقول حول مشهد مكة في عصر الظهور؟
قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾، وقال أيضاً ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ﴾.
إنّ لمكة وللكعبة بصورة خاصة منزلة عظيمة في الثقافة الإسلامية وفي حياة المسلمين، منذ بدء الدعوة الإسلامية، فمكّة مهبط الوحي، ومنطلق الإسلام، ومولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فالمسيرة بدأت من مكّة، ولمكّة في قلوب المسلمين منزلة ومكانة ومقام خاص، ولذلك تجدون عندما يقترب موسم الحج، فإنّ القلوب كلّها تتّجه نحو هذا المكان الشريف، نحو الكعبة المعظّمة والمسجد الحرام والحرم ومكّة.
إجمالاً نقول: للحجّ تأثير عجيب، فهو رحلة عظيمة، لمكة المكرمة، ولكل ما يتعلّق بهذا البيت، وهذا المسجد، وهذا الحرم، مكانة عجيبة في قلوب المسلمين. من هنا كان طبيعياً أنْ تبدأ حركة الإمام المهدي الموعود (عجّل الله فرجه)، الذي يأتي بعد انتظار طويل من المسلمين له، من مكّة، حيث أنّ مكة تمثّل المحور العظيم في الثقافة الإسلامية، لأنّ مكة مهبط الوحي (كما قلنا)، مكة صرح التوحيد العظيم، مكة ملتقى المسلمين من كل الألوان من كل الألسنة، في الحج تجتمع ألوان وأعراق وأجناس مختلفة لها لهجات مختلفة، أُناس من كل مكان، لكن لغة واحدة تجمعهم هي (لبّيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك) جئتك يا إلهي منيباً خاشعاً، خاضعاً، ولهذا جعل ظهور الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه) من هذا المكان، لأنّه مكان تتّجه إليه القلوب والعقول، وعندما يظهر الإمام (عجّل الله فرجه) من هذا المكان فكل المسلمين ينتبهون إلى هذه المسألة، يحبّون الالتحاق بركب الإمام (عجّل الله فرجه)، وكل الطغاة يعرفون أنّ نهايتهم قربت، وأنّ بداية انتصار دولة الحق بدأت من هذا المكان، وهذا الشيء له دلالات كبيرة.
الحقيقة أنّ الظهور في جانبه الجغرافي، يحتاج إلى أرضيّة للاتّصال بالعالم كلّه، ونحن نرى في الثقافة الإسلامية وفي الروايات أنّ مكة تعتبر صرّة الأرض. كما أنّ الأرض دحيت من تحت الكعبة، وحتى أنّ هناك يوماً يسمّى يوم دحو الأرض.
إنّ انتشار الإسلام كان من مكّة، ومكّة موضع اتفاق المسلمين جميعاً، فإذا كانوا يختلفون في بعض المناسبات، لكنهم في مكة يتّفقون (سنّة وشيعة) ويعتبرون أنها بقعة مقدسة، ومكان لأجل التلاقي، ولأجل الزيارات وتبادل التجارب، لهذا يقول القرآن الكريم ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾، ولذلك فإنّ أعظم حدث، بعد انطلاقة الإسلام هو مسألة الظهور، مع أن بينهما أحداثاً عظيمة أيضاً جداً.
ويبقى يوم الظهور انعطافة في التأريخ البشري، ولهذا ينبغي أنْ يكون في مكان يستهوي القلوب، في مكان يتّفق المسلمون على قداسته بلا شك، وكلنا نقدس مكة المكرمة، والمسجد الحرام، والكعبة المعظّمة، ولا نسمح بالإساءة إلى هذا المكان، لأنّ القرآن نهى عن ذلك وعظّم هذا البيت، ومن هنا ستكون الانطلاقة.
بعد الظهور المبارك للإمام الحجة (عجّل الله فرجه) بين الركن والمقام بجوار الكعبة في مكة المكرمة، في العاشر من محرم الحرام، يخرج الإمام (عجّل الله فرجه) على الناس، وتعلمون أنّه لابدّ لكل إمام من بيعة، وإن كنا نبايع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في كل يوم، بدعاء العهد المعروف، ولكن لابد من بيعة على الملأ جميعاً، عند الظهور، وكما ذكرت الروايات إنّ أول من يبايعه جبرائيل وميكائيل، ثم يبايعه ثلاثمائة وثلاثة عشر شخصاً، ومن ثم يأتي الآخرون للبيعة، هذه البيعة عندما تتم هناك، ويشهدها العالم.
فما هو المدلول لهذا العمل، ولماذا؟ بين الركن والمقام إلى جوار الكعبة!
إنّ الحركة التي سيبدؤها الإمام (عجّل الله فرجه) حركة عظيمة أساساً، تحتاج إلى الصبر والثبات، تحتاج إلى الإيمان بالهدف، والإيثار، كالحركة التي أراد النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) للمسلمين أنْ يتحركوا بها، ولذلك أخذ منهم البيعة في الحديبية وغير الحديبية. فإننا بحاجة إلى بيعة، بحاجة إلى إظهار الاستعداد الكامل للتضحية مع الإمام (عجّل الله فرجه) والمضي معه حيث يذهب، وإلى المدى الذي ينتهي إليه في مسيرته هذه، ولذلك يحتاج إلى مكان مقدس، فالناس يحسون بالقداسة، ونحن عندنا في الفقه الإسلامي بعض الأمور ينبغي أن يبت فيها في المسجد، لأن المسجد بيت الله، وهذا شيء عالمي، لأنه أعظم مسجد وأكرم مسجد، وهو المسجد الحرام، ولهذا يجب أن تتم البيعة في البيت الحرام، ويبايع الناس على الصمود مع الإمام (عجّل الله فرجه) والقبول بدولته، وإحياء الكتاب والسنّة في بداية أهدافه، كما قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): سنّته سنّتي. وهو أيضاً يحيي أحكام القرآن، وليس له دين جديد، ولا كتاب جديد، كما يتصور البعض، إنما هو الذي جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولكن نتيجة تركه، فإن المسلمين نسوا، فتصوروا أنّ هذا قرآناً جديداً، إنّه ليس شيئاً جديداً، ليس ديناً جديداً، ولا يدّعي أحد أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن الذي نزل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).