التراث المهدوي وأولوية الكتابة
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
يكتنزُ التراث الإنساني في أعماق وجوده أُصولاً، هي أثمن حقيقة عرفتها البشـرية لخلاص الكون وإرساء عدالة موعودة لم ترَ النور بعد.
هذا التراث الذي يُمثِّل الرابط الحقيقي بين الجميع بلا استثناء مبدأً وهدفاً، فكراً وطموحاً، منذ أن عُرِفَ هذا الوعد إلى أن يظهر ويُعلَن بدء زمن الرخاء وتحقيق التطلّعات.
إنَّ أقلام العلماء والمفكّرين هي السلطة الوحيدة القادرة على استثمار هذا الكنز، وإخراج أثمن درَّة يطمح العالم أن يراها ماثلة أمامه، ولولا فكرهم وأحاديثهم لما بقيت أوهاج هذا الوعد نيِّرة في قلوب أبناء البشر الطموحة المنتظرة.
ومجلَّة الموعود هي واحدة من النوافذ التي تسعى لتصبح هذه الفكرة الخالدة ولى القضايا العلمية، والفكرية، والاجتماعية، والحضارية، لدى أهل التخصّص، تدقيقاً وتحقيقاً وإثراءً، إذ لا يملك غيرها ما تملك من عناصر ومقوّمات وموادّ وخامات.
إذ هي في الطليعة عنصر مشترك لكلِّ الخلق.
وهي في الطليعة تُمثِّل تراثاً وحضارةً وعمقاً لكلِّ البشر.
وفي الطليعة هدف وغاية وطموح وأُنشودة.
وهنا يحقُّ لنا أن نسأل، بعد أن ننحني أمام ما قدَّمه خيرة البشر (عليهم السلام) لهذا الأمل المنتظَر من مخزون لا ينضبّ، ورافدٍ لا يجفّ، جعلوا منبعه السماء، ومصبّه قلوب العلماء بأوعية طاهرة عصماء.
هل أخذ أهل الفكر دورهم لبناء مجتمع الأمل؟
وهل أعطى العلماء من وقتهم الثمين حقّ الانتظار للخلاص؟
وهل نقَّب الباحثون في خفايا هذا التراث العميق؟
وهل تعب المربّون في تجلية هذا الجوهر المخزون؟
إنَّها حقَّاً أسئلة مشروعة!
إذا كانت القضيَّة تملك كلَّ شيء فما بالنا لا نعرف عنها إلَّا شيئاً يسيراً!؟
وإذا كانت قادرة على خلاصنا ونجاتنا فلِمَ نذهب لغيرها؟
إنَّها دعوة صادقة لوضع هذه القضيَّة العملاقة في على قائمة الأولويات لتأخذ نصيبها الذي هو حقّها.
إنَّها الوعد الذي آمن به الكلُّ بدون استثناء ولكن لم يعطَ بعض حقِّه.
إنَّها دعوة خرجت من أعماق الوجدان، لعلَّها تجد من يزيل الركام وأتربة النسيان أو الإهمال أو الاشتغال بما هو فرع عليها من خلال قلمه وعقله وفكره وسلوكه وإيمانه.
فإذا كان الموعود للجميع وآمن بمجيئه يوماً ما الكلّ، فلِمَ لا نتقرَّب إليه بما هو الأقرب إليه من ذكره والتحقيق والتنقيب والتأليف والكتابة في شؤون أمره وإمامته وغيبته وظهوره ودولته (عجّل الله فرجه).
نوافذ القلب قبل الورق مفتوحة لأصحاب الأقلام الهادفة، والقلوب العاشقة للوعد الشامل، لنشر جهدهم وثمار أفكارهم وتعب ساعات لياليهم وأيّامهم، فيما يخصُّ منهاج الانتظار، وفلسفة الوعد، وحقوق الظهور، وعقيدة الخلاص، وثقافة التمهيد، وأُصول الإمامة.